مقالات

تطوير الصيد البحري في تونس: دعامة اقتصادية ومطلب وطني لتحقيق الأمن الغذائي

بقلم سعادة – شمس اليوم

يمثّل قطاع الصيد البحري في تونس ركيزة اقتصادية واجتماعية مهمة، لما يوفّره من فرص تشغيل مباشرة وغير مباشرة، ومساهمته في تأمين جزء هام من حاجيات السوق الوطنية من المنتجات البحرية، فضلاً عن قدرته التصديرية التي تساهم في دعم ميزان المدفوعات.

ورغم ما يحمله هذا القطاع من إمكانات واعدة، فإنه لا يزال يواجه تحديات هيكلية وميدانية متراكمة، تؤثر على مردوديته وتحدّ من قدرته على التحوّل إلى قطاع استراتيجي متكامل.

واقع قطاع الصيد البحري: مؤشرات وتحفظات

تشير المعطيات الميدانية إلى أن الصيادين الصغار يواجهون صعوبات تشغيلية يومية تتمثل في:

– تقادم وسائل العمل، وعدم قدرة عدد كبير من البحارة على اقتناء أو تجديد المعدات الحديثة.
– قلة برامج التكوين المتواصل، بما يجعل المهنة عرضة للارتجال والمخاطر المهنية.
– إشكاليات قانونية وتنظيمية، تظهر في بعض مناطق الصيد المقيّدة أو في غياب التنسيق بين السلط البحرية والمحلية والمهنيين.
– التفاوت في توزيع الامتيازات والتراخيص، ما ولّد إحساسًا بالتهميش لدى صغار المهنيين مقارنة بكبار المستثمرين.
كما أن التجار والموزعين يعانون بدورهم من اختلالات على مستوى سلاسل التزويد، والتقلبات الحادة للأسعار، وغياب استقرار السوق، مما يقلل من القدرة التنافسية ويؤثر على الاستهلاك الداخلي.

الحلول الممكنة: رؤية تشاركية وتنموية

في إطار التوجهات الحكومية نحو تحقيق الأمن الغذائي والعدالة التنموية، يمكن اعتماد خطة متعددة المحاور تشمل:

* تعصير أسطول الصيد بدعم مباشر أو تسهيلات ائتمانية، تُمكّن الصياد من امتلاك وسائل آمنة واقتصادية.
إرساء برامج تكوين مستمر تدمج المهنيين في حلقات معرفية حديثة، تشمل السلامة البحرية، تقنيات الصيد المستدام، وتثمين المنتوج.
* تنظيم القطاع التجاري واللوجستي عبر مراكز تجميع وتبريد حديثة، بما يخفّف الفاقد ويرفع من جودة المنتوج.
* تحفيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص لدعم البحوث البحرية والاستثمار في تربية الأحياء المائية.

مطلوب رؤية دولة لا حلول ظرفية

إن الوضع الراهن لا يتطلب فقط المعالجة الجزئية أو الظرفية، بل يحتاج إلى رؤية وطنية شاملة تضع الصيد البحري ضمن أولويات الاقتصاد الأخضر والبحري، عبر إدماج القطاع في السياسات الفلاحية والبيئية والتنموية.
وقد عبّر عدد من المهنيين، من بحارة وتجار أسماك، عن رغبتهم الصادقة في إصلاح الوضع والمشاركة في المقترحات، شرط أن تتوفر آليات الحوار الجاد، والقرارات التنفيذية الواقعية، التي تضمن الاستدامة والعدالة.

الصيد البحري ليس مجرد نشاط اقتصادي بل هو جزء من الهوية الوطنية المرتبطة بالبحر، ولتونس رصيد بشري وجغرافي يسمح بتحقيق الريادة الإقليمية في هذا المجال، إذا توفرت الإرادة، وأُحسن التخطيط، وتمّ إشراك كل الفاعلين ضمن مقاربة عقلانية ومتوازنة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى