مجتمع

الظروف الاستثنائية و جائحة كورونا

تعتبر الظروف الاستثنائية ظروف غير عادية تأتي نتيجة لعوامل تهدد استقرار الدولة و أمنها أو نظم الحكم الدستورية أو حقوق الإنسان، كذلك يمكن أن تكون هذه الظروف نتيجة لخطر يهدد حياة الأمة، و التي تتمثل في الظروف التي تهدد فيها الأرواح و الممتلكات في بلد ما كأحداث العنف و الشغب و الأعمال الإرهابية و التخريب و التمرد و الفيضانات و الزلازل و الأمراض و الأوبئة…، و تتمتع بموجبه السلطة التنفيذية بسلطات استثنائية غير عادية مقننة دستوريا. و تعد نظرية الظروف الاستثنائية استثناءا أو قيدا يرد على مبدأ سمو الدستور، وقد استعملت مصطلحات عدة لهذا المفهوم، فنجده تارة يستخدم مصطلح الظروف الاستثنائية وتارة مصطلح الضرورة. وقد جاءت هذه النظرية كضرورة لتنظيم ممارسة السلطة في الدولة في الظروف الاستثنائية، فالمبدأ أن بناء الدولة يعتمد على قوانين تشرع في الظروف العادية،غير أنه قد تحدث ظروف استثنائية قاهرة من شأنها المساس بكيان الدولة أو السلامة العامة للمجتمع كحالة الطوارئ أو حالة الحرب ووجود أزمات الحادة أو حالة التمرد والعصيان، فتلجأ السلطة التنفيذية لمواجهتها للتشريع أو بتدابير استثنائية. و يمكن تعريف الظروف الإستثنائية بأنها الأوضاع المادية التي تؤدي إلى وقف العمل بالقواعد العادية التي تطبقها الإدارة لتطبيق قواعد المشروعية الخاصة بالأزمات. و تتمثل دوافع النظرية الظروف الاستثنائية في: – وجوب بقاء الدولة و استمرارها، فالحفاظ على كيان الدولة و سلامتها هو الغرض الأسمى. – أن التشريعات العادية وضعت للظروف العادية، فالنظام القانوني العادي وضع ليحكم حياة الدولة في أوضاعها الطبيعية العادية، و لكن هذا النظام القانوني لا يستطيع تنظيم الدولة في الظروف غير العادية في فترة الأزمات و الحروب و أيضا يكون عاجزا عن تقديم الحماية اللازمة لاستمرار كيان الأمة و استقرارها. – حق الدولة في الدفاع الشرعي عن نفسها، و يعني أن للدولة الحق الشرعي بالدفاع عن نفسها في حال هدد أمنها و سلامة كيانها خطر جسيم، و حينها يحق للدولة أن تدفع هذا الخطر بشتى الوسائل و السبل حتى و لو وصل الأمر إلى تعطيل أحكام القانون أو مخالفتها. – الحفاظ على النظام العام و سير المرفق العام، فالظروف الاستثنائية ليست مجرد تطبيق لنظرية الضرورة، بل أنها تجد أساسها القانوني في دوام سير المرفق العام بانتظام و اطراد و في حماية النظام العام و الحفاظ عليه، فالأساس القانوني لنظرية الظروف الاستثنائية يتمثل في واجب الالتزام العام للسلطة التنفيذية، فيتوجب على هذه الأخيرة أن تحافظ على النظام العام بجميع عناصره و ذلك ضمان سير المرافق العامة في جميع الظروف و الأحوال. ولئن لا نجد الظروف الاستثنائية كمصطلح دارج في الشريعة الإسلامية و لكنها موجودة بالمعنى، حيث يقابلها مصطلح الضرورة و الذي يعد اعم و اشمل. و لعل من ابرز ما قدمته الشريعة الإسلامية من قواعد لمعالجة الظروف الاستثنائية، مبدأ الحرج مرفوع و المشقة تجلب التيسير، و أسسوا عليه قاعدتين أساسيتين و هما المشقة تجلب التيسير و لا ضرر و لا ضرار. و تنطبق على جائحة كورونا نظرية الظروف الإستثنائية، تبعا لما نتج عنها من تهديد لأرواح البشر و صحتهم ولاستمرارية دواليب الدولة و ديمومتها، فقد اعتبرت من الظروف الاستثنائية التي اقتضت اتخاذ جملة من التدابير و الإجراءات الإستثنائية من طرف السلطة التنفيذية، لمجابهة تداعيات و الآثار الوخيمة لهذه الآفة الخطيرة. و تقوم الظروف الاستثنائية على جملة من الأسس و الشروط {الجزء الأول} و هي تمنح للسلطة التنفيذية صلاحيات استثنائية { الجزء الثاني}
الجزء الأول: أسس و شروط الظروف الاستثنائية ترتكز نظرية الظروف الاستثنائية على جملة من الأسس { الفقرة الأولى} و تخضع لجملة من الشروط { الفقرة الثانية} الفقرة الأولى: أسس الظروف الاستثنائية 1- الأسس الفقهية: إن أساس الظروف الاستثنائية أساس فقهي واضح ألا و هو حالة الضرورة، و يقصد بالضرورة تلك الحالة من الخطر الجسيم الحال الذي يتعذر تتداركها بالوسائل العادية مما يدفع السلطات القائمة على حالة الضرورة أن تلجأ إلى الوسائل القانونية الاستثنائية لدفع هذا الخطر و مواجهة الأزمات. و فكرة الضرورة تقوم على ركنين: ركن موضوعي، و يتمثل بوجود خطر يهدد مصلحة جوهرية معتبرة قانونا، و ركن شكلي يتمثل في التجاوز على أحكام القانون. و ترجع الأصول الأولى لنظرية الظروف الاستثنائية في القانون العام إلى الفقه الألماني الذي اتخذ منذ البداية النظرية القانونية لهذه النظرية، و التي تجد أساسها في كتابات بعض الفقهاء الألمان منهم “هيكل” و “هرنك” و “جلينك”، فقد برر “هيكل” خروج الدولة عن القانون في هذه الحالة أن الدولة هي التي أوجدت القانون و هي تخضع له لتحقيق مصالحها و على ذلك فلا خضوع عليها إذا كانت تحقيق صالحها هو في عدم الخضوع إلى القانون الذي يعد وسيلة لغاية هي حماية الجماعة، فإذا لم تؤدي هذه القواعد إلى تحقيق هذه الغاية فيجب الخضوع إلى القانون، و على الدولة أن تضحي به في سبيل الجماعة. و كان الفقيه “جلينك” قد برر النظرية التي تحل فيها الحكومة محل السلطة التشريعية تحت ضغط الحوادث لمواجهة الضرورة بكل الوسائل المتاحة. و يذهب الفقيه الألماني إلى اعتبار أن نظرية الظروف الاستثنائية نظرية قانونية، و تعد حقا للدولة، و بناء على ذلك تكون الأعمال و الإجراءات التي تتخذها الدولة في أحوال الضرورة هي إجراءات مشروعة. أما الفقه الفرنسي فقد انقسم إلى مرحلتين تاريخيتين، ففي الأولى و هي القديمة اتخذ الفقه النظرية السياسية الواقعية، وهي ترى أن نظرية الظروف الاستثنائية هي نظرية لا أساس و لا وجود لها في القانون بل هي نظرية فرضها الواقع، و بالتالي تعتبر الإجراءات التي تتخذها السلطة التنفيذية في الحالات الاستثنائية غير متمتعة بالمشروعية القانونية و أن كانت تعفي السلطة من المساءلة إذا توفرت شروط معينة و التزمت بقيود إجرائية يحددها القانون، فالضرورة ليست مصدرا مشروعا للقوانين و لا يمكن أن تلغي القوانين العادية، ثم ما لبث أن انتقل إلى المرحلة الثانية التي اتخذ فيها النظرية القانونية لنظرية الضرورة. 2- الأسس الدستورية للظروف الاستثنائية: يعد مجلس الدولة الفرنسي أول من وضع الضوابط الخاصة لنظرية الظروف الاستثنائية بتحديد شروطها و إضفاء مشروعية من نوع خاص على أعمال السلطة التنفيذية الصادرة في ظلها عندما عمل المجلس على منح الإدارة سلطات استثنائية في الظروف الاستثنائية في ظل غياب النصوص الدستورية المتضمنة لهذه النظرية. وتكتسي نظرية الظروف الاستثنائية في عدة دول طابعا دستوريا. فقد تضمن الدستور الفرنسي لعام 1958 نصا معالجا للظروف الاستثنائية، و هو المادة 16 منه التي تخول لرئيس الجمهورية سلطة اتخاذ الإجراءات التي تتطلبها هذه الظروف، حيث ورد فيه: ” عندما تكون مؤسسات الجمهورية أو استقلال الأمة أو سلامة أراضيها أو تنفيذ تعهداتها الدولية مهددة بخطر جسيم وحال، وعندما يعاق السير العادي للسلطات الدستورية العامة، فإن رئيس الجمهورية يتخذ الإجراءات التي تقتضيها هذه الظروف بعد المشاورة الرسمية مع رئيس مجلس الوزراء ورئيس المجلسين الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ والمجلس الدستوري ويوجه بيانا للشعب”. و يتمثل الأساس الدستوري لنظرية الضرورة أو الظروف الاستثنائية، في مصر، في نص المادة 74 من الدستور المصري لعام 1971، والتي ورد فيها أنه “لرئيس الجمهورية إذ قام خطر يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستوري، أن يتخذ الإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر، ويوجه بيان إلى الشعب، ويجري استفتاء على ما آخذه من إجراءات خلال ستين يوماً من اتخاذها”. و أشارت المادة 57/ج من دستور العراق لعام 1970 إلى أن ” لرئيس الجمهورية عند الاقتضاء إصدار قرارات لها قوة القانون”. ونصت المادة 134 من الدستور الأردني على أنه ” إذا حدث ما يستدعي الدفاع عن الوطن في حالة وقوع طوارئ فيصدر قانون باسم قانون الدفاع تعطى بموجبه الصلاحية إلى الشخص الذي يعينه القانون لاتخاذ التدابير والإجراءات الضرورية بما في ذلك صلاحية وقف قوانين الدولة العادية لتامين الدفاع عن الوطن ويكون قانون الدفاع نافذ المفعول عندما يعلن عن ذلك بإرادة ملكية تصدر بناء على قرار من مجلس الوزراء”. كما نصت المادة 135 من الدستور نفسه على أنه ” 1- في حالة حدوث طوارئ خطيرة يعتبر معها أن التدابير والإجراءات بمقتضى المادة السابقة من هذا الدستور غير كافية للدفاع عن المملكة ، فللملك بناء على قرار مجلس الوزراء أن يعلن بإرادة ملكية الأحكام العرفية في جميع أنحاء المملكة أو في أي جزء منها . 2- عند إعلان الأحكام العرفية للملك أن يصدر بمقتضى إرادة ملكية أية تعليمات قد تقضي الضرورة بها لأغراض الدفاع عن المملكة بغض النظر عن أحكام أي قانون معمول به ويظل جميع الأشخاص القائمين بتنفيذ تلك التعليمات عرضة للمسؤولية القانونية التي تترتب على أعمالهم إزاء أحكام القوانين إلى أن يعفوا من تلك المسؤولية بقانون خاص يوضع لهذه الغاية “. و منح الفصل 80 من الدستور التونسي لرئيس الجمهورية اتخاذ التدابير في الحالات الإستثنائية. أما في بريطانيا و الولايات المتحدة الأمريكية فقد استقرت أحكام القضاء على اعتبار نظرية الظروف الاستثنائية مجرد نظرية سياسية لا يمكن أن تكون بذاتها أساسا قانونا للسلطات التشريعية لرئيس الجمهورية في الظروف الاستثنائية، و في هذه الدول هناك ما يعرف بحالة الطوارئ. الفقرة الثانية: شروط الظروف الاستثنائية تكاد تتفق الدساتير المنظمة لنظرية الظروف الاستثنائية إلى تقييدها بشروط معينة حتى لا تصبح النصوص المنظمة لها وسيلة بيد السلطة التنفيذية لتحقيق مصالح شخصية. و تتمثل شروط التدابير الاستثنائية في: 1- قيام الظرف الاستثنائي: و يتمثل هذا الظرف بوجود تهديد بخطر موجه ضد الدولة و هو أهم الشروط اللازمة لقيام هذه النظرية. وهذا الخطر قد يكون داخليا كالكوارث الطبيعية الاقتصادية أو العصيان المسلح و المظاهرات غير المسلحة أو بسبب حدوث فيضان أو انتشار وباء و نحو ذلك، و قد يكون خارجيا كالحروب… و يستقر الفقه على وجوب توافر أوصاف في هذا الخطر: و هما الجسامة و الحلول و أن يكون حقيقي. وقد ذهب جانب من الفقه إلى أن الخطر يكون جسيما إذا كان من غير الممكن دفعه بالوسائل القانونية العادية، فإذا أمكن دفعه بهذه الوسائل لا يعد جسيما. أما بالنسبة لصفة الحلول فان الخطر الحال يعني أن تبلغ الظروف أو الأحداث حدا تؤدي معه حالا و مباشرة الى المساس بالمصلحة موضوع الحماية، بمعنى أن لا يكون مستقبلا أو انه قد وقع و انتهى، فالخطر الحال هو الذي يكون على وشك الوقوع أو الذي يكون قد بدأ فعلا و لم ينتهي. كما يجب أن يكون الخطر حقيقيا، فالخطر الوهمي الذي ينشأ في ذهن أو تصور السلطة التنفيذية لوحدها، دون أن يكون مبني على حجج معقولة، لا ينتج أثره في إعمال أحكام نظرية الظروف الاستثنائية. 2- استحالة مواجهة الظرف الاستثنائي بالطرق القانونية العادية: و يعني انه إذا ما حدث ظرف استثنائي و كانت هناك قواعد قانونية أو دستورية قادرة على مواجهة هذا الظرف فانه ينبغي اللجوء إلى هذه القاعدة، أما إذا لم تكن هناك نصوص قانونية قادرة على مواجهة هذا الظرف ففي هذه الحالة يجب اللجوء إلى نظام قانوني استثنائي لتفادي هذا الظرف. 3- تناسب الإجراء المتخذ مع الظرف الاستثنائي، فيجب أن تكون الإجراءات الاستثنائية التي تتخذها السلطة التنفيذية بقدر ما تتطلبه الضرورة و في حدود ما تقتضيه فحسب، فلا يجوز للسلطة التنفيذية أن أن تتجاوز ذلك و تستأثر بالسلطة او تتعسف في استعمالها. ويحدد معيار جسامة الخطر بأن يخرج على الأقل عن إطار المخاطر المتوقعة أو المعتادة في حيـاة الـدولة فهو خطر غير مألوف و غير معروف على وجه الدقة ولا حيث النوع أو المدى، فالظرف الاستثنائي يتحقق وجوده بوجود حوادث خطيرة مجتمعة يستحيل على الإدارة مواجهتها بالوسائل والطرق العادية.
4- إبتغاء المصلحة العامة من الإجراء الإستثنائي، فشرط المصلحة العامة هو شرط جوهري في كل الأعمال التي تصدر عن الحكومة سواء أكانت الظروف عادية أم استثنائية وان أي عمل تتخذه الحكومة يجب إن يقصد به تحقيق مصلحة عامة وألا تكون الغاية منه الوصول إلى تحقيق إغراض شخصية ، والحكومة يجب أن تهدف إلى دفع هذه الظروف ومواجهتها للمحافظة على كيان الجماعة وهذا هو الهدف الخاص فإذا ما أخلت الحكومة واستعملت سلطتها الواسعة في أي هدف آخر من أهداف المصلحة العامة كان تصرفها مشوباً بانحراف السلطة. 5- إنتهاء سلطة اتخاذ التدابير الاستثنائية بانتهاء الظرف الاستثنائي: إذ يقتصر اثر الظرف الاستثنائي على الفترة الزمنية التي يقوم فيها ذلك الظرف، فلا يمتد إلى ما بعد انتهائها. الجزء الثاني: الصلاحيات الممنوحة للسلطة التنفيذية في الظروف الاستثنائية تخول الظروف الإستثنائية لرئيس الجمهورية صلاحية اتخاذ تدابير إستثنائية { الفقرة الأولى} كما تخول لرئيس الحكومة طلب تفويض تشريعي في إصدار مراسيم { الفقرة الثانية} الفقرة الأولى: صلاحية رئيس الجمهورية في اتخاذ تدابير استثنائية ينص الفصل 80 من الدستور على أن ” لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها، يتعذٌر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويعلًن عن التدابير في بيان إلى الشعب. ويجب أن تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال، ويعتبر مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة. وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حلٌ مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة. وبعد مضيٌ ثلاثين يوما على سريان هذه التدابير، وفي كل وقت بعد ذلك، يعهد إلى المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب أو ثلاثين من أعضائه البتٌ في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه. وتصرح المحكمة بقرارها علانية في أجل أقصاه خمسة عشر يوما. وينهى العمل بتلك التدابير بزوال أسبابها. ويوجه رئيس الجمهورية بيانا في ذلك إلى الشعب”. و تخضع التدابير الإستثنائية لجملة من التدابير الموضوعية و الإجرائية. 1- الشروط الموضوعية: و تتمثل في وجود حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها، يتعذٌر معه السير العادي لدواليب الدولة. ويجب أن تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال. – وجود خطر داهم مهدد لاستقلال الوطن: في الجانب الاصطلاحي يعرف الخطر بأنه” كل حالة واقعية تنذر بضرر يصيب مصلحة حيوية فيتهددها إما بالانتقاص أو الزوال”. – السلطة المكلفة بتقدير الخطر: أن تقدير مدى جسامة الخطر تعود للسلطة التقديرية لرئيس الجمهورية. – الحالة الإستثنائية: و تعني أن الأحداث التي وقعت غير معتادة و فجائية، و لم تعتد حياة الأفراد على معايشتها و تصيب المصالح الإستراتيجية و الحيوية للدولة و المجتمع، بحيث يصعب التحكم فيها بوسائل القانون العادية و أن ترك استمرارها من شأنه أن يؤدي إلى انهيار الدولة و المجتمع معا، إذا لم تستعمل الوسائل غير العادية في مواجهتها و التي تبقى الحل الاستثنائي لدرء هذه الأخطار الاستثنائية. و قد استعمل المشرع التونسي عبارة عامة و فضفاضة، على عكس المشرع الفرنسي الذي كان أكثر وضوحا حيث ورد في الفصل 16 من الدستور على” إذا تعرضت مؤسسات الجمهورية أو استقلال الأمة أو سلامة أراضيها أو تنفيذ تعهداتها الدولية لتهديد بخطر جسيم و حال”. – موضوع الخطر الداهم: و لم يقع تعريف الخطر الداهم و تقديره يخضع للسلطة التقديرية المطلقة لرئيس الجمهورية. 2- الشروط الإجرائية: – المشورة: و يقصد بشرط المشورة أن يأخذ رأي رئيس الحكومة و رئيس مجلس نواب. لكن السؤال المطروح هو ماهية الاستشارة؟ و كيفية إجرائها؟ كتابة أم شفاهة؟ و مدى إلزامية هذه الاستشارة؟ حسب رأينا يمكن أن تكون الاستشارة تكون كتابية أو شفاهية. و لا يكتسي الرأي الاستشاري أي قوة إلزامية. – الإعلام: يقوم رئيس الجمهورية بإعلام رئيس المحكمة الدستورية بالتدابير الاستثنائية. و لكن السؤال المطروح و أمام عدم تركيز المحكمة الدستورية هل يقع تجاوز هذا الإجراء؟ أم هل يقع إعلام رئيس الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين؟ و ما الغاية من الإعلام؟ بالرجوع إلى الفصل الأول من القانون الأساسي عدد 14 لسنة 2014 مؤرخ في 18 أفريل 2014 المتعلق بالهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين و الذي ينص على أنه ” تحدث بمقتضى هذا القانون الأساسي هيئة قضائية وقتية مستقلة تختص بمراقبة دستورية مشاريع القوانين تسمى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين ويشار إليها في ما يلي بالهيئة”، يتبين حسب رأينا أن رئيس الجمهورية غير ملزم بإعلام رئيس الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين. – توجيه بيان إلى الشعب: يقع الإعلان عن التدابير في بيان إلى الشعب. و هو يعتبر وسيلة لتبرير التدابير الاستثنائية التي اتخذها رئيس الدولة للرأي العام. – انعقاد مجلس نواب الشعب بصفة دائمة: يعتبر مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم طيلة الفترة التي تستغرقها التدابير الاستثنائية. – المدة: ينهى العمل بتلك التدابير بزوال أسبابها. ويوجه رئيس الجمهورية بيانا في ذلك إلى الشعب. و يمكن بعد مضيٌ ثلاثين يوما على سريان هذه التدابير، وفي كل وقت بعد ذلك، يعهد إلى المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب أو ثلاثين من أعضائه البتٌ في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه. وتصرح المحكمة بقرارها علانية في أجل أقصاه خمسة عشر يوما. و لكن الإشكال المطروح أمام غياب المحكمة الدستورية من هي الهيئة التي يقع تعهيده للبت في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه؟ و قد استند رئيس الجمهورية إلى أحكام الفصل 80 من الدستور و اصدر أمرا رئاسيا عدد 24 لسنة 2020 مؤرخ في 18 مارس 2020 يتعلق بمنع جولان الأشخاص والعربات بكامل تراب الجمهورية من الساعة السادسة مساء إلى الساعة السادسة صباحا ابتداء من 18 مارس 2020 إلى أن يصدر ما يخالف ذلك. كما صدر أمر رئاسي عدد 28 لسنة 2020 مؤرخ في 22 مارس 2020 يتعلق بتحديد الجولان، و الذي حجّر جولان الأشخاص والعربات بكامل تراب الجمهورية، إلا لقضاء حاجياتهم الأساسية أو لأسباب صحية مستعجلة، ومنع كل تجمّع يفوق ثلاثة أشخاص بالطريق العام وبالساحات العامة و قد لجأ رئيس الجمهورية الى الفصل 80 من الدستور رغم سريان حالة الطوارئ بمقتضي قانون 26 جانفي 1978، و هما أمران لا يتعارضان من الناحية القانونية أن تم تفعيلهما في نفس الوقت. الفقرة الثانية: صلاحية رئيس الحكومة في إصدار مراسيم إتجهت عدة دساتير إلى تبني فكرة التفويض التشريعي ، ومن بينها نجد الدستور الفرنسي لعام 1958 قد نص في المادة 38 بأن ” للحكومة في سبيل تنفيذ برنامجها أن تطلب من البرلمان تفويضها بان تتخذ عن طريق الأوامر خلال مدة محدودة تدابير تدخل عادة في القانون، ويتم إقرار الأوامر في مجلس الوزراء بعد اخذ رأي مجلس الدولة وهي تسري بمجرد نشرها ولكنها تصبح لاغية إذا لم يقدم مشروع قانون التصديق عليها إلى البرلمان قبل انتهاء التاريخ المحدد في قانون التفويض، ولا يمكن إقرارها إلا بشكل صريح وبانتهاء المدة المذكورة في الفقرة الأولى لهذه المادة لا يمكن تعديل الأوامر في المواد الداخلة في مجال التشريع إلا بقانون وذلك في المواد التي تدخل في النطاق التشريعي”. وذهب الدستور المغربي لعام 2011 إلى تبني التفويض التشريعي أيضاً في المادة 70 التي نصت على أن:” يصوت البرلمان على القوانين…. للقانون أن يأذن للحكومة أن تتخذ في ظرف من الزمن محدود، ولغاية معينة، بمقتضى مراسيم، تدابير يختص القانون عادة باتخاذها ويجري العمل بهذه المراسيم بمجرد نشرها، غير انه يجب عرضها على البرلمان بقصد المصادقة، عند انتهاء الأجل الذي حدده قانون الإذن بإصدارها”. ونص الفصل 70 من الدستور التونسي على أنه:” يمكن لمجلس نواب الشعب بثلاثة أخماس أعضائه أن يفوّض بقانون لمدة محدودة لا تتجاوز الشهرين ولغرض معين إلى رئيس الحكومة إصدار مراسيم تدخل في مجال القانون تُعرَض حال انقضاء المدة المذكورة على مصادقة المجلس. يستثنى النظام الانتخابي من مجال المراسيم”.
1- الشروط الموضوعية: تنقسم الشروط التي وردت بالفصل 70 من الدستور إلى نوعين أحداهما تتعلق بالفترة الزمنية التي يمكن خلالها لرئيس الحكومة إصدار مراسيم بناءً على تفويض مجلس نواب الشعب له، والأخرى تتضمن بيان الموضوعات التي يجوز له أن يتناولها قانون التفويض. – أن يكون التفويض لمدة محدودة: ينص الفصل 70 فقرة 2 من الدستور:” يمكن لمجلس نواب الشّعب … أن يفوض بقانون لمدّة محدودة لا تتجاوز الشّهرين ..). يجب أن لا تتجاوز مدة التفويض المسندة من مجلس نواب الشعب إلى رئيس الحكومة الشهرين، فلابد من تحديد المدة الزمنية للتفويض تحديداً دقيقاً. ويرجع السبب في ذلك إلى حرص المشرع الدستوري على عدم استمرار التفويض لأجل غير مسمى كونه أمرا استثنائيا عارضا فهو يعد خروجا على مبدأ الفصل بين السلطات، ولذلك فان عدم تحديد القانون مدة التفويض يجعله باطلا، لذا فلا يجوز للبرلمان أن يجعل تحديد مدة التفويض من تقديرات السلطة التنفيذية وذلك عن طريق ربطها بتحقيق الهدف من التفويض، وإنما يجب أن يحدد قانون التفويض تحديدا دقيقا، المدة التي تؤهل خلالها الحكومة في اتخاذ تدابير تعود لمجال القانون. وهذا التشديد في ضرورة تحديد مدة قانون التفويض متأتٍ من كون التفويض التشريعي يعد أمرا استثنائياً عارضاً وخروجاً على مبدأ الفصل بين السلطات ولذلك يتعين ان يكون هذا الخروج مؤقتا حتى لا يختل التوازن بين السلطات. – غرض التفويض: ينص الفصل 70 فقرة 2 من الدستور على أنه:” يمكن لمجلس نواب الشّعب … أن يفوض بقانون … لغرض معيّن”. يجب أن يكون قانون التفويض محدد الغرض، فلابد إن يحدد بدقة ماهية المواضيع التي سيتناولها قانون التفويض، فهذا التفويض ليس شيكا على بياض بحسب ما يعتقده الكثيرون، بل هو مقيد بموضوعه ومدته الزمنية. فلا من تحديد الموضوعات التي تصدر فيها المراسيم، فالتفويض يجب أن يكون جزئيا ينصب على موضوعات محددة، أما التفويض الكلي فانه غير جائز لأنه يعد بمثابة تنازل من البرلمان عن إختصاصاته التشريعية، وهو ما أيده المجلس الدستوري الفرنسي في العديد من أحكامه، فقد قضى في 11/1/1977 بأن: “عندما تطلب الحكومة إلى المجلس النيابي الإذن بالتشريع عن طريق أوامر تشريعية يجب عليها أن تبين بدقة ماهية التدابير التي تنوي اتخاذها ويجب أن تتخذ هذه التدابير من أجل تنفيذ برنامجها”، وكذلك ما قضى به في عام 1986 بأن: “على الحكومة أن تبين مجال تدخلها غير أنها ليست ملزمة ببيان فحوى الأوامر..”. 2- الشروط الشكلية: نص الفصل 70 في فقرته الثانية من الدستور:”يمكن لمجلس نواب الشّعب بثلاثة أخماس أعضائه أن يفوض بقانون … إلى رئيس الحكومة إصدار مراسيم تدخل في مجال القانون تعرض حال انقضاء المدّة المذكورة على مصادقة المجلس. يستثنى النّظام الانتخابي من مجال المراسيم”. – شكل التفويض: يجب أن يصدر التفويض بقانون. – النصاب المطلوب: ينص الفصل 70 فقرة 2 من الدستور أنه:” يمكن لمجلس نواب الشّعب بثلاثة أخماس أعضائه أن يفوض بقانون … إلى رئيس الحكومة إصدار مراسيم تدخل في مجال القانون تعرض حال انقضاء المدّة المذكورة على مصادقة المجلس”. بمعنى أن تتم المصادقة على التفويض بأغلبية 131 صوتا. – عرض المراسيم على مجلس نواب الشعب: يجب عرض المراسيم الصادرة عن الحكومة على مصادقة مجلس نواب الشعب حال انقضاء مدة التفويض. ويترتب على عدم عرضها زوال ما كان لها من قوة القانون، ومن ثم إنهاء أثارها واعتبارها لاغية. فلابد من الرجوع إلى مجلس نواب الشعب صاحب الاختصاص الأصيل في التشريع في نهاية مدة التفويض ليقول كلمته في تلك المراسيم، فقد يرى الموافقة عليها وذلك بان يصادق عليها ويسبغ عليها قوة القانون، وقد يرفض صراحة الموافقة عليها وفي هذه الحالة يزول ما كان لها من قوة القانون . و يمثل هذا الإجراء رقابة بعدية للمراسيم التي كان قد اتخذها رئيس الحكومة أثناء مدة التفويض، و بالتالي يبقى دائما لمجلس نواب الشعب ممارسة رقابته على أعمال الحكومة. وفي فرنسا، و في إطار التدابير المتخذة لمجابهة وباء كورونا” كوفيد19″، تمت المصادقة من قبل الجمعية الوطنية على قانون الطوارئ الصحي، و الذي دخل حيز التنفيذ ابتداء من يوم 24/3/2020، والذي يخول للوزير الأول ، إصدار مراسيم من شأنها أن أن تقلل الحريات الخاصة والمتمثلة أساسا في تقييد حركة النقل وبالتالي الحجر على نطاق واسع، ومراسيم في مجالات تنظيم العدالة والقضاء ( كل ما بتعلق بٱجال الطعون وإجراءات التقاضي والقيام لدى المحاكم ومرجع نظرها الحكمي والترابي وقواعد المحاكمة والتقاضي الالكتروني …). ويحتوي القانون أيضًا على أحكام تتعلق بتأجيل الجولة الثانية من الانتخابات البلدية الفرنسية ودعم الاقتصاد، بالإضافة إلى التدابير التي تؤثر على قانون العمل الفرنسي. كما صدر في المغرب مرسوم رقم 2.20.392 بتاريخ 23 مارس 2020 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية و إجراءات الإعلان عنها و الذي جاء في المادة الثالثة منه:” تقوم الحكومة خلال فترة إعلان الطوارئ باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة و ذلك بموجب مراسيم و مقررات تنظيمية و إدارية او بواسطة مناشير و بلاغات من اجل التدخل الفوري و العاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للغرض و تعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة الأشخاص و ضمان سلامتهم”. و قد صادق مجلس نواب الشعب التونسي على منح رئيس الحكومة تفويضا لإصدار مراسيم لغرض مجابهة تداعيات انتشار فيروس كورونا ” كوفيد 19″ و تأمين السير العادي للمرافق العمومية. و قد اقتصر التفويض على الميادين التالية: – الميدان المالي و الجبائي و الاجتماعي. و يشمل التدابير الهادفة إلى الإحاطة و الدعم و المساعدة المباشرة و الغير المباشرة للأفراد و المؤسسات المتضررين من تداعيات فيروس كورونا و تعبئة الموارد لفائدة ميزانية الدولة و المستوجبة لتغطية التكاليف المترتبة عن مواجهة تداعيات فيروس كورونا و تعديل إجراءات و صيغ التغطية الصحية و الاجتماعية للمكفولين الاجتماعيين المتضررين من فيروس كورونا. – ميدان الحقوق و الحريات و ضبط الجنايات و الجنح و العقوبات و الإجراءات أمام المحاكم و يشمل التدابير الهادفة إلى إقرار أحكام استثنائية في الآجال و الإجراءات في الدعاوى و الطعون أمام مختلف أصناف المحاكم و بصفة عامة في كل الإجراءات و الآجال المتعلقة بالالتزامات المدنية و التجارية و غيرها، و تنظيم الحقوق و الحريات بما يتلائم مع التدابير الوقائية المستوجبة لمقاومة تفشي فيروس كورونا، و تجريم الأفعال التي من شأنها أن تتسبب في انتشار العدوى أو تعطيل الإجراءات المتخذة لمكافحة هذا الفيروس و ضبط العقوبات المستوجبة لردع تلك الأفعال. – الميدان الصحي و البيئي و التعليمي و الثقافي و يشمل التدابير الاستثنائية الهادفة إلى ضبط القيود و الإجراءات التنظيمية في المجال الصحي و المجالات ذات العلاقة و مراجعة تنظيم السنة الدراسية و الامتحانات و حماية البيئة، و ميدان تسيير المرافق العمومية و القطاع الخاص و الضمانات الأساسية للأعوان العموميين و الشغالين و يشمل التدابير الاستثنائية الهادفة إلى إقرار القواعد المنظمة لسير عمل المرافق العمومية و القطاع الخاص بما يتلائم مع مقتضيات مواجهة فيروس كورونا، و إقرار إجراءات متعلقة بالقواعد المتعلقة بالالتزامات المحمولة على الأعوان العموميين و على العمال الخاضعين لمجلة الشغل. و إقرار إجراءات خصوصية استثنائية للشراءات العمومية بما يتماشى مع متطلبات مواجهة فيروس كورونا.
الخاتمة: لقد دفع تفشي وباء كورونا رئيس الجمهورية إلى اتخاذ تدابير تتعلق بالحد من التنقل و منع التجول و الحظر الصحي الشامل في اطار الفصل 80 من الدستور. كما انه و في نفس السياق تم التفويض لرئيس الحكومة من قبل مجلس نواب الشعب في اتخاذ مراسيم تتعلق بعدة مجالات في إطار الفصل 70 من الدستور، و كل ذلك من اجل مجابهة تداعيات هذه الجائحة. و هما إجراءان يمكن ممارستهما في نفس الوقت، و لكن في إطار احترام مقتضيات الفصل 49 من الدستور الذي ينص على:” يحدّد القانون الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها. ولا توضع هذه الضوابط إلا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية حقوق الغير، أو لمقتضيات الأمن العام، أو الدفاع الوطني، أوالصحة العامة، أو الآداب العامة، وذلك مع احترام التناسب بين هذه الضوابط وموجباتها. وتتكفل الهيئات القضائية بحماية الحقوق والحريات من أي انتهاك. لا يجوز لأي تعديل أن ينال من مكتسبات حقوق الإنسان وحرياته المضمونة في هذا الدستور”.

إعداد : الدكتور جابر غنيمي

قاضي و مدرس جامعي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى