داعش: لعبة بيد من أم ذريعة؟ الدور التركي في ظل الأزمة الأمنية السورية

بقلم يوسف حسن-
في وقتٍ لا تزال فيه جراح تنظيم داعش في سوريا نازفة، تعود تحركات هذا التنظيم الإرهابي إلى الواجهة مجدداً، بالتزامن مع إعلان تشكيل «آلية تنسيق أمني مشتركة» بين تركيا وسوريا والأردن. خطوة لا تبدو في ظاهرها مكافحة للإرهاب بقدر ما تُعزز الشكوك بأن تركيا ترى في داعش أداة في لعبة نفوذها، لا تهديداً فعلياً.
فالحكومة التركية، التي لطالما قدمت نفسها كطرف في الصفوف الأمامية لمحاربة داعش، تعلن اليوم عن آلية أمنية لا تشمل العراق، وهو الضحية الأولى والمستفيد الرئيسي من دحر داعش. غياب العراق هنا ليس مجرد هفوة دبلوماسية، بل انعكاس لخلافات استراتيجية في تحديد أولويات محاربة الإرهاب. العراق، ومعه الولايات المتحدة والأردن، سبق أن حذروا من سعي تركيا إلى استغلال شعار “محاربة داعش” لتبرير عملياتها ضد الأكراد، وخصوصاً قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وحزب العمال الكردستاني (PKK).
عملية في باكستان: قطعة من اللغز الإقليمي أم تشتيت للرأي العام؟
اعتقال “أبو ياسر التركي” على الحدود الباكستانية ـ الأفغانية قد يبدو نصراً كبيراً لجهاز الاستخبارات التركي، لكن توقيت الإعلان ـ في ذروة تصاعد نشاط داعش في سوريا ـ لا يمكن أن يكون محض صدفة. فهل تحاول تركيا تضخيم التهديد الخارجي تمهيداً لتوسيع نفوذها العسكري في شمال سوريا والعراق؟
الواقع أن التحركات التركية تترافق مع حملة إعلامية مدروسة: التركيز على النجاحات الاستخباراتية في الخارج، والتغاضي عن ذكر الدور المحوري لقوات قسد، أو التحديات القانونية في ملف معتقلي داعش. سرد انتقائي للحقائق يراد به تهيئة الرأي العام لخطوات توسعية.
تحالف ضد داعش أم ضد الأكراد؟
تشير مصادر دبلوماسية عراقية إلى أن تركيا سعت إلى ضم العراق ومصر والأردن لتحالف “ضد داعش”، لكن الهدف الحقيقي كان تطويق المكاسب الكردية في شمال سوريا والعراق. وهو ما قوبل برفض صريح من واشنطن وبغداد، وأدى في النهاية إلى تحجيم نطاق التحالف وتحويله إلى آلية مبهمة الأهداف.
والأخطر أن قوات قسد، التي تحتجز الآلاف من مقاتلي داعش، أُقصيت من هذه الآلية رغم كونها الفاعل الميداني الأبرز في مواجهته. كيف يمكن الحديث عن مكافحة داعش مع تجاهل من يخوض المعركة الفعلية ضده؟ هذا التناقض يفتح الباب واسعاً للتشكيك في نوايا أنقرة السياسية.
داعش والجولاني: حرب بالوكالة جديدة تلوح في الأفق؟
في موازاة ذلك، تكشف تصاعد التوترات بين داعش وهيئة تحرير الشام بقيادة الجولاني عن ملامح انقسام أمني جديد في سوريا. تنظيم داعش أعلن صراحة أن “دولة الجولاني” غير شرعية، ودعا المقاتلين إلى التخلي عنها.
هذه الرسائل تنذر بحرب داخلية وشيكة بين الفصائل الجهادية، وتُشير إلى احتمال إعادة رسم خريطة السيطرة في شمال سوريا. ما يبدو خلافاً عقائدياً بين “التوحيد” و”الديمقراطية”، قد يكون في الحقيقة معركة نفوذ إقليمية بغطاء ديني.
الكلمة الأخيرة: جغرافيا الإرهاب… ملعب السياسة؟
تركيا تمارس سياسة مزدوجة: تقدم نفسها شريكاً موثوقاً في مكافحة الإرهاب أمام الغرب، لكنها في الخفاء تستثمر في هذا الإرهاب لتحقيق طموحاتها الجيوسياسية. داعش، كما في السابق، مجرد ذريعة: ذريعة لوجود عسكري دائم، لتغيير ديموغرافي، لقمع الأكراد، وللمساومة مع الغرب.
ويبقى السؤال المفتوح: هل يقع المجتمع الدولي مجدداً في فخ “مكافحة الإرهاب المصمم على مقاس أنقرة”؟ أم أن داعش هذه المرة لن يكون فقط عدواً مشتركاً، بل مرآة كاشفة لهوية الفاعلين الحقيقيين في زعزعة استقرار الشرق الأوسط؟