اتفاقية باريس الثلاثية: تفكيك الدولة السورية تحت غطاء الفدرالية و«الاستقرار»…!

حسين مرتضى
في خطوة وُصفت بأنها كارثية على وحدة سورية ومستقبلها، وقع وزير الخارجية في حكومة الجولاني، الشيباني، اتفاقية ثلاثية مثيرة للجدل مع كلّ من الولايات المتحدة و”إسرائيل” خلال اللقاء الذي عُقد مؤخراً في باريس. الاتفاقية التي جاءت تحت ستار “الفدرالية والاستقرار”، تفتح الباب لتفكيك الدولة السورية لصالح مشاريع إقليمية مشبوهة، وتمنح “إسرائيل” نفوذاً غير مسبوق في الجنوب السوري.
تنص الاتفاقية على منح “الدروز والأكراد والعلويين” الحق في تأسيس مناطق فدرالية خاصة بهم، مع تعهّد الجانب الأميركي بتضمين هذا الأمر في الدستور السوري الجديد. في المقابل، لم تحصد حكومة الجولاني أيّ مكسب حقيقي، سوى تجميد محاولات “إسرائيل” للإطاحة بها في الوقت الراهن.
أبرز بنود الاتفاقية الثلاثية وفق التسريبات:
1 ـ الجانب الأميركي يتسلّم ملفّ الاشتباكات في السويداء، ويتعهّد بالإشراف على تنفيذ الاتفاقية.
2 ـ انسحاب قوات حكومة الجولاني والفصائل الموالية لها من محافظة السويداء بشكل كامل.
3 ـ التزام المقاتلين “الدروز” بالتأكّد من خلوّ القرى من أيّ قوات أو مسلحين موالين للجولاني قبل دخولها.
4 ـ تشكيل مجالس محلية جديدة في السويداء من سكانها الأصليين لتقديم الخدمات.
5 ـ تأسيس لجان لتوثيق الجرائم والمخالفات وتقديم تقارير دورية للجانب الأميركي.
6 ـ نزع السلاح في محافظتي القنيطرة ودرعا، مع تشكيل لجان أمنية من السكان المحليين، يُمنع تسليحها بأسلحة ثقيلة.
7 ـ منع أيّ مؤسسة أو منظمة تابعة لحكومة الجولاني من دخول السويداء، مع حصر العمل الإنساني والخدمي على المنظمات الدولية فقط.
*تفكيك تدريجي… بخطى «أميركية ـ إسرائيلية»
يرى مراقبون أنّ هذه الاتفاقية، بدلاً من أن تعزز سلطة الحكومة السورية، تعمل على سحب السيادة تدريجياً من الدولة، بدءاً من الجنوب. الخطة التي تقودها واشنطن وتل أبيب تهدف، بحسب التحليلات، إلى نزع سلاح سورية تدريجياً، تمهيداً لتكرار السيناريو ذاته في مناطق الأكراد والعلويين.
الخطير في الأمر ليس فقط في تسليم الجنوب السوري للوصاية الدولية، بل في تأسيس نمط حكم فدرالي سيضعف المركز ويشجع على النزعات الانفصالية، ما قد يؤدي إلى انهيار شامل يشبه النموذجين السوداني والليبي.
*مرتزقة تحت الغطاء الإنساني؟
فيما تظهر اللجان التي ستوثق الانتهاكات على أنها آلية حقوقية، إلا أنّ محللين يرون أنها ستتحوّل عملياً إلى أدوات استخبارية، لجمع المعلومات عن الفصائل والمقاتلين بهدف تصفيتهم أو توظيفهم كمرتزقة يخدمون الأجندة الإسرائيلية في مراحل لاحقة.
*سقوط أخلاقي وسياسي
وصف محللون الاتفاقية بأنها وصمة عار ستلاحق الشيباني وحكومة الجولاني. ففي الوقت الذي رفض فيه الرئيس بشار الأسد طيلة سنوات الحرب الجلوس مع أيّ مسؤول إسرائيلي، لم يتردّد الشيباني في الاجتماع مع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي في باريس، في مخالفة صريحة للثوابت الوطنية والثورية التي تدّعي حكومة الجولاني أنها تمثلها.
في الختام الاتفاقية الثلاثية في باريس تمثل تحوّلاً خطيراً في مسار الأزمة السورية، ليس فقط على مستوى السيادة، بل على صعيد الهوية الوطنية ومستقبل البلاد كوطن موحد. فبينما يُمنح للأطراف الدولية حقّ رسم مستقبل الداخل السوري، يُجرّد الشعب من قراره، وتُفتح أبواب البلاد لتدخلات لا تنتهي. ما بدأ كفدرالية قد ينتهي بتقسيم لا رجعة فيه، إذا استمرت حكومة الجولاني في الارتهان للخارج…