الوكالة الدولية للطاقة الذرية: حياد مفقود وتورّط في خدمة واشنطن والكيان

حسين مرتضى
رغم كلّ محاولات كيان الاحتلال الصهيوني للتعتيم الإعلامي والتكتم على نتائج الحرب الأخيرة في المنطقة، بدأت بعض الحقائق بالظهور تدريجياً، كاشفةً عن أدوار خفية وعلاقات مشبوهة بين بعض المنظمات الدولية ودول الغرب، وعلى رأسها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني. واحدة من أبرز هذه الحقائق، ما كشف عنه تقرير إعلامي نشره موقع «بلومبرغ» الأميركي بشأن العلاقة الوثيقة والمتنامية بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ودوائر القرار في واشنطن وتل أبيب، لا سيما في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني.
اختفاء كميات من اليورانيوم الإيراني: ذريعة أم أزمة حقيقية؟
بحسب ما ورد في تلك التقارير، فإنّ كميات من اليورانيوم المخصب الإيراني قد فُقد أثرها، ما أثار تساؤلات وشكوكاً حول من يقف وراء ذلك، وكيفية التعامل مع هذه «الأزمة». وأشار التقرير إلى أنّ هناك طريقين لمعالجة هذا الوضع:
1 ـ العودة إلى المفاوضات التي تتيح للوكالة استئناف عمليات التفتيش على المنشآت النووية الإيرانية، وهو ما يتطلب بطبيعة الحال موافقة رسمية من طهران وإطاراً تفاوضياً واضحاً.
2 ـ الخيار العسكري، الذي لا يزال مطروحاً لدى بعض الأطراف الغربية، رغم فشل المحاولات السابقة، والتي كلّفت خزائن بعض الدول ما يُقدَّر بـ 12 مليار دولار، دون أن تحقق الأهداف المرجوة.
لكن ما هو أخطر من ذلك، أنّ التقرير يلمّح إلى أنّ الوكالة الذرية نفسها باتت تمثل جزءاً من هذه المنظومة الضاغطة على إيران، وليست جهة محايدة كما يُفترض بها أن تكون.
من هيئة رقابية إلى أداة تجسّس؟
من المفترض أنّ الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كإحدى منظمات الأمم المتحدة، تضطلع بدور تقني وقانوني لضمان استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية فقط. غير أنّ الواقع ـ بحسب التسريبات والوثائق الإعلامية ـ يشير إلى تحوّل هذه المؤسسة إلى ذراع استخباري في يد الولايات المتحدة وحلفائها، تُستخدم تقاريرها ليس فقط لمراقبة الأنشطة النووية، بل لتمهيد الطريق أمام حملات ضغط سياسي أو حتى عمليات عسكرية.
وثائق عبرية مسرّبة تحدّثت عن علاقة مباشرة بين المدير العام الحالي للوكالة، رافائيل غروسي، وجهاز «الموساد» الصهيوني. وتُظهر الوثائق أنه كان على اتصال دائم بقيادات استخبارية صهيونية، ويُعتقد أنه وفّر معلومات بالغة الحساسية حول مواقع إيرانية، ما يضع علامات استفهام خطيرة حول حيادية الوكالة ونزاهة تقاريرها.
فقدان الحياد وتآكل المصداقية
التصرفات المتكررة من جانب الوكالة، سواء عبر تضخيم بعض التقارير أو الإغفال المتعمد لبعض الوقائع، أثبتت ـ في نظر كثير من المراقبين ـ أنّ هذه الهيئة فقدت حيادها وتحوّلت إلى أداة سياسية بيد الدول الكبرى. فبدلاً من أن تكون حارسة للشرعية الدولية في ملف الطاقة النووية، أصبحت عنصراً فاعلاً في لعبة المصالح، ومبرّراً للابتزاز السياسي تجاه دول بعينها، وعلى رأسها إيران.
وهنا، تبرز مفارقة خطيرة: لماذا يمنح كيان الاحتلال حصانة كاملة في ما يتعلق بترسانته النووية غير المعلنة، بينما تُمارس أقصى درجات الضغط على دول تلتزم بإطار الاتفاقيات الدولية؟
ردّ الفعل الإيراني: حقّ الدفاع عن النفس والسيادة
في ظلّ هذه المعطيات، ترى الجمهورية الإسلامية الإيرانية أنّ من حقها المشروع حماية برنامجها النووي السلمي، واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لمنع عمليات التجسّس أو التخريب التي تتمّ تحت غطاء «التفتيش الدولي». فالثقة ببعض المنظمات الدولية باتت مفقودة، وخاصة تلك التي ثبت انحيازها وانخراطها في سياسات معادية.
كما ترفض طهران الرضوخ لأيّ تهديدات تُمارس تحت مظلة المنظمات الدولية التي لم تعد تُدار وفق القانون الدولي، بل وفق مصالح الدول النافذة داخلها، وعلى رأسها واشنطن.
دعوة إلى الإصلاح والمحاسبة
المسؤولية لا تقع فقط على عاتق الوكالة، بل على النظام الدولي ككلّ، الذي بات يعاني من اختلالات جوهرية تهدّد مصداقيته. من الضروري اليوم التفكير بجدية في آليات جديدة لمحاسبة المسؤولين الدوليين الذين يخرجون عن أدوارهم الحيادية، ويعملون لصالح أجندات دول معينة بعيداً عن المبادئ التي أُنشئت من أجلها تلك المؤسسات.
إنّ غياب المساءلة سيقوّض ما تبقى من ثقة في النظام الدولي، وسيمنح مبرّراً مشروعاً للدول المستهدفة بأن تتخذ إجراءات دفاعية، بما فيها رفض التعاون مع أيّ جهات دولية يشوبها الشك في النزاهة والاستقلالية.