مقالات

هل يستقيل الرئيس نواف سلام… والعقوبات على ايران؟

 

*ناجي علي أمهز*

منذ زمن طويل لم يجد لبنان نفسه أمام لحظة مفصلية كهذه. فكل القوى، في الداخل والخارج، تدرك أن الرئيس نواف سلام يعيش تحت ضغوط هائلة، لا تُحتمل، تتجاوز حدود القرار المحلي لتلامس مصير المنطقة بأكملها.

 

فالولايات المتحدة وأوروبا، تمارسان ضغوطاً متصاعدة لفرض “الورقة الأميركية” التي تحوّلت إلى قوانين لبنانية. جوهرها واحد لا يقبل التأويل: إمّا أن يكون لبنان دولة واحدة لا مكان فيها للدويلات، وإما أن يتفتّت لبنان إلى دويلات فتذوي الدولة. وهنا يقف اللبنانيون أمام خيار مرّ: إمّا التمسّك بمناصبهم وامتيازاتهم الدولية – من حصانة وبروتوكول وشرعية أممية – أو مواجهة عزلة تامة، لا سفارات، لا تمثيل دبلوماسي، حصار خانق براً وبحراً وجواً، ويد طليقة لإسرائيل دون حتى إدانة من عواصم القرار.

 

خطورة الموقف تتعاظم لأن واشنطن والعواصم الغربية تعرف جيداً شخصية الرئيس سلام: رجل لا يلين، ولا يتراجع أمام ما يراه صواباً من وجهة نظره. كانوا يتوقعون أن يصطدم مع حزب الله، لأن المواجهة بين الرجلين – سلام وحزب الله – ليست فرضية بل تكاد تكون حتمية، بسبب السياسة المتبعة والضخ الاعلامي غير المدروس من هواة في عالم السياسة والاعلام، وبذلك تسجّل واشنطن وحلفاؤها نقاطاً قاسية على الحزب، تعطيهم شرعية المضي بخياراتهم، ومنها الحرب.

 

ولعل ما يضاعف المأزق أن الأميركيين لم يعودوا يمانعون استقالة سلام، بعدما كان الهدف الأول من تكليفه هو إبعاده عن ملف المحكمة الدولية، تلك التي طالت أحكامها نتنياهو وبعض وزرائه وجنرالاته. واليوم، كما نرى، صار نتنياهو مطارداً على الساحة الدولية، ممنوعاً من بعض المطارات، مُحاصراً بالعدالة. فخروج سلام من المشهد لن يكون خسارة له وحده، بل خسارة للبنان، الذي لم يُحسن الاستفادة من حضوره وثقله الدولي.

 

أما في الداخل، فحتى خصوم سلام لا يحسدونه على وضعه. حلفاؤه يضغطون عليه ليترجم الورقة الأميركية، ملوّحين بالاستقالة/ كما خصومه – وفي مقدّمهم الثنائي الشيعي – يضغطون بالشارع والوزراء والنواب لرفض تلك الورقة. حتى أصدقاؤه باتوا يرونه أقرب إلى الاستقالة “هذا ما نشرته الصحف قبل قليل أن “العديد من القوى السياسية وحتى المستشارين إقترحوا عليه جملة من الأفكار منها الإعتكاف او الإستقالة”، لأن اللعبة السياسية لم يبق لها إلا أشهر قليلة قبل أن تدخل البلاد انتخابات نيابية أو فراغاً شاملاً بسبب انتهاء الفرصة المعطاة للبنان.

 

إذن، محاصر من الخارج والداخل، وضغوط الحلفاء والأخصام، كما انه يواجه هجوماً إعلامياً، ستدفع ثمنه الطائفة الشيعية تحديداً.

 

المفارقة أن الدول الكبرى نفسها، رغم كل الضغوط، تدرك قيمة نواف سلام. فهو ليس مجرد رئيس حكومة، بل مثقف، مخضرم، صاحب رؤية ووزن دولي، قد يكون الأبرز في تاريخ لبنان الحديث خارج الرئاسة المسيحية. وخروجه سيضعف الرئاستين الأولى والثالثة معاً، لأن سلام وحده قادراً على أن يقول لعواصم القرار: “الملف عند الحكومة التنفيذية”، فيخفف الضغط عن بعبدا وعين التينة. أما أي بديل، فلن يكون أمامه إلا الانصياع أو العقوبات.

نحن إذن أمام أشهر قليلة: إمّا أن نستثمرها في ترتيب البيت الداخلي ونتوحد، وإمّا أن ينزلق لبنان إلى عنف مفتوح. المبعوث الأميركي توم باراك قالها بوضوح: “سنفك رقبتهم”. والفرصة التي نعيشها اليوم لم تكن ثمرة مبادرات رسمية، بل بفضل حفنة من المستقلين الذين ما زالوا يمتلكون جسوراً مع العالم.

 

ومع ذلك، يستمر البعض في رفع صور الزعامات وادّعاء الإنجازات. والواقع أن الجميع دون استثناء قال ان الحرب وشيكة على لبنان، فكنت انا الوحيد الذي تحدث وكتب عن الفرصة الممنوحة للبنان وانه لا حرب في الأشهر القليلة.

 

بل حتى فشل روسيا والصين في مجلس الأمن بتمديد استثناء العقوبات عن إيران لمدة ستة اشهر، لم يكن سوى حلقة في سلسلة ضغوط لإخضاع طهران للموافقة على حزمة مقررات ومنها نزع سلاح حزب الله. وقريباً جداً وربما خلال ايام ستشهد إيران عقوبات امريكية غير مسبوقة تضاف الى حزمة العقوبات الاوروبية، حتى الصين لن تجد سبيلاً لتجاوزها.

 

لبنان أمام فرصة تاريخية، قصيرة، ثمينة، لا تُقاس بالأشهر بل بالأنفاس. فإما أن يتنازل الجميع عن عنادهم وانقساماتهم، ويصونوا ما تبقّى من وحدة الوطن، أو ننتظر اليوم الذي تُقسّم فيه الجغرافيا نفسها: سوريا وإسرائيل جاهزتان لاقتطاع الأرض حين يسقط السقف.

 

وانا اعرف ان هذا الامر سيستهجن، لكن حتى مشروع ترامب الاقتصادي في الجنوب، لم يكن إلا ستاراً لقطع الطريق على إسرائيل إن تغيّرت خرائط المنطقة. فالسياسة، كما قيل، هي فن الممكن… والممكن اليوم أن ننقذ ما تبقّى من لبنان، قبل أن يصبح الوطن الذي نعرفه مجرّد ذاكرة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى