منوعات

هل الإمارات يدُ إسرائيل في تنفيذ مخططاتها ؟!!!!

بقلم: ناصر السلاموني
في سياق التحولات العاصفة التي يشهدها الوطن العربي منذ عقود، تبرز دولة الإمارات العربية المتحدة بوصفها قوة مالية وتنفيذية فاعلة في مشاريع تفكيك وإعادة تشكيل المنطقة. وهي مشاريع تعود جذورها الفكرية إلى المخطط الإسرائيلي الصادر عام 1982، ثم تلاقت لاحقًا مع الرؤى الاستراتيجية الأمريكية منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، والتي هدفت إلى إضعاف الدول العربية من الداخل، وتفكيك بنيتها السياسية والاجتماعية، بما يمنع تشكّل أي قوة إقليمية عربية قادرة على الفعل المستقل.
ولم يعد الدور الإماراتي مقتصرًا على النفوذ الاقتصادي، بل تمدّد ليشمل التدخل السياسي والعسكري غير المباشر، عبر تمويل وتسليح أطراف متمرّدة وكيانات انفصالية في عدد من الدول، من بينها ليبيا وإثيوبيا والسودان وصوماليلاند واليمن. وأسهم هذا النهج في تأجيج الصراعات الداخلية، وتفكيك الدول الوطنية، وتحويل الأزمات المحلية إلى حروب طويلة الأمد تستنزف مقدرات الشعوب وتُضعف سيادة الدول.
وبالتوازي مع ذلك، مارست الإمارات نفوذًا اقتصاديًا متسارعًا داخل العالم العربي، من خلال السيطرة على الموانئ والمطارات، والاستحواذ على الشركات والمصانع والأراضي ذات الأهمية الاستراتيجية، فضلًا عن جذب الشركات العربية للعمل من أراضيها، ما أدى إلى هجرة رؤوس الأموال والأنشطة الاقتصادية من دولها الأصلية. ومع الوقت، تحوّلت هذه الأدوات الاقتصادية إلى وسائل ضغط سياسي، تُستخدم لإخضاع القرار العربي وربط مقدراته بمشاريع خارجية لا تخدم مصالح الأمة، بل تصب في إطار مخطط شامل لإعادة رسم الخريطة السياسية والاقتصادية للمنطقة.
ومن هذا المنطلق، يُعد الجنوب اليمني إحدى أخطر ساحات هذا المشروع، إذ لم يعد الصراع هناك مجرد نزاع داخلي، بل أصبح جزءًا من صراع إقليمي واسع تتقاطع فيه المصالح الأمريكية والإسرائيلية، وتُنفَّذ أدواته عبر قوى إقليمية، في مقدمتها الإمارات. فاليمن، بموقعه الجغرافي الحاكم لمضيق باب المندب، يمثل نقطة ارتكاز استراتيجية لأي مشروع يسعى للسيطرة على طرق التجارة العالمية وخنق القوى العربية المؤثرة.
ويتمحور الصراع في اليمن بصورة أساسية بين الحكومة اليمنية الشرعية، المدعومة من المملكة العربية السعودية، والمجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتيًا. ويأتي دعم السعودية للحكومة الشرعية انطلاقًا من اعتبارات أمنية واستراتيجية، في مقدمتها الحفاظ على نفوذها في محافظة حضرموت، التي تمثل عمقًا جغرافيًا وأمنيًا بالغ الأهمية للمملكة. في المقابل، يسعى المجلس الانتقالي الجنوبي إلى فرض مشروع الانفصال، وهو مشروع لا يهدد وحدة اليمن فحسب، بل يستهدف تقويض النفوذ السعودي في جنوب الجزيرة العربية.
ويكتسب الدعم الإماراتي لهذا المشروع أبعادًا أكثر خطورة عند ربطه بالمخطط الإسرائيلي الأشمل، إذ يسيطر المجلس الانتقالي على جزيرة سقطرى ذات الموقع الاستراتيجي الفريد. وتبرز هنا مخاوف جدية من ربط سقطرى بميناء بربرة في إقليم صوماليلاند الانفصالي، الذي حظي بدعم إماراتي واسع، بما يتيح السيطرة على ممرات بحرية حيوية في البحر الأحمر وباب المندب. ويمثل هذا الترتيب تهديدًا مباشرًا لقناة السويس، وضربة محتملة للاقتصاد المصري والأمن البحري المصري، إلى جانب إضعاف الأمن القومي السعودي، في انسجام واضح مع الرؤية الإسرائيلية القائمة على ضرب مراكز القوة العربية دون خوض مواجهة مباشرة.
وفي مواجهة هذه التحديات، أنشأت المملكة العربية السعودية التحالف العربي عام 2015، بهدف تعزيز حضورها العسكري والسياسي في اليمن، ومواجهة جماعة الحوثي، والحفاظ على وحدة الدولة اليمنية. غير أن التطورات اللاحقة كشفت عن تصدّع واضح داخل هذا التحالف، مع تصاعد التحركات الإماراتية المنفردة في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.
وفي هذا السياق، وجّهت المملكة العربية السعودية اتهامات صريحة للإمارات بممارسة ضغوط على المجلس الانتقالي الجنوبي لتنفيذ عمليات عسكرية قرب حدودها الجنوبية، واعتبرت هذه التحركات تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي ولأمن اليمن على حد سواء، مؤكدة أن أمنها خط أحمر لا يمكن تجاوزه. كما جدّدت الرياض دعمها الكامل لشرعية الدولة اليمنية، وتمسكها بالحل السياسي القائم على الحوار، وطالبت الإمارات بسحب قواتها من اليمن ووقف دعم أي أطراف مسلحة خارجة عن إطار الشرعية، مع التأكيد في الوقت ذاته على أهمية الحفاظ على العلاقات الخليجية واستقرار المنطقة، وعدم الزج بها في صراعات تخدم أطرافًا خارجية.
ولا يقتصر هذا النمط من التدخل على الساحة اليمنية، بل يتكرر في أكثر من دولة عربية وإفريقية. ففي ليبيا، أسهم التدخل الإماراتي في دعم أطراف مسلحة بعينها في إسقاط الدولة المركزية، وفتح الباب أمام تدخلات خارجية متعددة، وإطالة أمد الصراع حتى اليوم، ما أدى إلى انقسام البلاد وتحويلها إلى ساحة فوضى مفتوحة، تشكّل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري على حدوده الغربية.
وفي السودان، ساهم الدعم الإماراتي لقوى فاعلة داخل الصراع الداخلي في تفكيك الدولة، وإغراقها في حرب أهلية مدمرة، من خلال دعم قوى انفصالية ومليشيات مسلحة، وعلى رأسها قوات الدعم السريع، بما يضرب العمق الاستراتيجي لمصر جنوبًا، ويفتح الباب أمام حالة عدم استقرار طويلة الأمد.
أما في إثيوبيا، فقد اتخذ الدور الإماراتي طابعًا بالغ الخطورة، عبر تقديم دعم سياسي واقتصادي لأديس أبابا في توقيت يتزامن مع أزمة سد النهضة، بما جعل من ورقة المياه أداة ضغط وجودية على الدولة المصرية، وهو هدف لطالما سعت إليه إسرائيل ضمن استراتيجيتها الرامية إلى إضعاف مصر وتحجيم دورها الإقليمي. ويكتمل هذا الطوق في القرن الإفريقي من خلال دعم كيان صوماليلاند، وتطوير ميناء بربرة ليكون منصة لوجستية وعسكرية تطل على البحر الأحمر، وتعزز السيطرة على الممرات البحرية الدولية.
وعند جمع هذه الساحات مجتمعة، يتضح أن ما يبدو تدخلات منفصلة في اليمن وليبيا والسودان وإثيوبيا والقرن الإفريقي، ليس سوى حلقات في سلسلة واحدة، تستهدف محاصرة مصر من جميع الاتجاهات: غربًا عبر ليبيا، وجنوبًا عبر السودان وإثيوبيا، وشرقًا وجنوب شرق عبر البحر الأحمر وباب المندب. وهو الأسلوب ذاته الذي اعتمدته إسرائيل تاريخيًا، والقائم على تفكيك الخصوم من الأطراف، واستخدام وكلاء إقليميين لتنفيذ مخططاتها بأقل كلفة مباشرة.
وفي خضم هذا المشهد المتشابك، يبرز سؤال مشروع: هل تحوّلت الإمارات من دولة تسعى إلى النفوذ الاقتصادي إلى أداة تنفيذية لمشاريع تفكيك المنطقة بما يخدم المصالح الإسرائيلية؟ إن الإجابة لا تكمن في الشعارات، بل في قراءة الوقائع على الأرض، ومسارات التدخل، والنتائج التي تصب، في مجملها، ضد وحدة الدول العربية وأمنها القومي.
ختامًا، فإن ما تشهده المنطقة اليوم لا يمكن اختزاله في صراعات عابرة، بل هو إعادة رسم شاملة لخريطتها السياسية والاقتصادية. وأمام هذا الواقع، تصبح معركة الوعي هي خط الدفاع الأول، إذ إن فهم ترابط الساحات وتكامل الأهداف يمثل السبيل الوحيد لإدراك حجم الخطر، ومواجهة مشروع لا يستهدف دولة بعينها، بل يستهدف الأمة في وجودها ومستقبلها.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى