صراع النفس بين الوهم واليأس

بقلم: أحمد ضياء عثمان
في زحمة الحياة وضغوطها اليومية، قد نغفل عن أمر شديد الأهمية: الحالة النفسية.
تلك القوة الخفية التي تحركنا من الداخل، وتوجّه مشاعرنا، وتتحكم في قراراتنا. قد ترفعنا إلى أعلى درجات الإنجاز، أو تهوي بنا إلى أسوأ درجات الانكسار.
ما هي الحالة النفسية؟
تخيل نفسك جالسًا في غرفتك، ساكنًا… والدنيا من حولك تسير بشكل عادي. الناس يرونك تضحك، تتحدث، وترد على الهاتف، لكن لا أحد يسمع الصوت الخافت بداخلك يقول:
“أنا تعبان… أنا مش تمام.”
نعم، الحالة النفسية ليست دائمًا ظاهرة، لكنها قادرة على تغيير كل شيء فيك. تبنيك… أو تهدمك.
الحالة النفسية هي الانعكاس الداخلي لحالتنا العاطفية والفكرية. إنها المزاج الذي يرافقنا طوال يومنا: فرح، حزن، توتر، راحة، قلق، أو رضا.
وتتأثر هذه الحالة بمجموعة من العوامل، منها:
الأفكار المتكررة (وخاصة السلبية منها).
الهرمونات ونمط الحياة (النوم، الأكل، الرياضة).
التجارب المؤلمة أو صدمات الطفولة.
الضغوط الاجتماعية والاقتصادية.
الأشخاص المحيطون بنا، سواء كانوا مصدر دعم أو مصدر سلبية مستمرة.
الكلمة وأثرها الخفي
أحيانًا، كلمة واحدة تُقال لك من شخص قريب، تبقى تدور في عقلك أيامًا، وربما شهورًا… كلمة مثل:
“مش هتنجح أبدًا.”
“هو أنت فاكر نفسك حد مهم؟”
“مالك؟ بتفكر زيادة عن اللزوم؟”
هنا تكمن الخطورة؛ إذ إن أقل كلمة أو تصرف بسيط من شخص قد يهز استقرار شخص آخر بالكامل.
كلمة محبطة في لحظة ضعف قد تدفع إنسانًا نحو الاكتئاب، بينما كلمة دعم قد تنقذه.
وقد شهدنا مواقف حقيقية تثبت هذا، مثل قصة الشاب الجامعي الذي تراجع مستواه الدراسي بسبب العبارات المحبطة من أقرب الناس إليه، لكنه استعاد قوته بمجرد أن أحاط نفسه بدائرة إيجابية.
الكلمات ليست مجرد حروف… بل قنابل نفسية قد تبني أو تهدم.
التأثير النفسي على الآخرين
التأثير النفسي ليس مجرد شعور عابر، بل هو قوة فعلية قادرة على تغيير حياة الآخرين.
بعض الأشخاص يمتلكون قدرة على زرع الحماسة والأمل، بينما آخرون يتقنون فن التلاعب النفسي والإحباط المتعمد.
من أبرز الأمثلة:
تجربة هتلر: أوهم جنديين بأن أنبوب ماء عادي يقطر فوق رأسيهما غازًا سامًا. بعد 20 دقيقة، وجد أحدهما ميّتًا، والآخر مصابًا بالشلل المؤقت… فقط بسبب وهم زرعه في عقليهما.
تجربة سجن ستانفورد: طلاب قُسّموا إلى “سجناء” و”حرّاس”، وبعد أيام فقط، ظهرت الانهيارات النفسية والسلوكيات العنيفة، لمجرد تصديقهم للأدوار الممنوحة لهم. العقل صدّق… فالجسد تفاعل.
ما هو التوهم النفسي؟ ولماذا هو خطير؟
التوهم النفسي هو أن يعيش الإنسان تحت تأثير فكرة غير حقيقية، يصدقها ويتصرف بناءً عليها كأنها واقع.
من أمثلته:
شخص يظن أنه مريض رغم سلامة جسده.
شخص يعتقد أن الجميع يكرهه دون دليل.
شخص يشعر بأنه فاشل رغم نجاحاته.
وقد أثبتت تجارب كثيرة خطورة هذا الوهم.
مثلًا: في العالم الطبي، بعض المرضى تحسنوا بعد تناولهم حبوبًا وهمية (بلاسيبو) فقط لأنهم “اعتقدوا” أنهم يتعالجون.
بينما على الجانب المظلم، هناك قصص مؤلمة، مثل سيدة فقدت زوجها فتوفيت بعده بأيام بسبب متلازمة القلب المنكسر.
المشاعر هنا لم تظل معنوية فقط، بل أثرت على عضلة القلب وقتلتها فعليًا.
كيف نحافظ على توازننا النفسي؟
راقب أفكارك جيدًا ولا تصدق كل ما يخطر في بالك.
أحط نفسك بأشخاص إيجابيين.
مارس الرياضة واهتم بجسدك؛ فهو طريق لصحة عقلك.
عبّر عن مشاعرك ولا تكبتها.
لا تتردد في طلب المساعدة النفسية عند الحاجة.
وأخيرًا…
لا تستهين بنفسك، ولا بكلمة تقولها لغيرك.
لأن الكلمة قد تكون نورًا… أو نارًا.
اختَر أن تكون سبب حياة… لا مصدر وجع.
افتح قلبك، وخد بالك من اللي حواليك.
يمكن كلمة منك ترجع لحد روحه… ويمكن أنت كمان تحتاج تسمع الكلمة دي.
لو أنت وصلت لقراءة هذه السطور… فاعلم أنها رسالة لك أنت:
اهتم بنفسك.
حالتك النفسية أولويتك.
لا تسكت على الوجع.
لا تستهين بتعبك.
لأنك تستحق أن تعيش، وتفرح، وتكون بخير.
ختامًا
الحالة النفسية ليست أمرًا يُستهان به، بل هي قلب الإنسان الخفي.
قد ترى أشخاصًا يضحكون، لكن بداخلهم تنهار عوالم كاملة.
فلنكن رحماء ببعضنا، ولننتبه لتأثير كلماتنا وتصرفاتنا.
أبسط الأشياء قد تترك أعمق الأثر.
واعلم:
العقل البشري قادر أن يصنع واقعًا كاملًا من مجرد فكرة…
فاحرص أن تكون فكرتك نورًا… لا ظلمة.
دعني اقول لك ف الختام
أنت لست مجنونًا.
أنت لست ضعيفًا.
أنت إنسان… وما بداخلك يحتاج إلى الحب، والفهم، والاحتواء.
قد يكون من يضحك، في داخله يصارع.
وقد يكون من يصمت، في أعماقه يصرخ.
وأحيانًا… قد ينقذ حياة إنسان مجرد عناق، أو كلمة صادقة تقول فيها: “أنا إلى جوارك.
بقلم احمد ضياء عثمان