مجتمع

الحجر الصحي و الإستشفاء الوجوبي

إعداد : الدكتور جابر غنيمي

قاضي و مدرس جامعي

المقدمة:

يعتبر مرض فيروس كورونا من الأمراض المعدية التي تنتقل عن طريق الأشخاص الآخرين المصابين بالفيروس. ويمكن للمرض أن ينتقل من شخص إلى شخص عن طريق القطيرات الصغيرة التي تتناثر من الأنف أو الفم عندما يسعل الشخص المصاب بمرض “كوفيد-19”. و قد أدى تفشي المرض بصفة سريعة، في كافة أنحاء العالم ، منظمة الصحة العالمية، إلى تصنيفه بكونه جائحة عالمية، و ذلك في 11 مارس 2020. و للحد من انتشار هذا الوباء لجأت اغلب الدول إلى فرض الحجر الصحي، الذي يعتبر الإجراء الأكثر فعالية للتحكم في توسع الفيروس كورونا، حيث لا توجد إلى حد الآن أدوية محددة لعلاج هذا المرض، ولا يوجد لقاح ضده أيضًا. و لم يعرف المشرع التونسي و القانون المقارن الحجر الصحي. و يمكن تعريف الحجر الصحي بأنه إجراء يتم تطبيقه على الأشخاص الذين ليس لديهم المرض، ولكنهم اتصلوا بشخص مصاب أو يشتبه في إصابته، وينطبق كذلك على أولئك الذين سافروا إلى الأماكن التي يوجد بها تفشي لفيروسات كورونا. ولا يحتاج الشخص إلى أعراض للحجر الصحي، فيكفي مجرد الشك في الاتصال بالمرضى للخضوع للحجر الصحي، لأن الفيروس له فترات حضانة مختلفة ولا يولد دائمًا أعراضًا مرئية. وقد يكون الحجر الصحي في منزل الشخص، أو منشأة أو فضاء خاص مثل فندق، مستشفى، أو مبيت…
و قد يتم فرض الحجر الصحي على منطقة أو مدينة انتشر فيها المرض، أو على كامل البلاد. والحجر الصحي أو العزل المنزلي أو حتى التباعد الاجتماعي الذي فُرض بسبب تفشي فيروس كورونا، ليس حدثاً فريداً من نوعه في التاريخ، فقد عرف البشر أهمية هذه الإجراءات منذ القدم، واتبعوها عند تفشي العديد من الأوبئة والأمراض. و قد ذكر في الكتاب المقدس أن الكهنة اتخذوا من العزل أو الحجر الصحي وسيلة لمنع تفشي بعض الأمراض مثل القرحة، فقد كان الكهنة يعزلون المريض لمدة 7 أيام، ثم يقومون بفحصه ثانية، وبناءً على ذلك يقررون أنه لا يعاني من أي أعراض، أو يقررون إخضاعه للعزل ثانية. و عرف المسلمون أهمية الحجر الصحي الإلزامي للمصابين ببعض الأمراض المعدية خاصة الجذام، في وقت مبكر من التاريخ الإسلامي، ففي ما بين عامي 706 و 707 قام الخليفة الأموي الوليد الوليد الأول ببناء أول مستشفى في دمشق وأصدر أمراً بعزل المصابين بالجذام عن مرضى آخرين في المستشفى. واستمرت ممارسة الحجر الإلزامي للجذام في المستشفيات العامة حتى عام 1431، عندما بني العثمانيون مستشفى الجذام في أدرنة. وقد كانت إيطاليا رائدة في مجال تطبيق هذه الآليات، فمع بداية عام 1348 وبعد وصول الطاعون إلى مدن مثل البندقية وميلانو، فرض مسؤولو هذه المدن بعد استشارة الأطباء التباعد الاجتماعي والحجر الصحي على السكان منعاً لتفشي المرض. وكانت مدينة راجوسا الإيطالية الساحلية أول مدينة تقرّ تشريعات تفرض الحجر الإلزامي على جميع السفن والقوافل التجارية من أجل فحص العدوى. كما استمرت أوبئة الكوليرا والجدري طوال القرن التاسع عشر، وأثرت أوبئة الطاعون على هونولولو وسان فرانسيسكو من عام 1899 حتى عام 1901، مما حذا حكومات الولايات المتحدة بإجراء حجر صحي جغرافي للتحكم في حركة الأشخاص من و إلى المجتمعات المتضررة. وخلال جائحة الإنفلونزا عام 1918 أقامت بعض المجتمعات عزلاً وقائياً لمنع المصابين من نقل الإنفلونزا إلى الأصحاء. ومن المعروف اليوم أن الصين كانت أول من استخدم الحجر الصحي الجماعي في مدينة ووهان، وبعد ذلك في مقاطعة هوبي، في جائحة فيروس كورونا ” كوفيد 2019″. و سعيا لمجابهة وباء كورونا فرضت تونس الحجر الصحي العام و حظر التجول… فقد صدر أمر رئاسي عدد 24 لسنة 2020 مؤرخ في 18 مارس 2020 يتعلق بمنع جولان الأشخاص والعربات بكامل تراب الجمهورية من الساعة السادسة مساء إلى الساعة السادسة صباحا ابتداء من 18 مارس 2020 إلى أن يصدر ما يخالف ذلك. كما صدر أمر رئاسي عدد 28 لسنة 2020 مؤرخ في 22 مارس 2020 يتعلق بتحديد الجولان، و الذي حجّر جولان الأشخاص والعربات بكامل تراب الجمهورية، إلا لقضاء حاجياتهم الأساسية أو لأسباب صحية مستعجلة، ومنع كل تجمّع يفوق ثلاثة أشخاص بالطريق العام وبالساحات العامة. و صدر أمر حكومي عدد 156 لسنة 2020 مؤرخ في 22 مارس 2020 يتعلق بضبط الحاجيات الأساسية و مقتضيات ضمان استمرارية سير المرافق الحيوية في إطار تطبيق إجراءات الحجر الصحي الشامل. و يترتب عن عدم التزام المصاب بفيروس كورونا بالفحص و العلاج و الحجر الصحي إخضاعه للاستشفاء الوجوبي. فلقد صدر الأمر الحكومي عدد 152 لسنة 2020 المؤرخ في 13 مارس 2020 ، و الذي اعتبر في فصله الأول أن الإصابة بفيروس كورونا الجديد (كوفيد 19) من صنف الأمراض السارية المنصوص عليها بالمرفق الملحق بالقانون عدد 71 لسنة 1992 المؤرخ في 27 جويلية 1992، و شدد على أنه تطبق تبعا لذلك على المصابين به الأحكام المتعلّقة بوجوبية الفحص والعلاج والاستشفاء الوجوبي بغرض العزل الإتقائي بنفس الشروط الواردة بالأحكام التشريعيّة والترتيبيّة الجاري بها العمل المتعلقة بالأمراض السّارية. إن الحجر الصحي و الاستشفاء الوجوبي يختلفان من حيث نظام كل منهما{الجزء الأول} و النصوص المنطبقة على الإخلال بهما{ الجزء الثاني}

الجزء الأول: الإختلاف من حيث نظام كل منها يختلف التحجير الصحي عن الإستشفاء الوجوبي من حيث جهة إتخاذ الإجراء{ الفقرة الأولى} و مكانه و مدة تنفيذه { الفقرة الثانية} الفقرة الأولى: جهة اتخاذ الإجراء الحجر الصحي الذاتي هو التزام قانوني يقوم به الشخص الذي قام بمخالطة أشخاص مصابين أو مشتبه بإصابتهم بفيروس كورونا، و ذلك بملازمة منزله أو أي مكان آخر منفرد لمدة 14 يوما. و إذا لم يذعن الشخص للحجر الصحي الذاتي يقع إجباره على ذلك بالقوة العامة و ذلك في مكان خاص و تحت رقابة أمنية. و الحجر الصحي العام أو الشامل، الذي أعلنه رئيس الجمهورية، هو ملازمة كل المواطنين والمواطنات، والمقيمين بالبلاد لمنازلهم. و قد انطلق يوم 22 مارس 2020 إلى غاية 4 أفريل 2020. وتقرر التمديد فيه لمدة أسبوعين. أما بخصوص الاستشفاء الوجوبي، فقد نص عليه الفصل 12 من قانون الأمراض السارية المؤرخ في 3 أوت 1992 المنقح بمقتضى القانون عدد 7 لسنة 2007 مؤرخ في 12 فيفري 2007 ، و الذي أكد على أنه يصدر عن المحكمة الابتدائية، والمنتصبة للقضاء إستعجاليا، بناء على طلب من وزير الصحة العمومية أو من يمثله، وذلك بعد سماع المريض، وعند الاقتضاء من يمثله. و يقصد بالمحكمة التركيبة المجلسية { الثلاثية}. و نحن نعتقد أنه كان من الأفضل منح إختصاص استصدار قرار الاستشفاء الوجوبي لرئيس المحكمة كما هو الشأن للإيواء الوجوبي، أو لحاكم الناحية بإعتبار كثرة الحالات في كل جهات الجمهورية، تبسيطا و تسهيلا للإجراءات، و لتقريب القضاء من المواطن، فكيف مثلا لمصاب بفيروس كورونا في منطقة هبيرة تبعد عن ولاية المهدية 120 كلم أو مصاب بالكورونا من منطقة المزونة التي تبعد 70 كلم عن ولاية سيدة بوزيد أن يتم نقله إلى المحكمة الإبتدائية التي تعتبر بعيدة عن تلك المناطق؟ و من سيتكفل بنقله؟ و كيف سيتم نقله؟ الفقرة الثانية: مكان و مدة تنفيذ الإجراء يقع تنفيذ الحجر الصحي الذاتي عادة بالمنزل، و ذلك لمدة 14 يوما. و يقع تنفيذ الحجر الصحي الإجباري في صورة عدم التزام الشخص بالحجر الصحي الذاتي بأحد الأماكن المخصصة لذلك كالنزل و المستشفيات والمبيتات و الشقق…، و ذلك تحت رقابة أمنية، و ذلك منعا لانتشار فيروس كورونا. أما بالنسبة للحجر الصحي الشامل فقد تقرر منذ 22 مارس 2020 إلى غاية 4 أفريل 2020 و تم التمديد فيه لمدة أسبوعين. و يتم الإستشفاء الوجوبي بأحد الهياكل الصحية العمومية، و يقرر لمدة أقصاها ثلاثة أشهر قابلة للتجديد عند اللزوم من طرف المحكمة الابتدائية المختصة. الجزء الثاني: الاختلاف من حيث النصوص القانونية المنطبقة على الإخلال بهما تختلف النصوص القانونية التي تطبق على مخالفة الحجر الصحي { الفقرة الأولى} عن تلك التي تتعلق بمخالفة الإستشفاء الوجوبي{ الفقرة الثانية} الفقرة الأولى: النصوص القانونية المنطبقة على مخالفة قرار الحجر الصحي 1- المجلة الجزائية: – مخالفة التحجيرات و تدابير الوقاية و المراقبة المأمور بها من طرف السلط العمومية المختصة : تقتضي هذه الجريمة صدور قرارات في التحجير أو تتضمن تدابير وقائية او مراقبة من السلط العمومية المختصة. و يترتب عن مخالفة الشخص لقرار التحجير، و الخروج من مكان الحجر الصحي ( المنزل أو المستشفي أو مركز مخصص للحجر..) عقوبات جزائية، فلقد نص الفصل 312 م ج على انه: ” يعاقب بالسجن مدة ستة أشهر وبخطية قدرها مائة وعشرون دينارا كل من يخالف التحجيرات وتدابير الوقاية والمراقبة المأمور بها حال وجود مرض وبائي”. – القتل عن غير قصد الواقع أو المتسبب عن عدم احتياط أو إهمال أو عدم تنبّه أو عدم مراعاة القوانين: إذا ما تسبب عن مخالفة المصاب بفيروس الكورونا لقرار الحجر الصحي نقل العدوى للغير، مما تسبب في وفاته، ودون توفر عنصر العمد، يمكن تتبعه من اجل جريمة القتل عن غير قصد الواقع أو المتسبب عن عدم احتياط أو إهمال أو عدم تنبه أو عدم مراعاة القوانين تطبيقا لأحكام الفصل 217 م ج الذي ينص على أنه: ” يعاقب بالسجن مدة عامين وبخطية قدرها سبعمائة وعشرون دينارا مرتكب القتل عن غير قصد الواقع أو المتسبب عن قصور أو عدم احتياط أو إهمال أو عدم تنبّه أو عدم مراعاة القوانين”.

  • إلحاق أضرار بدنية بالغير عن غير قصد بسبب عدم الإحتياط أو عدم التنبه أو التغافل أو عدم مراعاة القوانين: يترتب عن نقل العدوى من المصاب بفيروس الكورونا بسبب عدم الإلتزام بقرار الحجر إلى الغير مما ينجر عنه إصابته بإضرار ببدنه جريمة إلحاق أضرار بدنية بالغير عن غير قصد بسبب عدم مراعاة القوانين، و ذلك عملا بأحكام الفصل 225 م ج الذي ينص على أنه: ” يعاقب بالسجن مدة عام وبخطية قدرها أربعمائة وثمانون دينارا كل من يتسبب بقصوره أو بجهله ما كانت تلزمه معرفته أو عدم احتياطه أو عدم تنبهه أو تغافله أو عدم مراعاته للقوانين في إلحاق أضرار بدنية بغيره أو يتسبب فيها عن غير قصد”. – القتل العمد: إذا تسبب المصاب بفيروس كورونا الغير ملتزم بالحجر الصحي، في نقل العدوى إلى شخص آخر، عن قصد و علم، متسببا في وفاته فإنه يترتب عنه جريمة القتل العمد عملا بأحكام الفصل 205 م ج ، الذي ينص على أنه:” يعاقب مرتكب قتل النفس عمدا بالسجن بقية العمر في غير الصور المقرّرة بالفصول المتقدّمة”. – محاولة القتل العمد: يمكن أن توجه للمصاب بفيروس كورونا الذي لم يلتزم بالحجر الصحي، و تسبب في نقل العدوى لشخص آخر، محاولة القتل العمد عملا بأحكام الفصلين 59 و 205 م ج. و نحن نعتقد أن ركن العمد في مخالفة الحجر الصحي مفترض، بحكم أن المصاب بالفيروس يعلم بإصابته بالفيروس و ما يمكن أن يتسبب عن ذلك من نقل العدوى، و رغم ذلك قام بخرق الحجر الصحي واتصل بعدة أشخاص، و بالتالي تكون إحالة المتهم من أجل القتل العمد أو محاولة القتل العمد.
    2- قانون الطوارئ: نص الأمر عدد لسنة 50 لسنة 1978 المؤرخ في 26 جانفي لسنة 1978 المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ في فصله الأول على أنه يمكن إعلان حالة الطوارئ بكامل تراب الجمهورية أو ببعضه إما في حالة خطر داهم ناتج عن نيل خطير من النظام العام، وإما في حصول أحداث تكتسي بخطورتها صبغة كارثة عامة. و في هذه الحالة يخول الفصل 4 من الأمر المذكور للوالي وبحسب ما تقتضيه ضرورة الأمن أو النظام العام في ما يلي: – منع جولان الأشخاص والعربات. – منع كل إضراب أو صد عن العمل حتى ولو تقرر قبل الإعلان عن حالة الطوارئ. – تنظيم إقامة الأشخاص. – تحجير الإقامة على أي شخص يحاول بأي طريقة كانت عرقلة نشاط السلط العمومية. – اللجوء إلى تسخير الأشخاص والمكاسب الضرورية لحسن سير المصالح العمومية والنشاطات ذات المصلحة الحيوية بالنسبة للأمة. و يخول الفصل 7 من الأمر المذكور لوزير الداخلية بالنسبة إلى كامل التراب الذي أعلنت به حالة الطوارئ وللوالي بالنسبة للولاية الأمر بالغلق المؤقت لقاعات العروض ومحلات بيع المشروبات وأماكن الاجتماعات مهما كان نوعها. كما يمكن تحجير الاجتماعات التي من شأنها الإخلال بالأمن أو التمادي في ذلك. و يعاقب الفصل 9 من الأمر المذكور كل من يخرق قانون الطوارئ بالسجن لمدة تتراوح بين ستة أشهر وسنتين وبخطية تتراوح بين ستين (60 د) وألفين وخمسمائة دينار (2500 د ) أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط. و تقوم السلطة الإدارية بالتنفيذ الوجوبي للتدابير المتخذة. و تجدر الإشارة إلى تونس في الوقت الراهن في حالة طوارئ. و قد لجأ عدة ولاة إلى اتخاذ قرارات في إطار حالة الطوارئ مثل منع التجول و الإقامة الجبرية … و الاشكال الذي تباينت في شانه المحاكم هو هل أن خرق حظر التجول و الحجر الصحي يعتبر جريمة على معنى الفصل 312 م ج أو على أساس مخالفة قانون الطوارئ طبق أمر 26 جانفي 1978؟ تجدر الإشارة إلى أنه صدر أمر رئاسي عدد 24 لسنة 2020 مؤرخ في 18 مارس 2020 يتعلق بمنع جولان الأشخاص والعربات بكامل تراب الجمهورية من الساعة السادسة مساء إلى الساعة السادسة صباحا ابتداء من 18 مارس 2020 إلى أن يصدر ما يخالف ذلك. كما صدر أمر رئاسي عدد 28 لسنة 2020 مؤرخ في 22 مارس 2020 يتعلق بتحديد الجولان، و الذي حجّر جولان الأشخاص والعربات بكامل تراب الجمهورية، إلا لقضاء حاجياتهم الأساسية أو لأسباب صحية مستعجلة، ومنع كل تجمّع يفوق ثلاثة أشخاص بالطريق العام وبالساحات العامة. و قد اتخذ رئيس الجمهورية هذه التدابير في نطاق ما يخوله له الفصل 80 من الدستور الذي ينص على أنه: ” لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها، يتعذّر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويُعلِنُ عن التدابير في بيان إلى الشعب”، و دون اللجوء إلى قانون الطوارئ لعام 1978، و هي من التدابير الوقائية. و بناء على ذلك فإننا نعتقد أن خرق الحجر الصحي أو منع التجول هي جريمة مناط الفصل 312 م ج الذي ينص على:” يعاقب بالسجن مدة ستة أشهر وبخطية قدرها مائة وعشرون دينارا كل من يخالف التحجيرات وتدابير الوقاية والمراقبة المأمور بها حال وجود مرض وبائي”، و بالتالي فإن الاختصاص ينعقد لمحكمة الناحية. الفقرة الثانية: النصوص القانونية المنطبقة على مخالفة الاستشفاء الوجوبي صدر الأمر الحكومي عدد 152 لسنة 2020 المؤرخ في 13 مارس 2020، و الذي اعتبر في فصله الأول أن الإصابة بفيروس كورونا الجديد (كوفيد 19) من صنف الأمراض السارية المنصوص عليها بالمرفق الملحق بالقانون عدد 71 لسنة 1992 المؤرخ في 27 جويلية 1992، و تطبق تبعا لذلك على المصابين به الأحكام المتعلّقة بوجوبية الفحص والعلاج والاستشفاء الوجوبي بغرض العزل الإتقائي بنفس الشروط الواردة بالأحكام التشريعيّة والترتيبيّة الجاري بها العمل المتعلقة بالأمراض السّارية. و لقد حدد الفصل 11 من قانون الأمراض السارية المؤرخ في 27 جويلية 1992 حالات إصدار قرار الاستشفاء الوجوبي، فيمكن إصداره من طرف المحكمة الأشخاص المصابين بفيروس كورونا وذلك في الحالات التالية: – إذا رفضوا مباشرة أو متابعة العلاج المحدد لهم رغم إلزامهم بذلك مع إثباته، فلقد فرض الفصل 9 من قانون الأمراض السارية على كل شخص يعلم أنه مصاب بفيروس الكورونا أن يعرض نفسه على طبيب للفحص والمعالجة. و في حالة رفضه العرض تلقائيا يمكن للسلطة الصحية أن تلزمه بأن يعالج نفسه بصفة منتظمة مع إثبات ذلك بتقديم شهائد طبية في الآجال التي تحددها له السلطة الصحية نفسها، و يتم متابعة العلاج إما لدى طبيب من ذوي الممارسة الحرة حسب اختيار المريض أو بأحد الهياكل الصحية العمومية المعنية من قبل السلطة الصحية. و عند رفض المعالجة يقع استصدار قرار في الإستشفاء الوجوبي. و يعاقب الفصل 19 من قانون الأمراض السارية كل شخص وقع استشفاؤه وجوبا و يغادر من تلقاء نفسه المؤسسة التي وقع قبوله لديها، بالسجن لمدة تتراوح بين شهر وستة أشهر. و نلاحظ أن النص تضمن عقوبات بدنية فقط. و نحن نعتقد أنه يكون من الأفضل إعتماد عقوبات مالية و عقوبات بديلة أخرى مثل الإقامة الجبرية أو المنع من السفر أو سحب رخصة السياقة و شهادة التسجيل بالنسبة للعربات أو حجز الوسيلة التي استعملها المصاب بالكورونا في تنقلاته… و يطرح إشكال بخصوص مدى إمكانية تطبيق أحكام الفصل 53 م ا ج ؟ و الأصل أن تنفذ العقوبات السجنية بالسجن أو الإصلاحية إذا كان مرتكب الجريمة طفلا لكن الأمر يختلف بالنسبة للمصابين بالكورونا باعتبار أن تنفيذهم العقاب بالأماكن المذكورة يؤدي إلى تفشي المرض بتلك الأماكن و بالتالي انتقال العدوى إلى باقي السجناء و أعوان و إطارات المؤسسات السجنية، و لذلك فقد نص الفصل 20 من قانون الأمراض السارية على أن تنفذ تلك العقوبات في وسط إستشفائي معد لذلك. و لكن من الملاحظ القول إلى افتقاد تونس إلى حد الآن لأماكن إستشفائية معدة لتنفيذ العقوبات البدنية المحكوم بها ضد المصابين بفيروس كورونا الذين ارتكبوا جرائم مخالفة الإستشفاء الوجوبي أو قاموا بتعمد نقل العدوى إلى الغير. كما أن إعداد هذه الأماكن يقتضي تخصيص إعتمادات ضخمة ليس للدولة الموارد المالية الكافية لتوفيرها في ظل هذه الظروف التي تعيشها البلاد.
    و أعتقد أن قانون الأمراض السارية الذي صدر سنة 1992 أضحي لا يتماشي مع وباء كورونا و من الأجدى تنقيحه من اجل إيجاد إجراءات فعالة تتماشي و طبيعة الأوبئة المستحدثة.

الخاتمة : إن تحقيق الانتصار على وباء فيروس كورونا و الحد من تفشيه، يقتضي من عموم المواطنين الانضباط والالتزام بقواعد الحجر الصحي و منع التنقل، تحقيقا للتباعد الإجتماعي، و لتفادي الإستشاء الوجوبي، و هذا الأمر موكول بدرجة أولى إلى وعي المواطن. و يتجه كذلك على النيابة العمومية السهر على حسن تطبيق القوانين المنطبقة على المخالفات المتعلقة بخرق الحجر الصحي و حظر التجول…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى