أخبار العالم العربي

صفاء أحمد آغا تكتب: منعطف تاريخي في ملف الصحراء المغربية

الجمعة الماضية بمقر الأمم المتحدة، اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2797/2025 بشأن قضية الصحراء، وهو قرار يشكل تحولًا كبيرًا في مسار هذا الملف. فلأول مرة، وبهذا القدر من الوضوح، يتم وضع خطة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية في صلب العملية السياسية الهادفة إلى إيجاد حل نهائي. بعد عقود من الجمود، تغيرت المعادلة وأصبح ميزان القوة في مصلحة المغرب.

تصويت يتحدث عن نفسه: 11 – 0 – 3

النتيجة واضحة: 11 صوتًا مؤيدًا، ولا صوتًا معارضًا، و3 امتناعات، وعضو واحد في المجلس (ربما الصين؟) لم يشارك في التصويت. هذه الصورة تعكس قصة بسيطة لكنها قوية: من دون أي معارضة، وبأغلبية واسعة بين الأعضاء الخمسة عشر، يؤكد المجلس رؤية أصبحت سائدة في المجتمع الدولي، مفادها أن المبادرة المغربية «جدية وذات مصداقية» وتشكل الأساس الضروري للمراحل القادمة.

إن غياب أي صوت معارض، بما في ذلك بين الأعضاء الدائمين، ليس تفصيلًا تقنيًا. بل هو إشارة واضحة إلى العزلة المتزايدة للمقاربات القديمة التي كانت تحاول الدفع بمفاهيم متجاوزة. إنها اعتراف صريح بأن النهج البراغماتي الواقعي يمكن أن ينتصر على الجمود.

نهاية المأزق وبداية نموذج جديد

أكثر من نصف قرن من النزاع المجمد أبقى أجيالًا كاملة في انتظار لا ينتهي. لكن هذا القرار حرك المياه الراكدة. إذ يدعو الأطراف إلى الانخراط دون شروط مسبقة، على أساس واضح هو مقترح الحكم الذاتي المغربي.
ويبرز من النص رسالتان أساسيتان:
• الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية: يقر المجلس بأن هذا المقترح هو “السبيل الواقعي الممكن” للتوصل إلى حل سياسي مقبول من الجميع.
• استبعاد خيار الاستقلال: فغياب أي إشارة إلى استفتاء يتضمن خيار الاستقلال يعني، فعليًا، التخلي عن آلية كانت قد شلت العملية السياسية لعقود.

بمعنى آخر، العقلانية غلبت الأوهام. المسألة ليست مجرد تعديل لغوي، بل تحول حقيقي في الإطار السياسي.

انتكاسة لخصوم المغرب

بالنسبة إلى الجزائر وجبهة البوليساريو، جاءت اللحظة مريرة. فمحاولاتهما لتعديل نص القرار وإعادة إدراج مفاهيم قديمة باءت بالفشل. اختار المجلس نهجًا واقعيًا يتبناه اليوم معظم الدول: التقدم نحو حل عملي وواقعي يهدف إلى المصالحة.
فقد تلاشت فكرة أن الملف يمكن أن يبقى إلى الأبد رهينة نفس المآزق، بينما تعزز الإجماع الدولي حول الموقف المغربي.

ويمثل هذا القرار أيضًا تتويجًا لعمل دبلوماسي مغربي طويل النفس. فسنوات من الثبات والإقناع الهادئ والالتزام الصبور أتت أكلها اليوم، إذ تُرجمت إلى اعتراف واضح على أعلى المستويات متعددة الأطراف.

التغييرات الملموسة

بعيدًا عن الرمزية، يُعيد القرار رسم قواعد اللعبة الدبلوماسية.
فبالنسبة إلى المغرب، يمنحه القرار إطارًا قانونيًا أقوى للمضي قدمًا في تنفيذ مشروع الحكم الذاتي تدريجيًا.
أما بالنسبة إلى الأطراف الأخرى، فيُلزمها القرار بالانخراط في مفاوضات دون شروط مسبقة، وفي إطار واضح لا لبس فيه.

من الناحية العملية، يفتح القرار الطريق أمام:
• مناقشات تركز على معايير قابلة للتطبيق بدل التمترس وراء مواقف مبدئية.
• جدول زمني جديد يجعل الحكم الذاتي أفق الحل والتسوية.
• مناخ من الثقة المتبادلة، ضروري لمعالجة القضايا الحساسة مثل الحكامة المحلية، والتمثيلية، وضمانات التنفيذ.

لا شيء سيحدث تلقائيًا، فكل شيء ما زال قيد البناء، لكن الاتجاه بات محددًا وواضحًا.

ولا ننسى كذلك أن الديبلوماسية لها كلماتها ومعانيها ؛
ففي الدبلوماسية متعددة الأطراف، لكل كلمة وزنها، ولكل غياب دلالته.
فالإشادة المتكررة بالمبادرة المغربية باعتبارها «جدية وذات مصداقية»، والتي تتكرر في كل قرار جديد، تكتسب الآن قوة جديدة بفضل هذا التصويت التاريخي.
أما غياب أي إشارة إلى استفتاء الاستقلال، فليس مجرد صدفة، بل إغلاق لصفحة طويلة من الوهم والجمود.

هذه الخطوة لا تمحو تعقيدات الواقع، لكنها تقدم لغة سياسية جديدة قادرة على تحويل المواجهة العقيمة إلى مفاوضات مثمرة.

لنصل هنا إلى مربط الفرس وماذا بعد؟ نحو المستقبل :
إن اعتماد هذا القرار ليس نهاية المطاف، بل بداية مرحلة جديدة.
فهو يدعو إلى الواقعية، والاحترام المتبادل، والانخراط في العمل الميداني.

و كذلك الخطوات المقبلة ينبغي أن تركز على:
• إرساء آليات حوار منتظمة وبنّاءة؛
• بناء جسور اقتصادية واجتماعية تجعل الحكم الذاتي واقعًا ملموسًا للسكان؛
• ترسيخ ثقافة الثقة والمسؤولية المشتركة في الحياة اليومية.

المغرب، وقد تعزز موقعه بهذا الدعم الدولي القوي، أمام نافذة قوية هو فرصة تاريخية لتسريع تنفيذ مشروعه، وإشراك الفاعلين المحليين، وتجسيد المبادئ على أرض الواقع.
أما الأطراف الأخرى، فالرسالة واضحة: حان وقت تجاوز الصراعات العقيمة واختيار البناء بدلًا من العرقلة.

لقد رسم مجلس الأمن الدولي المسار، والآن، العمل هو ما سيصنع الفارق

عاش المغرب، وعاش الملك، وعاشت الدبلوماسية المغربية الحكيمة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى