تمر اليوم الذكرى العشرين لوفاة اول رئيس للجمهورية التونسية الحبيب بورقيبة الذي ولد يوم 3 اوت 1903 و غادر الحياة يوم 6 افريل 2000 . حياة الحبيب بورقيبة التي تواصلت قرنا كاملا تقريبا لم تكن بكل المقاييس حياة عادية بل تخللتها محطات استثنائية جعلت الحبيب بورقيبة يدخل تاريخ تونس من الباب الكبير كاحد الرجال الذين طبعوها ببصمتهم بل يمكن القول ان للحبيب بورقيبة دورا كبيرا في نحت ملامح تونس الجديدة و هو ما حعل تاثيره متواصلا الى حد الان من خلال الجدل الذي يثرتهار حول مسيرته السياسية و حول انجازاته و ايضا اخفاقاته . و هذا الحضور الطاغي للحبيب بورقيبة يجد تفسيره في ان الرجل قد استطاع التقاط السياق الذي شرع فيه في خوض تجربته السياسية في مطلع عشرينات القرن الماضي و التي كان مدخله الاول هو تحريك الشعب التونسي من اجل مقاومة الاستعمار الفرنسي . ادرك الحبيب بورقيبة انه لا بد من احداث قطيعة مع اساليب التاطير القديمة و من الانتقال من قيادة “الشيوخ ” الى قيادة “الشباب ” خاصة و ان المدرسة العمومية التي انشاتها فرنسا قد شرعت في اعطاء ثمارها فظهرت نخبة تونسية جديدة و شابة سعت للاضطلاع بدورها في الحياة السياسية و الثقافية و الرياضية . و ادرك الحبيب بورقيبة انه من الضروري بناء اطار مفاهيمي لتوحيد الشعب التونسي فابتدع مفهوم “الامة التونسية ” و اعتمد اسلوبا غير مالوف في تونس و هو الاتصال المباشر . الاكيد ان بورقيبة لم يكن مخترعا لهذه الاطر و الاساليب التي اخذت طريقها الى مجتمعات اخرى و لكنه اجاد توظيفها و منحها خصوصية تونسية . الحبيب بورقيبة لم يحسن مسايرة تحولات التاريخ الكبرى فقط بل احسن ايضا معارضة ما كان يبدو “حتمية تاريخية ” اذ كان الشخصية الوحيدة في الحركة الوطنية التونسية التي ترفض مساندة المحور و النظام الالماني النازي و تقف الى جانب الحلفاء رغم ان فرنسا تحتل تونس و رغم ان موازين القوى كانت اما اتخذ بورقيبة موقفه لفائدة هتلر و موسيليني . و اما اكبر مواجهة قام بها بورقيبة مع التاريخ فتتمثل في الاجراءات التي اتخذها مباشرة بعد استقلال تونس يوم 20 مارس 1956 و في ظرف زمني قصير لا يتجاوز الاربعة اشهر و التي شكلت “تحديا للوعي السائد ” و غيرت و الى حد الان شكل المجتمع التونسي . الغى الحبيب بورقيبة تعدد الزوجات و التطليق و هو ما منح شكل الاسرة النواتية الحالية التي غير بورقيبة ايضا شكلها من خلال اقرار التنظيم العائلي و الحد من الولادات و الغى المحاكم الشرعية و وحد القضاء التونسي علاوة انه لعب دورا محوريا في الغاء النظام الملكي و انتقال تونس للجمهورية . و كما صمدت ايجابيات بورقيبة ظلت سلبيات مسيرته متواصلة الى حد الان اذ لم يقع القضاء على الجهوية و المحسوبية اللذان ولدا زمن حكمه و تطورا منذ زمن حكم زين العابدين بن علي و لم يصل منطق المؤسسات و التداول على المسؤوليات الى الاحزاب السياسية و طلت عقلية “الزعامة ” حاضرة في اذهان قادة الاحزاب السياسية …الحبيب بورقيبىة هو الاب الذي يقيم معه ابناؤه علاقة لا تخلو من ازدواجية اذ يقلدوه رغم انهم يريدون تجاوزه
هشام