إصلاح القضاء : إقامة العدل

بقلم الهادي كرو
في إطار الدراسة المتعلقة بإصلاح القضاء والتي صدرت في شانها إقتراحات تضمنتها خمس حلقات خصصت على التوالي للبحث ومحطاته وللمحاكم وتركيبتها ولتوحد القضاء والمحاكم وتخصص الحلقة السادسة لضمان إقامة العدل وهذا جزؤها الثاني .
الدستور وإقامة العدل .
إن معاملة دستور 2014 للسلطة القضائية لا تختلف شكلا عن معاملته للسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية لانه حصص لكل سلطة بابا كاملا .
حسب الفقرة الاولي من الفصل 102 من الباب الخامس المتعلق بالسلطة القضائية القضاء هو ” سلطة مستفلة تضمن إقامة العدل، وعلوية الدستور، وسيادة القانون، وحماية الحقوق والحريات ” وتلك هي مميزات القضاء وإلتزاماته
1 – مميزات القضاء
إن صفة القضاء وصلاحياته في دستور 2014 تحتاج الشرح والتدقبق والوقوف على معنى القضاء سلطة مستقلة – أولا – وعلى معنى القضاء سلطة تضمن إقامة العدل، وعلوية الدستور، وسيادة القانون، وحماية الحقوق والحريات – ثانيا –
- القضاء سلطة مستقلة
إذا كان المقصود بلفظ القضاء في الفصل 102 من دستور 2014 السلطة القضائية فإنه يختلف تمام الإختلاف عن معنى القضاء الوارد بعنوان القسم الأول من الباب الخامس المتعلق بالسلطة القضائية بإعتباره من مكوٌنات السلطة القضائية الأربعة وهي القضاء العدلي والقضاء الإداري والقضاء المالي والمحكمة الدستورية وأنواع القضاء الثلاثة من مكوٌنات المجلس الأعلى للقضاء حسب الفصول من 112 الى 117 . - القضاء سلطة
يفهم من لفظ القضاء سلطة ان القضاء من السلط المكوٌنة الدولة وهو في الدستور مرفق عمومي . - القضاء سلطة مستقلة
إن كان لفظ مستقلة يعود على السلطة فإنه قد يفيد ان السلطة القضائية قائمة بذاتها وإن كان يعود على القضاء فهذا امر مردود لان القضاء بانواعه الثلاثة غير مستقل بنص دستور 2014 .
يرجع المعنى الأصلي والتاريخي للفظ القضاء سلطة مستقلة الى الثورة الفرنسية وإلى
من المؤكد ان أعضاء المجلس التاسيسي لم يسترجعوا عند إستعمال لفظ ” القضاء سلطة مستقلة ” معناه الأصلي الذي يعود الى الثورة الفرنسية سنة 1978وإلى العزم الراسخ على الحدٌ من سلطات الملك وللغرض قرر الفريق المكلف بالدستور العمل بمبدإ تفريق السلط وإعتبر ” القضاء سلطة مستقلة ” و عند الحاجة الى القضاء غير المستقل تحدث المحكام الأستثنائية والقانون سلطان على القضاة في قضائهم لانه من الشعب ويعبٌرعن إرادته .
يمكن إعتبا رالقضاء العدلي التونسي سلطة مستقلة بعد ان صدر امر الباي المؤرخ في 14 افريل 1921 ووضع حدٌا بصفة نهائية لقضاء المعاريض .
من الثابت دستور 2014 ان لم يقصد عند إستعمال لفظ القضاء سلطة مستقلة لا معناه في تاريخ الثورة الفرنسي ولا معناه فيتاريخ التشريع التونسي ولا ينطبق علىه معنى المثل القائل ” ربٌ رامية بدون رام “
ويتضح معنى لفظ القضاء سلطة مستقلة في دستور 2014 من خلال البيانات التالية
/ – الإستقلال
لئن كانت النيابة العمومية وحدها وهي جزء من القضاء العدلي حسب منطوق الفصل 115 من دصتور 2014 غير مستقلة لان وزير العدل ياذنها بإجراء التتبعات طبقا لاحكام الفصل 23 من مجلة الإجراءات الجزائية فقد اصبح القضاء اي السلطة القضائية بكل مكوٌناتها وهي القضاء العدلي والقضاء الإداري والقضاء المالي ومحكمة التعقيب والمجلس الأعلى للقضاء غير مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية برئيسيها رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بعد صدور دستور 2014.
تنفيذا لاحكام دسنور 2014 تعدّ كل من محكمة التعقيب التابعة للقضاء العدلي حسب الفصل 115 والمحكمة الإدارية العليا التابعة للقضاء الإداري حسب الفصل 116 ومحكمة المحاسبات التابعة للقضاء المالي حسب الفصل 117 تقريرا سنويا تحيله إلى كل من رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس نواب الشعب، ورئيس الحكومة، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، ويتم نشره .
إن كان إعداد التقرير وإحالته الى رئيس المجلس الأعلى للقضاء ونشره امرا مقبولا فإن إحالته بالتسليم المباشر وبالزي الرسمي إلى رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس نواب الشعب، ورئيس الحكومة، في إستقبال تحضره التلفزة وتبث صوره في نشرة الاخبار امرغير جائز لانه يحط من قيمة السلطة القضائية ولأنه يمكن الحصول على نسخ التقارير بعد نشىرها ويمكن إرسالها دون تسليمها مباشرة ودون تنقل لم يقتضيه الدستور واقره الواقع .
وكان من الممكن إتباع طريقة نشر التقارير الخصوصية التي تعدها محكمة المحاسبات عند الاقتضاء وتنشرها
/– لا يمكن ان يعود لفظ الإستقلال على القضاة بإعتبارهم المكونين للقضاء لان الحاكم في النظام القضائي الحالي لا يمكن ان يستند في قضائه إلا على نص من القانون الموضوع ليطبقه تحت مراقبة محكمة التعقيب وهي قاعدة متجذرة في التاريخ أساسها الخوف من ان يستعلي القضاة على السلطة الحاكمة عندما تجتمع بايديهم سلطة سنٌ التشريع وسلطة إصدار الاحكام . 2 – إلتزامات القضاء
القضاء يضمن إقامة العدل وعلوية الدستور، وسيادة القانون، وحماية الحقوق والحريات
يتم التعرض الى واجبات القضاء دون ان يتبع الترتيب الوارد بنص الفصل 102 من الدستور
ا – اما علوية الدستور فإن المحكمة الدستورية هي التي تضمنها حسب الفصول 118 الى الفصل 124 من الدستور وهذه المحكمة لم ترى لاسباب مبيتة وقد مرت ثماني سنوات على تاريج صدور الدستور وجمد المجلس التشريعي ثم تم حله .
ب – اما ضمان سيادة القانون فامره موكول لمحكمة التعقيب التي تراقب حسن تطبيق القانون وتمنع الإستناد لغير نصه
ث – اما حماية الحقوق والحريات فإن القضاء لا يقدر عليها إلا إذا وجد الحاكم قانونا يستند اليه يرعى الحقوق والحريات .
وللوقوف على علاقة الحقوق والحريات المطلوب من القضاء حمايتها حسب الفصل 102 من دستور 2014 بالحقوق والحريات التي خصص لها الدستور الباب الثاني والفصول من 21 الى 49 يتبين ان الدستور ذ كر ما إستحضر من الحقوق والحرٌيا ت وحمل الدولة حماية البعض منها إلا ان القضاء يتحمل في النهاية الحماية كاملة لان الدولة لان التغافل عن القيام بالواحب مميزات الدولة
ويقتضى الفصل 49 من الستور ان يحدد القانون الضوابط المتعلقة بالحقوق والوجبات المضمونة بهذا الدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها ثانيا ولا توضع هذه الضوابط إلا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية ويهدف حماية حقوق الغير او لمقتضيات الامن العام او الدفاع الوطني او الصحة العامة او الاداب العامة وذلك مع إجترام التناسب بين هذه الضوابط وموجباتها وتتكفل الهيئات القضائية بحماية الحقوق والحريات من أي انتهاك .
لا جدال ان الدستور حين إشترط ان يحدد القانون الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة به وممارستها بما لا ينال من جوهرها فقد اعطى فرصة يقبر بها الواجب لان وضع القانون غير مضمون و تلكا الدولة في القيام بالواجب الى ان يزول ولو صدر الحكم بإنحاوه امر وترد .
إن النصوص المتعلقة بالحقوق والواجبات مثلها مثل اغلب نصوص الدستور حشو غير عملي وسرد فضفاض لالفاظ يبدو كانٌ من وضع الدستور لا يعرف كنهها وسبل تفعيلها .
ث – إقامة العدل
لا يختلف إثنان في ان العدل هو نعمة الله على عباده عامة وعلى المتقاضين خاصة وهو إعطاء الحق لصاحبه كاملا .
إن الممثل للقضاء هو الحاكم وهو الذي يضمن إقامة العدل .
والحاكم إما ان يكون حرا في قضائه ؤإما ان يكون مقيدا بوسيلة يستند اليها في حكمه .
وكان يحكم القاضي في عهد الرسول ص لى الله عليه وسلم أولا بالقرآن وثانيا بالسنه إذا لم يجد النص في القرأن وثالثا بالراي إذا لم يجد النص في السنة .
فكيف يضمن اليوم القضاء أي الحاكم إقامة العدل ؟ .
إن الوسيلة التي تضمن إقامة العدل تنصٌ عليها الفقرة الأولى من الفصل 102 من دستور 2014 وهي منقولة من الفصل من دستور 1959 في صيغة المفرد وهي القاضي مستقل لا سلطان عليه في قضائه لغير القانون .
لا يحقق الحكم العدل والإنصاف إلا إذا وجد القاضي قانونا يضمن إقامة العدل ونصا يحققه
حين استهل دستور 2014 الباب الخامس المتعلق بالسلطة القضائية بالفصل 102 الذي ينص على ان ” القضاء سلطة مستقلة ” فانه يعطى الحجة على جهل معناه في اللغة وهو رجوع صفة فقدها القضاء وهى السلطة المستقلة ومعناه في تاريخ التشريع الفرنسي والتشريع التونسي حين حدث لاسباب مختلفة في ازمنة قديمة متفاوتة ولا يمكن ان يكون له معنى ان الثورة ارجعت للقضاء صفة فقدها وهي السلطة المستقلة لان الامر لم يحدث وتضاعفت الإتزامات نحو السلطتين التشريعية والتنفيذية على حد السواء بعد ان كانت النيابة العمومية ملتزمة بالتتبع الذي ياذن به وزير العدل .
(يتبع) الهادي كرو