الحماية القانونية للمستهلك في ظل وباء الكورونا
و أنا ملازما لبيتي أقرأ ما تيسر من القرآن الكريم داعيا الله أن يبعد عنا شبح بلية وباء الكورونا، سمعت مناديا ينادي عبر مكبر الصوت داعيا جميع المواطنين إلى التبليغ عن حالات الإحتكار و الغش إلى الجهات الأمنية،
و أما تفاقم هذه المظاهر، التي رافقت إنتشار عدوى فيروس كورونا، و ما قد يترتب عن ذلك من آثار سلبية على المقدرة الشرائية للمواطن و الأمن الغذائي الوطني،
خامرتني فكرة أن أكتب هذا المقال نصحا للمحتكرين المستكرشين و رأفة و توعية للمستهلكين.
لقد ساهم ظهور فيروس كورونا في تونس، في إعادة بروز ظاهرة الإحتكار التي تشمل الإمتناع عن البيع و البيع المشروط و الترفيع في أسعار بعض المنتوجات و المواد الغذائية و الصحية و غيرها، و كذلك الغش في البضاعة.
والأديان كلها تُحَرِّم هذه الممارسات؛ لأنها تستهدف سعادة الجماعة في معاشها ومعادها، بفعل الخير والبعد عن الشر.
فلقد حرم الإسلام الإحتكار تطبيقاً لحديث الرسول -عليه الصلاة السلام- “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”.
و قد روي عن يعلى بن أمية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إحتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه ).
وما روي عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغلبه عليهم كان حقاً على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة). و ما روي عن أبى هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من إحتكر حكرة يريد أن يغلى بها على المسلمين فهو خاطئ) .
و ما رواه ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من إحتكر طعاماً أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه ، وأيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائعاً فقد برئت منهم ذمة الله).
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الجالب مرزوق والمحتكر ملعون).
و ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : ” لا حكرة فى سوقنا ، لا يعمد رجال بأيديهم فضول من أذهاب إلى رزق الله نزل بساحتنا فيحتكرونه علينا ، ولكن أيما جالب جلب على عمود كبده في الشتاء والصيف ، فذلك ضيف عمر ، فليبع كيف شاء الله وليمسك كيف شاء الله .”
و ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : ” من احتكر الطعام أربعين يوماً قسا قلبه” .
وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم التجار من غلاء الأسعار لمجرد جشعٍ منهم، فعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليُغْلِيَه عليهم فإن حقًا على الله أن يقذفه في جهنم) .
ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم من أكل الحرام؛ وقد يأتي المالُ الحرام بسبب المغالاة التي منطلقها الجشع قال صلى الله عليه وسلم: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به).
فعن أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: غَلَا السِّعْرُ فِي المَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ غَلَا السِّعْرُ، فَسَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: “إِنَّ اللهَ هُوَ المُسَعِّرُ القَابِضُ البَاسِطُ الرَّازِقُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ”.
والدليل على تحريم الغش في القرآن، قولُ الله عزَّ وجلَّ: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَخونُوا اللَّـهَ وَالرَّسولَ وَتَخونوا أَماناتِكُم وَأَنتُم تَعلَمونَ)، والدليل في السنّة، عن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: (أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ مرَّ على صُبرةِ طعامٍ . فأدخلَ يدَهُ فيها . فنالت أصابعُهُ بللًا . فقالَ ما هذا يا صاحبَ الطَّعامِ ؟ قالَ أصابَتهُ السَّماءُ . يا رسولَ اللَّهِ ! قالَ أفلا جعلتَهُ فوقَ الطَّعامِ كي يراهُ النَّاسُ ؟ من غَشَّ فليسَ منِّي).
قال رسول الله ( صلَّى الله عليه و سلم ) لرجل يبيع التمر: ” يا فلان أما علمت أنه ليس من المسلمين من غشهم “.
ان حماية المستهلك في ظل جشع المحتكرين و المضاربين الذين انتهزوا حالة وباء الكورونا للقيام بممارسات احتكارية يقتضي التشديد في تطبيق النصوص الزجرية على المخالفين ( الجزء الأول) غير أن ذلك لا يشكل حلا فعالا للحد منها ( الجزء الثاني)
الجزء الأول: التشديد في تطبيق النصوص الزجرية على المخالفين
ان حماية المستهلك من كل الممارسات الاحتكارية و الغش يحتم التطبيق الحازم للقانون تجاه مرتكبيها. و قد جرم القانون التونسي الإحتكار ( الفقرة الأولى) و الغش ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: تجريم الإحتكار
لغة يعرف قاموس “لسان العرب” لإبن منظور الإحتكار بما يلي :
أولاً : الحَكر بفتح الحاء وسكون الكاف ، ادخار الطعام للتربص وصاحبه محتكر .
ثانياً : الحَكر والحُكر بفتح الحاء في الأول وضمها في الثاني ، وفتح الكاف فيها بمعنى ما احتكر تقول : إنهم ليحتكرون في بيعهم ينظرون ويتربصون ، وأنه يحكر بكسر الحاء وسكون الكاف – لا يزال يحبس سلعته –
و الإحتكار اصطلاحا هو حبس مال أو منفعة أو عمل ، والامتناع عن بيعه وبذله حتى يغلو سعره غلاءً فاحشاً غير معتاد ، بسبب قلته ، أو انعدام وجوده ، مع شدة حاجة الناس أو الدولة أو الحيوان إليه .
جرم المشرع التونسي الإحتكار و ذلك صلب القانون عدد 36 لسنة 2015 مؤرخ في 15 سبتمبر 2015 المتعلق بإعادة تنظيم المنافسة والأسعار و المجلة الجزائية. و يقوم الإحتكار على الامتناع عن البيع و البيع المشروط و الزيادة غير القانونية في الأسعار و الإخلال بتراتيب الدعم…
1- الإمتناع عن البيع: و يتمثل في رفض البائع بيع بضاعته للمستهلك. و قد نص الفصل 31 من القانون عدد 36 لعام 2015 أنه يحجر الامتناع عن بيع مواد أو منتوجات للمستهلك أو إسداء خدمة له طالما أن طلباته لا تكتسي صبغة غير عادية أو أن المنتوجات أو الخدمات موضوع تلك الطلبات لا تخضع لتراتيب خاصة.
كما حجر اشتراط البيع بإشتراء كمية مفروضة أو بإشتراء في الوقت نفسه مواد أو منتوجات أو خدمات أخرى ويحجر كذلك اشتراط إسداء خدمة بإسداء خدمة أخرى أو بإشتراء مادة أو منتوج.
و منع الفصل 37 من القانون المذكور على كل تاجر أو صناعي أو حرفي وكذلك على كل مسدي خدمات :
– أن يرفض في حدود إمكانياته وحسب الشروط المطابقة للعرف المهني تلبية طلبات شراء منتوجات أو إسداء خدمات لنشاط مهني طالما أن هذه الطلبات لا تكتسي أية صبغة غير عادية وتصدر عن طالبين حسني النية وما دام بيع هذه المنتوجات أو إسداء الخدمات غير محجر بقانون أو بتراتيب صادرة عن السلطة العمومية.
– أن يطبق على طرف اقتصادي أو يحصل منه على أسعار أو آجال دفع أو شروط بيع أو أساليب بيع أو شراء تمييزية وغير مبررة بمقابل حقيقي مسببا على هذا النحو لذلك الطرف ضررا أو فائدة على مستوى المنافسة.
و يعاقب الفصل 47 من القانون المذكور رفض البيع بخطية من 200 دينار إلى 10.000 دينار.
2- البيع المشروط: وهو فرض بيع سلعة أو منتوج أو بضاعة على المستهلك عند شرائه لبضاعة معينة، بحيث انه لا يستطيع شراء ما يرغب إلا بشراء منتوج آخر يفرض عليه من قبل البائع. و قد منع الفصل 37 من قانون 2015 أن يربط التاجر بيع منتوج أو إسداء خدمة بالإشتراء في الوقت نفسه لمنتوجات أخرى أو باشتراء كمية مفروضة أو بإسداء خدمات أخرى.
و يعاقب الفصل 47 من القانون المذكور البيع المشروط بخطية من 200 دينار إلى 10.000 دينار.
3- الزيادة غير القانونية في الأسعار: و تتمثل في بيع البضاعة أو السلعة بثمن ارفع من ثمنها الحقيقي الواقع تحديده من طرف الدولة.
اعتبر الفصل 39 من قانون المنافسة و الأسعار زيادة غير قانونية في الأسعار كل زيادة في أسعار المواد والمنتوجات والخدمات ناتجة عن تغيير في أحد شروط البيع :
– بيع بضاعة دون غلاف بنفس السعر المعمول به عادة عند بيعها بالغلاف.
– بيع بضاعة تسلم عند خروجها من المعمل أو بالمحطة أو بالرصيف بنفس السعر المعمول به عادة عند بيعها موصلة إلى المشتري مع عدم تحمله لمصاريف النقل.
– تطبيق زيادة في السعر مقابل خدمات أو مواد إضافية، عند بيع بضاعة، وذلك إذا كانت هذه الخدمات أو المواد محتسبة سابقا في سعر البيع الأصلي.
و لقد اعتبر الفصل 40 من قانون المنافسة و الأسعار كذلك عمليات بيع بأسعار غير قانونية :
– كل بيع منتوج أو إسداء خدمات أو عرض أو اقتراح بيع منتوج أو إسداء خدمة يتم بسعر يفوق السعر المضبوط وفقا للتراتيب السارية المفعول.
– إبقاء السعر نفسه للمواد أو الخدمات التي وقع نقص في جودتها أو كميتها أو وزنها أو أبعادها أو حجمها الصالح للاستعمال.
– البيوعات أو الشراءات وعروض البيع أو الشراء المتضمنة لإسداء خدمة خفية إضافية بأي وجه كان.
– إسداء خدمات أو عرضها أو طلب إسدائها مع مكافأة خفية بأي وجه كان.
– البيوعات أو الشراءات أو عروض البيع أو الشراء بين المهنيين التي تتضمن تسليم بضائع تقل كمّا أو كيفا عن البضائع المنصوص عليها بالفاتورة أو التي سيقع التنصيص عليها بالفاتورة. – البيوعات بأسعار التفصيل من قبل تجار الجملة لكميات بضائع مطابقة عادة لبيوعات بالجملة.
و اعتبر الفصل 41 من القانون المذكور في حكم الزيادة غير القانونية في الأسعار العمل الذي يقوم به كل تاجر أو صناعي أو حرفي أو مسدي خدمات والمتعلق بـ:
– بيع منتوج لم يؤخذ في شأنه قرار بضبط سعره طبقا للتراتيب الجاري بها العمل.
– إخفاء في مستودع لبضائع لم يزود بها مغازته.
– عدم الاستظهار بالفواتير الأصلية أو بنسخ منها عند أول طلب للأعوان المكلفين بمعاينة المخالفات في المادة الاقتصادية.
و يعاقب الفصل 52 من القانون المذكور الترفيع غير القانوني في الأسعار ومن أجل تطبيق أسعار غير قانونية ، وكذلك من أجل التحريض على تطبيق أسعار تختلف عن الأسعار المحددة أو ضبطها من قبل أشخاص غير مؤهلين، بالسجن من 16 يوما إلى ثلاثة أشهر وبخطية من 300 دينار إلى 30.000 دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.
و قد نص الفصل 139 من المجلة الجزائية على أنه يعاقب بالسجن من شهرين إلى عامين وبخطية من أربعمائة وثمانين دينارا إلى أربعة وعشرين ألف دينارا كل من يحدث أو يحاول أن يحدث مباشرة أو بواسطة ترفيعا أو تخفيضا مصطنعا في أسعار المواد الغذائية أو البضائع أو الأشياء العامة أو الخاصة وذلك بتعمد ترويج أخبار غير صحيحة أو مشينة لدى العموم أو تقديم عروض بـالسوق بهدف إدخال اضطراب على الأسعار أو تقديم عروض شراء بأسعار تفوق ما طلبه الباعة أنفسهم أو بغيرها من وسائل وطرق الخداع مهما كان نوعها.
4- الإخلال بتراتيب الدعم: لقد اعتبر الفصل 42 من قانون المنافسة و الأسعار إخلالا بتراتيب الدعم كل عملية يقوم بها تاجر أو صناعي أو حرفي أو مسدي خدمات تتعلق بـ:
– مسك منتجات مدعمة بمواقع الخزن أو الإنتاج في غير الحالات المرخص فيها.
– استعمال منتجات مدعمة في غير الأغراض المخصصة لها أو بطرق تخالف القرارات المتخذة في الغرض من الجهات المختصة.
– الاتجار في منتجات مدعمة ومشتقاتها بطرق تخالف القرارات المتخذة في الغرض من الجهات المختصة.
– الحصول على الدعم دون وجه شرعي.
ويعاقب الفصل 52 من القانون المذكور الإخلال بتراتيب الدعم بالسجن من شهر إلى عام وبخطية من 2000 دينار إلى 100.000 دينار أو بإحدى العقوبتين.
و يمكن عند ضبط الممارسات الاحتكارية المذكورة آنفا حجز المنتوجات والمواد الغذائية والبضائع مهما كان نوعها والتي هي موضوع المخالفات . ويمكن للوزير المكلف بالتجارة الإذن ببيع المنتوجات المحجوزة، دون القيام بإجراءات عدلية مسبقة، وذلك في صورة ما إذا تعلق الحجز ببضائع قابلة للتلف أو إن اقتضت حاجيات التموين ذلك.
و يمكن للمحكمة أن تحكم بالمصادرة لفائدة الدولة لكل أو لبعض المواد والمنتوجات والبضائع .
كما يمكن للمحكمة ذات النظر أن تحكم بنشر كامل أحكامها أو أجزاء منها بالصحف التي تعينها وبتعليقها مكتوبة بأحرف جلية بالأماكن التي تعينها وخاصة على الأبواب الرئيسية لمعامل أو مصانع المحكوم عليه وكذلك على واجهة محلاته وكل ذلك على نفقة المحكوم عليه.
و يمكن للمحكمة أن تحكم بغلق مغازات المخالف أو معامله أو مصانعه وقتيا أو بمنعه بصفة وقتية من مباشرة مهنته، ويعاقب بالسجن من ستة عشر يوما إلى ثلاثة أشهر من أجل مخالفة مقتضيات الحكم العدلي بالغلق أو بمنع مباشرة المهنة.
و في صورة العود تضاعف العقوبات العدلية، ويعتبر في حالة عود كل من ارتكب مخالفة قبل مضي خمس سنوات من تاريخ صدور حكم عليه.
الفقرة الثانية: تجريم الغش
لقد جرم المشرع التونسي الغش في المنتوج أو البضاعة سواء في صنعه أو في مكوناته أو في جودته…
فقد نص الفصل 294 من المجلة الجزائية على أنه يعاقب بالسجن مدة ستة أشهر وبخطية قدرها سبعمائة وعشرون دينارا من يغشّ عمدا المشتري بأن يسلّم له شيئا غير الشيء المحقّق المعيّن بذاته الذي اشتراه.
ويستوجب نفس العقاب كل من يغشّ، باستعمال الحيل، المشتري في طبيعة أو كمية أو جودة الشيء المسلّم له.
و سن المشرع التونسي القانون عدد 40 لسنة 1999 المؤرخ في 10 ماي 1999 المتعلق بالمترولوجيا القانونية، و الذي أخضع أدوات القيس المستعملة في الوزن إلى التحقق الدوري ، حيث يقوم أعوان المترولوجيا القانونية بالرقابة المترولوجية القانونية بواسطة معايير أو لوازم مرجعية مرتبطة بالمعايير الوطنية، و ذلك لمنع الغش في الميزان.
و قد حجر عرض وبيع وعرض للبيع وكراء وتسليم ومسك واستعمال ، كل أدوات قيس ليس لها الصبغة القانونية أو تنتمي لصنف غير خاضع للرقابة المترولوجية القانونية. وحجر إدخالها إلى البلاد التونسية.
و فرض على ماسكي أدوات القيس المعدة للإستعمال في عمليات القيس:
– إستعمال أدوات قيس قانونية ومتصلة بطبيعة نشاطهم.
– إخضاع أدوات القيس التي بحوزتهم أو التي يستعملونها إلى التحقق الدوري.
– توفير لغاية التحقق، كل الوسائل التي يستعملونها إلى التحقق الدوري.
– التأكد من صحة وحسن صيانة والسير الصحيح والإستعمال القانوني لأدوات القيس التي يستعملونها في نطاق نشاطهم.
– تولي وضع أدوات القيس بطريقة تمكن من الإستعمال الصحيح لهذه الأدوات، وجعلها على مرأى ومقربة من المشترين والباعة حتى يتسنى لهم معاينة علامات الرقابة ونزاهة عمليات القيس بسهولة.
و يعاقب كل من يخالف ذلك بخطية مالية تتراوح بين 100 و1000 دينار.
و حماية للمستهلك من كل إخلال بنزاهة المعاملات أقر المشرع التونسي القانون عدد 117 لسنة 1992 المؤرخ في 7 ديسمبر 1992 المتعلق بحماية المستهلك، حيث نص في الفصل الأول على أنه: ” يهدف هذا القانون إلى ضبط القواعد العامة المتعلقة بسلامة المنتوجات ونزاهة المعاملات الاقتصادية وحماية المستهلك”.
ويعاقب على مخالفة القواعد المتعلقة بسلامة المنتوجات و نزاهة المعاملات الإقتصادية بخطية مالية تتراوح بين 500 و20000 دينار وبالسجن لمدة تتراوح بين ستة عشر يوما وثلاثة اشهر أو بإحدى العقوبتين فقط. و ترفع العقوبات إلى الضعف إذا كانت المنتوجات مضرة بالصحة.
و يمكن للمحكمة أن تحكم بنشر الحكم كليا أو جزئيا بالصحف التي تعينها وتعليقه مكتوبا بأحرف جلية بالأماكن التي تعينها وخاصة على الأبواب الرئيسية للمصانع أو ورشات المحكوم عليه وكذلك على واجهات محلاته التجارية وكل ذلك على نفقة المحكوم عليه.
كما يمكن للمحكمة أن تحكم بغلق المحلات التجارية للمخالف و ورشاته ومصانعه بصفة وقتية أو نهائية أو بمنع المحكوم عليه مؤقتا من ممارسة نشاطه.
ويعاقب بالسجن من ثلاثة أشهر إلى عامين من اجل مخالفة مقتضيات الحكم العدلي بالغلق أو بمنع مباشرة المهنة.
و يمكن للمحكمة حال تعهدها بالتتبعات أن تأذن بصفة وقتية توقيف بيع المنتوج موضوع المخالفة. ويقع تنفيذ الإجراءات بقطع النظر عن الطعن.
و يمكن للمحكمة أن تأذن بحجز المنتوجات موضوع المخالفة إذا كانت لا تزال على ذمة البائع أو الماسك لها.
كما يمكن لها كذلك أن تحكم بحجز أو إتلاف الموازين ولآلات الكيل والوزن غير الصحيحة أو المزودة.
وإذا كانت المنتوجات المحجوزة صالحة للاستعمال يمكن للمحكمة أن تضعها على ذمة الإدارة. وإذا كانت غير صالحة ومضرة فانه يقع إتلافها على نفقة المحكوم عليه أو تحويل وجهتها لاستعمالات أخرى.
إن الوضع الاستثنائي التي تمر به البلاد من جراء جائحة الكورونا تقتضي التشديد في تطبيق القانون على المحتكرين، الذين ينتهزون الفرص و لو في حالة المصائب و الجوائح للاستثراء و نهش دم المواطنين البسطاء، همهم المال، لا تعنيهم مصلحة البلاد و العباد.
إن المتأمل و المحلل لظاهرة الاحتكار في ظل هذه الظروف العصيبة يلاحظ أن نتائج تطبيق القانون ظلت محدودة لم تحد منها، و تبقى العقوبات بسيطة لا تتناسب و الجرائم التي يرتكبها هؤلاء المجرمين، مما يتجه إيجاد آليات جديدة.
الجزء الثاني: تطبيق القانون غير كاف لوحده لتجاوز أزمة الكورونا
لا يكفي القانون لوحده لقطع الطريق أمام المضاربين و المحتكرين، و لتحقيق الأمن الغذاني في هذه الظروف الصعبة، بل لا بد من توفر الوعي لدى المواطن ومجهود المجتمع المدني ( الفقرة الأولى) و ضرورة أن تتدخل الدولة في عملية الإنتاج و التوزيع ( الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: وعي المواطن و دور المجتمع المدني
يساهم وعي المواطن و دور المجتمع المدني في التقليص من الإحتكار.
1- وعي المواطن:
يقول عليه – الصلاة والسلام ”كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”، وغيرها من التوجيهات النبوية المؤكدة على أهمية الوعي والإدراك بحجم ونوع المسؤولية الملقاة على عاتق كل واحد منا من موقعه الذي يعمل ويعيش فيه، وهي رسالة تحمل المسؤولية المشتركة على الكبير والصغير، الرجل والمرأة…
إن وعي المواطن بالوضع الوبائي ، سيؤدي إلى تعزيز مفهوم المواطنة السليمة الصالحة المنتجة التي تضمن تقبل الوضع و التأقلم معه، و ذلك بالحد من لهفة الشراء و تكديس السلع و المنتوجات الغذائية، و تعويد النفس على الصبر و المشقة، و مكابدة النفس، و التعود على سلوك التضامن و التآزر و الإخاء، و تقاسم الرغيف، و التبليغ عن جميع حالات الاحتكار و الغش…
الوباء عالمي، و مكافحة انتشاره هي معركة وعي و ثقافة قوامها التماسك و الإلتزام المجتمعي بتعليمات الدولة.
2- دور المجتمع المدني:
المجتمع المدني هو حصيلة المؤسسات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية
والثقافية التي تعمل في ميدانها الخاص ولا تمارس السلطة ولا تستهدف الحصول على
منافع اقتصادية وتمثل الحلقة الوسيطة بين جمهورها وبين السلطة التنفيذية “.
و المجتمع المدني هو جمعيات مستقلة عن الدولة تشتغل لأهداف إنسانية (ثقافية اجتماعية
بيئية الخ …..) وتصنف حسب مجال نفوذها إلى دولية ووطنية.
و لا بد للمجتمع المدني من لعب دور مهم في الإرشاد و التوعية و التحسيس، و في التبليغ عن حالات الاحتكار و المضاربة، و مراقبة متى إلتزام التجار بالقوانين .
و بالفعل اظهر المجتمع المدني بكامل مكوناته من جمعيات و منظمات و نقابات و هيئات مهنية و كشافة… وعيا كبير في إدارة الأزمة و في طمأنة المواطنين على أنهم بالمرصاد لكل محتكر، و لا حاجة للخوف من التزود بالمواد الغذائية الأساسية، و معاضدة مجهود الدولة في توفير الصحة و الغذاء لشعبها…
الفقرة الثانية: ضرورة تدخل الدولة في عملية الإنتاج و التوزيع
لقد أضحى دور الدولة حيويا في إدارة أزمة الكورونا بإمتياز، و ذلك من خلال تكفلها بإتخاذ جميع التدابير الوقائية و الإحترازية من علاج المصابين و مراقبة الحجر الصحي، و إعلان فرض التجوال بنشر وحدات الجيش و الآمن الوطني للسهر على تطبيقه بكل حرفية ، و إيقاف جميع الأنشطة و تعليق العمل و الدراسة… و إلى حد الآن في الطريق الصحيح بحول الله.
لقد أرجعتنا آفة الكورونا الى دور الدولة المتدخلة في جميع شؤون المواطنين و حياتهم، و الحامية لهم، بامتياز.
إن الوضع الإستثناني بسبب وباء كورونا يقتضي أخذ الدولة بزمام الأمور، و لو مؤقتا، إلى حين إندثار المرض بإذن الله، و ذلك بالتحكم في أعمال الإنتاج للسلع و المواد الغذائية الأساسية، و إشرافها على عملية التوزيع و إيصال المواد الغذائية و الصحية و غيرها إلى جميع المواطنين بدون استثناء، ليطمئن المواطن على قوته من شجع و طمع و انتهازية المحتكرين. و كذلك لتفادي أزمة المجاعة و نقص الغذاء للفقراء.
الخاتمة:
أزمة كورونا ستعلمنا الصبر و الجلد، ستعلمنا حب الوطن، ستغرس فينا قيم التضامن و التآزر و التعاون و حب الإنسان لأخيه الإنسان التي قررها الإسلام بين المسلمين، و جاء فيها قوله تعالى ( إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم و اتقوا الله لعلكم ترحمون).
الدولة بجميع أجهزتها و مؤسساتها، المواطن، المجتمع المدني…، كل يد واحدة القضاء على الإحتكار و المضاربة، و للانتصار على معركتنا ضد جائحة الكورونا ، إنشاء الله تعالى.
بقلم القاضي ..د. جابر غنيمي
المساعد الأول لوكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بالمهدية