الفساد في الأرض والعقاب من الله
((فيروس كورونا أنموذجاً))
بقلم : الدكتور محمد حسين المرتضي
برزت في الآونة الأخيرة قضايا البيئة، ونالت المزيد من الاهتمام العلمي والعالمي، من خلال عقد الندوات والمُؤتمرات وطرح العديد من الاستراتيجيات لمُواجهة ما طرأ على البيئة من تغيرات، وكان وراء هذا الاهتمام إحساس مُتزايد من الإنسان بأنهُ لم يعد يعيش في بيئة صحية ومُريحة، فالماء مُلوث، والهواء مُلوث، والأرض مُلوثة، والغذاء مُلوث، والسكن مُلوث، والفكر افتقد صفاءه وصلاحه، والأوبئة والأمراض تفتك بالناس، ويُلاحظ أن جوهر المُشكلة يكمن في أن مُكونات وعناصر البيئة الطبيعية، التي خلقها الله سُبحانه وتعالى بقدرٍ موزون، وفي أحسن تقويم، قد تعرضت للإستنزاف الذي يُهدد توازنها وسوء الاستخدام الذي يشوهها، ولما كانت البشرية اليوم مُعرضة عن الاسلإم وغافلةً عن مفاهيمه فإنها تُواجه العديد من المشاكل التي تكاد تُغطي جنبات الحياه كلها ، ومن أهم هذه المشاكل ، مُشكلة التلوث البيئي بكافة مظاهره وانواعه، حيث أصبحت هي المشكلة التي تهدد سعادة الانسان بل وتهدد وجوده علي هذه الارض، ويُلاحظ اليوم صدور العديد من القوانين التي تُحكم عملية الحفاظ علي البيئة في كل دول العالم، ومن ضمنها الدولة الليبية والتي صدرت عنها العديد من القوانين منها علي سبيل المثال : – القانون الصحي رقم ( 106 ) لسنة 1973 م ولائحته التنفيذية .- القانون رقم ( 8 ) لسنة 1973 م بشأن تلوث مياه البحر بالنفط .- القانون رقم (2) لسنة 1982 م بشأن الوقاية من استخدامات الاشعاعات المُؤذية.- القانون رقم ( 5 ) لسنة 1982 م بشأن حماية المراعي والغابات .- القانون رقم ( 7 ) لسنة 1982 م بشأن حماية البيئة ولائحته التنفيذية .- القانون رقم ( 15 ) لسنة 1992 م بشان حماية الاراضي الزراعية .ورغم صدور هذا العدد وغيره من القوانين بشان حماية البيئة – في ليبيا وغيرها من البلدان – فإنها عاجزة عن حمل الناس علي حماية البيئة السليمة من التلوث، وعن علاج البيئة المصابة، فبقي الأمل مُعلقاً تمتين القيود الدينية والأخلاقية، التي تدخل الي اعماق النفس البشرية لتُثير فيها نوازع الخوف من الله، والأمل في رضاه أثناء التعامل مع مكونات البيئة.فبا الإسلام وحده يكون صلاح المُعتقد، وبصلاح المُعتقد يصلح السلوك البشري في علاقة الانسان مع نفسه، ومع خالقه، ومع غيره من البشر، ومع الكون وما يحتويه، ومع الارض التي استخلف الله الإنسان فيها، وجعل لهُ فيها كل مقومات حياته.إن الانسان الذي سخر الله له كل ما في الكون من أرض وسماء لخدماته، والانتفاع به، كما قال تبارك تعالي : “وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ” سورة الجاثية الآية : 12 قد تناسي عن قصد او بدون قصد، أهم عنصر من عناصر بقائه، الا وهو بيئته الطبيعية فكان ولايزال عاملاً هداماً للبيئة ، يقطع اشجارها، ويعري تربتها، وُيلوث مصادر المياه فيها، وُيفسد هواءها وهذه الافعال الضارة جلبت علي الانسان الكثير من الاوبئة والامراض والمفاسد.وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تثبت عن الفساد الذي احدثه الانسان في الارض، وأشارت ان حماية البيئة هي مسؤولية الانسان المتفاعل معها، وهي لا تتحقق إلا بصلاح الانسان، فلا تصلح البيئة والانسان فاسد، ولا تسلم البيئة والانسان عليل، ومن ثُم يجب الاهتمام بصلاح الأنسان قبل الاهتمام بحماية البيئة واصلاحها، لان الانسان الصالح هو الذي يُصلح ويحمي من حوله وما حوله، والانسان الفاسد يُفسد ويضيع من حوله وما حوله .وأغلب ما ورد من النهي عن الفساد مرتبط بالأرض، لان اغلب حركات الانسان انما تحدث علي الارض، وورد النهي عن الافساد في الارض بعد اصلاحها تحذيراً من الهدم بعد البناء، كما في قوله تعالي: “ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ” سورة الروم الآية : 41 والتعريف في البر والبحر أي أن الفساد ليس للعهد، وانما هو تعريف الجنس الشامل لكل فساد ظهر في الأرض برها وبحرها، وذكر البر والبحر لتعميم الجهات، بمعني أن الفساد ظهر في كل مكان ثم بينت الآية الكريمة أسبابه بقوله تعالي ” بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ” فهم لم يستعملوا عقولهم ولم يستوعبوا ان هذا الافساد سيدمر حياتهم ،ويقضي علي مُستقبلهم، ولم يتدبروا قول الله تعالي في سورة الفجر ” الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ” الآية 14 ويلاحظ ان هناك ارتباط احوال الحياة واوضاعها بأعمال الناس وكسبهم وان فساد قلوب الناس وعقائدهم واعمالهم يوقع في الارض الفساد، ويملؤها براً وبحراً بهذا الفساد، ويجعله مُسيطر علي اقدارها، فظهور الفساد هكذا وانتشاره لا يتم عبثاً ولا يقع مصادفة، إنما هو تدبير الله وسنته، ” ليذيقهم بعض الذي عملوا ” من الشر والفساد حتي يكتوون بناره، ويتألمون لما يصيبهم منه. واخيراً يصف الله العلاج بقوله ” لعلهم يرجعون ” اي أن يتوبوا إلي الله، والعزم علي مقاومة الفساد، والرجوع إلي العمل الصالح والى المنهج القويم ويصف القرآن الكريم الذين تمادوا في فسادهم وظلمهم بان الله عقبهم بقوله ” فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ” سورة الاعراف الآية 133. ثم يصف القران بقايا المهلكين للموعظة والعبرة، قالي تعالي ” وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ * ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ” سورة يونس الآية 13 -14