الموسيقى دواء الرّوح …!

“الموسيقى هي لغة النّفوس، ألحانها نُسيمات لطيفة تهزّ أوتار العواطف فنستحضر ذكرى ساعات الأسى والحزن إذا كانت مُحزنة، أو ذكرى أُويقات الصّفاء والأفراح إذا كانت مفرحة. هي نغمات رقيقة قد تأخذ بمجامع قلبك فيرقص بين أضلعك فرحا وتيها…”على حدّ قول جبران خليل جبران.
لكن هل تعلمون أنّ العلاج بالموسيقى أثبت فعاليّته علميّا في التّخفيف من التوتّر والقلق؟
نعم. للموسيقى تأثيرات قويّة على العقل والرّوح. ويمكن أن يكون للأنماط المختلفة للموسيقى تأثير كبير على الحالة المزاجيّة للشّخص. قد تكون الموسيقى بديلا لأنواع العلاج الأخرى لأنّها تقوم بتهدئة الجهاز العصبي للإنسان المتوتّر وتوفّر له بديلا مثاليّا للأدوية ومضادّات القلق والاكتئاب. فهي قد تطرد ظلمة النّفس، تنير القلب وتفتح نوافذ لعوالم سحريّة وأخيلة جديدة.
يستخدم المعالجون بالموسيقى استجابات الشّخص وعلاقاته بالموسيقى لتحفيز التّغييرات الإيجابية في الحالة المزاجية والعقليّة بشكل عام. يمكن أن يشمل العلاج الاستماع إلى الموسيقى أو إنشاء موسيقى بأدوات من جميع الأنواع. إذ يمكن أن تساعد في تحسين الثقة ومهارات الاتّصال والاستقلال والوعي الذّاتي والوعي بالآخرين ومهارات التّركيز والانتباه.
وتتمّ معالجة جميع مقوّمات الموسيقى بما في ذلك النّغمة والإيقاع واللّحن بواسطة مناطق مختلفة من الدّماغ. على سبيل المثال، يقوم المخيخ بمعالجة الإيقاع، ويقوم الفص الأمامي بفكّ تشفير الإشارات العاطفيّة النّاتجة عن الموسيقى، ويساعد جزء صغير من الفص الصدغي الأيمن على فهم طبقة الصّوت. ويمكن أن يستخدم العلاج بالموسيقى ردود الفعل الجسديّة العميقة لدى جسم الإنسان للموسيقى لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من حالات نفسيّة صعبة.
إضافة إلى ذلك يمكن أن يُؤدّي تعلّم أو ممارسة مقطوعة موسيقيّة إلى تحسين مهارات الذّاكرة، القراءة والفهم. ويمنح إحساسا كبيرا بالإنجاز وتعزيز الثّقة بالنّفس والتعرّف على الثّقافات المختلفة الأخرى.
من جهة أخرى تسمح الموسيقى لعديد الأشخاص بالتّعبير عن ذواتهم بطريقة إبداعيّة وممتعة تمكّنهم من الغوص في خبايا نفوسهم لطرد المشاعر السّلبيّة ومعالجة الذّكريات المؤلمة أو صدمات الماضي وتعديل المزاج.
درس العديد من الخبراء في في هذا المجال التّأثيرات العلاجيّة للموسيقى لمجموعة من الأشخاص وتبيّن أنّ للموسيقى قوّة كبيرة في تقليل التوتّر والقلق وتخفيف الألم وتحسين التّركيز. فعندما يتعرّض الجسم للكورتيزول الزّائد لفترة طويلة من الوقت، فإنه يتسبّب في حالات دائمة ومرهقة من القتال أو الهروب أو التّجميد. يمكن أن يؤدّي الإجهاد المستمر أو المزمن إلى الإصابة باضطراب القلق والاكتئاب والألم المزمن وغيرها من الحالات الصّعبة نوعا ما. لذلك حقّقت الموسيقى نجاحا باهرا في تخفيف التوتّر نظرا لتأثيراتها المهدّئة. وقدرتها على خفض معدّل ضربات القلب ومستويات الكورتيزول وإطلاق الإندورفين وتحسين إحساسنا بالرفاهية وصرف انتباهنا عمّا قد يشتّته والتّقليل من مستويات التوتّر الجسدي والعاطفي وتقليل الأعراض المرتبطة بالتوتّر، سواء تم استخدامها في بيئة سريريّة أو في الحياة اليوميّة.
وفق الدّراسات والبحوث العلميّة تتحرك أصوات الموسيقى عبر آذاننا على شكل اهتزازات، تترجم الأذن الداخلية هذه الاهتزازات إلى إشارات كهربائية، تنقل الخلايا العصبيّة هذه الإشارات إلى مناطق معيّنة من القشرة الدّماغيّة في الدّماغ ثمّ تكتشف المناطق المخصّصة للدّماغ العناصر المختلفة للإشارات (مثل النّغمة، النّبرة، والإيقاع). ونظرًا أنّ الدّماغ يجمع كلّ هذه المعلومات معًا حتى نتمكّن من الشعور بالتّجربة الموسيقيّة، فيمكن أن تؤثّر على عواطفنا و أنظمتنا الجسديّة.
وحسب موقع PsychCentral أظهرت دراسة حديثة أجريت سنة 2021 أنّ البالغين الّذين استمعوا إلى اختيارات شخصيّة ومحايدة من الموسيقى، في المنزل وفي بيئة عمليّة قد “خفضوا مستويات الكورتيزول” بشكل ملحوظ بغضّ النّظر عن نوع الموسيقى.
كما كان للعلاج بالموسيقى أيضًا فائدة كبيرة في منع الإرهاق في طاقم غرفة العمليّات حيث أظهرت دراسة استمرّت 6 أسابيع أنّه بعد الوصول إلى جلسات الاستماع للموسيقى لمدة 30 دقيقة يوميًا في العمل لمدة شهر، أبلغ الموظّفون عن انخفاض مستويات التوتّر والإرهاق العاطفي. إضافة إلى ذلك فقد أثبتت الموسيقى قدرتها على على تحقيق النّوم السّليم وخفض مستويات الاكتئاب والأرق و تحسين نوعيّة الحياة. فقد أظهرت الأبحاث العلميّة أنّ التدخّلات الموسيقيّة يمكن أن يكون لها آثارا إيجابيّة على سلوك وإدراك الأشخاص المصابين بمرض الزهايمر، خاصّةً عند تجربتها في شكل قوائم تشغيل شخصيّة للاسترخاء، مما يساهم في تعزيز الصحّة النّفسيّة وطرد التوتّر والقلق.