عبد اللطيف الحناشي يفكك ألغاز السلفية الجهادية

هناك كتب يصعب تلخيصها أو تقديمها رغم عدد صفحاتها الضخم و ذلك لسلاسة أسلوبها من ناحية و ما تقدمه من معلومات غزيرة و جلها غير معروف
و ما يميز أسلوبها من تناسق و قدرة على استنطاق الظواهر و شد القارىء. و من هذه الكتب الكتاب الجديد للمؤرخ عبد اللطيف الحناشي ” السلفية التكفيرية في تونس…من شبكات الدعوة إلى تفجير العقول ” الصادر مؤخرا بتونس في 400 صفحة من القطع الكبير عن ” الدار التونسية للكتاب “.
و لا شك أن تجربة عبد اللطيف الحناشي في التدريس و البحث و التأليف قد لعبت دورا في بروز الكتاب بهذا الشكل إذ تجنب الكاتب الوقوع في مطب التسرع و الاستنتاجات الجاهزة و خاصة الانخراط في منطق السجال الأيديولوجي الذي يصعب في العادة تجنبه عند التصدي لدراسة ظاهرة يصعب الإلمام بكل جوانبها بعيدا عن السياق السياسي و العرض والطلب الأيديولوجي و ما يفرضه من استقطاب يخترق كل العلاقات الإجتماعية و يفرض بالتالي التموقع و إتخاذ المواقف.
اختار عبد اللطيف الحناشي النأي بنفسه عن السجال الأيديولوجي دون أن يهمل العامل السياسي الذي لا تخفى أهميته في تشكل السلفية التكفيرية و ما يطرأ عليها من تحولات فاعتمد أسلوب مقارنة المعطيات التي استنتجها من قراءة بعض الأرقام قبل 14 جانفي 2011 بمثيلاتها بعد هذا التاريخ و المتصلة بمتغيرات الإنتماء الجغرافي و المواصفات العمرية و الانشغال المهني و أفرد حادثة سليمان و حادثة بن قردان و كلاهما قد وقعا في سياقين سياسيين مختلفين بتحليل منفصل إلى جانب توقف عند دور التونسيين و التونسيات في بؤر التوتر العنيف.
كتاب ” السلفية التكفيرية في تونس من الدعوة إلى تفجير العقول ” يمثل وثيقة هامة للباحثين و أصحاب القرار و مدعاة لإعادة التفكير في ما تحول إلى ما يشبه المسلمة الأيديولوجية حول اعتدال المواطن التونسي و رفضه للتطرف و العنف و العدوانية و هي المسلمة التي انطلق منها عبد اللطيف الحناشي ليضعها على محك البحث و التمحيص و يدعو في النهاية و بعد عمل محترم من الناحية المنهجية إلى إعادة النظر فيها