فن و ثقافة

الوثائقي” Tales of the Wounded Land”.. حين تروي الأرض وجعها بصوت الإنسان

الرباط- صفاء أحمد آغا

في زمنٍ تزدحم فيه صور الحرب والدمار، يأتي الفيلم الوثائقي «Tales of the Wounded Land» للمخرج العراقي-اللبناني عباس فاضل كصرخة بصرية تُعيد الاعتبار للإنسان، وللأرض التي تنزف بصمت. يعرض الفيلم ضمن الدورة الـ30 لمهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف، مقدّمًا تجربة سينمائية عميقة تتجاوز التوثيق إلى التأمل في معنى الحياة والمقاومة في زمن الخراب.

الأرض الجريحة… ذاكرة تتكلم

تبدأ الحكاية من الجنوب اللبناني، حيث ركام البيوت يروي حكايات الذين مرّوا، والذين ما زالوا يحلمون بالعودة. تتنقّل الكاميرا بين المدن المدمّرة والقرى الخالية، بينما تُرافقنا الطفلة كاميلا – ابنة المخرج – بعينيها المندهشتين، كرمز للبراءة وسط عالم يتهاوى.
يُظهر الفيلم كيف تحوّلت الحرب من حدث عابر إلى حالة دائمة من الانتظار، وكيف أصبح الصمود اليومي نوعًا من المقاومة الهادئة، المقاومة التي لا ترفع السلاح بل تبني من تحت الأنقاض.

أسلوب بصري وشعري

يمتاز عمل عباس فاضل بحسّه البصري المرهف، إذ يوظف كاميرته كعينٍ شاهدة ومتعاطفة في آنٍ واحد. تتوازن الصورة بين لقطات جوّية تُظهر الدمار الشامل، ومشاهد قريبة لأشخاصٍ يمسكون بالحياة رغم الألم.
تُرافق المشاهد موسيقى هادئة ولقطات طويلة تُتيح للمكان أن يتكلم، وللصمت أن يصبح بطلًا حقيقيًا في الفيلم. وهنا تتجلّى لغة فاضل السينمائية التي تمزج الوثيقة بالشعر، واليومي بالرمزي، لتجعل من الفيلم شهادة فنية وإنسانية.

بين الحرب والذاكرة

الفيلم لا يُدين الحرب بقدر ما يُعيد تعريفها. فهي ليست فقط معركة بالسلاح، بل جرح مفتوح في الذاكرة، وامتحان للقدرة البشرية على التحمّل. في أحد المشاهد، يقول أحد السكان: «نحن لا نحلم بالنصر… نحلم فقط أن يتوقف القصف لنزرع من جديد.»
بهذه الجملة يختصر فاضل جوهر فيلمه: أن المقاومة ليست فقط في القتال، بل في التمسك بالحياة.

في نهاية ختام ” Tales of the Wounded Land ” لا نجد بطولات كبرى ولا نهايات سعيدة، بل نجد الحقيقة كما هي: بشر يعيشون بين الأنقاض، لكنهم لا يفقدون إنسانيتهم.
بكاميرا هادئة وصوت متأمل، يوقّع عباس فاضل عملاً سينمائيًا يتجاوز المأساة إلى الأمل، ويذكّرنا أن الأرض لا تموت ما دام فيها من يروي حكايتها.
فهو ليس مجرد فيلم عن الحرب، بل أنشودة عن البقاء، ودرس في أن الصورة يمكن أن تكون بديلاً عن الصرخة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى