الدستور والإيقاف

بقلم الهادي كرو
مفهوم الإيقاف
الإيقاف هو الحد من حرية الانسان ولا يكون شرعيا في مدلوله الأصلي الا اذا كان تنفيذا لحكم يقضي بالسجن
لقد كان للايقاف المفهوم الواضح والمعروف الذي يشمل كل حد يقع لحرية الانسان مهما كان نوعه الا ان دستور 2014 ادخل على هذا المعنى اضطرابا يفضي في النهاية الى اعتبار الايقاف نوعا معينا من أنواع اعتقال الانسان
1 ـ دستور 1959
لقد عالج دستور 1959 وقت صدوره مسالة إمكانية ايقاف الإنسان قبل صدور الحكم القاضي بسجنه بلياقة دستورية وتلميح ذكي اعتبارا وان المخاطب بالإشارة يفهم .
لئن خصص الفصل الثاني عشر من دستور 1959 للمبدإ القاضي بأن ” كل متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته في محاكمة تكفل له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عن نفسه ” فانه جاء بمثابة التعقيب على مضمون نصّ الفصل السابع من نفس الدستور الذي يجيز الحدّ من حقوق المواطن بمقتضى قانون يحقق مصلحة محددة ويؤكد ان المواطن ” يتمتع … بحقوقه كاملة بالطرق والشروط المبيّنة بالقانون ولا يحدّ من هذه الحقوق إلا بقانون يتخذ لإحترام حقوق الغير ولصالح الأمن العام والدفاع الوطني ولإزدهار الإقتصاد والنهوض الإجتماعي”
وبذلك تأكد أن حريّة المواطن هي الأصل وان الحدّ منها هو استثناء يصدر في شانه قانون تقتضيه مصلحة معينة .
الا انه اصبج الاحتفاظ بالإنسان وايقافه قبل صدور الحكم بالادانة و السجن امرا واردا بعد تنقيح احكام دستور 1959 . ..
والملاحظ في هذا الصدد أن التنقيحات التي أدخلت على دستور 1959 حطت من هيبة احكامه وبهجتها ومن صدق لهجته ودقة مضمونه من ذلك ما حدث بالتنقيح الواقع للفصل الثاني عشر بالقانون الدستوري عدد 51 لسنة 2002 المؤرخ في 1 جوان 2002 .
فبعد أن كان الفصل الثاني عشر خاص بمبدا كل متهم بجريمة يعتبر بريئا الى أن تثبت إدانته في محاكمة تكفل له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عن نفسه ” أضاف التنقيح فقرة تصدّرت نصّ المبدإ واكدت أن ” يخضع الاحتفاظ للرقابة القضائية ولا يتمّ الإيقاف التحفظي إلا بإذن قضائي ويحجر تعريض أي كان لاحتفاظ أو لإيقاف تعسفي .
وهكذا اصبح الاحتفاظ مثل الايقاف ان كان غير تعسفي فان الدستور يجيزه اما اذا كان تعسفيا فان الدستور يحجره .
والى ان نهتدي الى معرفة ايهما التعسفي وغير التعسفي فمن الثابت ان الإيقاف والاحتفاظ بالسجن قبل المحاكمة والنطق بالادانة اصبحا امرا معترفا به دستوريا .
دستور 2014
ينصّ الفصل 29 من دستور 2014 على أنه :
“لا يمكن إيقاف شخص أو الإحتفاظ به إلا في حالة التلبس أو بقرار قضائي .
ويعلم فورا بحقوقه وبالتهمة المنسوبة إليه وله أن ينيب محاميا وتحدّد مدّة الإيقاف والإحتفاظ بقانون “
لا يكون هذا النوع من الإيقاف الا إستثناءا للمبدإ المضمن بالفصل 27 من دستور 2014 الذي ينصّ على أن : ” المتهم بريئ إلى أن تثبت إدانته في محاكمة عادلة تكفل له فيها جميع ضمانات الدفاع في أطوار التتبع والمحاكمة.”
ودون الخوض الآن في قصد الدستور من المحاكمة العادلة التي تعرض لها في الفصلين 27 و108 بمثابة الحجارة المرماة دون وعي في مستنقع فإنه يوجد في هذا الفصل فرق بين إيقاف الشخص والاحتفاظ به رغم إتحادهما في الشرط اللآزم لتفعيلهما.
فهذا النص لا يمكّن من اللاحتفاظ بالشخص إلا في حالة التلبس أو بإذن قضائي
في حين أن الإحتفاظ لا يخضع الا للرقابة القضائية حسب الفصل 12 من دستور 1959 ولا يمكن لمأموري الضابطة العدلية الاحتفاظ بذي الشبهة ولو في حالة التلبس بالجناية وبالجنحة إلا في الحالات التي تقتضيها ضرورة البحث حسب الفصل 13 مكرر من مجلة الإجراءات الجزائية ويبقى الايقاف التحفظي موكولا القضاة اصلا .
تلك إذن هي أحكام الإيقاف في الدستور فما هي أحكامه في القانون.
بقلم الاستاذ الهادي كرو