
تمثل وضعية شركة الخطوط الجوية التونسية أفضل تجسيد لما تطرحه وضعية الشركات العمومية من إشكاليات و من تغليب المقاربة السياسوية و العاطفية على المقاربة العلمية والموضوعية غالبا ما يقع تغليب اعتبارات التوازنات الإجتماعية و السياسية عند التطرق لوضعية الشركات و المنشآت العمومية و هو ما يدفع نحو تبني الحلول الوقتية التي لا تعدو أن تكون أدوية وقتية فيها تسكين ظرفي للالام دون قدرة على التوجه نحو الحلول الحقيقية .
ليس الرهان الحقيقي إنهاء دور القطاع العام أو الإبقاء عليه حتى و إن تحول إلى عبء ثقيل على التوازنات الإجتماعية و الإقتصادية بقدر ما هو مدى قدرة هذا القطاع على أن يكون النموذج في مستوى التخطيط الاستراتيجي و البرمجة و الإدارة السليمة للموارد المالية و البشرية.
الرهان الحقيقي هو رهان الحوكمة في قطاع يمثل الواجهة التي تتجلى من خلالها سياسات الدولة و قدرتها على أن تكون نموذجا في التصرف في الموارد و التصدي للفساد و هدر المقدرات المالية و البشرية.
و في اعتقادنا فإن حوارا لا ينطلق من المعطيات الموضوعية لا يمكن إلا أن يبتعد كثيرا عن طريق بلوغ الحلول الضرورية و الحقيقية للشركة و هو ما جعلنا نفضل العودة إلى الوثائق و المستندات المحاسبية لشركة الخطوط الجوية التونسية و التي تكشف أهم ملامح الأمراض التي تعاني منها الناقلة الوطنية .
و لا شك أن القاريء لا تهمه كثيرا الأرقام بقدر ما يهمه كيفية الإصلاح التي تمر وجوبا عبر تطوير آليات المراقبة المالية داخل شركة الخطوط الجوية التونسية حتى توضع سياسات يومية للتصدي للهدر و لا بد من إعادة هيكلة شاملة للتنظيم الإداري و المالي للشركة من الضروري وجود مراقب مالي و إداري يتمتع بسلطة تدخل و أن يتم تحديد أهداف مرحلية للحد من الخسائر و العجز المالي و التصرف الأمثل في الموارد البشرية.
من المهم المراهنة على شحن البضائع أكثر من المراهنةعلى نقل الركاب و أن يقع تحويل عدد من طائرات الشركة إلى طائرات شحن و أن يقع الرهان على إصلاح الطائرات عوض الكراء و إحداث صندوق لدعم الشركة و لا شك أن الشركة مدعوة لإعادة رسم سياسات تجارية جديدة حسب ما تشهده صناعة السفر و النقل من تحولات خاصة و أن عالم ما بعد الكوفيد يختلف عن ما قبله.
بقلم الخبير الاقتصادي محمد صالح جنادي