التَنَمُّر الأمريكي على المنظمات الدولية يتواصل بتسييس الرياضة بَعْدَ تسييس القضاء والثقافة

تواصل الولايات المتحدة الأمريكيّة سياسة التنَمُّرعلى المنظمات الدولية ليس فقط ذات الطابع السياسي بل يشمل هذا
التنمُّر المنظمات القضائيّة والثقافية والرياضيّة. فواشنطن التي ترسل جيوشها لاحتلال الدول المستقلة وإطاحة أنظمتها
الوطنية بذريعة نَشْر الديمقراطية وحقوق الإنسان تَغضّ الطرف عن الأنظمة الأولغارشيّة الدكتاتورية في الخليج العربي
لأنّ حكّامها يُنفّذون بحماسة ودقّة إملاءات واشنطن المتعلّقة بحماية المصالح الأمريكية والإسرائيلية على حساب مصالح
شعوبهم ومصالح شعوب المنطقة بأسرها.
وقد انسحبت هذه السياسة الأمريكيّة على المنظمات الدوليّة مثل المحكمة الجنائية الدولية التي فرضت الولايات المتحدة
عليها عقوباتها الشهيرة على غرار إصدار الرئيس دونالد ترامب في 11 جوان 2020، أمرا تنفيذيا يُجيز تجميد الأصول
وحظر السفر العائلي ضد مُوظفيّ المحكمة الجنائية الدولية، مُستهدفاً الذين يُساعدون المحكمة الجنائية الدولية في تحقيقاتها،
في سياق المحاولات الأمريكية الحثيثة لعرقلة تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية في أفغانستان وفلسطين والتي يمكن أن
تحقق في سلوك المواطنين الأمريكيين والإسرائيليين. هذا الأمر الذي دعا “ريتشارد ديكر” مدير برنامج العدالة الدولية في
منظمة “هيومن رايتس ووتش” الأمريكية إلى القول : إنّ” تجميدَ الأصول وحظْرَ السفر هما لمُنتهكي حقوق الإنسان، وليس
للذين يسعون إلى تقديم مُنتهكيّ الحقوق إلى العدالة. وباستهدافها للمحكمة الجنائية الدولية، تُواصل إدارة ترامب هجومها على
سيادة القانون العالمية، ما يضع الولايات المتحدة في صف الذين يرتكبون ويتسترون على الانتهاكات الجسيمة، وليس إلى
جانب الذين يحاكمونها”.
وسَبَقَ لواشنطن وتل أبيب أن انسحبتا مِن منظمة اليونسكو احتجاجا على موافقة المجلس التنفيذي لهذه المنظمة الدولية
على طلب فلسطين الانضمام إليها كدولة كاملة العضوية وتصديق المؤتمر العام لليونسكو على الطلب الفلسطيني ، وهذا
الانسحاب الأمريكي يندرج في دفاع واشنطن المستميت عن اسرائيل خاصّةً بعْدَ تبنّي المنظمة قرارات لصالح فلسطين
ورفض التدخل الامريكي او الضغوطات مِن أجْل تمكين سيطرة الاحتلال على مناطق في التراث العالمي. وبالتالي حجبت
الولايات المتحدة الأمريكية حصتها في تمويل اليونسكو، والتي تبلغ 22 بالمائة من ميزانية هذه المنظمة.
علماً أنّ الولايات المتحدة الأمريكية عريقة في محاولة تسييس الثقافة الدولية وكانت قد انسحبت من اليونيسكو لفترة
19عاما وحجبت التمويل عنها بحجة اعتراضها على سياسة هذه المنظمة الدولية ، كما أنّ المخابرات الأمريكيّة “السي
.اي.اي” كانت تموّل عبْر العالم منابر ثقافية مِن خلال ما كان يُسَمّى “مجلس حريّة الثقافة” ومِن هذه المنابر المجلّات
الشهيرة “براف” الفرنسيّة” و “انكارتر” الإنقليزيّة و”حوار” العربيّة”.
وَمُواصلَةً لهذا التسييس الابتزازي عبْرَ العالَم تُهَدِّدُ واشنطن اليوم بِوَقْفِ تمويل الوكالة العالميّة لِمُكافَحَةِ المُنَشِّطات(الوادا)
غَيْرَ آبهةٍ بالضّرر الذي سيلحِق الرياضيّين الأمريكيّين قَبْلَ غيرهم. فواشنطن تريد معاقبة “الوادا” لأنّ الأخيرة حَذَّرت مِن
عدم امتثال الولايات المتحدة الأمريكيّة لتشريعات الوكالة الدولية لمكافحة المنشّطات على غرار ضرورة الالتزام بالميثاق
الأولمبي ولوائح “الوادا” لمكافحة المنشّطات وفضّ النزاعات في محكمة التحكيم الرياضية ، خاصّة وأنّ الوكالة الأمريكية
لمكافحة المنشطات دعمت الحكومة الأمريكية في هذا التوجّه الأحمق الذي سيحرم حتما الرياضيين الأمريكيين مِن
المشاركة في الأحداث الرياضية الدولية الكبرى. واشترطت الوكالة الأمريكية على الوكالة الدولية القيام بما أسمته
“إصلاحات” كي لا تحجب الولايات المتحدة حصّتها في التمويل عن “الوادا”. والإصلاحات الأمريكية كما عهدناها في كلّ
المجالات هي الإذعان للإرادة الأمريكية. وكعادة الأمريكان زعمت الوكالة الأمريكية أنّ الوكالة الدوليّة “تغضّ النظر عن
دول مثل روسيا كانت تعتمد على برنامج لتناول المنشطات برعاية الدولة” وهو اتهام نفاه المسؤولون الرّوس جملةً
وتفصيلا.
ومِن جهته ردَّ المتحدث باسم الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات “جيمس فيتزجيرالد” على التّخرُّصات الأمريكيّة بالقول:
“شعر عدد من الحكومات والجهات المعنية الأخرى بالصدمة من قدرة دولة ما على سحب تمويل الوكالة من جانب واحد
دون مواجهة أي عواقب. إنهم يشعرون أن ما يحدث مع حكومة الولايات المتحدة يمكن أن يخلق سابقة مدمرة على المستوى
الدولي يمكن أن تعرض النظام العالمي لمكافحة المنشطات للخطر”.
لا شكّ أنّ آخر ما قد يُفكّر فيه ساسة الولايات المتحدة التداعيات السلبيّة لسياساتهم المختلفة على مواطنيهم وبقية سكّان
المعمورة، فالولايات المتحدة التي نشأت على أنقاض شعب الهنود الحمر متوسّلة إبادته بالمجازر والحلول محلّه
بالاستيطان القهريّ تجد في الكيان الصهيوني الذي نشأ على أنقاض الشعب الفلسطيني مُتوسّلاً يدوره ذات المجازر
الإبادية والاستيطان القهري حليفاً وجوديّاً في هذه السياسة الأمريكيّة الثابتة في عدائها الوحشيّ التاريخيّ للإنسان ، بما
في ذلك الإنسان الأمريكيّ المُعاصر الذي ما فتئ هُوَ الآخَر يدفع ثمن السياسات العنصريّة والصهيونية داخل الولايات
المتحدة نفسها على غرار ضحايا انهيار البرجين التي لم تُنْشَر حتى الآن التحقيقات المتعلّقة بها والأحداث المتتالية التي
يذهب ضحيّتها الأمريكان السود وغيرهم مِن غير البيض وتهدد بدخول الولايات المتحدة في حرب أهلية ثانية.
كما أنّ فرضَ سياسات الهيمنة بالقوة العسكريّة واحتلال الدول المستقلّة و فَرْض العقوبات لتجويع الشعوب (كقانون
قيصر في سوريا) وقهر إراداتها الوطنية وإشاعة الدول الفاشلة عبْر العالم ، يُفْضي فقط إلى مجتمَع غابٍ كوني على
أنقاض الشرعيّة والقانون الدوليين اللذين تعتدي عليهما واشنطن يوميّا مِن القطب إلى القطب.
ولإنقاذ هذا الكوكب ومستقبله كوطن لابديل عنه للبشريّة لابدّ مِن التضافر الشعوبي والأمميّ والدوليّ لِوَضْع حدٍّ لهذا
العبث الأمريكيّ الصهيونيّ الذي لا يهدّد أنماط العيش الوطنيّة فحسب إنّما يفتك بشروط الحياة الحيوانيّة والإنسانيّة .
هادي دنيال