
تعد هجرة الأدمغة أو ما يُعرف بـ “الهجرة العكسية” من أبرز التحديات التي تواجه العديد من الدول النامية، ومنها تونس. وتتمثل هذه الهجرة في مغادرة الكفاءات العلمية والفنية والخبرات المتميزة للبلاد بحثًا عن فرص أفضل في الدول المتقدمة. ولهذا، فإن للحكومة التونسية دورًا حيويًا في الحد من هذه الظاهرة وتوفير بيئة تحفز على الاحتفاظ بالعقول والكفاءات داخل البلاد.
1. تحسين البيئة الاقتصادية والتوظيفية:
– إتاحة فرص العمل الجيدة: يُعتبر تحسين سوق العمل وإتاحة فرص العمل في مجالات مهنية متطورة من أهم الخطوات التي يمكن أن تقوم بها الحكومة. وهذا يشمل توفير وظائف ذات دخل عادل وتدابير لجذب الشباب الكفء والمختصين للبقاء داخل البلاد.
– دعم ريادة الأعمال: تشجيع روح ريادة الأعمال بين الشباب وخاصة أصحاب الكفاءات العالية، من خلال تقديم حوافز ضريبية ودعم مالي للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وكذلك تبسيط الإجراءات الإدارية، من شأنه أن يوفر فرصًا جديدة للجميع للبقاء في تونس.
2. الاستثمار في التعليم والبحث العلمي:
– تطوير التعليم الجامعي: تحديث المناهج التعليمية وتطوير الجامعات التونسية على مستوى البحث العلمي والتخصصات الجامعية هو عنصر أساسي للحد من هجرة الأدمغة. يجب توفير برامج تعليمية رائدة ومتطورة في مجالات التكنولوجيا والعلوم الدقيقة والطب والهندسة، بما يتماشى مع معايير الجودة العالمية.
– إطلاق برامج منح علمية وتعاون أكاديمي: إنشاء منح دراسية وبرامج تعليمية تربط بين المؤسسات الجامعية الدولية والمحلية، وكذلك تشجيع التعاون بين الجامعات التونسية والجامعات العالمية، يمكن أن يُسهم في الحفاظ على الكفاءات العالية داخل البلاد.
3. تحفيز الابتكار والتكنولوجيا:
– تشجيع البحث العلمي: تحسين بيئة البحث العلمي في تونس بتوفير تمويلات للمشاريع البحثية ودعم المختبرات البحثية والمراكز الأكاديمية، بالإضافة إلى توفير حوافز للمبتكرين وفتح أسواق جديدة لمنتجاتهم.
– تشجيع الشركات التكنولوجية: يمكن إنشاء مراكز للابتكار و*حاضنات الأعمال* التي توفر الدعم للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا والمعلومات، كما يجب تقديم حوافز للشركات المحلية التي توفر بيئات عمل تحفز الابتكار. وجود فرص عمل جيدة ومجزية في هذه القطاعات يجعل من تونس مكانًا أكثر جاذبية للكفاءات التونسية.
4. تحسين الظروف المعيشية:
– تحسين مستوى المعيشة: توفير ظروف معيشية مناسبة للمواطنين من خلال تحسين الخدمات العامة مثل الصحة، النقل، والتعليم، قد يُساعد في تقليل الأسباب التي تدفع الكفاءات إلى البحث عن حياة أفضل في الخارج. تحسين مستوى الأجور والمساواة بين الأقاليم يعزز أيضًا الاستقرار النفسي والاجتماعي للأفراد.
5. الحوافز الضريبية والتسهيلات الاقتصادية:
– التخفيف من الأعباء الضريبية: : تقديم حوافز ضريبية للمستثمرين والمهنيين التونسيين العائدين من الخارج، وتخصيص مزايا مالية للباحثين والعلماء الذين يعملون في تونس يمكن أن يكون أحد الحلول لجذب العقول المهاجرة.
– توفير تسهيلات مالية: يُمكن تقديم تمويلات ميسرة للمشروعات الكبرى التي تهدف إلى تحسين مجالات جديدة أو الابتكار، وفتح المجال أمام البنوك للمساهمة في توفير القروض بشروط ملائمة لتمويل مشاريع متميزة في المجالات التقنية والعلمية.
6. إنشاء بيئة قانونية داعمة:
– تشريع قوانين تحفز على الاستقرار المهني: سن قوانين تضمن حقوق العمال و*حقوق الابتكار*، وحماية الملكية الفكرية للباحثين والمبدعين في مختلف القطاعات العلمية والفنية، سيعمل على تعزيز ثقة الكفاءات الوطنية في النظام التونسي ويشجعها على البقاء.
7. التعاون مع التونسيين في الخارج:
– شبكات التونسيين في الخارج: توطيد التعاون مع الجالية التونسية في الخارج، وخاصة مع المهنيين والخبراء التونسيين في الدول المتقدمة، عبر برامج الشراكة والمبادرات التي تدعوهم للاستثمار أو العودة إلى تونس.
إنشاء برامج تعاون علمي وفني مع التونسيين المغتربين يعزز هذا التفاعل.
8. تعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي:
– تعزيز الاستقرار السياسي: : من خلال توفير بيئة مستقرة سياسيًا واجتماعيًا، تتجنب تونس الهجرة القسرية الناتجة عن الاضطرابات السياسية أو الأمنية. يمكن تحقيق ذلك عبر تطبيق حكم رشيد*، *مكافحة الفساد*، *ترسيخ الديمقراطية*، وضمان *حقوق الإنسان.
خاتمة: في النهاية، تُعد هجرة الأدمغة تحديًا كبيرًا يواجه العديد من البلدان النامية، بما في ذلك تونس. ولكن من خلال تبني استراتيجيات اقتصادية، اجتماعية، وتعليمية واضحة وملموسة، يمكن للحكومة التونسية أن تقلل من هذه الظاهرة وتساهم في الحفاظ على الكفاءات العلمية والمهنية داخل البلاد. يتطلب ذلك استثمارًا مستدامًا في التعليم، الابتكار، تحسين ظروف العمل، وتقديم حوافز مالية وقانونية لدعم المبدعين وأصحاب العقول اللامعة.