أخبار عالمية
دعم الصين للذكاء الإصطناعى فى بلدان الجنوب العالمى فى يوم الأمم المتحدة للجنوب العالمى

تحليل الدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشئون السياسية الصينية وسياسات الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين والشئون الآسيوية – أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف
من خلال الإحتفال بيوم الأمم المتحدة للجنوب العالمي النامي فى ١٢ سبتمبر ٢٠٢٥، تؤكد الصين على الحاجة إلى تطوير وتنسيق برامج وسياسات جديدة ومبتكرة للذكاء الإصطناعى لمساعدة البلدان النامية فى الجنوب العالمي. تعتقد الصين أن نهوض الجنوب العالمي يمثل تقدماً هائلاً فى تنمية المجتمع البشرى. إن بلدان الجنوب العالمى من المروجين والمدافعين الأقوياء عن السلام العالمي وستلعب دوراً رئيسياً فى بناء عالم مستقر ومتعدد الأقطاب. يمكن لتكنولوجيا الذكاء الإصطناعى المتقدمة، تحت قيادة الصين ودعمها، أن تلعب دوراً مهماً فى تعزيز الترابط بين بلدان الجنوب العالمى.
وإنعكاساً لدور الصين المتنامى فى تشكيل معايير الحوكمة العالمية للتكنولوجيات الناشئة، أعلن رئيس مجلس الدولة الصيني “لى كه تشيانغ” عن إقتراح لإنشاء منظمة دولية للتعاون في مجال الذكاء الإصطناعى فى ٢٦ يوليو ٢٠٢٥، في كلمته الإفتتاحية فى مؤتمر الذكاء الإصطناعى العالمى فى شنغهاى. تسلط بكين الضوء على تركيزها على إشراك بلدان الجنوب العالمي كأحد أنجح جوانب مبادرة الحزام والطريق الصينية. تعهدت الصين بتقديم خبراتها التقنية ومنتجاتها وخدماتها، بالإضافة إلى بنيتها التحتية الرقمية، للدول التي تفتقر إلى القدرات اللازمة للإنخراط فى الثورة الرقمية.
تأتى أهمية دعم الصين للدول النامية في دول الجنوب العالمي في مجال تكنولوجيا وتقنيات الذكاء الإصطناعى المتقدمة، بعد أن شهد سباق الذكاء الإصطناعى العالمي تحولاً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، لا سيما مع التقدم الملحوظ الذي أحرزته الصين، متمثلاً في شركات، مثل: (ديب سيك وعلى بابا) التي طورت أنظمة مفتوحة المصدر متطورة وعالية الكفاءة. يعكس هذا جهود الصين المتسارعة لتضييق الفجوة التكنولوجية مع الولايات المتحدة، وخاصة في تطوير تقنيات يقترب أداؤها من قدرات العقل البشري، بمساعدة ودعم شركاء الصين في دول الجنوب العالمى.
تعتبر الصين، بصفتها أكبر دولة نامية في العالم، جزءاً من دول الجنوب العالمي، وتتشارك معها دائمًا نفس المصير. وهي داعم نشط ومشارك مهم في التعاون فيما بين دول الجنوب باستخدام التكنولوجيا المتقدمة وسياسات ابتكار الذكاء الاصطناعي. وقد أعلنت الصين أنها ستتعاون دائمًا بشكل وثيق مع الدول النامية في دول الجنوب العالمي لتعزيز بناء مجتمع ذى مستقبل مشترك للبشرية بإستخدام آليات الذكاء الإصطناعى المتقدمة في دول الجنوب العالمى.
قد يتجاوز فجوة الذكاء الاصطناعي الفجوة الرقمية التقليدية، والذى يشمل (وحدات قوة الحوسبة، والحوكمة، والأخلاقيات) يجب أن تُعطى الأولوية في “حزمة المعرفة بين بلدان الجنوب” التي تحتاجها البلدان النامية في الجنوب العالمي بشدة تحت الدعم والإشراف الصيني. تواجه حوكمة الذكاء الإصطناعى العالمية حالياً تحديات حرجة، لا سيما بالنسبة للبلدان النامية في الجنوب العالمي. وأبرز هذه التحديات هو “الفجوة الرقمية بين الجنوب وبقية العالم”. تعاني بعض البلدان والمناطق النامية من بنية تحتية رقمية غير مكتملة، وتدريب غير كافٍ على المهارات، ونقص فى الموارد الرقمية. بحلول نهاية عام ٢٠٢٤، سيظل ٢.٦ مليار شخص حول العالم غير متصلين بالإنترنت. إذا لم يتم سد هذه الفجوة الرقمية بشكل عاجل، فإن فجوة التنمية بين الشمال والجنوب ستتعمق، مما يعيق بشدة النمو الإقتصادى العالمى.
شهد الذكاء الإصطناعى تقدماً هائلاً فى السنوات الأخيرة، وتستثمر البلدان فى جميع أنحاء العالم بكثافة فى البنية التحتية والتعليم والإبتكار. تضع الصين معايير عالمية لاعتماد الذكاء الإصطناعى، وتضخ مليارات الدولارات فى مراكز البيانات ومراكز الأبحاث من أجل التطوير بإستخدام آليات وتقنيات الذكاء الإصطناعى. يمكن لأنظمة الإعلام والتكنولوجيا في بلدان الجنوب العالمي، مسترشدةً بأهداف الأمم المتحدة الإنمائية لعام ٢٠٢٥، أن تتعاون لإطلاق العنان لإمكانات الذكاء الاصطناعي للجمع بين بلدان الجنوب العالمى النامية، بقيادة الصين.
يمكن للذكاء الإصطناعى أن يُنشئ منصاتٍ لبلدان الجنوب العالمى لتبادل المعلومات ودعم بعضها البعض، إذ يُعدّ تبادل المعلومات أمراً بالغ الأهمية لتوحيد هذه البلدان ودعم بعضها البعض. علاوةً على ذلك، ينبغى إعطاء الأولوية لوحدات (قوة الحوسبة، والحوكمة، والأخلاقيات) فى “حزمة المعرفة بين بلدان الجنوب” التى تشتد حاجة البلدان النامية إليها.
مؤخراً، أطلق مؤتمر الذكاء الإصطناعى العالمي لعام ٢٠٢٥ والإجتماع رفيع المستوى حول (حوكمة الذكاء الإصطناعى العالمية) لـ “خطة عمل حوكمة الذكاء الإصطناعى العالمية”، والتى إقترحت ستة مبادئ أساسية، وهى: (التوجه نحو الخير وخدمة الشعب، وإحترام السيادة، والتوجه نحو التنمية، والحوكمة الآمنة، والإنصاف والشمول، والإنفتاح والتعاون).
يؤثر الذكاء الإصطناعى على دول الجنوب النامي، حيث يُشكل نقص البنية التحتية الرقمية الأساسية والطاقة تحديات كبيرة أمام انتشار الذكاء الإصطناعى فى دول الجنوب. يتطلب الذكاء الإصطناعى إتصالاً مستقراً بالإنترنت، وإمكانية الوصول إلى التقنيات الرقمية، مثل: (الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر، وكهرباء موثوقة)، وهى غير متوفرة على نطاق واسع فى الدول النامية فى الجنوب العالمى.
يُمثل إستخدام الذكاء الإصطناعى وتقنيات الحوسبة الرقمية للتعاون بين الدول النامية في الجنوب العالمي، بدعم وتشجيع من الصين، إحدى الآليات التي تُعزز دور مراكز الفكر في مواجهة التحديات من خلال إستخدام البيانات الضخمة للتنبؤ بالاتجاهات المستقبلية، وبالتالي تعزيز قدرة الحكومات على إتخاذ القرار. بالنظر إلى التحديات المشتركة التي تواجه دول الجنوب العالمى، يمكن لمراكز الفكر، من خلال التعاون الوثيق، أن تُسهم فى تقديم رؤى وحلول مهمة للمشاكل المشتركة، وصياغة سياسات عامة عالمية أكثر إنصافاً لدول الجنوب العالمى، ووضع قضايا ومشكلات دول الجنوب العالمى على قائمة الأولويات العالمية.
يمكن للدول النامية فى دول الجنوب العالمي التعاون مع الصين من خلال إستخدام تقنيات الذكاء الإصطناعى، بما فى ذلك:
١) العمل على بناء مشاريع مشتركة بين دول الجنوب العالمى: تعتمد هذه المشاريع على استخدام تقنيات الذكاء الإصطناعى لمواجهة التحديات المشتركة من خلال الإستفادة من الخبرات المشتركة لدعم عملية صنع القرار.
٢) إستخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز التواصل الحكومىىبين دول الجنوب العالمى، داخلياً وخارجياً: من خلال بناء منصات رقمية مشتركة تُمكّن مراكز الفكر من الإستماع إلى آراء متنوعة وبناء جسور التواصل بين شعوب دول الجنوب العالمى.
وبناءً على التحليل أعلاه، فإننا نفهم الأسباب وراء دعم بكين لتكنولوجيا الذكاء الإصطناعى فى الجنوب العالمي، مع توقع أن تعزيز قواعد الحوكمة العالمية لتكنولوجيا الذكاء الإصطناعى، بقيادة الصين ودعمها، سيمكن الشركات الصينية من ترسيخ وجودها فى الأسواق الدولية والتنافس على حصة من السوق التي من المتوقع أن تتجاوز ٤.٨ تريليون دولار بحلول عام ٢٠٣٣.