مقالات

الاقتصاد الرقمي

STP LA TUNISIENNE DE PUBLICITÉ

بقلم: الدكتور جابر غنيمي
مدرس جامعي
المساعد الأول لوكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد

المقدمة:
مکنت الثورة التي شهدها العالم في مجال المعلومات والاتصالات خلال التسعينيات من القرن الماضي من تعزيز دور الاقتصاد الرقمي في العديد من مناحي الحياة، حيث أصبحت  تکنولوجيا الاتصالات وتقنية المعلومات تلعب الدور الأساسي في القطاعات الاقتصادية المختلفة من خلال المساهمة في زيادة مستوي الکفاءة عبر عنصرين أساسيين( تقليل التکلفة، واختصار الوقت ) تلک العنصرين لإنجاز المعاملات الاقتصادية والمالية وتحسين إنتاجية العمالة وزيادة مستويات المنافسة بين المؤسسات الاقتصادية ، من جهة آخري، ارتبط نمو دور الاقتصاد الرقمي خلال  السنوات الماضية من الألفية الجديدة مع ظهور التقنيات المرتبطة بالثورة الصناعية والتي من بينها تقنيات الذکاء الاصطناعي والبيانات الضخمة وأنترنت الأشياء والحواسبة السحابية.
ويعد التحول الرقمي في الاقتصاد ضرورة يفرضها الوقت الراهن في ظل الحاجة إلى تنويع الاقتصاد للتخفيف من حدة الآثار السلبية للکوارث والأزمات خاصة فى ظل جائحة کورونا والذي عصفت بالاقتصادات العالمية ، حيث ظهر الاقتصاد الرقمي کحل للعديد من المشکلات الاقتصادية وأمکن الاستفادة من الخصائص التي يتميز بها الاقتصاد الرقمي من کافة الدول التي لديها بنية رقمية مکنتها من نمو اقتصادها بشکل متسارع حيث يعمل الاقتصاد الرقمي على زيادة مستويات المرونة من خلال قدرته على تحقيق نقلة نوعية متسارعة في الأداء الاقتصادي حيث أسهم في توفير العديد من الوظائف للأجيال الشابة المتزايدة والتي تلتحق بسوق العمل يوميا  .


ومن بين الأحداث الكبرى التي طرأت على مجال الاقتصاد الرقمي بشكل يكاد يكون مفاجئا ومهيمنا، ظهور وانتشار فيروس كورونا بشكل سريع كان سببا دافعا لهذا النوع من الاقتصاد لكي يجد البدائل الممكنة للتعايش مع الوضع الجديد.
لقد أدت جائحة فيروس كورونا إلى إنشاء “وضع طبيعي جديد”، حول العمل من المنزل، أو العمل عن بُعد، أو العمل المرن إلى قاعدة وليس إلى إستثناء، سواء كان العمل في مجال التعليم، أو التجارة أو التجزئة أو حتّى الرياضة والخدمات الأخرى، فقد تغير كل شيء وانتقل العمل بسرعة البرق، من المكتب إلى العمل خلال فترة الحجر المنزلي عبر منصات رقميّة.
لقد أصبح مصطلح “الاقتصاد الرقمي” من أكثر المفاهيم الاقتصادية استعمالا في هذا العصر، فهو متداول بشكل سريع في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والإنترنت وفي ظل التحول الرقمي بسرعة فائقة وباستخدام أحدث التقنيات.
ويمكن تعريف الاقتصاد الرقمي على أنه الشبكة العالمية للأنشطة الاقتصادية والمعاملات التجارية والتفاعلات المهنية التي يتم تمكينها بواسطة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتي تنتج عن مليارات الاتصالات الرقمية اليومية عبر الإنترنت بين الأشخاص، الشركات، الأجهزة، البيانات، إذ يُعد الاقتصاد الرقمي من العوامل التي تؤثر على المفاهيم التقليدية حول كيفية هيكلة الأعمال التجارية وكيفية حصول المستهلكون على الخدمات والمعلومات والسلع.
كما يعرف الاقتصاد الرقمي على أنه نمط اقتصادي متطور قائم على الاستخدام واسع النطاق للمعلوماتية وشبكة الأنترنت في مختلف أوجه النشاط الاقتصادي وخاصة في التجارة الالكترونية ، مرتكزا بقوة على الإبداع والمعرفة والتطور التكنولوجي خاصة ما يتعلق بتكنولوجيات الإعلام  والاتصال.
ويرتكز  الاقتصاد الرقمي على تطبيق التكنولوجيات الرقمية القائمة على الانترنت في جميع القطاعات والانشطة الاجتماعية والاقتصادية، سواء في عملية إنتاج السلع والخدمات والتجارة، أو في الاستخدام والاستفادة، مما أدى إلى إنعاش القدرة التنافسية لمختلف القطاعات وتوفير فرص جديدة في أنشطة الأعمال وتحسين نوعية السلع والخدمات المقدمة وتطوير المشاريع، واتاحة سبل جديدة للوصول إلى الأسواق الخارجية.
وينظر إلى الاقتصاد الرقمي كفرع من علم الاقتصاد؛ لدراسة السلع غير الملموسة ذات “التكلفة الصفرية”  عبر شبكة الإنترنت، والذي لاقى رواجًا ملحوظاً في السنوات الأخيرة، متفوقاً على  الاقتصاد التقليدي من عدة جوانب..
و ترجع نشأة مفهوم الاقتصاد الرقمي إلى دون تابسكوت مدير الأعمال والاستراتيجي الكندي الذي ادخل هذا المفهوم في عام 1995.
وكان الإنترنت، في ذلك الوقت، لا يزال في بدايات نشأته كشبكة عالمية، حيث صدر أول متصفح تجاري لشبكة الإنترنت في أكتوبر 1994.
وكانت المواقع الشبكية تنشر المحتويات فقط ولا تعالج المعاملات. وكان الأشخاص ينفذون إلى الإنترنت عن طريق الاتصال بالهاتف (عند سرعة 9,600 بث في الثانية) في أحسن الأحوال. ويتسم في أيامنا هذه بتكنولوجيات كانت غير معروفة وقت ظهوره كمفهوم، ومنها النفاذ إلى الحزمة العريضة الثابتة بسرعة تبلغ عشرات الميغابتات في الثانية، والحزمة العريضة النقالة، والهواتف الذكية وتطبيقاتها، والمواقع الشبكية التفاعلية، والشبكات الاجتماعية، والمنصات التشاركية، والحوسبة السحابية، وإنترنت الاشياء. وتجسد هذه التكنولوجيات الإمكانيات المنبثقة عن القوة الشبكية للاقتصاد الرقمي وقدرته على إعادة تعربف التعاون والقيادة، ورفع الإنتاجية البشرية، وبدء القضاء على العديد من الصناعات وتحدي قوة الشركات القائمة. وأصبح ذلك حقيقة في معظم البلدان المتقدمة والناشئة، مما يؤثر في إمكانات النمو والتنمية فيها. نشأة الاقتصاد الرقمي الاقتصاد الرقمي يعتمد بشكل أساسي ورئيسي على تقنيات الحاسب الرقمية، وبشكل واضح هو القيام بأعمال. من خلال أسواق معتمدة على الإنترنت وشبكة الويب العالمية، لذا فهو يعرف باقتصاد الإنترنت أو اقتصاد الويب.
و في إطار دراسة الاقتصاد الرقمي سنتعرض إلى أهميته و خصائصه { المبحث الأول} و مجالاته وأثاره{ المبحث الثاني}
المبحث الأول: أهمية و خصائص الاقتصاد الرقمي
يكتسي الاقتصاد الرقمي أهمية { الفقرة الأولى} و يتحلى بعدة خصائص { الفقرة الثانية}
الفقرة الأولى: أهمية الاقتصاد الرقمي
للاقتصاد الرقمي أهمية كبرى تتمثل في:

  • يعد وسيلة متميزة وغير مسبوقة للوصول إلى الأسواق العالمية في وقت واحد بأقل النفقات؛
  • يعتبر وسيلة فعالة للقيام بعقد الصفقات بين المتعاملين عن طريق الاتصال الالكتروني المباشر بينهم؛
  • يؤدي إلى تبادل المنافع بين المتعاملين من بائعين ومشتريين، كما يعمل على ترشيد القرارات المتخذة، بما يتميز به من تدفق المعلومات في الوقت المناسب وبطريقة منسقة ودقيق؛
  • يساهم في تبسيط وتنظيم عمليات المشروعات وتحقيق أهدافها عن طريق القضاء عن التأخير في إصدار القرارات الإدارية ومنع الأخطاء وتخفيض التكاليف وبالتالي المحافظة على حقوق أصحاب المشروع وزيادة الربحية؛
  • يساعد الشركات على إتباع نظم التصنيع الحديثة التي تتم بمساعدة الحاسب الإلكتروني من حيث تحديد تعاقب عمليات التشغيل وأسلوب التشغيل على أجزاء المنتج، وعمليات التحكم والرقابة، وتخطيط الاحتياجات من المواد وموارد التصنيع والتوقيت المحدد؛
  • إزالة الحواجز الجغرافية والزمنية، وتحسين التعامل مع القيود التكليفية.
    ولا تقتصر أهمية الاقتصاد الرقمي فقط في معالجة بعض المشكلات الملحة، مثل استنفاد الموارد الطبيعية، والتبعية،  والبطالة، وعدم كفاءة الحكومة،… فحسب، بل له فوائد اقتصادية واجتماعية كبيرة للأفراد والمجتمعات في مختلف المستويات، حيث يسمح بأتمتة العمليات التجارية مما يؤدي إلى تقليل تكاليف المعاملات، تحسين الكفاءة التشغيلية وزيادة القدرة الإنتاجية، علاوة على ذلك، فإنه يوفر فرص عمل جديدة لأعداد الشباب المتزايد، مما يؤثر على التوظيف وريادة الأعمال وتسريع النمو الاقتصادي. كما أنه يعزز تقديم الخدمات العامة، مثل الصحة والتعليم وتحقيق الشفافية، كما يحسن التفاعل بين المواطنين وحكوماتهم. بالإضافة إلى ذلك، يؤثر التحول الرقمي على العلاقات البشرية والسلوك الفردي، من خلال تسهيل التواصل والاندماج الاجتماعي
    ان أهمية الاقتصاد الرقمي تنمو بسرعة، حيث أدي الانتشار السريع للاقتصاد الرقمي إلى تغيرات في العمليات والأنظمة داخل القطاعات الاقتصادية الحالية، من خلال إعادة تشکيل سلوک المستهلک الحالي، و التفاعلات التجارية و نماذج الأعمال، و ظهور عمليات و أنظمة و قطاعات اقتصادية جديدة داخل القطاعات الفردية،حيث أفرز الاقتصاد الرقمي ظهور العديد من الشرکات الجديدة المعتمدة على  الرقمنة بشکل کامل مثل ، “أوبر” أکبر شرکة “سيارات أجرة” في العالم، و”فيسبوک” شرکة الوسائط العالمية الأکثر شهرة في العالم، و”علي بابا” أکبر شرکة تجزئة في العالم وأکثرها قيمة و”Airbnb “أکبر شرکة فنادق في العالم، مما يؤکد أن الاقتصاد الرقمي يمثل دفعة کبيرة للاقتصاد  بشکل کبير .

الفقرة الثانية: خصائص الاقتصاد الرقمي
من أهم خصائص الاقتصاد الرقمي:

  • السلع الرقمية حيث تتواجد كافة السلع بصورة رقمية.
  • انتشار المعرفة وتزايدها بصورة هائلة.
  • توفير المنتجات الذكية و الأصول الفكرية و التعلم والتدريب المستمرو الفكر الشبكي مقابل الفكر الانعزالي.
  • انتشار وضخامة المعلومات بشكل هائل.
  • الاجتماع الافتراضي حيث يتم عقد الاجتماعات عبر الإنترنت دون الخروج من المنزل.
  • الشركة الافتراضية حيث تقوم الشركة بعملها عبر الإنترنت.
  • السوق الافتراضية حيث يعرض السوق كل المنتجات وبشكل افتراضي.
  • الجامعة الافتراضية حيث يتم التعلم عبر الجامعات الافتراضية.
    و من مميزات الاقتصاد الرقمي كذلك:
  • تعزيز استخدام الإنترنت: أصبح من الممكن القيام بالأعمال اليومية على الإنترنت وأدي النمو الهائل للتكنولوجيا والإنترنت إلى وجود شبكة عالمية.
  • زيادة هائلة في الاستثمار في كل الأمور والتي لها صلة بالاتي: الأجهزة، البحوث التكنولوجية، البرامج، الخدمات، الاتصالات الرقمية.
  • الاقتصاد ضمن أن الإنترنت موجود للبقاء وأيضاً الشركات القائمة على الويب. – – ارتفاع في التجارة الإلكترونية: لقد ارتفعت مكانة الشركات التي قامت باستخدام الإنترنت والقيام بالأعمال التجارية عبر الإنترنت.
  • قام الاقتصاد الرقمي بدفع قطاع التجارة الإلكترونية إلى آمال بعيدة.
  • لا تعتمد وتقتصر فقط على البيع المباشر ولكن الشراء والتوزيع والتسويق والإبداع وكل ذلك أصبح أسهل بسبب الاقتصاد الرقمي.
  • توفير السلع والخدمات الرقمية: في الماضي كان هناك فيلم مسجل على أسطوانة (DVD) أو الموسيقى المضغوطة أو السجلات وفي الوقت الحالي هذه السلع متاحة لنا بشكل رقمي على الإنترنت وليست هناك حاجة لأي منتجات ملموسة بعد الآن. – الخدمات المصرفية والتأمين: أصبح بالإمكان عدم زيارة البنك الذي نتعامل معه لذا يمكننا القيام بكل المعاملات عبر الإنترنت، وتم تحويل بعض السلع والخدمات إلى أرقام رقمية بالكامل.
  • الشفافية: التعاملات معظمها ودفع أثمانها في الاقتصاد الرقمي يحدث عبر الإنترنت. المعاملات النقدية أصبحت نادرة في الوقت الحالي. وهذا يساعد على الحفاظ على الأموال والفساد في السوق وجعل الاقتصاد أكثر شفافية. كما أن تشجيع الحكومة لإجراء المعاملات عبر الإنترنت يؤدي إلى تعزيز اقتصاد الويب.

المبحث الثاني: مجالات وآثار الاقتصاد الرقمي
للاقتصاد الرقمي مجالات { الفقرة الأولى} و أثار{ الفقرة الثانية}
الفقرة الأولى: مجالات الاقتصاد الرقمي
هناك العديد من المجالات التي تعد أساسية لنجاح الأعمال في الاقتصاد الرقمي:
1- مستقبل العمل: يعمل الناس بانتظام من مكاتب مختلفة أو في منازلهم، أو القيام بالعمل في مقهى محلي بينما تم تغيير مكان العمل نتوقع جميعاً نفس مستوى الاتصال في المكاتب الفعلية. يتطلب ظهور هذه المؤسسة العالمية المرنة من المؤسسات إدارة نظام بيئي ديناميكي للمواهب والقيام بتمكين عمليات الأعمال الرقمية وفعاليتها وتوزيعها في أماكن ومناطق زمنية مختلفة.
2- تجربة الزبون: في الاقتصاد الرقمي يريد جميع العملاء من شركة إلى شركة وكذلك من شركة إلى مستهلك التفاعل مع الشركات في أي وقت وأي مكان ويتم ذلك بشكل سريع ومنظم.
3- إنترنت الأشياء: مع استمرار انخفاض أسعار أجهزة الاستشعار نصل إلى مرحلة فيها نقوم بتوصيل كل شيء مثل توصيل الأشخاص والشركات والأجهزة والعمليات بعضها مع بعض.
و لهذا يتطلب الاقتصاد الرقمي توفر العديد من المتطلبات الأساسية، ويمكن تلخيص الدعائم  الأساسية للتحول فيما يلي:
1- التعليم: يعتبر التعليم الدعامة الأساسية لاقتصاد المعرفة، فلا يمكن لأية دولة كانت أن تتوجه إلى الاقتصاد المعرفي دون أن تمتلك رأس مال البشري المؤهل.
2- الإبداع والابتكار: تعتمد الدول المتقدمة على الإبداع والابتكار والتطوير للمحافظة على مكانتها استمرارها في عالم تشتد فيه المنافسة، ومن الممكن انطلاقا من الإبداع الوصول إلى ابتكارات تؤدي إلى إدخال تكنولوجيات ومنتجات جديدة، والتي تؤدي إلى تحقيق التحول الرقمي و النجاح الاقتصادي.
3- النظام الاقتصادي والمؤسسي: إن التكيف مع التغيرات العالمية لم يعد يقتصر على القطاع الخاص فحسب، بل كذلك مؤسسات الدولة عبر تطوير النظم والخدمات وتحديث البنى التشريعية الداعمة للتحول الرقمي.
4- البنية التحتية: إن امتلاك بنية أساسية قوية لتكنولوجيات المعلومات والاتصال من شأنه أن يساعد في رفع سرعة وكفاءة تبادل المعلومات بين الدول، وفي سد الفجوات بالنسبة لاكتساب المعرفة وإنتاجها وتبادلها وتطبيقها.
الفقرة الثانية: أثار الاقتصاد الرقمي
يمثل قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ركيزة اقتصادية رئيسية للاقتصاد الرقمي، وتتفق العديد من الدراسات أن الاستثمار بطريقة سليمة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يولد منافع هائلة لنمو الاقتصاد، ولقطاعات  الخدمات المتنوعة، مثل الصحة والتعليم، ….. لذا يجب تطوير مؤشرات ملائمة لقياس مساهمة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في نمو الاقتصاد الوطني. 
و للاقتصاد الرقمي اثأر على مستوى التنمية المستدامة. فلقد تم النظر الى  التنمية المستدامة  باعتبارها  عملية تطوير الأرض والمدن والمجتمعات وكذلك الأعمال التجارية بشرط ان تلبي احتياجات الحاضر بدون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية حاجاتها. فان الثورة العلمية والتكنولوجية تساهم في عملية تحقيقها وتم تبني 17 هدفا لتحقيق التنمية المستدامة من قبل الامم المتحدة  ، وتم التركيز عالميا على دور التكنولوجيا بصفة عامة في عملية التنمية،  فيتوقع ان يساهم  الاقتصاد الرقمي في نمو الناتج المحلي العالمي بنسبة  24.3 % بحلول عام 2025. وفي ذات الوقت، أصبح تطوير بنية تحتية رقمية عالية السرعة اعتماداً على تقنية الحوسبة السحابية.
 ومن ثم فان الاقتصاد الرقمي يتيح فرص هائلة للتنمية في الدول العربية وهو ما يفرض أهمية التقدم في توفير خدمة الاتصال بالإنترنت عبر النطاق العريض بتكلفة معقولة، وأهمية تواجد أنظمة الدفع الإلكتروني ، والاستثمار في  البنية التحتية الرقمية ، وانشاء مراكز البيانات، وهو ما يساهم في نمو الأعمال التجارية ذات الاستخدام الكثيف للبيانات، والانتقال نحو الاقتصاد القائم على البيانات.
وأصبحت عملية الاستثمار في العلم مدخلا هاما للاستحواذ على القوة في العالم المعاصر ، وبخاصة بعد أن أصبح عنصرا من عناصر الإنتاج ،وارتباط ذلك بتوافر بيئة حاضنه تتمثل في قدرات البحث العلمي وحجم الإنفاق وعدد الكوادر العلمية ،والتي باتت تشكل عناصر القوة الشاملة للدولة. وترتبط عملية الإبداع التكنولوجي بدرجة النشاط العلمي والمالي والتجاري وبمدى تبني المنتجات الجديدة والأساليب الفنية وإدخاله للسوق أو استعماله في أساليب الإنتاج .
وجاء ذلك في ظل تصاعد العلاقة بين التكنولوجيا ورأس المال ،وهو ما يشير الى حجم التحول في دور  الاقتصاد الرقمي في النمو الاقتصادي ، وليعكس حجم التغير الى الوضع الذي أصبح “المال يصنع المال” وليس الإنتاج أو السلع.وفي سبيل ذلك توجهت العديد من الدول الى الدخول في مجال المنافسة في إنشاء أودية للتكنولوجيا وفي تخصيص ميزانيات تتعلق بالإنفاق على البحث والتطوير والابتكار،وبخاصة مع قدرة قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على توفير منافذ جديدة لخلق الوظائف التي يمكن أن تساعد على معالجة البطالة وزيادة حجم الصادرات للمنتجات والخدمات التكنولوجية ناهيك عن تغطية سوق محلي تتنافس علية شركات خارجية. ويأتي ذلك في ظل وجود سوق عالمي مفتوح ومستقبل لعملية التطوير المستمر في المنتجات والخدمات ،وفي ظل تضائل الفجوة الزمنية بين البحث العلمي وتحويلة إلى التطبيق وعملية ربطه بالسوق .
 وعلى الرغم من البعد الاقتصادي للإبداع التكنولوجي إلا أنه له أبعاد أخرى إستراتيجية ومتشابكة مع غيرها من العوامل الأخرى الفاعلة في التغيرات النسبية أو المطلقة في القدرة التكنولوجية. وتتطلب عملية الاختراع أو الابتكار توافر مهارات وخبرات متعددة. ولا يعتمد نظام الاختراع على الفكرة نفسها، وإنما على كيفية تطوير الفكرة وجعلها إنتاجاً واسعاً، وهو ما أعطى أهمية كبرى لدور المهارات التقنية والقانونية والإدارية في المحافظة على الموقع الصناعي والحفاظ على النوعية والكفاءة الإنتاجية، وأصبح الصراع بين الدول يرتكز على المنافسة في تبني الابتكارات وتحويلها إلى تطبيقات عملية وهو ما جعل الدول تتطلع إلى تنمية قدراتها التكنولوجية، والتي أصبحت تعبيرًا عن المكانة والنفوذ والقوة الى جانب تحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعه .بعد أن أصبح الاقتصاد الرقمي المحرك الرئيسي للاقتصاد على حساب تراجع دور الاقتصاد التقليدي المعتمد على معايير جغرافية كالمساحة والموارد الطبيعية .
الخاتمة:
تبين النتائج أن الدول العربية تواجه تحديات عديدة تعيق عملية التحول الرقمي، فبالرغم من أن لكل دولة أولويات خاصة واختلاف التحديات التي تواجه عملية التحول الرقمي من دولة إلى أخرى ، إلا أن المنطقة العربية تشترك في كثير من التحديات والمجالات التي تستلزم تضافر الجهود للتغلب عليها، وتتمحور هذه التحديات حول أربع مجالات رئيسة وهي: رقمنة الحكومة، وشركات القطاع الخاص، توفير التمويل، الابتكار والقدرات البشرية.
وفي ظل الأزمة التي يعيشها العالم بسبب جائحة كورونا وانخفاض معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي في العالم بأسره، يعد تسريع جهود الرقمنة في المنطقة العربية ضرورة ملحة، من خلال إعادة تقييم الأولويات وإعطاء قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأولوية، بتوفير البنية التحتية للاتصالات السريعة ونشر التكنولوجيا، من أجل دعم التحول الرقمي الذي تتطلبه أهداف التنمية المستدامة.
وباعتبار الدور الرئيسي للمورد البشري والابتكار في مجالات التكنولوجيا في عملية التحول الرقمي، يتوجب على الدول العربية وضع خطط لرفع مستوى التمويل في هذا المجال، لا سيما في ظل نقص الكفاءات والمهارات الرقمية، وذلك من خلال زيادة نسب الإنفاق على البحوث والتطوير وبرامج بناء القدرات التي تستهدف الأعمال وتطوي ر المجتمع وتطوير فرص العمل في التقنيات الجديدة، بما في ذلك التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء وغيرها من  التكنولوجيات الحديثة والناشئة.
كما أنه في ظل تنامي المخاطر التي أدخلتها التقنيات والتطبيقات الجديدة، بما في ذلك المخاطر الأمنية، في ظل نقص التشريعات اللازمة للتعامل مع هذا النوع الجديد من الاقتصاد بالدول العربية ونقص الثقافة الرقمية لدى المواطن، لذا يتعين على الحكومات العربية توفير السياسات والتدابير القانونية واتخاذ خطوات حاسمة لحماية البيانات الحساسة وخصوصية الأشخاص والحد من هجمات الإنترنت والجرائم الإلكترونية، لضمان تجربة تحول رقمي آمنة في جميع المجالات. وعلى مستوى الإقليم يتمثل التحدي في عدم وجود مبادرات مشتركة، حيث أثبتت التجارب بالدور المتزايد للقيادة والتعاون ودورهما في النهوض بالأجندة الرقمية للإقليم ككل.
وبالرغم من عدم توفر بيانات عن إيرادات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بالعديد من الدول العربية، لكن مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي لهذه البلدان، قد تراوحت خلال السنوات الأخيرة الماضية بين 0.6 و 6 % ، وتأتي هذه المساهمات أساساً من الاتصالات، ويرجع ذلك إلى تركز القيمة المضافة لقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في البلدان العربية في خدمات الاتصالات، حيث تصل هذه النسبة عموما إلى 80 % من مجموع القيمة المضافة للقطاع في العديد من البلدان النامية، مقارنة مع 30 % في الاقتصادات المتقدمة لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي..وتتوزع النسبة المتبقية من المائة غالباً على خدمات تكنولوجيا المعلومات، الأجهزة وبرامج الحاسوب.

المراجع:

  • خالد احمد على محمود، الاقتصاد الرقمي الحديث، دار الفكر الجامعي
  • صفاء عبد الجبارالموسوي، زينب هادي نعمة، الاقتصاد الرقمي، دار الأيام و النشر و التوزيع.
  • أسامة عبد السلام السيد، الاقتصاد الرقمي، دارالمنهل
  • دون تبسكوت، الاقتصاد الرقمي، دار المنهل.
  • إسامة هوادف، الاقتصاد و المال، دار هومة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى