آليات معالجة الأخبار الزائفة

بقلم: القاضي الدكتور جابر غنيمي
المساعد الأول لوكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بسوسة
مدرس جامعي
تكمن خطورة الأخبار الزائفة أو المفبركة أو الشائعات، لا فقط في قوة تأثيرها، ولكن في سرعة ومدى انتشارها، فقد كشفت دراسة ل”معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا”، نشرتها “مجلة العلوم” في عام 2020 ، أن الأكاذيب والشائعات أسرع وأوسع انتشارا على مواقع التواصل الاجتماعي من المعلومات الحقيقية، حيث أن ” نسبة إعادة نشر وإرسال القصص الإخبارية الكاذبة من شخص إلى آخر تفوق نسبة تداول الأخبار الحقيقية بـ 70٪”.
وعلى سبيل المثال أكدت دراسة باسم المختص في الإعلام “فوزوجي واخرين”، انه ما بين عامي 2006 وحتي 2017، انتشرت 126 ألف إشاعة لحوالي 3 ملايين شخص في ساعات قليلة، وأن الوقت الذي استغرقته الأخبار الكاذبة للوصول إلى 100 ألف شخص، لم تصل خلالها الأخبار الحقيقية إلى 1000 شخص فقط.
وتحدّد الباحثة في علوم الإعلام “كلير واردل” من” First Draft News” سبعة أنواع من الأخبار الزائفةFake News :
1- السخرية أو الباروديا (ليست هناك نية لإلحاق الأذى، إنما إمكان الخداع قائمة).
2- الربط الخاطئ (العناوين الرئيسة أو المواد البصرية أو العناوين الفرعية وكلام الصور لا تدعم المضمون).
3- المضمون المضلِّل (استخدام مضلِّل للمعلومات بهدف وضع مسألة أو شخص ما في إطار معيّن).
4- المضمون الخاطئ (عندما يتم نشر مضمون حقيقي عبر الاستعانة بمعلومات سياقية خاطئة).
5- المضمون التدجيلي (عند انتحال صفة مصادر حقيقية” عبر اختلاق مصادر كاذبة).
6- المضمون الذي جرى التلاعب به (عندما يتم التلاعب بمعلومات أو صور حقيقية بهدف الخداع”، كما هو الحال عند تعديل الصور والتلاعب بها لأغراض معيّنة).
7- المضمون الملفّق (المضمون الجديد كاذب مئة في المئة، بهدف الخداع والتسبّب بالأذيّة).
و لقد أشارت مجلة «كولومبيا جورناليزيم ريفيو»، التي تعد من أهم المجلات المعنية بالقضايا الإعلامية، والصادرة عن كلية الصحافة بجامعة كولومبيا، في تغطية واسعة لها لمشكلة «الأخبار الكاذبة»، إلى أن أولى خطوات مناقشة أي قضية، يجب أن يكون التحديد العلمي الدقيق لها عبر «ضبط المصطلح»، وهنا قدمت تمييزاً بين عدة أنواع من الأخبار، وهي:
1- الأخبار المزيفة: وتأخذ شكلاً مشابهاً جداً لما تبثه المواقع واسعة الانتشار، وتحتوي أحياناً صوراً وعناوين تبدو للوهلة الأولي حقيقية.
2- الأخبار المضللة: وتعد أصعب من سابقتها في كشفها، إذ تضم جزءاً حقيقياً في معظم الأحيان، كحقيقة معينة أو حدث، أو حتي اقتباس، لكنها كلها مقتطعة من سياق معين، وبذلك يختلف معناها ودلالتها.
3- الأخبار المتحيزة: وهي نوع من الأخبار المضللة، التي تسعي لشرح وقائع أو أخبار حقيقية، لكنها متحيزة وتابعة لأجندة معينة بشكل واضح.
4- العناوين المثيرة: وهي تلك المثيرة للدهشة والاستغراب، وتدفع القارئ إلى قراءتها، وأغلبها تكون أخباراً مضللة.
ووفقًا لما حدَّده الخبير في الإعلام “غاي كامبانيل”، تعتبر الأخبار المفبركة “قصصًا مصنَّعة من العدم، وبمعظم التدابير، عمدًا، وفي تعريفها، هي عبارة عن أكاذيب”.
وعرّفت صحيفة ” New York Times” الأخبار المفبركة على أنها “نوع من الصحافة الصفراء أو الدعاية التي تتكوّن من التضليل المتعمد، أو الخدع المنتشرة عبر وسائل الإعلام المطبوعة والإذاعية التقليدية، أو وسائل الأعلام الاجتماعية على الانترنت”.
ويرى عالم النفس “كيث آبلو” أن” نشر وتصديق الأخبار المفبركة ظاهرة لها جذورها الثقافية القديمة، ولكن منصات التواصل الاجتماعي جعلتنا هدفًا أسهل، وسلبتنا الوقت الكافي للتَّحقُّق من الأخبار بسبب كثافة وسرعة الشبكات الاجتماعية”، فقد كانت صناعة الأخبار والقصص الخيالية في الماضي تحدث بوتيرة أقل، وانتشارها كان يستغرق سنين طويلة ليصل إلى المدى الذي يؤثر في مجموعات كبيرة من البشر كي يغير أحداث التاريخ أو ينتج أخرى جديدة“.
و على كل حال يمكن تعريف الأخبار الزائفة بأنها” مجموعة من الأخبار والمعلومات الزائفة التي يتم نشرها وتداولها بين الأفراد ظناً منهم بصحتها”.
ويري بعض الخبراء والمتخصصين أن شبكات التواصل الاجتماعي، وتكنولوجيا الاتصالات الحديثة، والبرمجيات الحديثة، خاصة التي تعتمد علي الذكاء الاصطناعي، ساهمت بشكل كبير في توسعة انتشار الشائعات، وجعلت كشف بعضها أكثر صعوبة، خاصة وأن التزييف وصل إلى مقاطع الفيديو، التي يتم إنتاجها بتقنيات عالية الجودة.
ويعتبر “فيسبوك” المتهم الأكبر بالترويج للأخبار المفبركة، فقد نشرت شركة التحليلات الشهيرة “جمب شوت”، في ديسمبر 2017، تقريرًا حول المواقع التي تنشر الأخبار الوهمية والمضلِّلة، والتي تعتمد بشكل كامل على موقع التواصل فيسبوك، للحصول على أعلى معدل زيارات لها. وجاء فيه أن المواقع الوهمية تحصل على أكثر من 70% من حركة المرور الخاصة بها من خلال زيارات المستخدمين القادمة من فيسبوك، وعلى النقيض من ذلك، تحصل المواقع الإخبارية المهمة على أقل من 30% من عدد الزيارات الخاصة بها، مثل “نيويورك تايمز”.
وتتزايد المخاوف من تأثير الأخبار الزائفة، التي يُرَوَّج لها على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث علت الأصوات الداعية لمحاربة الأخبار الكاذبة التي تُنشر على “فيسبوك” و”غوغل” خوفًا من تأثيرها على المسار الديمقراطي ونتائج انتخابات الدول الكبرى.
وللأخبار الزائفة انعكاساتها الخطيرة على المجتمعات، حيث أن تأثير الأخبار الزائفة كان كبيراً على انتخابات رئاسة الجمهورية وسياسة الحكومة في عدة دول، فمشكلة الأخبار الكاذبة باتت أزمة عالمية، تجلت بوضوح بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في عام 2016، فيمكن الأخبار الكاذبة أن تغيّر سياسيات بلد أو أن تؤثر في اتجاهات بلد، فالتأثير هنا في الرأي العام الذي بات يؤخذ إلى مكان آخر، ما يعني تهديداً لمنطلقات الأنظمة الديموقراطية القائمة على موقف الشعوب، بما يهدد السلام والاستقرار.
و نظرا لخطورة الأخبار الزائفة تم العمل على مواجهتها إعلاميا و الكترونيا )الجزء الأول( و قانونيا )الجزء الثاني)
الجزء الأول: المعالجة الإعلامية والإلكترونية للأخبار الزائفة
تعددت المعالجة الإعلامية و الالكترونية للأخبار الزائفة سواء على المستوى الدولي )الفقرة الأولى( أو الوطني )(الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: على المستوى الدولي
نشر ” الاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات “ملخّصاً في شكل رسم بياني لمساعدة الأشخاص على التعرف إلى الأخبار الكاذبة.
وأكّد خبراء متخصّصون بالعلوم الإدراكية لمعالجة المعلومات، هذه النقاط، التي يتمثل اهمها في:
1- التوقّف عند المصدر (لفهم مهمته وغايته).
2- القراءة خلف العنوان الرئيس (لفهم القصة كاملةً).
3- التحقق من المؤلّفين (للتأكّد من هويتهم وتحديد إذا كانوا ذوي صدقية).
4- تقييم المصادر الداعِمة (للتأكّد من أنها تدعم المزاعم الواردة في الخبر).
5- التحقق من تاريخ النشر (لمعرفة إذا كان الخبر ذا صلة ومحدَّثاً).
6- التساؤل إذا كانت دعابة (لتحديد ما إذا كان الهدف من الخبر السخرية).
7- إعادة النظر في أحكامك المسبقة (لمعرفة إذا كانت تؤثّر في حكمك على الأمور).
8- الاستفسار من الخبراء (للحصول على تأكيدات من أشخاص مستقلين من ذوي المعرفة).
ولقد دعمت ” الشبكة الدولية لفحص الوقائع”، التي أبصرت النور عام 2015، الجهود التعاونية الدولية في مجال تقصّي الحقائق، وتؤمّن التدريب، كما أنها أصدرت مدوّنة من المبادئ عام 2017، أطلقت تطبيقاً وآلية تدقيق للمؤسسات الصحافية.
وقد ابتكر الموقع الإلكتروني المستقل وغير الربحي The Conversation، وهو من أعضاء “الشبكة الدولية لفحص الوقائع”، شريط فيديو قصيراً عن عملية تقصّي الوقائع التي تشتمل على “ضوابط وتوازنات إضافية، منها مراجعة موضوعية غير منحازة من جانب خبير أكاديمي ثانٍ، وتدقيق إضافي، وإشراف تحريري”.
ونظم الاتحاد الأوروبي استمارة واسعة حول ما يسمى التضليل الإخباري (désinformation) عام 2018 وشملت المواطنين وشركات الميديا الاجتماعية ومؤسسات الصحافة والميديا من صحافة مكتوبة ووكالات أنباء ومواقع إخبارية إلكترونية ومنصات للتحري ومنظمات المجتمع المدني. وتمخض عن الاستشارة تقرير أنجزه خبراء مستقلون يتضمن مقترحات عديدة منها وضع مدونة سلوك تلتزم بها منصات الميديا الاجتماعية، ووضع مدونة سلوك لمنصات الميديا الاجتماعية تفرض معايير الشفافية على هذه المنصات التي يجب أن تقوم بتفسير الآليات التي تستخدمها لعرض المضامين على المستخدمين (algorithmes) وآليات لمساعدة الصحافة والمواطنين على التحري في الأخبار والدفاع عن مؤسسات الميديا.
ومن المقترحات أيضًا التعاون بين منصات الميديا الاجتماعية ومؤسسات الميديا الأوروبية للتصدي للأخبار الكاذبة وحملات التضليل ودعم مكانة المضامين الإخبارية الجيدة التي تتيحها الصحافة والميديا في منصات الميديا الاجتماعية وتيسير وصول المستخدمين إليها.
وتحت شعار مواجهة “الأخبار الكاذبة والمفبركة”، دشنت غرف الأخبار الحديثة في كبريات المؤسسات الإعلامية صفحات على مواقعها الإلكترونية، مع أقسام متخصصة للتحقق من مصداقية الأخبار قبل نشرها، وذلك من أجل محاربة الأخبار الكاذبة التي تمثل تحديات وضغوطاً كبيرة علي الصحفيين في ظل الفيض المعلوماتي الذي تبثه يومياً المواقع الإخبارية وشبكات التواصل الاجتماعي.
– صحيفة “لو موند”: أنشأت، في 2017، أداة DECODEX للمساعدة علي تمييز المعلومات الصحيحة من تلك الكاذبة، ويمكن إدخال المواقع الإلكترونيّة عبر خانة لهذه الخاصّيّة فيعطي “ديكودكس” جواباً عمّا إذا كان الموقع المذكور موثوقاً به أم لا.
كما أنشأت صفحة ” لي ديكودور” بأسلوب مهني محترف علي موقع “لوموند”.
وقد استخدمت “لوموند” أساليب تقنية، وفريق من المهندسين لتقصّي أصل الخبر وانتشاره، ولكن وُجهت لها انتقادات وتعالت صيحات لـ”وضع الجريدة نفسها في موقع القاضي والطرف”، أو لـ”تنصيب نفسها حكماً غير متحيز وشفاف”.
– جريدة ليبراسيون (Libération): أطلقت Check News، وهو أول موقع للتحقق من الأخبار في خدمة مستخدمي الإنترنت ويمكن تقديم سؤال مباشر لصحفيي خدمة Désintox، لكشف ما هو حقيقي أو زائف. وفي عام 2017 أطلق خدمة “ديزينتوكس”، للإجابة عن أسئلة القراء والكشف عن حقيقة الأخبار.
– قناة BBC : شكلت في عام 2017، فريق للتدقيق في الوقائع وفضح زيف الأخبار المضللة، التي يتم تناقلها علي أنها صحيحة، وذلك من خلال قسم Reality Check. وسارعت لمواجهة الـ«feck news » بحملة أطلقت عليها «slow news» «الأخبار البطيئة»، للتأكد من صحتها وفحصها قبل بثها.
– فيسبوك: عزز موقع “فايسبوك” في اوائل جويلية 2018 من حملته لمنع استخدام منصة التواصل الاجتماعي بهدف نشر معلوماتمضللة خطيرة، مؤكدا أنه سيحذف “الرسائل الزائفة” المحتمل أن تثير أعمال عنف.
وتم اختبار الإجراءات الجديدة في سريلانكا التي شهدت أخيرا أحداثا طائفية علي خلفية معلومات مضللة نشرت علي الشبكة الاجتماعية الأكبر في العالم.
وتضمنت المعلومات المضللة التي أزيلت في سريلانكا ، تلك التي زعمت ان مسلمين يعمدون إلى تسميم المأكولات المقدمة أو المباعة لبوذيين.
كما أطلق حملة دعائية تهدف إلى تثقيف ما يقدر بـ 6.1 مليون مستخدم علي تحديد الأخبار الوهمية وتقديم أدوات جديدة تساعد علي كشف المحتوي غير الصحيح.
ولكن في 14 جويلية 2018 أكدت شركة “فيسبوك”، أنها لن تحذف الأخبار الزائفة من منصتها، معتبرة أنها لا تنتهك معايير منصتها للتواصل الاجتماعي، لافتة إلى أنها ستخفض رتبتها في خاصية تغذية الأخبار (نيوزفيد).
وأوضحت “فيسبوك” أن الناشرين ” لديهم وجهات نظر مختلفة”، وأشارت إلى أن حذف المنشورات المفبركة “سيتعارض مع المبادئ الأساسية لحرية التعبير”.
وتجدر الإشارة إلى أن “فايسبوك” المنصة الاجتماعية الأكبر تواجه انتقادات شديدة وتدقيقا في دورها في انتشار الأخبار الزائفة، بعد ظهور أدلة علي محاولة روسيا التأثير في الناخبين الأميركيين، خلال الانتخابات الرئاسية في 2016 .
– “غوغل”: قررت شركة “غوغل” مضاعفة خطواتها في منع ما وصفته بالأخبار “الكاذبة”، من خلال مبادرتين جديدتين لدعم الصحافة “الموضوعية”، ومحاربة نشر الأخبار الخاطئة. وتعهدت “غوغل”، باستثمار 300 مليون دولار أميركي في السنوات الثلاث القادمة.
– “تويتر” : قامت شركة “تويتر” بتعليق ملايين الحسابات ، في إطار حملتها ضد الأخبار الزائفة والحسابات المشبوهة.
– واتساب: فرض تطبيق “واتس أب” يوم 20 جويلية 2018، قيودا على نقل الرسائل في الهند في خطوة تهدف إلى كبح ترويج أخبار كاذبة، أدت إلى سلسلة أعمال عنف دامية في هذا البلد، فقد أسفرت شائعات عبر الإنترنت بشان مزاعم بوجود خاطفي أطفال عن مقتل 20 شخصا في عمليات ضرب حتي الموت في الهند.
وفي 7 جويلية 2018 أعلن تقديم منح مالية تصل قيمتها إلى 50 ألف دولار لأي باحث يقدم اقتراحات وحلول لإيقاف انتشار المعلومات المضللة عبر التطبيق.
– موقع ويكيبيديا الإلكتروني: لقد أسس موقع إخباري ممول من الجمهور يقوده 6000 من الكتّاب والمحررين الذين، يكتبون، يحررون ويتحققون من المقالات المنشورة حول الأحداث الإخبارية في تصدي لانتشار الأخبار المزيفة.
الفقرة الثانية: على المستوى الوطني
تم في تونس إنشاء عدة منصات و مواقع و صفحات للتصدي و التدقيق في صحة و مصداقية المعطيات و المعلومات و الأخبار، فقد أعلنت جمعية ” أنا يقظ” مثلا عن إطلاق منصة لمواجهة الأخبار المزيفة.
و تم كذلك إنشاء “بيزنس نيوز تشاك” ،BN Check، في شهر أوت 2019، لتكذيب الأخبار الزائفة. و قامت الإذاعات العموميّة أيضا بإنشاء مثل تلك المنصّة، وكذلك مجلة ”l’Economiste maghrébin”.
و أطلق موقع نواة ، صفحة على الفيسبوك تحت عنوان “Falso” تحت شعار ”لرصد الأخبار الزائفة والإشاعات” تقوم بالتحقّق في الأخبار الكاذبة.
ولقد سعت الدول العربية على مجابهة الأخبار الزائفة، ودشنت مبادرات للتحقق من الأخبار لتوعية المستخدمين بالتأثيرات السلبية للأخبار الزائفة بحال انتشارها علي نطاق واسع، ولتعزيز ثقة القراء في المؤسسات الإعلامية التي تطبق الضوابط المهنية والأخلاقية في نشر المحتوي الإعلامي.
ووفقًا لشبكة الصحافيين الدوليين، هناك مبادرات شبابية عربية للتحقق من الأخبار الكاذبة والمفبركة من أهمها:
– موقع “أخبار ميتر”: مرصد إعلامي رقمي شامل يقوم بترتيب القنوات الإعلامية تبعًا لمصداقيتها والتزامها المعايير المهنية والأخلاقية. ويقوم فريق الموقع باتباع منهجية علمية لتفنيد الأخبار الكاذبة والمفبركة.
– موقع ” ده بجد”: و يتكون من فريق شبابي يقوم بتفنيد الشائعات المنتشرة بكثرة على منصات التواصل الاجتماعي، وهو من أوائل المواقع التي انتبهت إلى خطورة الشائعات وعمل على مواجهتها باستخدام الأدوات والتطبيقات المتخصصة في تحليل الصور المفبركة.
– موقع “فتبينوا”: مشروع شبابي توعوي يهدف إلى تنقية المحتوى العربي من الخرافات والشائعات، والأكاذيب في مختلف المجالات.
– منصة “تأكّد” السورية: مشروع إعلامي تم إنشاؤه لكثرة الشائعات والأخبار المغلوطة التي تنشرها مؤسسات الإعلام البديل في سوريا. وهذه المؤسسات تضخ يوميًا كمًّا هائلًا من الأخبار والصور المتعلقة بالشأن السوري، وبالتالي يهدف المرصد إلى بيان الحقيقة للقارئ.
– صفحة “متصدقش” على موقع فايسبوك: توظف الصفحة رسوم غرافيك لإيضاح حقيقة الأخبار، من خلال نشر “بوستات” هي عبارة عن صورة مقسومة إلى نصفين يحتوي الجانب الأيمن منها الجزء المفبرك من الصورة، والجانب الأيسر يوثق حقيقة الصورة.
الجزء الثاني: المعالجة القانونية للأخبار الزائفة
يمكن تعريف جريمة نشر أخبار زائفة بكونها ً” كل فعل مادي يتمثل في النشر عن سوء قصد لمنشورات أو معلومات أو بيانات أو أوراق مفتعلة أو صور مصطنعة أو وثائق مدلسة منسوبة إلى الغير سواء كان شخصا طبيعيا أو شخصا معنويا ومن شان ذلك أن يلحق مضرة بذلك الشخص، على أن تتسبب تلك المنشورات في تعكير الأمن العام والسكينة العامة وان تبعث الرعب والفزع لدى عامة الناس .
ويشترط في تلك الجريمة توفر القصد الجنائي أي توفر سوء النية في الإضرار بالأمن العام والعلم مسبقا بزيف تلك الأخبار.
و يجرم نشر الأخبار الزائفة سواء في القانون التونسي )الفقرة الأولى( وكذلك في اغلب القوانين المقارنة ) الفقرة الثانية (
الفقرة الأولى: في القانون التونسي
بقراءة لمختلف النصوص القانونية التونسية نلاحظ وجود عدة فصول تجرم نشر و إذاعة الأخبار الزائفة.
فقد نص الفصل 50 من المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011 المتعلق بحرية الصحافة والنشر انه:” يعاقب كمشاركين في ارتكاب ما يمكن أن يوصف بجنحة على معنى الفصل 51 وما بعده من هذا المرسوم كل من يحرّض مباشرة شخصا أو عدّة أشخاص على ارتكاب ما ذكر ممّا يكون متبوعا بفعل وذلك إما بواسطة الخطب أو الأقوال أو التهديد في الأماكن العمومية وإما بواسطة المطبوعات أو الصور أو المنقوشات أو الرموز أو بأي شكل من الأشكال المكتوبة أو المصورة المعروضة للبيع أو لنظر العموم في الأماكن العمومية أو الاجتماعات العامة وإما بواسطة المعلقات والإعلانات المعروضة لنظر العموم وإما بواسطة أي وسيلة من وسائل الإعلام السمعي والبصري أو الالكتروني
والمحاولة موجبة للعقاب وفقا لمقتضيات الفصل 59 من المجلة الجزائية”.
ونص الفصل 54 من المرسوم المشار إليه أعلاه على انه” يعاقب بخطية من ألفي إلى خمسة آلاف دينار كل من يتعمد بالوسائل المذكورة بالفصل 50 من هذا المرسوم نشر أخبار زائفة من شأنها أن تنال من صفو النظام العام”.
واعتبر الفصل 55 من المرسوم المشار إليه أعلاه أن “الثلب هو كل ادعاء أو نسبة شيء غير صحيح بصورة علنية من شأنه أن ينال من شرف أو اعتبار شخص معين بشرط أن يترتب عن ذلك ضرر شخصي ومباشر للشخص المستهدف”.
ولعل تشعّب هذه الجريمة جعلها تتداخل مع جرائم أخرى، من بينها خاصة جريمة القذف العلني المنصوص عليها بالفصلين 245 و247 من المجلة الجزائية والمعاقب عنها بالسجن مدة ستة أشهر وهي الجريمة التي تندرج ضمن القسم الخامس من المجلة المذكورة والتي تتمثل كما عرفها المشرع في كل ادعاء أو نسبة أمر لدى العموم فيه هتك لشرف او اعتبار شخص أو هيئة رسمية.
كما نص الفصل 86 من مجلة الاتصالات على انه” يعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين سنة واحدة وسنتين وبخطية من مائة إلى ألف دينار كل من يتعمد الإساءة إلى الغير أو إزعاج راحتهم عبر الشبكات العمومية للاتصالات”.
و نص الفصل 139 من المجلة الجزائية” يعاقب بالسجن من شهرين إلى عامين وبخطية من أربعمائة وثمانين دينارا إلى أربعة وعشرين ألف دينارا كل من يحدث أو يحاول أن يحدث مباشرة أو بواسطة ترفيعا أو تخفيضا مصطنعا في أسعار المواد الغذائية أو البضائع أو الأشياء العامة أو الخاصة وذلك :
1 – بتعمد ترويج أخبار غير صحيحة أو مشينة لدى العموم أو تقديم عروض بـالسوق بهدف إدخال اضطراب على الأسعار أو تقديم عروض شراء بأسعار تفوق ما طلبه الباعة أنفسهم أو بغيرها من وسائل وطرق الخداع مهما كان نوعها.
2 – بممارسة أو محاولة ممارسة تدخل فردي أو جماعي على السوق بقصد الحصول على ربح لا يكون نتيجة قاعدة العرض والطلب الطبيعيين.
ويحكم زيادة على ذلك بمنع الإقامة لمدة لا تقلّ عن عامين ولا تتجاوز خمسة أعوام”.
وأورد الفصل 306 ثالثا من المجلة الجزائية “يعاقب بالسجن من عام إلى خمسة أعوام ومن مائتي دينار إلى أربعة آلاف دينار كل من أذاع عن سوء قصد خبرا مزيّفا معرّضا بذلك سلامة إحدى وسائل النقل البرّي أو البحري أو الجوّي إلى خطر.
ويعاقب بالسجن من ستة أشهر إلى خمسة أعوام وبخطية من مائتي دينار إلى ألفي دينار كل من ابلغ أو أذاع عن سوء قصد خبرا مزيّفا وذلك لحمل الغير على الاعتقاد بوجود عمل إجرامي موجب لعقاب جنائي يستهدف النيل من الأشخاص أو الأملاك. والمحاولة موجبة للعقاب”.
كما نص الفصل 295 من المجلة الجزائية على انه: ” يعاقب بالعقوبات المقرّرة بالفصل 291 من هذه المجلة كل من يحمل تغريرا منه غيره على مبارحة التراب التونسي وذلك بادّعاء وقائع لا أصل لها في الحقيقة أو أخبار زائفة”.
و نص الفصل 284 م ج على ما يلي: ” يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها ألفان وأربعمائة دينار كل من اغتصب، بواسطة التهديد، بالكتابة أو القول أو بالإذاعة أخبار أو بنسبة أمور من شأنها الإضرار بالغير أموالا أو قيما أو إمضاء أو إحدى الأوراق المبيّنة بالفصل 283 من هذه المجلة”.
و قد نص الفصل 21 من القانون الأساسي عدد 26 لسنة 2015 المؤرخ في 7 أوت 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب:” يعد مرتكبا لجريمة إرهابية ويعاقب بالسجن من عام إلى خمسة أعوام وبخطية من خمسة آلاف دينار إلى عشرة آلاف دينار كل من أذاع عن سوء قصد خبرا مزيفا معرضا بذلك سلامة الطائرات و السفن المدنية إلى خطر أثناء الملاحة.
ويكون العقاب بالسجن مدة ستة أعوام وبخطية قدرها عشرون ألف دينارا إذا تسببت إذاعة الخبر المزيف في إلحاق أضرار بدنية من النوع المقرر بالفصلين 218 و319 من المجلة الجزائية.
ويكون العقاب بالسجن بقية العمر وبخطية قدرها مائة وخمسون ألف دينارا إذا تسبب أحد تلك الأفعال في إلحاق أضرار بدنية ولم تكن داخلة فيما هو مقرر بالفصلين 218 و319 من المجلة الجزائية.
ويكون العقاب بالإعدام وبخطية قدرها مائتا ألف دينار إذا تسبب أحد تلك الأفعال في موت شخص”.
وتجدر الإشارة إلى أن النائب مبروك كورشيد كان قد قدم مبادرة تشريعية مستعجلة، يوم 12 مارس 2020 تهدف حسب وثيقة “شرح الأسباب” إلى “أخلقة الحياة السياسية والاجتماعية” بتحوير الفصول 245 و247 من المجلة الجزائية.
وتعددت ردود الفعل من منظمات المجتمع المدني رفضًا لهذا المشروع الذي تعرّض كذلك إلى نقد كبير في شبكات التواصل الاجتماعي، مما دفع النائب كورشيد إلى سحب هذه المبادرة التشريعية بعد أن قام عدد من النواب المشاركين في هذه المبادرة بسحب إمضاءاتهم.
الفقرة الثانية: في القوانين المقارنة
بخصوص الدول العربية، فقد تضمن قانون الجرائم الإلكترونيّة الأردني تجريم الشائعات والأخبار الكاذبة، و نص على عقوبة تتراوح بين ثلاثة أشهر وسنتين.
و نص قانون العقوبات البحريني بمواده المتعلقة بإذاعة الأخبار الكاذبة وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وتوظيفها لزعزعة الأمن، و فرضً السجن مدة لا تزيد على سنتين، وغرامة لا تتجاوز مئتي دينار، أو إحدى العقوبتين، في حق من أذاع عمدًا أخبارًا كاذبة مع علمه بأنها ربما تحدث ضررًا بالأمن الوطني أو بالنظام العام أو بالصحة العامة.
و في قطر، تتمثل عقوبة مروج الشائعات السجن مدة لا تتجاوز الـ 5 سنوات والغرامة لا تزيد على 100 ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين وفق المادة 136 من القانون رقم 2 لسنة 2020.
وفي فلسطين، نصت المادة 62 من قانون العقوبات الفلسطيني على العقوبة بالسجن ثلاث سنوات لكل من نشر أو ردد قولًا أو إشاعة أو خبرًا من شأنه أن يسبب خوفًا أو رعبًا للناس، أو أن يكدر صفو الطمأنينة العامة، وهو عالم أو لديه ما يحمله على الاعتقاد بأن ذلك القول أو الشائعة أو الخبر عار من الصحة.
وفي سبتمبر 2018، بدأت مصر تفعيل قانون لتنظيم الصحافة والإعلام، يسمح بمراقبة بعض حسابات مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، المعروف بقانون مكافحة “الأخبار الكاذبة”.
و في الجزائر، تم إقرار قانون يجرّم نشر أخبار خاطئة “تهدّد النظام العام وأمن الدولة”، فكل من يبث أو ينشر “أخبارا زائفة” بهدف “المس من النظام أو الأمن العام” و”استهداف أمن الدولة والوحدة الوطنية” معرّض للسجن من سنة إلى ثلاث سنوات، وتتضاعف العقوبة في حال العود. ويمكن أن تصل العقوبة إلى خمس سنوات سجنا إذا تمت الأفعال “في فترة الحجر الصحي أو كارثة طبيعية أو بيولوجية أو تكنولوجية أو أي كارثة أخرى”.
و في المغرب، تم إقرار قانون يتعلق باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة. ويتضمن عدداً من الأحكام، تتمثل أساساً في ضمان حرية التواصل الرقمي عبر شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح وباقي الشبكات المماثلة، شريطة عدم المساس بالمصالح المحمية قانوناً، والإحاطة بمختلف صور الجرائم المرتكبة عبر شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، لاسيما تلك التي تمس بالأمن العام والنظام العام الاقتصادي، ونشر الأخبار الزائفة والسلوكيات الماسة بالشرف والاعتبار الشخصي للأفراد، وكذلك بعض الجرائم التي تستهدف القاصرين.
و تضمن التأكيد على الالتزامات الواقعة على عاتق مزودي خدمات شبكات التواصل الاجتماعي، ووضع مسطرة فعّالة وشفافة للتصدي للمحتويات الإلكترونية غير المشروعة، وإقرار جزاءات إدارية في مواجهة مزودي خدمات شبكات التواصل المخلين بالالتزامات الواقعة على عاتقهم.
أما بخصوص الدول الأوروبية، فقد صدر مثلا في ألمانيا قانون عام 2018 لدفع منصات الميديا الاجتماعية على إدارة المضامين(modération) بشكل أكثر فعالية.
ونصّ القانون “NetzDG” على تغريم منصات الميديا الاجتماعية بغرامة مالية يمكن أن تصل إلى 50 مليون أورو عندما لا تقوم بحذف مضامين ذات علاقة بخطاب الكراهية أو بالأخبار الكاذبة.
كما نصّ على ضرورة أن تضع منصات الميديا الاجتماعية آلية تسمح بالتبليغ على مضامين أو مطالبة منصات الميديا الاجتماعية بالتحري ثم حذف أو تعطيل هذه المضامين.
كما فرض القانون على منصات الميديا الاجتماعية تقديم تقارير كل ثلاثة أشهر عن سياساتها في مجال الإجراءات الخاصة بالمضامين غير القانونية (كراهية، عنصرية، أخبار زائفة) ومعلومات عن عدد الشكاوى والقرارات التي تم اتخاذها تنشر إلى العموم.
وقد قوبل التقرير برفض أحزاب سياسية ومنظمات المجتمع المدني. ومن الانتقادات التي وجهت لهذا القانون أنه يعطي السلطة لمنصات الميديا الاجتماعية بإدارة حرية التعبير في ألمانيا بالحذف والحجب والرقابة والصنصرة.
و في فرنسا، سن البرلمان الفرنسي عام 2018 قانونًا للتصدي للتلاعب بالأخبار (loi organique relatives à la lutte contre la manipulation de l’information) في الفترات الانتخابية يهدف إلى حماية الحياة الديمقراطية من الأخبار الكاذبة.
و في الختام لا بد من التأكيد أن الأخبار الزائفة رغم انعكاساتها الضارة و السلبية على استقرار المجتمعات و الدول، إلا أنها قد تُستخدم لنشر دعاية الدول وتبرير عرقلة حرية الصحافة على حد سواء، و هو ما تبنته منظمة الأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومنظمة الدول الأمريكية واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.
وفي هذا الصدد لا بد من العمل على إيجاد آليات من شانها التدقيق في الأخبار و العمل على الوعي المجتمعي ومستعملي وسائل التواصل الاجتماعي و رجال الإعلام بخطورة الأخبار الزائفة.