منوعات

إستقلال القضاء

بقلم الأستاذ الهادي كرو

مقدمة

 بعد ان  سبق التطرق لموضوع السلطة القضائية وإستقلال القضاء وتالٌفت من الدراسة ثلاثة اجزاء خصصت للوقوف على مفهوم السلطة القضائية وإستقلال القضاء في احكام دستور اول جوان 1959 يخصص  الجزء الرابع للوقوف على مفهوم السلطة القضائية وإستقلال القضاء في احكام التشريع الصادر بعد الثورة وفي ظلٌ دستور 31 جانفي 2014 .

ولا بد من التأكيد ان مفهوم السلطة القضائية تغير بعد الثورة بما جعلها تسجل هبوطا في سلٌم السلط العمومية وأستقلالا يخلف العزلة والإحتياج.

إستقلال القضاء وإستقلال القضاة 

ان لفظ الإستقلال يختلف معناه إذا تعلق بالقاضي عن معناه  إذا تعلق بالقضاء .

من المسلم به ان إستقلال القضاة لا يحتاج في أي زمان او مكان الى دستور يدعمه وقانون يدافع عنه وإنما يحتاج الى رجولة ترعاه وكرامة تذود عنه في حين ان إستقلال القضاء يحتاج الى دستور يسانده وقوانين تحميه.

ولا بد من التفريق في ميدان القضاء العدلي بإعتباره اساس السلطة القضائية بين القضاء الجالس والقضاء الواقف وإعتبار الأخير غير معني بالإستقلال نطبيقا لاحكام مجلة الإجراءات الجزائية وبالخصوصعند ممارسة الدعوى العمومية ويترتب عن ذالك إعفاؤه من سلطة الإيقاف سواء كان إحتفاظا او تحفظيا بالإيداع في السجن الإذن تنفيذا لبطاقة الإيداع .

فالقاضي الجالس المستقل هو القاضي الذي لا يتلقى التعليمات من ايٌ كان ولا يملى عليه نص الحكم سواء بمقابل او بدونه لان لا سلطان عليه لغير القانون واما القاضي الواقف عضو النيابة العمومية فإن الإستقلال يفيد بالنسبة اليه ينحصر في ان لا يتلقى التعليمات إلا من ؤسائه وان لا ينفذ سواها .

لئن كان هذا هو المفهوم المعروف للقضاة وللسلطة القضائية ولإستقلالهما فان المفاهيم تغيرت بعد ثورة 17 ديسمبر 2010 واصبح لإستقلال القضاء له معنى جديد تتوضح معاليمه بعد الوقوف على المدلول الجديد للسلطة القضائية والنظام المقرر للمجلس الأعلى للقضاء .

إن المعروف بالسلطة القضائية عند عامة الناس هو القضاء العدلي بإعتباره المؤسسة المؤهلة للنظر في النوازل المدنية والجزائية وإصدار الاحكام فيها وكثر هم  الذين لا يعرفون القضاء الإداري وصلاحياته و من لم يسمعوا بالقضاء المالي ومهامه وقد ساعدت على هذا الفهم احكام دستور 1959 المتعلقة بالسلطة القضائية والقوانين المنظمة للحكم التي تعتبر القضاء العدلي قضاء الحق العام الذي تعتني بشؤونه وزارة العدل في حين ان القضاء الإداري والمالي قضاء متخصص ينتمي الأول للوزارة الأولى وينتمي الثاني إلى وزارة المالية .

اما الهيئة التي كانت مكلفة بالسهر علي الحياة المهنية للقضاة وهي المجلس الأعلى للقضاء فإنه لم يكن معروفا إلا من اهل الشأن وهو يفيدالقضاء العدلي والسلطة القضائية فإذا بدستور 2014 يكرٌس تغيير المفاهيم سواء تعلقت بالسلطة القضائية اوبالمجلس الأعلى للقضاء  وعلى هذا الأساس يخصص الفصل الأول للسلطة القضائية بعد الثورة والفصل الثاني للمجلس الأعلى للقضاء بعد الثورة . 

الفصل الاول

السلطة القضائية بعد الثورة

تمهيد

المفهوم الجديد للسلطة القضائية

 لقد احدث دستور 2014 تغييرا كاملا لمفهوم السلطة القضائية واعطاها حجما كبيرا ع مقارنتا بالسلطتين التشريعية والتنفيذية .

ورغم تعدد الهيئات المكونة للسلطة القضائية فإنها لا ترتقي في دستور 2014 الى رتبة السٌلطتين المذكورتين وليس لها قيمة السلطة المكونة للدولة بل هي قائمة بذاتها وكانها خارجة عن الدولة ..

لقد أصبحت السلطة القضائية تضمٌ بنص دستوري القضاء العدلي والإداري والمالي و يتولى السهر عليها المجلس الأعلى للقضاء المتكوٌن من ترسانة من الأعضاء من ذوي الإختصاصات المتعددة والتي في إشرافها على القضاء تحقير لسلطته وتدخل في سيره .

لا يبرر إختيار المجلس الأعلى للقضاء في تركيبته الحالية وتكليفه بتسيير شؤون السلطة القضائية سوى إنزعاج اغلب أعضاء المجلس التاسيسي من السلطة القضائية وعداوتهم للقضاة .

لقد اعانت تحركات القضاة المجلس التاسيسي على إختيار النوع الجديد للسلطة القضائية وسهل تمرير المجلس الأعلى للقضاء في مفهومه الجديد  إضراب القضاة عن العمل مرارا عديدة ولفترات طويلة من اجل تمكينهم عاجلا من امرين اثنين – أولا – الزيادة في الأجور والمنح وتوفير الكماليات بمبالغ عالية حرية بان تمنع القاضي من قبول الرشوة والوقوع في الفساد و– ثانيا – إحداث هيئة قائمة بذاتها لا رقيب عليها ينتمي اليها القاضي وتتولى وحدها السهر على متطلباته المهنية وهي مستقلة عن السلط المكوٌنة للدولة وعن وزارة العدل لان إستقلال السلطة القضائية  لن يتحقق إلا بإحداث  مجلس اعلى للقضاء له هذه  الصلاحيات .

  والمؤكد ان إضراب القضاة ومثله إضراب كتبة المحاكم تولت تنظيم كل واحد منهما  نقابة احدثت للغرض وما كان لها ان تحدث وترى النور نظرا لخاصية القطاع وقوانينه .

لقد ترتب عن تجمعات القضاة وتحركاتهم – اولا – قبول الحكومة الزيادة في الأجور والرضا بتوفير المرافق بمقادير لا تقدر عليها من المؤكد ان تبقى وعودا رغم انها مضمنة في  محاضر مكتوبة لم يعلن عنها و – ثانيا – إهتمام المجلس التاسيسي بالسلطة القضائية بصفة مبيتة عند عزلها عن السلط المكونة للدولة وكانها دولة الولايات المتجاورة وهي القضاء العدلى والقضاء الإداري والقضاء المالي وسط الدولة الرسمية التي لا تشرف عليها وإنما تشرف عليها دولة المجلس الأعلى للقضاء .

 وفي وقت كان القضاة فيه منشغلين بالإضراب عن العمل وطلب الزيادة في الأجور وعازل السلطة القضائية عن سلط الدولة ووزارة العدل بالخصوص  حتى تكون قائمة بذاتها كان الخصوم في المجلس التاسيسي يخططون للتنكيل بهم وشدٌ الخناق عليهم  فتظاهروا بالإستجابة لطلب عزلهم عن السلطة التنفيدية وفي المقابل إستدرجوهم الى المساءلة من السلطة التشريعية والزامهم بالمثول تحت قبة البرلمان ليناقش مجلس نواب الشعب التقرير السنوي في مفتتح كل سنة قضائية في جلسة عامة للحوار مع المجلس الأعلى للقضاء.

وهذا التقرير يعدّه  المجلس الأعلى للقضاء سنويا ويحيله إلى كل من رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس نواب الشعب، ورئيس الحكومة في أجل أقصاه شهر جويلية من كل سنة، ويتم نشرهحسب مقتضيات الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 114 من دستور 2014

لقد إعتنت بالسلطة القضائية بعد الثورة القوانين المنظمة للسلط العمومية أولا ثم دستور 2014 ثانيا ولذا يخصص القسم الأول من هدا الفصل للسلطة القضائية والقوانين المنظمة للسلط العمومية  ويخصص القسم الثاني للسلطة القضائية ودستور 2014 .

القسم الاول

السلطة القضائية والقوانين المنظمة للسلط العمومية

لئن كان من الطبيعي ان تشتمل القوانين المنظمة للسلط العمومية الصادرة بعد الثورة  على الاحكام المتعلقة بالسلطة القضائية إلا انها عمدت كل مرة وبصفة تدريجية الى تغيير إطارها القانوني سواء قبل ان يصدر دستور 2014 بقصد الإشارة والتمهيد  لإحكامه المنتظرة بعد صدوره لذلك يتم الرجوع اليها على التوالي وحسب تاريخ صدورها لمعرفة تدرج موقف السلطة الحاكمة من السلطة القضائية ومن إستقلال القضاة المعني خصوصا بالدراسة.

ان القوانين المتعلقة بتنظيم السلد العمومية الصادرة قبل دستور 2014 قد مهدت لاحكام السلطة القضائية التي ارساها هذا الدستور .

لقد نظمت السلط العمومية بعد الثورة وقبل صدور دستور 2014 القوانين التالية .

1 –  المرسوم عدد 14 لسنة 2011 المؤرخ في 23 مارس 2011 المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط  العمومية .

2 –   القانون التاسيسي عدد 6 لسنة 2011 المؤرخ في 16 ديسمبر 2011  المتعلق بالتنظيم الموقت للسلط العمومية الذي انهى العمل  بالمرسوم عدد 14 لسنة 2011 المؤرخ في 23 مارس 2011 المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط  العمومية المذكور.

لذا تخصص فقرة لكل قانون من القانونين السابقين .

الفقرة الأولى

المرسوم عدد 14 لسنة 2011

1 –  المرسوم عدد 14 لسنة 2011 المؤرخ في 23 مارس 2011 المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط  العمومية وهو يمهد للإعلان عن نهاية العمل بدستور 1959 وقد تضمنت ديباجته ” أن الوضع الحالي للدولة…لم يعد يسمح بالسير العادي للسلط العمومية، كما صار من المتعذر التطبيق الكامل لأحكام الدستور “، أي دستور 1959 .

وقد صدر هذا المرسوم في العهد الذي كان فيه فؤاد المبزع الرئيس الموقت للجمهورية من 15 جانفي 2011 الى 13 ديسمبر2011.  والباجي قائد السبسي رئيسًا للوزراء بداية من 7 مارس 2011 الى 13 ديسمبر 2011 وخلفه حمادي الجبالي .

لقد عوض الباجي قائد السبسي  الوزير الأول محمد الغنوشي الذي كان يرأس الحكومة قبل رحيل بن علي وواصل رئاسة أول حكومة بعد الثورة في المدٌة المتراوحة بين 15 جانفي 2011 و27 فيفري 2011. يوم إستقال إثر احتجاجات عنيفة ضده وضد حكومته وبقي فؤاد المبزع في منصب رئاسة الجمهورية .

ومن حظ السلطة القضائية ان القوانين المتعلقة بنظام الحكم لم تلغ  اهم القوانين الجاري بها العمل ومنها بالخصوص القانون عدد 29 لسنة 1967 المؤرخ في 14 جويلية 1967 المتعلق بنطام القضاء والمجلس الأعلى للقضاء والقانون الأساسي للقضاة

لئن تعلق القانون عدد 29 لسنة 1967 بالقضاء العدلي فإن المرسوم عدد 14 لسنة 2011  لم يهمل المحكمة الإدارية ودائرة المحاسبات تجسبا لما سيصدر في دستور 2014 فقد خصص لهما القصل 3  

الفصل 3 ـ تمارس المحكمة الإدارية ودائرة المحاسبات صلاحياتهما طبقا للقوانين والتراتيب الجاري بها العمل والمتعلقة بضبط تنظيمهما وتحديد مشمولات أنظارهما والإجراءات المتبعة لديهما.
واهم هذه القوانين

الفقرة الثانية

القانون التاسيسي عدد 6 لسنة 2011

وقد انهى  القانون عدد 6 لسنة 2011 المؤرخ في 16 ديسمبر 2011  المتعلق بالتنظيم الموقت للسلط العمومية العمل  بالمرسوم عدد 14 لسنة 2011 المؤرخ في 23 مارس 2011 المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط  العمومية المذكور الذي ينص في الفصل 27 على ان المجلس الوطني التاسيسي يقرٌ ما تمٌ من تعليق العمل به بدستور الأول  جوان 1959 ويقرر إنهاء العمل نهائيا به بصدور هذا القانون التاسيسي .
يطلق المنتفعون بالثورة  على هذا المرسوم إسم  ” الدستور الصغير ” وهو يعطى البلاد تنظيما جديدا للسلط العمومية يعكس صورة الحكم التي سيتبناها الدستور الذي سيصدر سنة 2014 وقد خصص هذا المرسوم للسلطة القضائية التي تعنينا الفصلين 22 و23 .
الفصل 22 ـ تمارس السلطة القضائية صلاحياتها باستقلالية تامة.
بعد التشاور مع القضاة يصدر المجلس الوطني التأسيسي قانونا أساسيا ينشئ بموجبه هيئة وقتية ممثلة يحدد تركيبتها وصلاحياتها وآليات تكوينها للإشراف على القضاء العدلي وتحلٌ محل المجلس الأعلى للقضاء.
يسن المجلس الوطني التأسيسي قوانين أساسية يتولى من خلالها إعادة تنظيم القضاء وإعادة هيكلة المجالس القضائية العليا العدلية والإدارية والمالية وضبط أسس إصلاح المنظومة القضائية طبق المعايير الدولية لاستقلال القضاء.
الفصل 23 ـ تمارس المحكمة الإدارية ودائرة المحاسبات صلاحياتهما طبقا للقوانين والتراتيب الجاري بها العمل والمتعلقة بضبط تنظيمهما ومشمولات أنظارهما والإجراءات المتبعة لديهما.
الباب السادس

 ثمٌ صدر القانون الأساسي عدد 15 لسنة 2013 المؤرخ في 2 ماي 2013 المتعلق بإحداث هيئة وقتية للإشراف على القضاء العدلي المنشور بالرائد الرسمي عدد 37 المؤرخ في 7 ماي 2013 صحيفة 1643 .

والمؤكد ان هذا القانون لا يتعلق بتنظيم الحكم بصفة عامة وإنما هو قانون تفصيلي يتعلق بهيئة تشرف على جزء من السلطة القضائية في المفهوم الجديد الذي يعطيه لها دستور 2014 وهو خلافا لراي المجلس القومي التاسيسي يفيد ان القضاء العدلي هو الأصل والقضاء الإداري والمالي هما من  فروعه المتخصصة .

ولئن مهدت كانت احكام القوانين المنظمة للسلط العمومية بمثابة التمهيد لاحكام دستور 2014  المتعلقة بالسلطة القضائية فإن القنون عدد 15 لسنة 2013 يمهد لمجلس القضاء المتعلق بالقضاء العدلي ببعتباره جزء من المجلس الأعلى للقضاء في تركيبته الجديدة .

هذا وإن  تواصل العمل بالقوانين المنظمة للحكم  موقٌتا وإنهاء العمل بها وقع بيانه في الفصل 148 من دستور سنة 2014 .

القسم الثاني

السلطة القضائية ودستور 2014

لئن خصص دستور 2014 للسلطة القضائية بابا كاملا وهو الباب الخامس على غرار السلطة التشريعية التي خصص لها الباب الثالث والسلطة التنفيدية الباب الرابع فهذا لا يفيد إنه يعطي السلطة القضائية  الدرجة التي يعطيها للسلطتين المكونتين للدولة ونفس القيمة الدستورية  لانه يخصص ايضا  بابا للهيئات الدستورية المستقلة وبابا للسلطة المحلية رغم انها ليست من سلط الدولة وليس لها درجتهما .

وبالنسبة  للاحكام المتعلقة بالسلطة القضائية في دستور 2014 ولطبيعتها فإن الرجوع الى الفصول المخصصة لها  يثبت ان اكثر احكامها فضفاضة ومرمية جزافا وهي خالية من الدقة الدستورية من دلك ان ما تعلٌق منها ببيان المهام والصلاحيات صيغ في لغة شعرية بقريبة من الخيال بعيدة عن الواقع من قبيل الدعاء وما يتمنى الانسان ان يتحقق مثل القضاء سلطة مستقلة تضمن علوية الدستور وسيادة القانون وحماية االحقوق والحريات  .

ومن المؤكد الغموض الحاصل في علاقة وزارة العدل بالسلطة القضائية في مدلولها الجديد امر مقصود من الدسنور ومبيت له نظرا للصعوبة المتاتية من الإقدام على احداث مجلس اعلى للقضاء يتركب من هيئات ثلاثة لا تنتمي كلها الى وزارة العدل وإنها تنتمي كل هيئة منها الى وزارة .

الفقرة الاولى

مشمولات السلطة القضائية

تشتمل السلطة القضائية في دصتور 2014 على قسمين إثنين وهما

القسم الأول  القضاء العدلي و الإداري والمالي

القسم الثاني   المحكمة الدستورية .

( 1 )

 ويشتمل القسم الأول على أربعة فروع وهي

الفرع الأول المجلس الأعلى للقضاء

الفرع الثاني  القضاء العدلي

الفرع الثالث   القضاء الإدري

الفرع الرابع  القضاء المالي

يضبط القانون النظام الأساسي الخاص بالقضاة التابعين لكل فرع من الفروع القضائية الثلاثة وباعضاء الفرع الرابع وهوالمجلس الأعلى للقضاء .  

( 2 )

اما القسم الثاني المتعلق بالمحكمة الدستورية التي تتركب من إثني عشر عضوا لم يتم ارساؤها رغم ان الفصل 148 من الدستور يقتضي ان يتم إرساؤها في اجل أقصاه سنة من تاريخ الانتخابات التشريعبة وقد مرٌت على الثورة  عشر سنوات وما زالت الهيئة الوقتية المحدثة لتراقب دستورية مشاريع القوانين قائمة والتي تنتهي مهامها بإرساء المحكمة الدستورية .

 عندما  يضاف الى هذه الأسباب سبب أساسي يفيد ان المحكمة الدستورية مؤسسة قائمة بذاتها لا علاقة لها بالسلطة القضائية  تصير دراستها في هذا الموطن خارجة عن موضوع دراسة السلطة القضائية الواردة بالقسم الأول من الباب الخامس من الدستور.

 777

الفقرة الثانية

مكوٌنات السلطة القضائية

حين عهد الفصل 114 من الدستور للمجلس الأعلى للقضاء ضمان حسن سير القضاء وإحترام إستقلاله يكون المقصود بالقضاء هي هياكل القضاء العدلي والإداري والمالي لان   المحكمة الدستورية لها تنظيم خاص بها بإعتبارها هيئة قضائية مستقلة عن الهيئات القضائية الأخرى وعن المجلس الأعلى للقضاء .

وعلى هذا الأساس تكون القضاء العدلي والقضاء الإدري والقضاء المالي حسب الفصول 115و116 و117 من الدستور من مكونات السلطة القضائية .

1 –  القضاء العدلي

يتكون القضاء العدلي من محكمة تعقيب، ومحاكم درجة ثانية، ومحاكم درجة أولى.
النيابة العمومية جزء من القضاء العدلي، وتشملها الضمانات المكفولة له بالدستور. ويمارس قضاة النيابة العمومية مهامهم المقررة بالقانون وفي إطار السياسة الجزائية للدولة طبق الإجراءات التي يضبطها القانون.
تعدّ محكمة التعقيب تقريرا سنويا تحيله إلى كل من رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس نواب الشعب، ورئيس الحكومة، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، ويتم نشره.
يضبط القانون تنظيم القضاء العدلي، واختصاصاته، والإجراءات المتبعة لديه، والنظام الأساسي الخاص بقضاته.

 2 – القضاء الإداري

يتكون القضاء الإداري من محكمة إدارية عليا، ومحاكم إدارية استئنافية، ومحاكم إدارية ابتدائية.
يختص القضاء الإداري بالنظر في تجاوز الإدارة سلطتها، وفي النزاعات الإدارية، ويمارس وظيفة استشارية طبق القانون.
تعدّ المحكمة الإدارية العليا تقريرا سنويا تحيله إلى كل من رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس نواب الشعب، ورئيس الحكومة، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، ويتم نشره.
يضبط القانون تنظيم القضاء الإداري، واختصاصاته، والإجراءات المتبعة لديه، والنظام الأساسي الخاص بقضاته.

 3 – القضاء المالي

يتكون القضاء المالي من محكمة المحاسبات بمختلف هيئاتها.
تختصّ محكمة المحاسبات بمراقبة حسن التصرّف في المال العام، وفقا لمبادئ الشرعية والنجاعة والشفافية، وتقضي في حسابات المحاسبين العموميين، وتقيّم طرق التصرف وتزجر الأخطاء المتعلقة به، وتساعد السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية على رقابة تنفيذ قوانين المالية وغلق الميزانية.
تعدّ محكمة المحاسبات تقريرا سنويا عاما تحيله إلى كل من رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس نواب الشعب، ورئيس الحكومة، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، ويتم نشره. كما تعد محكمة المحاسبات عند الاقتضاء تقارير خصوصية يمكن نشرها.
يضبط القانون تنظيم محكمة المحاسبات، واختصاصاتها، والإجراءات المتبعة لديها، والنظام الأساسي الخاص بقضاته

الخاتمة

إن في إختيار التنظيم السالف التبيان للسلطة القضائية دليل على ان الذين إستغلوا الثورة واستثمروها لا يريدون خيرا بالقضاة وبالسلطة القضائية ويتجلى صنيعهم إنطلاقا من عدم إحترام مبدأ تفريق السلط رغم أن توطئة دستور غرة جوان 1959 تؤكّد أن الشعب مصمم على إقامة ديمقراطية أساسها سيادة الشعب وقوامها نظام سياسي مستقر يرتكز على قاعدة تفريق السلط .

لم تلق هذه التجاوزات معارضة القضاة والسلطة القضائية وهم اول من تضرر منها ..

 في الوقت الذي كان القضاة منشغلين فيه بالتجمعات والإختلافات كانت تصدر القوانين المنظمة للسلط العمومية والتي تحشر فيها ضمن النصوص المتعلقة بالسلطة القضائية احكاما تدل على ان واضعيها يكرهون القضاة ويسعون للتنكيل بهم لذلك احدثت تدريجيا سلطة قضائية نظامها معقد يعلوه مجلس قضاء غريب جمع فاوعى وفي كثرة أعضائه وتنوعهم  ضياع لحقوق القاضي وللسلطة القضائية .

 حين بدا المرسوم عدد 14 لسنة 2011 المؤرخ في 23 مارس 2011 المتعلق بالتنظيم الموقت للسلط العمومية بحل مجلس النواب ومجلس المستشارين  ومكن رئيس الجمهورية الموقت من صلاحيات السلطة التشريعية حين أصبحت النصوص ذات الصبغة التشريعية تصدر بواسطة المراسيم التي يختمها رئيس الجمهورية الموقت بعد مداولتها في مجلس الوزراء ويسهر على نشرها بالرائد الرسمي لم يحرك القضاة ساكنا حين لم يحدد تنظيم السلطة القضائية وترك بابها مفتوحا على مصراعيه حين اقر الفصل 17 ان السلطة القضائية تنظم بمختلف اصنافها وتسير وتمارس صلاحياتها وفقا للقوانين والتراتيب الجاري بها العمل تحت ديباجة تعلن ان الوضع الحالي للدولة لم يعد يسمح بالسير العادي للسلط العمومية كما صار من المتعذر التطبيق الكامل لاحكام الدستور . 

إن المرسوم السابق هو بمثابة التمهيد لصدور القانون الأساسي عدد 34 لسنة 2016 المؤرخ في 28 افريل 2016 المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء الذي كرس احكام دستور 2014 واعطى السلطة القضائية حجما ثقيلا يصعب التحكم فيه للإنتماءات أعضاء المجلس الأعلى للقضاء المختلفة والمتعددة  .

  السلطة القضائية فقد شاءت السلطة السياسية إن تمارس اغلب المحاكم مهامها المتجسمة في النطق بالحكم المقرر من غيرها في الأيام التي لا تكون فيها معطلة من اجل الإضرابات المتعددة التي يقوم بها القضاة وتتسببت في تأخير جلسات المحاكم وفي بقاء المساجين رهن الإعتقال الظالم وغير الشرعي .

وقد زاد سير القضاء تعكيرا النزاع الحاصل بين الجمعية القضاة ونقابتهم وعدم رضا الكثير منهم بالتغييرات التي يعتبرها اعداؤهم تطورا وتحديثا .

لا يمكن للسلطة القضائيّة ان تكون هيئة قائمة بذاتها تتمتع بالإستقلال الذاتي والمالي وتتحمل  مسؤولية إدارة شؤون القضاء وإحداث مقراته وتجهيزها ومراقبة سير المحاكم إلا في الصورة التي يكون القضاء فيها هيئة حرٌة ينتمي اليها القاضي ليصدر الاحكام مقابل اجرة يدفعها المدعي للقاضي في المادة المدنية والمتضرر في المادة الجزائية مع مبلغ إضافي قار يموٌل صندوق الهيئة المستقلة للقضاء مقابل كل عمل يقوم به القضاة .

لا جدال ان هذا النظام الخيالي في تفعيله تغليب الأغنياء على الفقراء ومناصرة الظلم على العدل كما ان المطالبة بإحداث هذه السلطة بالصفة السابقة الذكر وجبر الدولة على تمويل الميزانية الخاصة بها لتتولى إدارتها بنفسها امر لا يستقيم ووجود وزارة العدل امر ضروري لا مناص منه .

خاتمة

لقد أقرّ القانون الأساسي للقضاة     والقوانين التي نقحته مجلسا أعلى للقضاء غايته ضمان استقلال القضاة وليس القضاء وكرس بذلك احكام دستور 1959 .

لا يسمح هذا القانون التدخل في عمل المحاكم ولا يعفي الدولة من توفير ما يلزم نظام سير السلطة القضائية من موارد بشرية ومادية .

لقد كانت لمجلس الأعلى للقضاء صلاحيات تتعلق بالمسار المهني للقضاة وكانت لوزارة العدل بالإضافة الى ذلك  صلاحيات تتعلق بسير القضاء وبالسلطة القضائية .

اما القانون الذي عوضه بعد الثورة وكرس احكام دستور 2014 فهو القانون الأساسي عدد 34 لسنة 2016 المؤرخ في 28 أفريل 2016 المتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء المنقح والمتمم بالقانون ألاساسي عدد 19 لسنة 2017 مؤرخ في 18 أفريل 2017 الذي يعتبر المجلس الأعلى للقضاء هيئة دستورية ضامنة في نطاق صلاحياتها حسن سير القضاء واستقلال السلطة القضائية 

.

وقد اعطى القانون الأساسي عدد 34 لسنة 2016 السلطة القضائية حجما ثقيلا من الصعب ان يشرف عليه ويتحكم فيه مجلس الأعلى للقضاء الحالي.  

لا يمكن للسلطة القضائيّة ان تكون هيئة قائمة بذاتها تتمتع بالإستقلال المالي وتتحمل  مسؤولية إدارة شؤون القضاء وإحداث مقراته وتجهيزها ماديا وبشريا ومراقبة سير المحاكم إلا إذا كان القضاء هيئة حرٌة مستقلة ماليا عن الدولة ينتمي اليها القاضي ليصدر الاحكام مقابل اجرة يدفعها المدعي للقاضي في المادة المدنية والمتضرر في المادة الجزائية مع مبلغ إضافي قار يخصص لتمويل صندوق الهيئة الوطنية للقضاة مقابل العمل الذي يقوم به القاضي .

لا جدال ان هذا النظام لا يتوقع وجود بمفرده في مجتمع فيه الفقير اكثر من الغني لا يمكن ان يخلو من ظاهرة النوازل  التي تحتاج الى فصل عادل صادر عن اولي الامر او من ينوبه .

لقد وجه عزٌ وجل في هذا السياق خطابا اللرسول صلى الله عليه عليه الصلاة والسلام  في قوله تعالى في الآية 65 من سورة النساء

      ” فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ” .

وقال عمر بن الخطاب في نفس المعني لابي موسى الاشعري قاضي الكوفة والبصرة

” إن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة والقاضي هو الذي لا يطمع شريف في حيفه ولا يياس ضعيف من عدله ” .

  اما دستور 2014 فإن فصله 108 فإنه يضمن حق التقاضي وحق الدفاع ويعطي كل  شخص الحق في محاكمة عادلة وييسير القانون اللجوء الى القضاء .

وهكذا يتضح ان القضاء واجب تتحمله الدولة وامر العدل موكول لضمير القاضي .

  من المؤكد ان قيمة السلطة القضائية تتجسم في المحاكم المنتصبة للقضاء وعلاقتتها بالسلطة المشرفة عليها ولا علاقة لها بالمحاكم الإستثنائية مثل محكمة أمن الدولة التي احدثها القانون عدد 17ـ 68 المؤرّخ في 2 جويلية 1968 وحذفت بالقانون عدد 79ـ 87 المؤرّخ في 29 ديسمبر 1987 ورائد رسمي عدد 91 في 29 و 31 ديسمبر 1987.

بقلم الأستاذ الهادي كرو

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى