سياسةغير مصنفمقالات

الحملات الانتخابية

STP LA TUNISIENNE DE PUBLICITÉ


بقلم: الدكتور جابر غنيمي
مدرس جامعي
المساعد الأول لوكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد
مكون في مجال الانتخابات

تعد الانتخابات بمثابة الوسيلة الأساسية التي تؤهل الناس للمشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلدانهم والتي بدورها تعتبر حقاً أساسياً من حقوق الإنسان كافحت من أجله الشعوب في جميع أنحاء العالم.
و يعتبر حق الانتخاب في الدول الديمقراطية، من أهم الممارسات السياسية، فهي وسيلة لنقل السلطة بطريقة سلمية من شخص إلى آخر، أو مجموعة إلى أُخرى.
لغة في لسان العرب لابن منظور، الانتخاب من فعل نخب، “ونخب: أي أنتخب الشيء أختاره، والنخبة ما اختاره منه ونخبة القوم ونخبتهم خيارهم، والنخب النزع والانتخاب الانتزاع والانتخاب الاختيار والانتقاء من النخبة.
أما اصطلاحاً فيعرف الانتخاب بأنه اختيار شخص من بين عدد من المرشحين ليكون نائباً يُمَثِّل الجماعة الـتي ينتمـي إليها، وكثيراً مـا يطلـق علـى الانتخـاب اسـم (اقـتراع) أي الاقـتراع علـى اسـم معـين، ويعـد الانتخـاب حقـاً عامـاً للمـواطنين ولـيس لسـلطة مـن السـلطات أن تحـرم المـواطن مـن ممارسـته مـا دام مسـتوفياً شـروط السـن والعقـل واعتبارات الشرف “ليس مجرمـا محكومـاً عليـه”، فضـلاً عـن شـرط الجنسـية.
وقد عرف الدكتور صلاح الدين فوزي الانتخاب بأنه: “الإجراء الذي به يعبر المواطنين عن إراداتهم ورغبتهم في اختيار حكامهم ونوابهم البرلمانين من بين عدة مرشحين”ن الانتخابات هي إجراء دستوري لاختيار الفرد، أو مجموعة من الأفراد لشغل منصب معين، وتعرف أيضاً بأنها مجموعة من المبادئ القانونية التي تتكون من نظام تشريعي الهدف منه تنظيم عملية الانتخاب حتى ينتج عنها تطبيق قانون جديد، أو تعديل قانون قائم، أو فوز أحد المرشحين للانتخابات، أو غيرها من الأحداث الدستورية المرتبطة بالانتخابات ارتباطاً مباشراً.
وفكرة الانتخابات تعد من الأفكار الإنسانية القديمة، والتي تساهم في حل النزاعات، والاختلافات حول رأي ما .
وقد عرف الرومان القدماء فكرة الانتخابات في اختيارهم للقادة، والشخصيات البارزة لتولي المناصب، والمهام في الدولة .
كما أنها عرفت في العالم العربي الإسلامي عندما كان الصحابة – رضي الله عنهم – يختارون خليفة للمسلمين عن طريق الإجماع على اسم صحابي منهم.
وصارت الدول تعتمد فكرة الانتخابات كأساس من أساسات دستورها، وتشريعٍ من تشريعاتها القانونية، لتضمن تطبيق الفكر الديمقراطي الذي يدعو إلى اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب بناءً على رأي أفراد الشعب، أو المجلس النيابي، أو الهيئة المختصة بذلك، وهذا ما أدى إلى اعتبار الانتخابات حقاً من حقوق الناس، وواجباً عليهم تطبيقه لضمان تفعيل دورهم الإيجابي في الحياة السياسية في مجتمعهم، ودولتهم.

وتعد الانتخابات الحرة والنزيهة أحد ركائز الديمقراطية، بل الوسيلة المثلى والمشروعة لإسناد السلطة، فالإنتخابات تمثل فاعلا محوريا في ترسيخ الديمقراطية وتمكين المواطنين من ممارسة حقوقهم السياسية والمدنية من خلالها.
فقيام أي نظام ديمقراطي حقيقي يتطلب أن تعمل الدولة على كفالة الحقوق السياسية وحمايتها بنصوص دستورية وقانونية بالقدر الذي يشجع مواطنيها على المشاركة في الإنتخابات، وذلك بترجيح القانون على أي إعتبار في كل الظروف لضمان قاعدة حرية إختيار الشعب لممثليه.
و تقوم الانتخابات سواء تشريعية أو رئاسية على حملات و دعاية انتخابية.
و تعرف الحملات الانتخابية بأنها طريقة تحضير المرشّحين والأحزاب السياسية لأفكارهم ومواقفهم بشأن القضايا، وعرضها على الناخبين في الفترة السابقة ليوم الانتخابات، فيستخدم المرشّحون مجموعةً متنوّعةً من التقنيات لبلوغ الناخبين ونقل رسائلهم إليهم، من خلال وسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي، والمناسبات العامة، والموادّ المكتوبة، أو غيرها من الوسائل.
فالحملة الانتخابيـــة هـــي مجمـــوع الأنشطة التـــي يقـــوم بهـــا المترشـــحون أو القائمـــات المترشـــحة أو مســـاندوهم أو الأحزاب خـــلالا الفــتـرة المحددة قانونـــا، للتعريـــف بالبرنامـــج الانتخابـــي أو البرنامج المتعلـــق بالاســـتفتاء باعتمـــاد مختلـــف وســـائل الدعايـــة والأساليب المتاحـــة قانونـــا قصـــد حـــث الناخبيــن علـــى التصويـــت لفائدتهـــم يـــوم الاقــتـراع.
وتختلف الأوجه والآليات التي يمكن استعمالها في الحملة الانتخابية، فإلى جانب الظهور الإعلامي الذي يضبطه القانون، يلجأ المترشح للرئاسية أو الأحزاب المترشحة للانتخابات التشريعية أو القائمات المستقلة، إلى آليات أخرى، فيقومون بزيارات ميدانية إلى مختلف مناطق البلاد ويستمعون إلى مشاغل المواطنين ومشاكلهم.
كما يمكن لهم توزيع مناشير تتضمن برامجهم الانتخابية على المواطنين، سواء في الطرق والأماكن العامة أو توزيعها على المنازل.
وهذا وتقدّم التكنولوجيا الحديثة خدمات جليلة للمترشحين حيث يمكن لهم أن يعرّفوا بأنفسهم وببرامجهم الانتخابية ومواقفهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي وذلك للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناخبين خصوصًا الشبان منهم والذين يقضون أوقاتًا طويلة في تصفح هذه المواقع.
ويختار بعض المترشحين إبراز قدراتهم التواصلية والخطابية ومدى نجاحهم في إقناع الجماهير وكسب اهتمامهم ولاحقًا ثقتهم من خلال عقد اجتماعات شعبية يتوجهون خلالها بخطابات مباشرة للجماهير.
وتخضع الحملة الانتخابية إلى جملة من المبادئ الأساسية و الضوابط و بتمويل مقنن :
1- المبادئ الأساسية للحملة الانتخابية:
و تتمثل في:

  • مبدأ الحياد:
    لتحقيق نزاهة العملية الانتخابية ومصداقيتها وتعزيز أوسع مستويات القبول لنتائج الانتخابات، يجب على الإدارة الانتخابية أن تعمل بحياد تام بالإضافة إلى تنظيمها للفعاليات الانتخابية باستقلالية كاملة، فبدون الحياد في الإدارة الانتخابية وتنظيم الفعاليات الانتخابية باستقلالية كاملة تتعرّض نزاهة العملية برمتها للفشل، ويصبح من الصعب تعزيز الثقة بمصداقية العمليات الانتخابية، وخاصةً من قبل الخاسرين فيها.
    كما يُنتظر من أية هيئة إدارة انتخابات تنظيم الانتخابات بحياد تام. وبغض النظر عن النموذج المتبع، وروابط المسؤولية المفروضة عليها، ومصادر تمويلها ومراقبتها، فإن على هيئة إدارة الانتخابات التعامل مع كافة المشاركين في الانتخابات بعدالة ومساواة تامة ودون أي تمييز أو تفضيل لأية ميول أو مجموعات سياسية.
    ونظريًا، فقد تتمتع هيئة إدارة الانتخابات المستقلة والمؤلفة من أعضاء مستقلين لا يتبعون أية توجهات سياسية بقدرة أكبر على تحقيق مبدأ الحياد.
    أما هيئات إدارات الانتخابات المستقلة الأخرى، كتلك المؤلفة من أعضاء يمثلون مختلف الأحزاب السياسية المشاركة في العملية الانتخابية، فقد تواجه صعوبات أكبر في إقناع الجمهور بحيادها التام.
    وفيما عدا البلدان المعروفة بإتباعها لأنماط إدارية تقوم على وجود وظيفة عامة محايدة، فقد ينظر لقرارات وأنشطة هيئات إدارة الانتخابات في ظل الإدارة الحكومية أو المختلطة على أنها تميل للعمل لصالح الحكومة الحالية.
    في المقابل، نجد بأن هيئات الإدارة الحكومية في بعض البلدان التي تعتمد النموذج المختلط، كأسبانيا مثلًا، أو تلك التي تتبع النموذج الحكومي، كفنلندا والسويد، ينظر لها على أنها حيادية.
    وعلى العكس من ذلك، فقد تنحصر استقلالية بعض هيئات إدارة الانتخابات التي تعمل بالنموذج المستقل في الشكل فقط.
    لذلك، فعلى الرغم من إمكانية فرض الحياد من خلال الأطر القانونية أو التنظيمية، إلا أن تحقيقه يتوقف في واقع الأمر على طريقة عمل هيئة إدارة الانتخابات وتعاملها مع مختلف الشركاء. إذ أن الحياد يعتبر نهجًا عمليًا أكثر من كونه مادةً قانونية، على الرغم من أنه يمكن العمل على تعزيز ذلك النهج من خلال الأطر القانونية والدستورية التي تمكّن الرقابة الخارجية الفعلية على قرارات هيئة إدارة الانتخابات ومن خلال وجود مدونة سلوك لها تنص على عقوبات قوية رادعة مطبّقة بشكل مستقل.
    ومن المهم أن تعمل هيئات إدارة الانتخابات على إقناع الجمهور بشكل عام بحيادها، وذلك من خلال عمل جميع هيئات إدارة الانتخابات بشفافية مدعّمة بسياسات جادة لتسويق نهجها الحيادي وجهود حثيثة لتطوير علاقاتها العامة بشكل فعّال.
    و على هيئة الانتخابات التعامــل بموضوعيــة ونزاهــة مــع كافــة القائمــات المترشــحة وعـــدم الانحيـــاز إلى أي منهـــا أو اســـتعمال الوســـائل والمــوارد العموميـــة لفائدتهـــا أو تعطيـــل حملتهـــا الانتخابيـــة وتجنـــب مـــا مـــن شـــأنه أن يؤثـــر علـــى إرادة الناخبــيـن.
    و الحياد كذلك يشمل المساجد و دور العبادة، فلا مجال أن تستغل في الحملات الانتخابية و التوظيف السياسي . و كذلك وسائل الإعلام الوطنية.
  • مبدأ الشفافية:
    يمكّن مبدأ الشفافية في الإدارة العملية والمالية عامة الجمهور من متابعة وتدقيق قرارات هيئة إدارة الانتخابات ومسبباتها، لذلك تعتبر الشفافية أحد مبادئ العمل السليم لكافة فعاليات وأنشطة هيئة إدارة الانتخابات.
    ومن خلال العمل بشفافية تامة، يسهل على هيئة إدارة الانتخابات محاربة الفساد والاحتيال المالي أو الانتخابي أو النقص في المؤهلات أو أية ممارسات تفضيلية لصالح ميول سياسية ما، الأمر الذي يرفع من مستويات مصداقيتها.
    وقد يمكن فرض العمل بمبدأ الشفافية من خلال النصوص القانونية، كأن ينص القانون على ضرورة قيام هيئة إدارة الانتخابات بإطلاع الجمهور على تفاصيل فعالياتها، كما هي الحال في إندونيسيا مثلًا.
    كما يمكن أن تنص مدونة قواعد السلوك الخاصة بعمل هيئة إدارة الانتخابات على ذلك، كما هي الحال بالنسبة لهيئة إدارة الانتخابات في ليبيريا التي قامت بتنظيم انتخابات العام 2011، حيث عملت على إعداد ونشر العديد من المذكرات والبيانات الصحفية، وتنظيم العديد من لقاءات التشاور مع الشركاء.
    ويمكن لهيئة إدارة الانتخابات أن تتبنى سياسة الشفافية حتى من دون هذا الدعم الرسمي.
    أما غياب الشفافية في العمليات الانتخابية فيقود لا محالة إلى إشاعة الشكوك حول وجود ممارسات احتيال وفساد. فعلى سبيل المثال، عندما لا يتمكن المراقبون والجمهور بشكل عام من الاطلاع أولًا بأول على مجريات عمليات عدّ وفرز الأصوات ونتائجها، بالتزامن مع التأخر في الإعلان عن تلك النتائج واعتمادها
    ويشـــمل الشفافية كذلـــك التنظيـــم والإعلام بأنشـــطة الحملـــة ومصـــادر التمويـــل وطـــرق صـــرف الأموال المرصـــودة لهـــا.
  • مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص:
    يُعرّف التكافؤ لغوياً على أنّه التساوي، فيما تُعرّف الفرصة على أنّها الظرف المناسب للقيام بعمل ما، فيطرح هذا المصطلح ليعبّر عن تساوي الفرص لمن يرغب فيها حسب كفايته، فيما يعرّف هذا التركيب اصطلاحاً على أنّه المبدأ الذي ينادي بعدم التمييز بين الأفراد في توزيع فرص العمل والتعليم وغيرها، تبعاً لاختلافاتهم العرقية، أو العمرية، أوالدينية، أوالسياسية، أو الجنسيّة، لتكون المؤهلات والقدرات والأداء هي العوامل الوحيدة التي تؤثر في إمكانيّة حصول فرد من الأفراد على فرصة ما من عدمها.
    و تقتضي الحملات الانتخابية عـــدم التمييـــز بـــن القائمـــات المترشـــحة وضمـــان تمتعهـــا بنفــس الفــرص والخدمــات والمعلومــات ومعاملتهــا علــى أســاس المسـاواة بينهـا وذلـك سـواء مـن طـرف الهيئـة أو مختلـف الإدارات. ·
  • احترام الحرمة الجسدية للمترشحين والناخبين:
    يعد الحق في الحرمة الجسدية من اهم حقوق الانسان الأساسية التي كرستها مختلف الاتفاقيات الدولية وخاصة الاعلان العالمي لحقوق الانسان (ضمن الفصل 5) والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في اطار الفصل 7 والذي تضمّن انه لا يجوز اخضاع احد للتعذيب ولا للمعاملة او العقوبة القاسية او اللاّانسانية او الحاطّة من الكرامة وعلى وجه الخصوص لا يجوز اجراء اي تجربة طبية او علمية على احد دون رضاه الحرّ».
    ايضا ندّدت الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب سنة 1984 بـجريمة التعذيب كما عرفتها بكل عمل «ينتج عنه الم او عذاب شديد جسديا كان ام عقليا يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص على معلومات او على اعتراف…» (الفصل2)
    و هذا المبدأ بعنــى الامتنــاع عــن ممارســة أي شــكل مــن أشــكال العنــف المــادي أو المعنــوي، علــى المترشــحين والناخبـيـن.
  • احترام أعراض وكرامة المترشحين والناخبين:
    والكرامة الإنسانية، تعني أن نعامل الإنسان على أنه غاية بنفسه، وليس وسيلة أو أداة. وهو أحد المبادئ الإنسانية العالمية المتعارف عليها بين الأمم والشعوب، ولذا أكدت عليها العهود والمواثيق الدولية، مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وغيرها من العهود والمواثيق الدولية الصادرة عن المنظمات العالمية، مثل منظمة الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو، وغيرها من المنظمات التي اعتبرت أن الكرامة ركن أساسي وأصيل لدى كل البشر يتساوون فيه. 
    وتظهر صور الكرامة الإنسانية في أشكالٍ عديدة، ومن ميزاتها أنها شاملة وعامة لا تخص فئة معينة من الناس ولا تميز بين عرق أو لون أو دين أو جنس، وإنما تشمل الإنسان في كل مكان ومهما اختلفت أفكاره وتغيرت أرائه.
    و التمييز بين الناس لأي سبب يُسقط الكرامة الإنسانية ويستبيحها، لذلك يعتبر المساس بأي من مبادئها جريمة شنيعة، ولهذا سنت الدول قوانين تضمن حفظ كرامة الإنسان وتصونها. و لقد أصبحت الكرامة الإنسانية من القضايا المهمة التي تطرح في المحافل الدولية، كما أصبح هذا المصطلح الواسع من الأشياء التي يتم تدريسها في المناهج الدراسية كي تنشأ الأجيال واعية لكرامتها وحقوقها، فمن يتربى على الكرامة في الصغر لن يرضى أن يذل أو يهان في الكبر، لأن كرامته الإنسانية تقتضي أن يطالب بحقوقه وأن يرفض الظلم الواقع عليه.
    و يعني هذا المبدأ معنـــى عـــدم نشـــر أو اســـتعمال معطياتهـــم الشـــخصية والتشـــهير بهـــم وهتـــك أعراضهـــم. ·
  • عدم الدعوة إلى الكراهية والعنف والتعصب والتمييز:
    مع عدم توافر تعريف قانوني دقيق لـ”خطاب الكراهية”، فإنَّه يُـعَرَّف عمومًا على أنه “أنماط مختلفة من أنماط التعبير العام التي تنشر الكراهية أو التمييز أو العداوة أو تحرض عليها أو تروج لها أو تبررها  ضد شخص أو مجموعة، على أساس من يكونون، بمعنى آخر ، بناءً على الدين أو الأصل العرقي أو الجنسية أو اللون أو النسب أو الجنس أو أي عامل هوية آخر”. وما لم نتصدَّ لهذا الخطاب، فإنَّه يمكن أن يؤدي إلى وقوع أعمال عنف وجرائمَ كراهية ضد الجماعات المهمَّشة.
    ومع أن بعض التصريحات قد لا تحرض على العنف مباشرةً، فإنها يمكن أن تنشر بذور التعصب والغضب التي تؤدي إلى إضفاء الشرعية على أعمال الكراهية.
    وفيما يتعلق بأعمال التحريض التي تؤدي إلى العنف؛ ينبغي أن تكون العناصر الآتية حاضرة: سياق يُفضي إلى العنف، ومتحدث مؤثر، وخطاب يُنشر على نطاق واسع، وجمهور متقبِّل ومتجاوب، وفئة مستهدَفة (عادة ما تكون المجموعات المهمَّشة(.
    ويشكل أي عمل تحريضًا على العنف عندما يعقد المتحدث العزم على الدعوة إلى استخدام العنف أو التسبب فيه. وثمَّة حاجة أيضًا إلى احتمال أن يؤدي هذا الفعل إلى العنف، وعليه، ومع أنَّ كل أعمال التحريض على التمييز أو العداوة أو العنف هي خطاب يحض على الكراهية، فإنَّه لا يمكن أن تُعدَّ كل خطابات الكراهية تحريضًا.
    ويشـــمل ذلـــك كل الدعـــوات المباشـــرة وغـــر المباشـــرة الصـادرة عـن أعضـاء القائمـات المترشـحة أو مسـانديهم أو مـن أي جهــة كانــت ســواء بمناســبة ممارســة أنشــطة الحملــة الانتخابيــة أو خارجهـــا.
    2- ضوابط الحملة الانتخابية:
    تتمثل هذه الضوابط في:
  • عدم الإخلال بالنظام العام. و يعرف النظام العام بانه مجموعة القواعد التى يقوم عليها كيان وأساس المجتمع والتى يترتب على تخلفها إنهيار المجتمع ، وان أمثلة تلك القواعد هى المتعلقة بحقوق وحريات الأفراد في المجتمع وكذا القواعد المتعلقة بالكيان السياسى للدولة كنظام الحكم في الدولة وشكله (( جمهورياً – ملكياً – فيدرالياً …. )) ، والمتعلقة أيضا بتكوين السلطات في الدولة وتحديد الإختصاص لكل سلطة كالسلطات الثلاث (( التنفيذية والتشريعية والقضائية )) ، كما يعد أيضا من النظام العام النظام الإقتصادي للدولة والأسس الإجتماعية فيها (كنظام الأسرة ونظام العمل.(
  • عدم إثارة الفتنة أو أي نزاع طائفي أو قبلي أو إقليمي أو الإساءة إلى أي من الناخبين أو المرشحين بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
  • عدم استخدام المساجد، أو المرافق العامة، أو المنشآت الحكومية، أو دور العلم، أو الجمعيات الخيرية، أو الأندية الرياضية والثقافية، أو الهيئات العامة، أو جمعيات النفع العام، وغيرها من الهيئات والمصالح والمؤسسات العامة وما في حكمها، لأغراض الحملة الانتخابية.
  • عدم القيام بأي نشاط دعائي لأغراض الحملة الانتخابية بدعم من أي جهة أجنبية.
  • عدم استخدام شعار الدولة الرسمي، أو علمها، أو أي شعار حكومي، أو الإشارات والرموز الدينية، أو التاريخية، أو القبلية، أو أسماء أو صور الشخصيات العامة في الحملة الانتخابية.

3- تمويل الحملات الانتخابية:
لا شك في أن عملية التمويل والإنفاق في الدعاية الانتخابية، تعد إحدى قضايا النزاهة الرئيسة في الانتخابات والتي تحتل الأولوية من حيث ضرورة معالجتها، اذ تشكل السيطرة على مدخلات الدعاية الانتخابية ومخرجاتها مسألة لا غنى عنها في السيطرة على نزاهة الانتخابات بصورة عامة، وبما أن المال يشكل العامل الرئيس في الدعاية الانتخابية، ولما كان التمويل والإنفاق الانتخابي قوامهما ذلك المال، فهذا يعني أنهما عاملان مهمان في حسم نجاح العملية الانتخابية.
وقد أفرز الواقع العملي للدعاية الانتخابية العديد من الخروقات الصادرة من المرشحين وغيرهم، إذ أغرت الامتيازات المتعددة التي يحصل عليها الفائزون بالانتخابات -خاصة في دول العالم الثالث -العديد من المرشحين ودفعتهم للجوء الى كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة من أجل الفوز بالانتخابات، فهيأة الناخبين -في بعض البلدان-يمكن استغفلاها والتلاعب بإرادتها.
وهذا ما يشكل تأثيرا مباشرا على نظام الدولة بصورة عامة، وعلى مؤسساتها ومصالحها بشكل خاص، وذلك بسبب وصول أشخاص فاسدين إلى سدة المناصب المهمة في الدولة وما ينجم عن ذلك من انتشار الفساد واستغلال المال العام وهدره في سبيل تحقيق المصالح الشخصية وزيادة معاناة الشعب من خلال تفشي مبدأ (شيء مقابل شيء(.
في الواقع، وفي كل الأحوال، فان الأحزاب السياسية، تحتاج إلى تمويل مالي “المال السياسي” من أجل أداء وظائفها الأساس، كالمشاركة في صنع القرارات والسياسات، وتكريس مبدأ التداول السلمي على السلطة، وتوظيف وتكوين القادة السياسيين، واختيار المرشحين للانتخابات العامة. سواء أكان ذلك المال لتمويل أنشطتها في الفترات العمل العادية، مثل: إدارة الحزب بما فيه الرواتب وتكاليف استئجار المكاتب الدائمة، وتدريب أعضاء الحزب وانعقاد اجتماعاته الداخلية، ووضع السياسات وتوعية المواطنين، أم لتمويل أنشطتها للحملات الانتخابية، مثل: استئجار المكاتب المؤقتة، وتوظيف الموظفين، ودفع تكاليف الاتصالات والنقل المتعلقة بالحملة، وإقامة التجمعات الانتخابية، والقيام بالحملة المتجولة من منطقة إلى أخرى، وإنتاج مواد الحملة وإجراء الحملة الإعلانية والدعائية في وسائل الإعلام.
وهناك مصدران لتمويل الأحزاب والمرشّحين: التمويل العام، والتمويل الخاص، والدول قد تعتمد أنظمة لتمويل الحملات استناداً إلى التمويل العام فقط، أو الخاص فقط، أو مزيج من الاثنين.
يشير التمويل العام للحملات الانتخابية إلى التمويل الذي يمكن أن توفره الدولة للمرشحين على وفق الأطر القانونية المعتمدة في كل بلد، وقد يكون هذا التمويل تمويلا مباشرا، أي الأموال التي تخصّصها الدولة للمرشّحين في الانتخابات. وقد يكون هذا التمويل تمويلا غير مباشر، وذلك عندما يحصل المرشّحون أو الأحزاب على بعض الخدمات مجاناً أو بكلفة أقل، مثل الظهور في وسائل الإعلام العامة، أو الاستفادة من ممتلكات الدولة بغرض تنظيم الحملات، أو طباعة المواد الانتخابية، أو استخدام الخدمات البريدية الخاصة بالدولة، فموارد الدولة تُعدّ ملكاً لجميع المواطنين، ويجب عدم استخدامها لما يصبّ في مصلحة أيّ حزب سياسي أو مرشّح. وبناء على هذا فانّ المعلومات المتعلقة بالتمويل العام المباشر وغير المباشر للمرشّحين والأحزاب خلال حملة انتخابية تتيح للمواطنين والمرشّحين والمسؤولين تقييم إن كانت موارد الدولة مستخدمة بطريقة عادلة ومناسبة.
والجدير بالذكر، فإن السويد من أوائل دول العالم التي اعتمدت مبدأ التمويل العام للانتخابات في إطار تنظيم الإنفاق الانتخابي، وذلك في العام 1966، والذي استند إلى ثلاث قواعد أساسية، هي: التمويل المقدّم إلى الأحزاب الجدية والتي تملك حضورا سياسيا حقيقيا. والدعم المالي بناء على طلب مُعلل من الحزب أو المرشح/ة. والتمويل الانتخابي بشكل نسبي حسب الحجم البرلماني لكل من الكتل السياسية.
بينما يشير التمويل الخاص للحملات إلى الاستفادة من المواد والخدمات مجاناً أو بسعر منخفض (مساهمات عينية) بفضل مساهمة مانحين من القطاع الخاص، كأفراد أو شركات. فضلاً عن ذلك، قد تقدّم الأحزاب السياسية هبات إلى المرشّحين، كما يمكن للمرشّحين أن يستخدموا مواردهم الخاصة لتمويل حملاتهم. ويُلزم المرشّحون والأحزاب بالإبلاغ عن الهبات الخاصة التي يتلقونها، بما في ذلك مصدر الهبة وتاريخها وقيمتها.
ولكن من المهم هنا، أن نبين أن عملية تنظيم الإنفاق الانتخابي لا يعني بالضرورة تأمين المساواة أو العدالة الكاملة (الكمية والنوعية) بين المرشحين. اذ إن فلسفة تنظيم الإنفاق تقوم على وضع حد أقصى أو ما يُعرف بسقف للأنفاق لمنع المرشحين ذوي الإمكانيات من تجاوزه. وعليه فان هذا الضبط الذي يساهم فعليا في التخفيف من التعسف من استغلال دور المال في العملية الانتخابية لا يعني أبدا إلزام كل المرشحين بإنفاق نفس القيمة، لأن الانتخابات عملية سياسية مكلفة ماديا لجهة الدعاية ونشر البرنامج والنشاطات المختلفة، ولذلك أصبح من الصعب الحديث عن مساواة أو عدالة فعلية من دون إعادة النظر في آليات تنظيم الإنفاق الانتخابي.
هذا يعني، إن تطبيق أنظمة تمويل الحملات بشكلٍ فعّال، أمرٌ ضروري للمحافظة على نزاهة نظام تمويل الحملات، وتعزيز ثقة العامة في العملية الانتخابية، ومساءلة الأحزاب السياسية والمرشّحين.
وهو ما أشارت إليه العديد من القوانين الدولية والوطنية الناظمة لعلميات تمويل الحملات الانتخابية. حيث تنص الفقرة “24” من وثيقة كوبنهاغن “الصادرة عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في عام 1990” على ضرورة التطبيق المنصف لقوانين تمويل الحملات الانتخابية ورصدها بطريقة فعالة، وتشير الفقرة إلى أنه على الدول المشاركة واجب ضمان عدم تقييد أية من الحريات الأساسية “بطريقة تسيء استعمالها أو بطريقة تعسفية، ولكن بطريقة تكفل الممارسة الفعلية لهذه الحقوق”.
و تأسيسا على ذلك، لضمان وجود نظام تمويلي شفاف ونزيه، ينبغي إدراج كل من مسألتي تمويل الأحزاب السياسية الروتيني وتمويل الحملات الانتخابية في التشريعات. ومن الضروري أن تنص التشريعات بوضوح على الإطار الزمني الذي على المرشحين وغيرهم من أصحاب المصلحة الانتخابية خلاله الالتزام بقواعد تمويل الحملات الانتخابية. مع تأكيد ضمان وجود مراقبة العامة من المواطنين والصحافيين ومنظّمات المجتمع المدني لتقارير النفقات الانتخابات وتمويل الحملات، الصادرة في حينها، بما تتيح لهم تقييم مدى نزاهة المنافسة الانتخابية. كما يتيح لهم مراجعة التأثيرات السياسية التي يتعرّض لها المرشّحون عند تقلّدهم منصباً معيّناً.
ويرمـي التشـريع الجـاري بـه العمـل في مجـال تمويـل الحمـلات الانتخابية إلى تحقيـق هدفين:
اولا، تعزيــز المساواة بــن القائمــات ّ المترشــحة مــن خـلال تحديــد ســقف للانفــاق.
ثانيــًا، ولغــرض دعــم الالتــزام بأخلاقيــات الحيــاة السياســية، ّتم وضــع سقف للتبرعات المقدمة من الاشخاص الطبيعيين، وتحجـيـر التبرعات المتأتيـة مـن الـذوات المعنويـة أو مـن مصـادر أجنبيـة مهمـا كان شــكلها.
ومما تقدم، لابد أن يتصف المال الانتخابي – لكي يكون مقبولا- بالصفات الآتية:
1- المشروعية: بمعنى أن يكون المال الانتخابي من مصادر مشروعة، كالمال الخاص للمرشحين أو مال الحزب أو الإعانات. ولابد من منع استخدام المال الانتخابي غير المشروع، كأموال الدولة أو الأوقاف أو أموال متحصلة من جريمة وغيرها.
2- محدودية المدة: بمعنى أن تقدم الأموال لغرض دعم الدعاية الانتخابية لمرشح ما أو قائمة معينة أو حزب ما خلال مدة محددة، وهذه المدة غالبا ما تكون سابقة على بداية الحملة الانتخابية أو أثناءها وتنتهي في يوم الاقتراع.
3- وطنية الأموال: ينبغي أن تكون كل الأموال التي تدفع لدعم الدعاية الانتخابية هي أموال وطنية، وذلك يعني عدم جواز استقبال أي أموال دعم أجنبي، سواء كان من الداخل أو الخارج، بل يجب أن تكون الأموال التي تساهم في بناء تمويل الدعاية الانتخابية من مصادر وطنية.
4- الحساب المصرفي: ينبغي أن تكون الأموال المقدمة إلى المرشحين مقيدة في حساب مصرفي مخصص لتمويل الدعاية الانتخابية وهذا ما اعتمدته العديد من التشريعات الانتخابية في العالم فلم يعد مقبولا تلقي الأموال وإنفاقها من قبل المرشح مباشرة.
5- تحديد سقف الإنفاق: يجب ان لا يتجاوز مبلغ تمويل الحملة سقفا مضبوط قانونا.

المراجع:

  • لسان العرب، الجزء الثاني، مصر، الدار المصرية للتأليف والترجمة، بدون سنة نشر، ابن منظور جمال الدين محمد بن مكرم الأنصاري.
  • الانتخابات العراقية و تأثيرها في الاستقرار و التنمية، “مجلة الدراسات الدولية”، العدد الرابع و الخمسون، ستار جبار علاي.
  • المحيط من النظم السياسية والقانون الدستوري، مصر، دار النهضة العربية، 2000، صلاح الدين فوزي.
  • دور الانتخابات في تفعيل التحول الديمقراطي و إرساء الحكم الراشد”نموج الجزائر”، (أطروحة مقدمة مكملة لنيل شهادة الماستر في العلوم السياسية و العلاقات الدولية، جامعة محمد خيضر بسكرة، كلية الحقوق و العلوم السياسية، قسم العلوم السياسية و العلاقات الدولية، 2013)، عطاء الله سامية.
  • الأنظمة السياسية، مطبعة دار الحكمة، بغداد، 1990، صالح جواد الكاظم، و علي غالب العاني.
  • حق الانتخاب وضماناته، دراسة مقارنة، رسالة دكتوراه، كلیة الحقوق، جامعة عین شمس، مصر، 1998 ، فاروق عبد الحمید محمود.
  • الحملات الانتخابیة، دراسة مقارنة بین التشریع الجزائري والتشریع الفرنسي، أطروحة دكتوراه، 2010-2011 ،كلیة الحقوق والعلوم السیاسیة، جامعة متنوري قسنطینة، الجزائر محمد بوطرفاس.
  • النظم الانتخابیة وعلاقتها بالأنظمة الحزبیة، دفاتر السیاسة والقانون، عدد خاص افریل، 2011 ، بوشناقة شمسة.
  • القانون الدستوري، دار المعارف بالاسكندرية، 2019، سعد عصفور.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى