صراعنا مع فيروس كرونا المستجد

نظرتنا إلى الواقع المعاش ببلادنا تفيد أن وباء الكوفيد قد اربك مختلف مجالات الحياة و أثر على النشاط الاقتصادي و العلاقات الإجتماعية و أن تداعياته ستكون واضحة لعقود على أغلب شعوب و دول العالم.
و من هذه الزاوية يمكن تقديم عدة قراءات و إتخاذ عدة مواقف ولكن يبدو من الضروري في هذا المستوى الاحتكام للعقل و ترشيد الخطاب و الممارسة حتى يكون من الممكن التصدي بنجاعة أكبر لهذا الوباء الذى لا وال غامضا و خطير .
و يبدو من المهم هنا أن تترفع النخب عن المناكفات و المزايدات السياسية لأن واجب النخب في لحظات الارتباك و والاحتقان و الغليان هو الترفع و النظر للأوضاع من زاوية أشمل. هذا الترفع يجعلنا لا نخفي الانخراط إلى حد كبير في القبول بالاجراءات التي اتخذتها الحكومة التونسية خاصة و أن المعطيات الموضوعية تشير إلى أنها لا تملك في الوقت الحالي القدرة على إتخاذ إجراءات قد تبدو أقوى و لكنها تمثل في جوهرها ضررا حقيقيا للبلاد و العباد.
ذلك أن اللجوء للحجر الصحي الكامل و الشامل والمتواصل فى القريب العاجل لم يعد ممكنا و لا منتجا من النواحي الإقتصادية و الإجتماعية خاصة و أن ” التعايش ” مع الفيروس قد أصبح أمرا ضروريا من أجل القضاء على خطورته و لا شك أن تزايد الإصابات و حالات حمل القيروس دون نقله و تراجع عدد الوفايات و إرتفاع عدد المتعافين دليل على أن ” تذويب ” الفيروس في الحياة اليومية أمر ممكن.
و لكن ذلك يفرض حالة ذهنية و نفسية يتعين العمل على اكتسابها و تكريسها و تقوم على كلمة سر واحدة و هي الصرامة في تطبيق القانون و الإحترام الحرفي للبروتوكولات الصحية و هو ما لا نراه مكرسا بشكل كامل في بلادنا و لا بد في هذا المستوى من الحزم في تطبيق القانون و من أن يلتزم المواطنون بكل شروط الوقاية.
و لا يمكن أن نتخلى عن الرؤية الاستباقية و أيضا على إعتماد مقاربة تجعل مواجهة الأوبئة و الأمراض أمرا يتجاوز الحسابات السياسوية و يرتقي إلى مستوى الأمور التي ترتبط بأمن الدولة و المجتمع لأن حالة التراخي التي أصابت الجميع بعد هزم الموجة الأولى هي التي أدت إلى تفشي الوباء مرة أخرى في شبه غفلة من الجميع.
يمكن التفكير في إنشاء هيكل لليقظة الصحية تكون رؤيته ملزمة للجميع. و هناك أيضا مسألة البحث العلمي في مجال الكشف عن دواء و لما لا تلاقيح ضد الوباء و من المهم هنا أن تتحرك الدولة في مستويين و هما تشجيع الباحثين و المخابر على العمل في هذا الإتجاه و لنا من الكفاءات في علوم الصيدلة و الطب البيلوجى والأمراض المعديه ما يجعل التوصل إلى نتائج إيجابية أمرا واردا و ممكنا و أما الأمر الثاني فيتمثل في إعادة النظر في أسعار الأدوية بشكل عام إذ هناك حالة من الارتباك التي لا تشجع المخابر التونسية على إنتاج الأدوية و تضع بالتالي حياة المواطنين في خطر. نقطة أخرى نعتبرها مهمة و تتمثل في ضرورة الإهتمام بالجانب المعنوي لأن التباعد الإجتماعي أثر على العلاقات الإجتماعية و يتأكد اليوم أن التضامن بين الناس و إبداء الإهتمام ببعضنا البعض يساهم في دعم المناعة النفسية و الجسدية و لا بد بالتالي من الإهتمام بهذا الجانب و العمل على تطوير برامج و إستراتيجيات التماسك الإجتماعي.
ومع ذلك كله فنحن لا نريد استبعاد اللجوء للحجر الصحي الكامل و الشامل إذا ما اقتضت الضرورة الصحية و ذلك لأيام معدودة نخرج إثرها تدريجيا من حالة الحجر و قد زودنا تراجع الإصابات بطاقة إيجابية عالية تحفزنا لمواصلة المعركة ضد الوباء.
و لا نرى أن مواجهة الوباء تعني تونس بمفردها بل هي معركة تفرض التنسيق المتواصل على الأقل مع ليبيا و الجزائر و في ذلك تكريس لحماية الأرواح و تعبير عن التضامن و استعادة لأهمية العمل المشترك.
و في تقديرنا فإن رسالة هامة من الحكومة نحو الجيش الأبيض قد أصبحت أكثر من ضرورية لأن الإطار الطبي و شبه الطبي يواجه هذا الوباء الخطير في ظروف حساسة و صعبة و من شأن تحفيزه ماديا و معنويا أن يرفع معنوياته و أن يجعله أكثر انخراطا في معركة يخوضها منذ أشهر بنقص كبير في المعدات و التجهيزات و لكن بتشبث كبير بأخلاقيات مهنة الطب و بروح وطنية عالية.
و لا يمكن أن نتحدث عن ” الجيش الأبيض ” دون التوقف عند الأساتذة و المعلمين الذين يتحركون في مناخ هش في مستوى الوقاية من الكورونا و أصبحوا مع التلاميذ عرضة للإصابة بالعدوى و من الأجدى التفكير إذا ما ما تواصل نسق إنتشار العدوى في إغلاق المدارس و المعاهد مدة تتراوح بين أسبوعين و ثلاثة حتى نساهم في الحد من إنتشار العدوى.
الدكتور مختار زغدود رئيس مركز تونس للبحوث