وجوه بلا ملامح

سمير السعد
في مشفى ناصر بخان يونس، يختلط أنين الجرحى بصمت الموتى، ويغدو الهواء أثقل من أن يُتنفّس. رائحة الدم تملأ الممرات، والوجع يتدلى من الجدران كظلٍ لا يفارق المكان. أجسادٌ أُعيدت من العدم، مشوّهة، محروقة، بلا ملامح، تحمل على جلودها قصص العذاب والخذلان.
معصوبي الأعين، مقيدي الأيدي، حبال حول الرقاب، وثقوب في الرأس والرقبة تشهد على جريمةٍ لم تعرف الرحمة طريقها. قال أحد الأطباء بصوتٍ خافت: “لقد عُذِّبوا… ثم أُعدِموا.” لكنّ صوته تلاشى وسط العويل، فلم يعد أحد يصغي، فالجثث تتكلم أكثر من الأحياء.
شابٌ وقف بين صفوف الموتى، يبحث في الوجوه المشوهة عن ملامح أخيه.
أمسك بصورةٍ قديمة، كان فيها أخوه يضحك بصفاءٍ نادر، يقارن الأسنان، الصدر، شكل اليد، ثم ينكفئ في دوامة الشك. “هل هو؟” يسأل نفسه، ثم يبكي كمن يبحث عن يقينٍ ضاع في فوضى الموت.
ساعةٌ كاملة من الحيرة والدموع واللعنات، على الكيان الغاصب التي أرسلت الجثث بلا أسماء، وعلى عالمٍ لا يسمع سوى صوته.
في زاوية أخرى، عائلة تقلب جثة رجلٍ بثيابٍ ممزقة. تتفحص الزوجة بعيونٍ تكسوها الدموع جسده، ثم ملابسه الداخلية، وتهمس:
“إنه زوجي…”
لم تحتج أكثر من لحظة، فالقلب يعرف ما لا تعرفه العيون.
غادر الجميع المشفى ووجوههم غارقة في رماد الألم، بين من عرف أحباءه وبين من تمنى أن لا يتعرف. كانوا يرددون في صمتٍ خائف: “لعلهم أسرى… لا شهداء.” لكنّ الأمل بدا ضعيفاً كشمعةٍ في مهبّ رياح الموت.
يا أيها العالم، أما آن أن تفتح عينيك؟
أما آن للضمير الإنساني أن يصحو من سباته؟
في غزة تُزهق الأرواح وتُدفن الأحلام تحت الركام، وأجسادٌ بلا أسماء تناديكم: ارحموا ما تبقى من إنسانيتكم..