إستقلال القضاء

بقلم الهادي كرو
الجزء الرابع
القضاء وإستقلاله بعد الثورة
الفصل الأول السلطة القضائية بعد الثورة
القسم الأول
السلطة القضائية والقوانين المنظمة للسلط العمومية
القسم الثاني
السلطة القضائية ودستور 2014
لئن خصص دستور 2014 للسلطة القضائية بابا كاملا وهو الباب الخامس على غرار السلطة التشريعية التي خصص لها الباب الثالث والسلطة التنفيدية التي خصص لها الباب الرابع فهذا لا يفيد إنه يعطي السلطة القضائية درجة تساوي الدرجة التي يعطيها لكل واحدة من السلطتين السابقتين اللتين تتكوٌن منهما الدولة رغم انها تتكون من ثلاثة مجالس قضائية العدلي والإداري والمالي ومن المجلس الأعلى للقضاء ومن المحكمة الدستورية لانه يخصص ايضا بابا للهيئات الدستورية المستقلة وبابا للسلطة المحلية رغم انها ليست من سلطتي الدولة وليست في درجتهما . وبهذا نصل الى السؤال المتعلق بمقاصد الدستور من السلطة القضائية التي خصص لها الباب الخامس.
إن الوقوف على مفهوم السلطة القضائية في دستور 2014 يستوجب بيان مشمولات هذه السلطة – أولا- و مكوٌناتها – ثانيا – .الفقرة الاولى
مشمولات السلطة القضائية
تشتمل السلطة القضائية في دستور 2014 على قسمين إثنين وهما القسم الأول القضاء العدلي والقضاء الإداري والقضاء المالي المالي والقسم الثاني المحكمة الدستورية .
ويشتمل القسم الأول على أربعة فروع وهي الفرع الأول المجلس الأعلى للقضاء الفرع الثاني القضاء العدلي الفرع الثالث القضاء الإداري الفرع الرابع القضاء المالي ويضبط القانون النظام الأساسي الخاص بالقضاة التابعين لكل فرع من الفروع القضائية الثلاثة وباعضاء الفرع الرابع وهوالمجلس الأعلى للقضاء .
اما القسم الثاني المتعلق بالمحكمة الدستورية التي تتالف من إثنى عشر عضوا والتي لم يتم ارساؤها رغم ان الفصل 148 من الدستور يقتضي ان يتم إرساؤها في اجل أقصاه سنة من تاريخ الانتخابات التشريعبة وقد مرٌت على الثورة عشر سنوات وما زالت الهيئة الوقتية المحدثة لتراقب دستورية مشاريع القوانين قائمة والتي تنتهي مهامها بإرساء المحكمة الدستورية الا انها الغيت الفصل 21 من الأمر الرئاسي عدد117 لسنة 2021 المؤرخ في 22سبتمبر 2021 المتعلق بتدبير استثنائية .
ان هذه الأسباب لا تمنع من إعتبار المحكمة الدستورية مؤسسة قائمة بذاتها لا علاقة عضوية لها بالسلطة القضائية وبذلك تصبح دراستها في هذا الموطن خارجة عن موضوع دراسة السلطة القضائية التي خصص لها الدستور القسم الأول من الباب الخامس. ويكون المقصود بالسلطة القضائية في هذه الدراسة هو التجمع المتكوٌن من هيئات القضاء العدلي والقضاء الإداري والقضاء المالي الذي عهد الفصل 114 من الدستور للمجلس الأعلى للقضاء ضمان حسن سير القضاء وإحترام إستقلاله وتستثنى المحكمة الدستورية التي لها نظام خاص بها بإعتبارها هيئة قضائية مستقلة عن الهيئات القضائية الأخرى وعن المجلس الأعلى للقضاء رغم ان الدستور يخصص لها القسم الثاني من الباب الخامس المخصص للسلطة القضائية .
.وعلى هذا الأساس تكون هيئات القضاء العدلي والقضاء الإداري والقضاء المالي حسب الفصول 115و116 و117 من الدستور هي التي تتكون منها السلطة القضائية .بعد ان تبين مفهوم السلطة القضائية في دستور 2014 وتأكيد من مكوناتها ان دستور 2014 يعطي هذه السلطة مفهوما يختلف عن مفهوم السلطة القضائية قبل الثورة
أولا – مفهوم السلطة القضائية قبل الثورة
إن المقصود بالسلطة القضائية قبل الثورة هو القضاء العدلي ويتجلى مفهومه التقليدي من مشمولاته .يتألّف السّلك القضائي من القضاة الجالسين ومن أعضاء النّيابة العموميّة ومن القضاة التّابعين لإطار الإدارة المركزيّة بوزارة العدل حسب الفصل 10 من القانون عدد 29 لسنة 1967.
ان كانت وظائف القضاة تتجسم في إصدار الاحكام ومارسة مهام الادعاء العمومي والسهر على شؤون القضاء فإن إصدار الاحكام واعمال النيابة العمومية تمارس بمقرات المحاكم واما السهر على شؤون القضاء فانه يمارس بوزارة العدل
.ومن المعلوم ة ان الحالة القانونية للقضاة العاملين بوزارة العدل لا تختلف عن الحالة القانونية للقضاة العاملين بالمحكمة فهم في حالة التحاق وليسوا في حالة الإلحاق القانوني وكل القضاة هم في حالة مباشرة .بصرف النظر عن طبيعة العمل الذي يقومون به لإن القضاة يخضعون الفصل 59 من القانون المتعلق بالوظيفة العمومية عدد 112 لسنة 1983 الذي ينطبق على القضاة بصفة عامة ويلزمهم مهما كان نوع العمل الذي يقومون به بان يكونوا مثل الموظفين في حالة من الحالات القانونية التالية1 المباشرة2 الإلحاق3 عدم المباشرة4 تحت السلاح وعلى هذا الأساس وإعتبارا ان السّلك القضائي يتالف من القضاة الجالسين ومن أعضاء النّيابة العموميّة ومن القضاة التّابعين لإطار الإدارة المركزيّة بوزارة العدل حسب الفصل 10 من القانون عدد لسنة 1967 يكون كل هؤلاء القضاة في حالة مباشرة ولو كانوا يعملون بالوزارة لانهم يتنقلون دون تخصص للقيام بمهام قضائية معينة بالمحاكم او بوزارة العدل حسب تعيين يتم بالصفة وببلوغ الرتبة المفضية لدرجة الإنتقال الى مهمة داخل المحكمة او الى الوزارة والعمل بها والجدير بالملاحظة ان مؤسسة المجلس الأعلى للقضاء لم تحدثها الثورة وإنما هي معروفة قبلها من اهل الشأن ولها مفهوم يختلف عن مفهومه في دستور 2014 .
بعد ان تبين مفهوم السلطة القضائية قبل الثورة فما هو مفهومها في دستور 2014 ثانيا – مفهوم السلطة القضائية بعد الثورة لقد احدث قانون المجلس الأعلى للقضاء عدد 34 لسنة 2016 الصادر يوم 28 افريل 2016 تغييرا جذريا لمفهوم السلطة القضائية تأكيدا للدستور الصادر يوم 27 جانفي 2014 وادخل على حالة القضاة التابعين للقضاء العدلي والعاملين بوزارة العدل وبالتفقدية العامة غموضا لا يقل حدٌة عن الغموض الذي احدثه لوضعية الوزارة نفسها ولعلاقتها بالسلطة القضائية عموما وبالقضاة خصوصا سواء كانوا يعملون بالمحاكم او بوزارة العدل وإدارتها وذلك عندما احدث الفصل 68 من القانون الأساسي عدد 34 لسنة 2016 داخل المجلس الأعلى للقضاء الكتابة العامة وإدارة شؤون القضاة وإدارة البحوث والدراسات وذلك في إطار الإستقلال الإداري والمالي والتسيير الذاتي فمن المفروض ان تنتهي كل علاقة مهنية او عضوية بين السلطة القضائية ووزارة العدل .
وحين اقر الفصل 70 من قانون المجلس الأعلى للقضاء عدد 34 لسنة 2016 ان يخضع أعوان المجلس الأعلى للقضاء الى احكام القانون عدد 112 لسنة 1983 المؤرخ في 12 ديسمبر 1983 المتعلق بالوظيفة العمومية وتضبط انظمتهم الأساسية الخاصة بامر حكومي بناء على إقتراح من المجلس الأعلى للقضاء .
فقد اصبح يطبٌق بذلك الفصل 61 من قانون الوظيفة العمومية عدد 112 لسنة 1983 على القضاة الذين هم في وزارة العدل وفي التفقدية العامة فيصبحون قانونا في حالة الحاق وجوبي وكانهم انتقلوا من صنف القضاة ” المباشرين للقضاء ” الى صنف القضاة الملحقين بالقانون والتابعين بصفة وجوبيا للوظائف الإدارية بوزارة العدل والتفقدية العامة .
لقد كان إلتحاق القضاة بوزارة العدل والتفقديتة العامة بإعتبارهم في حالة مباشرة قانونية وليس في حالة الإلحاق فصاروا ملحقين وجوبا بالوزارة طبقا لقانون الوظيفة العمومية بعد ان اصبحت توجد لدى المجلس الأعلى للقضاء مصالح إدارية خاصة واستقل بذلك عن وزارة العدل تطبيقا للفصل 68 من قانون المجلس الأعلى للقضاء عدد 34 لسنة 2016 .
لا بدٌ في مثل هذه الحال من معرفة الحال القانونية التي عليها القضاة العاملين بوزارة العدل ومن الوقوف على نوع هذا الإلحاق ودرجته– قضاة وزارة العدل وحالتهم القانونية عندما اعتبر الفصل 61 من قانون الوظيفة العمومية ان الإلحاق يكون إما بموافقة رئيس الإدارة التي سيلحق لديها الموظف وإما بقرار يصدر عن رئيس الحكومة فقد قسم الإلحاق الى قسمين إثنين حسب المسؤول الذي يصادق على الإلحاق والإدارة التي يلحق لها الموظف.يعتمد في تقسيم الإلحق الى صنفين او درجتين على الجهة التي يتم إلحاق الموظف لديها .
1 – إذا كان الإلحاق الى الإدارة أو الجماعة العمومية المحلية أو المؤسسة العمومية أو الشركة القومية أوالشركة ذات رأس مال مشترك فان الذي يمثلها في هذه الحال ويصادق على الإلحاق هو مديرها .
2 – وإذا كان الإلحاق لدى منظمة قومية او الوكالة التونسية للتعاون الفني بالنسبة للموظفين المعينين للعمل لدى الحكومات الأجنبية أو المنظمات الدولية او كان الإلحاق لممارسة وظيفة عضو للحكومة أو خطة انتخابية غير صفة النائب لدى مجلس النواب فإن رئيس الحكومة هو الذي يصدر امره القاضي بالإلحاق .
لا بد من التأكيد بان هذا الإلحاق خاص بوزارة العدل وبالقضاة العاملين بها التابعين للقضاء العدلي والحال ان السلطة القضائية أصبحت تتكون من ثلاث هيئات قضائية من بينها القضاء العدلي .بخصوص نوع الإلحاق ودرجتهتفيد القواعد العامة ان الإلحاق نوعان إثنان إلحاق بالطلب وإلحاق وجوبي وللإلحاق درجتان إثنتان .
1 – بخصوص نوع الإلحاقحين إعتبر الفصل 61 من القانون عدد 112 لستة 1983 ان الإلحاق يقرر إما بطلب من الموظف وإما وجوبا فهذا يفيد ان الإلحاق نوعان إلحاق بالطلب وهو إختياري لان وجوده ينتج عن طلب المتوظف المعني بالإحاق وموافقة كل من رئيس الإدارة التي ينتمي اليها وموافقة رئيس الإدارة التي يلحلق لها .
اما الإلحاق الوجوبي فهو إلحاق إجباري لان الإلحاق لم يطلبه المتوظف المعني به وانما ينتج عن انتقال المصلحة او الإدارة التي يعمل بها المتوظف الى مصلحة او إدارة تابعة لقطاع او وزارة أخرى ويترتب عن ذلك بقاؤه بالمصلحة التي يعمل بها وإلحاقة بصفة نهائية بالإدارة او الوزارة الجديدة الى نهاية مساره المهني .لا شك ان القانون الأساسي عدد 34 لسنة 2016 المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء يحدث إشكالا عند تطبيق الفصل 61 من القانون عدد 112 لسنة 1983 المتعلق بالإلحاق .
من الثابت ان القانون الأساسي عدد 34 لسنة 2016 المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء يسمح حسب الفصل 59 ان توجه الشكايات والبلاغات والإعلامات المتعلقة بالأفعال المنسوبة لأحد القضاة والتي من شأنها أن تكون سببا في تحريك المساءلة التأديبية إلى وزير العدل أو رئيس المجلس الأعلى للقضاء الذي يحيلها وجوبا وعلى الفور إلى التفقدية العامة للشؤون القضائية لإجراء الأبحاث اللازمة.
وللمتفقد العام أن يتعهد بها من تلقاء نفسه.وعند انتهاء الأبحاث يتولى المتفقد العام اتخاذ قرار معلل إما بالحفظ أو بالإحالة.في صورة الحفظ يتم إعلام الشاكي ووزير العدل ورئيس المجلس الأعلى للقضاء في أجل أقصاه عشرة أيام من تاريخ صدور القرار بأية وسيلة تترك أثرا كتابيا.
وللشاكي في هذه الصورة أن يتظلم لدى المتفقد العام بمطلب كتابي في التماس إعادة البحث.وللمتفقد العام أن يستجيب لهذا المطلب ويأذن بإعادة البحث أو أن يرفضه وذلك في أجل لا يتعدى شهرا من تاريخ تقديم المطلب.في صورة الإحالة يوجّه المتفقد العام الملف فورا إلى رئيس المجلس المجلس الأعلى للقضاء الذي يحيله بدوره إلى رئيس المجلس القضائي الراجع إليه القاضي المحال بالنظر.يضبط القانون صلاحيات التفقدية العامة للشؤون القضائية وطرق سيرها.
ان علاقة التفقدية العامة بالشكايات وبالقضاة المشتكى بهم له تفسير في قانون 1967 اما بعد صدور قانون 2016 المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء فقد اصبح هذا التفسير لا يستقيم قانونا .
لا منازع في ان الدور الذي تقوم به التفقدية العامة له اهميته عند القضاة بالخصوص رغم ان علاقتها بالمجلس الأعلى للقضاء الذي احدثه القانون الأساسي لسنة 2016 لا تجيز لها قانونا القيام بالدور الذي تلعبه لانه يتعارض مع الإستقلال والتسيير الذاتي الذي يعطيه له الفصل 113 من دستور 2014 .ما هي علاقة المجلس الأعلى للقضاء وعلاقة مكوناته وهي المجالس القضائية الثلاثة العدلي والإداري والمالي وجلستها العامة بوزارة العدل وبالتفقدية العامة حتى يمكن التعرف على الحالة القانونية للقضاة العاملين بهما .صلاحيات التفقدية العامة تقوم التفقدية العامة تحت سلطة وزير العدل مباشرة بمهمة التفقد لكل المحاكم باستثناء محكمة التعقيب كما تجري التفقد بمقتضى إذن يسند لها من قبل الوزير على كل المصالح الخاضعة لإشرافها ويمكن أن تكلف من قبل الوزير بأي مهمة أخرى . يا له من تناقض بيٌن لا يليق بالدولة وبالسلطة القضائية بالخصوص .
لا جدال ان وجود التفقدية العامة بوزارة العدل يتعارض مع الصلاحيات الممنوحة للمجلس الأعلى للقضاء المحدث من دستور 2014 .فبعد ان كان القضاة الذين يعملون بوزارة العدل وبالتفقدية العامة قضاة في حالة مباشرة قانونية في ظل القانون عدد 29 لسنة 1967 اصبحوا موظفين عموميين لا ينتمون ال القضاء والسلطة القضائية وليسوا قضاة في حالة الحاق في ظل دستور 2014 رغم وجود الاحكام القانونية المخالفة لذلك .الفقرة الثانيةمكوٌنات السلطة القضائيةتتكون السلطة القضائية في دستور 2014 من القضاء العدلي والقضاء الإداري والقضاء المالي .
1 – القضاء العدلي
يتكون القضاء العدلي من محكمة تعقيب، ومحاكم درجة ثانية، ومحاكم درجة أولى.النيابة العمومية جزء من القضاء العدلي، وتشملها الضمانات المكفولة له بالدستور. ويمارس قضاة النيابة العمومية مهامهم المقررة بالقانون وفي إطار السياسة الجزائية للدولة طبق الإجراءات التي يضبطها القانون.
تعدّ محكمة التعقيب تقريرا سنويا تحيله إلى كل من رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس نواب الشعب، ورئيس الحكومة، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، ويتم نشره.يضبط القانون تنظيم القضاء العدلي، واختصاصاته، والإجراءات المتبعة لديه، والنظام الأساسي الخاص بقضاته.
2 – القضاء الإدارييتكون القضاء الإداري من محكمة إدارية عليا، ومحاكم إدارية استئنافية، ومحاكم إدارية ابتدائية.يختص القضاء الإداري بالنظر في تجاوز الإدارة سلطتها، وفي النزاعات الإدارية، ويمارس وظيفة استشارية طبق القانون.تعدّ المحكمة الإدارية العليا تقريرا سنويا تحيله إلى كل من رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس نواب الشعب، ورئيس الحكومة، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، ويتم نشره.
يضبط القانون تنظيم القضاء الإداري، واختصاصاته، والإجراءات المتبعة لديه، والنظام الأساسي الخاص بقضاته.
3 – القضاء المالييتكون القضاء المالي من محكمة المحاسبات بمختلف هيئاتها.تختصّ محكمة المحاسبات بمراقبة حسن التصرّف في المال العام، وفقا لمبادئ الشرعية والنجاعة والشفافية، وتقضي في حسابات المحاسبين العموميين، وتقيّم طرق التصرف وتزجر الأخطاء المتعلقة به، وتساعد السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية على رقابة تنفيذ قوانين المالية وغلق الميزانية.
تعدّ محكمة المحاسبات تقريرا سنويا عاما تحيله إلى كل من رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس نواب الشعب، ورئيس الحكومة، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، ويتم نشره. كما تعد محكمة المحاسبات عند الاقتضاء تقارير خصوصية يمكن نشرها.
يضبط القانون تنظيم محكمة المحاسبات، واختصاصاتها، والإجراءات المتبعة لديها والنظام الأساسي الخاص بقضاته .تلك إذن هي مكوٌنات السلطة القضائية قي دستور 2014 وقد أصبحت تتكون من هيئات قضائية ثلاث بعد ان كانت تتكون من هيئة القضاء العدلي .فهل تقدمت السلطة القضائية في سلٌم الرتب وأصبحت لها رتبة السلطتين اللتين تتكون منهما الدولة وهما السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية بعد ان كبر حجمها .
لا شك ان القضاء كان موزعا بين هيئات ثلاث راجعة بالنظر الى وزارات مختلفة وان توحيده امر محمود تتولى الاشراف على سيره سلطة او هيئة واحدة تتالف من ٨ محاكم بها دوائر يعهد للحكم فيها لقضاة متخصصين في المادة المدنية والجزائية والإدارية والمالية وغير ذلك من المواد القانونية إلا ان الهيكل القانوني الذي سنه المجلس التاسيسي للسلطة القضائية في دستور 2014 يقضي بتعميق التشتيت العالق بالقضاء لا بتوحيده وبهبوط مؤسسته في سلم الرتب . ولمعرفة قيمة السلطة القضائية في دستور 2014 فإن الرجوع الى الفصول المخصصة لها تثبت ان اكثر احكامها فضفاضة خالية من الدقة ومنها التي تتعلق بضمان علوية الدستور وحماية الحقوف والحريات .
اما بخصوص الاحكام الأساسية المتعلقة بالسلطة القضائية في دستور 2014 فإنها – رغم كثرتها – من قبيل الشرح والمفروض ان تكون متنا لا شرحا . ولتاكيد على ان دستور 2014 مدوٌنة نصها اقرب للادب والشعر والوعظ والإرشاد من القانون فإن الرجوع الى النصوص المتعلقة بالقضاء والواردة بالتوطئة وبالمبادئ العامة وبالحقوق والحريات وخاصة بالباب الخامس المتعلق بالسلطة القضائية يتبين انه يشتمل على إثنين وعشرين فصلا من جملة فصوله وقدرها مائة وتسعة واربعين فصلا في حين خصص لها دستور 1959 اربعة فصول من جملة فصوله الخمس والخمسون واضاف فصلا واحدا للمحكمة العليا وفصلا واحدا لمجلس الدولة .
وعوض ان يبادر الفصل الأول من هذا الباب وهو الفصل 102 من دستور 2014 بالتعريف بالسلطة التي يتعلق بها وهي السلطة القضائية إلا انه تجاوز هذه الضرورة وانطلق مصرحا في لغة شعرية ان ” القضاء سلطة مستفلة تضمن إقامة العدل، وعلوية الدستور، وسيادة القانون، وحماية الحقوق والحريات ” واضاف دون إنسجام ما اقرٌه دستور 1959 في الفصل 53 ” القاضي مستقل لا سلطان عليه في قضائه لغير القانون ” وذلك في صيغة الجمع وهو حشو ولغو في غير محلٌه .
عندما يؤهٌل الدستور السلطة القضائية لإقامة العدل فهذا امر طبيعي وهو أصل المهمة الموكولة للقاضي واساس ما يسال عنه عند عدم تحقيقه .
ولإبراز معنى العدل وإقامته قوله صلى الله عليه وسلم من أجتهد وأصاب فله اجران إثنان ومن إجتهد واخطا فله اجر واحدوللعدل المطلوب من القاضي ان يحققه معني يختلف إصطلاحا عن معناه في اللغة .العدل لا يرجى من السلطة القضائية لان مهمتها تقتضي تحقيق العدالة وإنما يطلب من القضاة الذين لهم في شانه دور .لئن كان العدل الذي ترتاح له النفوس هو الذي يفيد إصطلاحا إعطاء الحق لاهله كاملا .فإن العدل في الدسنور يفيد إصطلاحا إعطاء الحق طبقا لما يقتضيه القانون ولو كان مخالفا لوجدان القاضي ولمعايير أخرى .
والحاكم العادل هو الذي يجتهد ويصيب في تطبيق القانون وليس في اعمال الراي وهنا معنى الإستقلال بالنسبة للقضاة تطبيقا للدستور الذي يعتبر القاضاة لا سلطان عليه في قضائهم لغير القانون .
الفصل الثاني المجلس الأعلى للقضاء ( يتبع )