مقالاتمنوعات

المنظمات الدولية


بقلم: الدكتور جابر غنيمي
مدرس جامعي

المساعد الأول لوكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد

الدولة
لقد تعددت الآراء الفقهية حول تعريف الدولة نذكر منها :
1 _ الدولة مجموعة من الأفراد يمارسون نشاطهم على إقليم جغرافي محدد و يخضعون
لتنظيم معيّن.
2_ الدولة ظاهرة سياسية و قانونية تعني جماعة من الناس يقطنون رقعة جغرافية معينة
بصفة دائمة و مستقرة و يخضعون لتنظيم معيّن.
3_ الدولة الشخص المعنوي الذي يرمز إلى شعب مستقر على إقليم معيّن حكاما و محكومين
بحيث يكون لهذا الشخص المعنوي سلطة سياسية ذات سيادة.
و إذا كان من الممكن رد ظاهرة الدولة المعاصرة إلى أواخر القرن 15 حيث تكونت الممالك
الحديثة في أوروبا بعد زوال عصر الإقطاع الذي ساد القرون الوسطى، إلاّ أن هذه لم تكن
الصورة الوحيدة لنظام الدولة فقد عرف الإنسان القديم نظام الدولة في إطار نظام المدن
السياسية في روما و أثينا و إسبرطا و في الحضارة الفرعونية و بابل و آشور و الهند
و الصين القديمة.
غير أن الكثيرين ينكرون على تلك الإمبراطوريات صفة الدولة و هذا بسبب ارتكاز النظام
فيها على قاعدة النظام الفردي بحيث تتركز السلطة في يد زعيم أو قائد هو مصدر الإلزام إذ
يستمد سلطته من الوحي الإلهي أو القوة، و يفرض على الناس منطق المصلحة العامة للمدينة
بما لا يكون أمامهم إلاّ الطاعة و الخضوع و هذا باستثناء المدن السياسية القديمة عند
الإغريق و الرومان و كذلك الدولة التي نشأت في بداية الرسالة المحمدية فقد كانت لها نفس
الخصائص و السمات الاجتماعية و القانونية التي هي للدولة الحديثة، و رغم ذلك فقد انهارت
فكرة الدولة في أوروبا بسقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية بعد غزو القبائل الجرمانية
لها، و أدت إلى نشوء نظام الإقطاع، و لم تعرف العصور الوسطى فكرة إسناد السلطة
السياسية إلى شخص مجرّد مستقل عن أشخاص الحاكم بل كان الفرد يعد تابعا للسيّد
الإقطاعي تبعية شخصية، و الذي يميّز نظام الدولة المعاصرة عن سابقتها في العصور
القديمة و الوسطى أنها منظمة قانونية أما سوابقها في التاريخ فلم تكن كذلك إذ لم يكن الإنسان
قد تصور بعد فكرة الدستور في مفهومها القانوني الملزم المعروف حاليا و كان ذلك أمرا


طبيعيا في ظل نظم سياسية تقوم على فكرة الزعامة و اختلاط الدولة بشخص الحاكم فهي
بعض حقوقه و امتيازاته الخاصة تسنده فيها القوة المادية و عمق تأثير العقائد و التقاليد.
فحين ظهرت التفرقة بين صاحب السلطة و من يمارسها و قام الفصل بين الحاكم و سلطة
الحكم و هو ما يسميه بعض الفقهاء بتأسيس السلطة أي قيام الدولة صاحبة للسلطة السياسية
و أن الحاكم أصبح مجرد أداة في يد الدولة تمارس من خلاله سلطتها، قامت حينئذ الدولة
المعاصرة حسب التعاريف المقدمة آنفا.
و من الضروري التمييز بين المجتمع و الدولة.
ان المقصود بالمجتمع الإنساني هو جماعة من الناس يعيشون معا في منطقة معينة يجمع
بينهم شعور واحد و روابط مختلفة بحيث ينظرون إلى أنفسهم ككيان متميّز، و يتضمن
المجتمع جميع النظم الاجتماعية الأساسية و الضرورية لإشباع الحاجات البشرية الأساسية
بينما الدولة هي جماعة منظمة تنظيما سياسيا.
إن الدولة ليست بالضرورة متوحدة مع المجتمع سواء من حيث مجال النشاط فالمجتمع يقوم
على الإرادة الطيبة و التعاون بينما الدولة تقوم على القوّة. أو من حيث الاتساع فقد يكون
المجتمع أوسع أو أضيق من الدولة فقد تستعمل عبارة المجتمع للدلالة على المجتمع القروي
أو الإسلامي …
فالدولة بناء غير مماثل للمجتمع أو متساوي معه في الامتداد لكنه مشيّد داخله كنظام محدد
لبلوغ أهداف معينة، و أن المجتمع متماسك مع بعضه بواسطة الدولة.
و يمكن أن نبيّن أوجه الاختلاف بينهما كالآتي :
1- من حيث الغرض أو الوظيفة :
الدولة تعد اجتماعا قانونيا يعمل لتحقيق الغرض القانوني “فرض النظام” داخل المجتمع،
بينما يعمل المجتمع على تحقيق العديد من الأغراض غير القانونية و هذه الأهداف متعددة،
فكرية، أخلاقية، دينية، اقتصادية و اجتماعية … فالدولة تحقق هدفا واحدا كبيرا بينما
المجتمع يحقق أهدافا كثيرة بعضها كبير و بعضها صغير.
2- من حيث التنظيم:
الدولة منظمة قانونية واحدة بينما المجتمع يشمل تنظيمات متعددة بعدد الأهداف التي يسعى


إلى تحقيقها و بالتالي يمكن القول أن المجتمع السياسي الذي تحققه الدولة هو أحد أهداف
الجماعة فالمجتمع سابق عن الدولة.
3- من حيث المنهج :
الدولة تستخدم منهج القوة و الإجبار أما المجتمع فيستخدم العمل الاختياري أي منهج الإقناع
لأن ذلك يتوافق مع طبيعته.
والدولة تقتضي تحليل أصل نشأتها ( المبحث الأول) وأركانها (المبحث الثاني)
و خصائصها ( المبحث الثالث) و أشكالها ( المبحث الرابع)
المبحث الأول: أصل نشأة الدولة
اختلف علماء القانون والاجتماع والتاريخ حول أصل نشأة الدولة، وترتَّب على هذا الاختلاف
ظهور العديد من الأفكار والنظريات التي وُضعت لتفسير هذه النشأة ، ثم أن البحث عن أصل
نشأة الدولة وتحديد وقت ظهورها يعد من الأمور العسيرة ، إذ لم نقل مستحلية ، ذلك أن
الدولة ظاهرة اجتماعية يرجع أصلها إلى الحضارات القديمة ، و هي في تطورها تفاعل مع
الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة .
وقد قام البعض بتقسيم هذه النظريات إلى مجموعات نوعية متقاربة، فنجد البعض يقسِّمها إلى
نظريات ديمقراطية وأخرى غير ديمقراطية ، وذلك لقرب هذه النظريات أو بُعدها من الفكرة
الديمقراطية ، ويقسِّمها البعض إلى نظريات دينية وأخرى بشرية، وذلك من حيث إرجاع
النشأة إلى البشر أو إلى قوى غير بشرية ، ويرى البعض إرجاع هذه النظريات إلى اتجاهَين
اتجاه نظري وآخر واقعي أو اتجاه غيبي وآخر علمي.
ولعل أفضل تقسيم لهذه النظريات هو التقسيم الثنائي وهو النظريات الغير قانونية ( الفقرة
الأولى) والنظريات القانونية ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: النظريات الغير قانونية
أ_ النظريات الثيوقراطية:
درج الفقهاء في مصر على وصف هذه النظريات بأنها نظرياتٌ دينيةٌ، مع أن المعنى الحرفي
للمصطلح الفرنسي لا يعني النظريات الدينية بل يعني النظريات التي تَنسِب السلطة إلى الله.


يرجع أنصار هذه النظرية أصل نشأة الدولة وظهور السلطة إلى الله ، وعليه فأنهم يطالبون
بتقديسها لكونها من صنعه وحق من حقوقه يمنحها لمن يشاء،
فالحاكم يستمد سلطته وفقا لهذه النظرية من الله ، وما دام الأمر كذلك فإنه يسمو على
المحكومين نظرا للصفات التي يتميز بها عن غيره والتي مكنته من الفوز بالسلطة ، لذلك
فغن إرادته يجب أن تكون فوق إرادات المحكومين.
والحقيقة أن المتتبع للتاريخ يلاحظ أن هذه النظريات لعبت دورا كبيرا في القديم ، فلقد قامت
السلطة والدولة في المجتمعات القديمة على أسس دينية محضة ، واستعملت النظرية الدينية
في العصر المسيحي والقرون الوسطى
ولم تختف آثارها إلا في بداية القرن العشرين ، والسبب يعود الى دور المعتقدات والأساطير
في حياة الإنسان ، حيث كان يعتقد ان هذا العالم محكوم بقوى غيبية مجهولة يصعب تفسيرها
، وهو ما ترك البعض إضفاء صفة القداسة على أنفسهم وإضفاء صفة الإلهية عليهم .
وبمرور الوقت بدأ الاختلاف بين أنصار هذه النظرية حول طريقة اختيار الحاكم ، وان كانوا
متفقين على أن السلطة لله ، مما أدى إلى ظهور ثلاثة اتجاهات :
1_ نظرية تأليه الحاكم:
وَجدت هذه النظرية مجالاً رحْبًا في العصور القديمة؛ حيث تأثر الإنسان بالأساطير، فظن أن
الحاكم إلهٌ يُعبَد.. ففي مصر الفرعونية كان فرعون هو الإله (رع)، وقد سجَّل القرآن الكريم
قول فرعون في قوله : ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ ( القصص: من الآية 38) وقوله تعالى
: ﴿فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى (24) ﴾ ( النازعات)، وفي بلاد فارس والروم كان الحاكم يصطبغ
بصبغة إلهية .
وفي الهند القديمة، فإن لبراهما يعتبر شبه إله.
2_ نظرية الحق الإلهي المقدس المباشر:
تعني هذه النظرية أن الحاكم ليس إلهًا ولا نِصْفَ إله، ولكنه بشرٌ يحكم باختيار الله عز وجل،
فالله الذي خلق كل شيء وخلق الدولة، هو الذي يختار الملوك مباشرةً لحكم الشعوب، ومن ثَمَّ
فَمَا على الشعب إلا الطاعة المطلَقة لأوامر الملوك، ويترتب على ذلك عدم مسئولية الملوك


أمام أحد من الرعية، فللملك أن يفعل ما يشاء دون مسئولية أمام أحد سوى ضميره ثم الله
الذي اختاره وأقامه .
فمن نتائج هذه النظرية أن الحاكم لا يكون مسئولا أمام أحد غير الله، وبالتالي منه يستمد
سلطته. أما من حيث الأساس فإنها تختلف عن الصورة الأولى، ففي فكرة تأليه الحاكم لا
توجد تفرقة بين الإله وشخص الملك، عكس فكرة الحق الإلهي المقدس حيث توجد بها هذه
التفرقة وهذا راجع لدواعي تاريخية.
وقد سادت هذه النظرية أوروبا بعد أن اعتنق الإمبراطور قسطنطين الدينَ المسيحيَّ, فخرج
رجال الدين على الناس بهذه النظرية؛ وذلك لهدم نظرية تأليه الحاكم من ناحية, ولعدم
المساس بالسلطة المطلقة للحاكم من ناحية أخرى .
3_ نظرية الحق الإلهي الغير المباشر:
لم تعد فكرة الحق الإلهي المباشر مستساغةً من الشعوب، ومع ذلك لم تنعدم الفكرة تمامًا،
وإنما تطوَّرت وتبلورت في صورة نظرية التفويض الإلهي الغير المباشر أو العناية الإلهية،
ومؤدَّى هذه النظرية أن الله لا يتدخل بإرادته المباشرة في تحديد شكل السلطة، ولا في طريقة
ممارستها, وأنه لا يختار الحكَّام بنفسه وإنما يوجِّه الحوادث والأمور بشكلٍ معيَّن يساعد
جمهور الناس ورجال الدين خصوصا على أن يختاروا بأنفسهم نظام الحكم الذي يرتضونه
ويذعنون له وهكذا، فالسلطة تأتي من الله للحاكم بواسطة الشعب والحاكم يمارس السلطة
باعتبارها حقَّه الشخصي، استنادًا إلى اختيار الكنيسة الممثلةً للشعب المسيحي؛ باعتبارها
وسيطًا بينه وبين السلطة المقدسة التي تأتي من لدن الله .
والنتيجة المتوصل إليها أنه لا يجوز مخالفة أوامر الحاكم، وإلا ارتكبنا معصية. وقد دعم هذه
الفكرة الأستاذ /بوسيه/ لتبرير نظام الملوك القائم في فرنسا – القرن السابع عشر – وقد فرق
بين *السلطة المطلقة * و السلطة المستبدة وهي التي تخالف التعاليم اللاهية.
وفي صياغة أخرى ترى الكنيسة الكاثوليكية في محاولة لبسط نفوذها، أن الله أودع جميع
السلطات بيد البابا وهو ترك سيف السلطة الدينية، وخلع للحاكم سيف السلطة الزمنية، وبذلك
لم تعد سلطة الحاكم مطلقة…..


وفي الأخير إن هذه النظرية يمكن اعتبارها ديمقراطية نوعا ما أو مطلقة بحسب صياغتها.
ب_ النظريات الطبيعية:
النظريات الطبيعية هي النظريات التي ترجع نشأة الدولة إلى البشر. ومن أهم هاته
النظريات:
1_ نظرية الوراثة:
نشأة في ظل الإقطاعية وهي ترى أن حق الملكية الأرض وهو حق طبيعي ، يعطي لمالكي
الأرض حق ملكية كل ما عليها وحكم الناس الذين يعيشون عليها والذين عليهم طاعة الملاك
والرضوخ لسلطتهم ، فالدولة إذن وجدت نتيجة حق ملكية الأرض ومن اجل خدمة
الإقطاعيين، لذا كانت تهدف إلى تبرير النظام الإقطاعي.
النظرية العضوية:
هي من النظريات الحديثة، حيث ظهرت في القرن التاسع عشر، وهي لا تنتمي إلى مدارس
القانون الطبيعي، لكن ترى أن قوانين الظواهر الطبيعية يمكن تطبيقها على الظواهر
الاجتماعية مثل الدولة. فهي تشبه جسم الإنسان المكون من عدة أعضاء ، يؤدي كل عضو
منها وظيفة معينة وضرورية لبقاء الجسم ككل.
نفس الشيء بالنسبة للأشخاص في الدولة ، حيث تؤدي كل مجموعة منهم وظيفة معينة
وضرورية لبقاء كل المجتمع الذي يعمل وينشط كجسم الإنسان ، ولذا لابد من وجود
مجموعة من الناس تحكم ، ومجموعة من المحكومين تؤدي وظائف أخرى مختلفة . فالدولة
وجدت إذن كظاهرة مثلها مثل الظواهر الطبيعية وهي ضرورية لبقاء المجتمع.
3_ النظرية النفسية:
هي أيضا نظرية حديثة ، وترى أن الأفراد لا يخلقون متساوون ، بل هناك فئتين : فئة تحب
السلطة والزعامة ، ولها جميع المزايا التي تمكنها وتأهلها لذلك بطبيعتها ، وفئة تميل إلى
الخضوع والانصياع بطبيعتها أيضا ، ولذا فان العوامل النفسية الطبيعية هي التي تتحكم في
ذلك .


لهذه الأسباب نشأة الدولة، غير أن النظرية عنصرية في الأساس، وقد وظفتها النازية للتمييز
بين الأجناس ، خاصة بين الآريين المؤهلين لحكم الأجناس الأخرى.
4_ نظرية التطور العائلي:
رائد هذه النظرية الفيلسوف اليوناني أرسطو، فهو يرى أن الإنسان كائنٌ اجتماعيٌّ بطبعه,
ولا يستطيع أن يعيش منعزلاً، فهو يشعر بمَيلٍ غريزيٍّ للاجتماع, فيلتقي الذكر بالأنثى
مكونَين بذلك وحدةً اجتماعيةً صغيرةً وهي الأسرة، وتتفرَّع الأسرة وتتشعَّب مكونةً العائلة،
فالعشيرة، فالقبيلة، فالمدينة التي تكون نواة الدولة .
وتُعتبر هذه النظرية بحق أول محاولة فكرية لتفسير نشأة الدولة، والقائلون بها لا يرون
الدولة إلا مرحلةً متقدمةً ومتطورةً من الأسرة، وأن أساس السلطة فيها يعتمد على سلطة رب
الأسرة وشيخ القبيلة .
والسلطة السياسية في هذه النظرية ما هي إلا امتداد لتلك السلطة الأبوية، لذلك قد يطلق على
هذه النظرية باسم نظرية السلطة الأبوية.
ويلاحظ تأييدا لهذه النظرية، أن الأديان جميعا تقر أن العالم البشري يرجع الى زواج آدم
بحواء أي إلى الأسرة ، هذا فضلا عن وجود أوجه تشابه عديدة بين الدولة والعائلة من حيث
الروح والنظام والتضامن الجماعي ، لهذا قديما كان من المستصعب تصور عدم وجود هذه
الرابطة العائلية التي تقيم فيما بعد /الوحدة السياسية/ وبعض الشواهد التاريخية تؤيد هذه
النظرة.
لكن هذه النظرية وجهت لها العديد من الانتقادات أهمها :فيها مغالطة تاريخية ، بحيث علماء
الاجتماع يؤكدون أن الأسرة لم تكن الخلية الاولي للمجتمع ، بل أن الناس جمعتهم المصالح
المشتركة والرغبة في التعاون على مكافحة أحداث الطبيعة قبل أن توجد الأسرة ، لذا كانوا
يلتفون حول العشيرة التوأمية ، فأساس الصلة في هذه ليس الدم ولكن التوأم.


ج_ نظرية التغلب والقوة:
تُرجِع هذه النظريةُ أصلَ نشأة الدولة إلى واقعة التغلب؛ حيث أن القانون الطبيعي يعني البقاء
للأقوى؛ وحيث إن القوى البشرية في صراعٍ دائمٍ , وهذا الصراع يُسفر دائمًا عن منتصر
ومهزوم، والمنتصر يفرض إرادته على المهزوم , والمنتصر النهائي يفرض إرادته على
الجميع, فيتولى بذلك الأمر والنهي في الجماعة, ويكون بمثابة السلطة الحاكمة.. فتنشأ بذلك
الدولة مكتملة الأركان.
وقد تمحورت هذه النظرية في ثلاثة اتجاهات معينة:
*نظرية ابن خلدون

  • النظرية الماركسية
  • نظرية التضامن الاجتماعي.
    فكلا من هؤلاء الفقهاء يحاول تبرير نظرته حسب واقعه المعيشي
    فأبن خلدون يدافع على فروضه الثلاث الذي استخلصها من تفسيره الذي سماه العقلاني
    للتحول من الحكم بالشريعة إلى الحكم الاستبدادي المطلق.
    أما في النظرية الماركسية، فتنظر للتاريخ من الزاوية المادية، فالصراع عبر التاريخ كان
    على أساس طبقي..
    وبناء على هذا ظهرت ثلاث أنماط من الدول عبر التاريخ كانت تخدم مصالح طبقات معينة
    وبذلك نصل إلى المجتمع المنشود .
    اما في نظرية التضامن الاجتماعي : فمفهوم القوة عند أصحاب هذه النظرية لا تقتصر على
    القوة المادية ، وإنما أشمل من ذلكـ ، كقوة النفوذ الأدبي ، والقوة الاقتصادية والحنكة
    سياسية..الخ.
    د_ نظرية التطور التاريخي:
    يرى أنصار هذه النظرية ، ومن بينهم برلمي وجار نر وسبنسر ، أن الدولة لم تنشأ نتيجة
    القوة أو التطور العائلي أو العامل الديني ..، ذلك أن الظواهر الاجتماعية ومن بينها الدولة لا


يمكن رد نشأتها إلى عامل واحد ، فالدولة عندهم هي نتاج للتطور التاريخي وتأثيرات متعددة
كان نتيجتها ظهور عدة دول تحت أشكال مختلفة ومتعددة تعبر عن ظروف التي نشأت فيها ،
لذلك فإن السلطة في تلك الدول لا تستند في قيامها هي الأخرى على عامل واحد بل على عدة
عوامل منها القوة والدهاء والحكمة والدين والمال والشعور بالمصالح المشتركة التي تربط
أفراد الجماعة بعضهم ببعض ، فالدولة إذن وفقا لأنصار هذه النظرية ظاهرة اجتماعية نشأت
بدافع تحقيق احتياجات الأفراد شأنها شأن الظواهر الأخرى.
وهذه النظرية تعد رغم عموميتها ، أقرب النظريات إلى الصواب.
الفقرة الثانية: النظريات القانونية
و تتمثل في النظريات الاتفاقية (أ) و النظريات المجردة (ب)
أ_ النظريات الاتفاقية:
وتعرف أيضا بنظريات العقد الاجتماعي.
ظهرت فكرة العقد الاجتماعي قديمًا كأساسٍ لنشأة المجتمع السياسي عند الإغريق، فالنظام
السياسي في نظرهم هو نظامٌ اتفق الأفرادُ على تكوينه للسهر على مصالحهم, ومن ثم فلا
يجوز أن يكون هذا النظام حائلاً دون تمتُّعهم بحقوقهم الطبيعية, ولا يتقيَّد الأفراد بالقانون إلا
إذا كان متفقًا على هذه الحقوق الطبيعية..، ثم جاء النظام السياسي الإسلامي فأبرَزَ عملية
التعاقد ورتَّب عليها أثرَها كما سنُبيِّن فيما بعد، ثم ظهرت هذه الفكرة في كتابات بعض
المفكِّرين الغربيين منذ نهاية القرن السادس عشر، وكان من أبرز القائلين بهذه النظرية
الفيلسوفان هوبز ولوك الإنجليزيان وجون جاك روسو الفرنسي .
وقد اتفق الثلاثة على أن العقد الاجتماعي يقوم على فكرتَيْن أساسيتين :
إحداهما: تتحصَّل في وجود حالة فطرية- بدائية- عاشها الأفراد منذ فجر التاريخ .
وثانيتهما: تتبدى في شعور الأفراد بعدم كفاية هذه الحياة الأولى لتحقيق مصالحهم، فاتفقوا
فيما بينهم على أن يتعاقَدوا على الخروج من هذه الحياة بمقتضى عقدٍ اجتماعي ينظِّم لهم حياةً
مستقرةً, أي تعاقدوا على إنشاء دولة ، وبذلك انتقلوا من الحياة البدائية إلى حياة الجماعة


..ومع اتفاقهم في هاتين المقدمتَين فقد اختلفوا في حالة الأفراد قبل التعاقد وبنود هذا التعاقد،
فاختلفت بذلك النتائج التي رتَّبها كلٌّ منهم على النظرية…
إذن ظهرت فكرة العقد كأساس لنشأة الدولة منذ فترة زمنية بعيدة، استخدمها الكثير من
المفكرين في تأييد أو محاربة السلطان المطلق للحاكم.
هذه النظريات ترجع إلى القرن السادس عشر ، والتي ساهم في صياغتها وإبراز مضمونها
كل من هوبز ، ولوك ، و روسو .
أولا : نظرية هوبز : ( من أنصار الحكم المطلق )
ان الفترة التي عاش بها هوبز وما رافقتها من اضطرابات في كل من إنجلترا وفرنسا كان لها
بالغ الأثر على الفكرة الذي عبر عنها بتأييده المطلق للحاكم .
اغلب كتاباته تمثل الدفاع عن الملك وحقه في الحكم ضد أنصار سيادة البرلمان.
ابرز هوبز بحق الملك المطلق في الحكم من خلال طبيعة العقد الذي ابرم بين الأفراد
للتخلص مما رتبته الطبعة الإنسانية ونزعتها الشريرة التي قاساها الأفراد في الحياة الفطرية
قبل إبرام هذا العقد..
من خلاله يتنازل الفرد عن حرياته وحقوقه الطبيعية للسلطة التي أقامها ايا كانت مساوئها
واستبدادها ، لان السلطة وفي وجهة نظره مهما بلغت من السوء فلن تصل إلى حالة الحياة
الطبيعية التي كانوا يعيشونها. بل إن وضع أي قيد على الحاكم، أو ترتيب أي التزام عليه
يجعل العقد الاجتماعي قاصرا عن تحقيق الغرض المنشود.
وهكذا يتمتع الحاكم على الأفراد بسلطة مطلقة ، ولا يحق للأفراد مخالفة هذا الحاكم مهما
استبد أو تعسف .
ثانيا : نظرية جون لوك : ( من أنصار الحكم المقيد )
إذا كان لوك يتفق مع هوبز في تأسيس المجتمع السياسي على العقد الاجتماعي الذي ابرم بين
الأفراد لينتقلوا من الحياة البدائية إلى حياة الجماعة ، إلا انه يختلف معه في وصف الحياة
الفطرية والنتائج التي توصل إليها .


الحياة الفطرية الطبيعية للأفراد كما يصفها لوك فهي تنصح بالخير والسعادة والحرية
والمساواة ، تحكمها القوانين الطبيعية وبالرغم من وجود كل هذه المميزات لدى الفرد إلا أن
استمراره ليس مؤكداً وهذا بسبب ما يمكن أن يتعرض له من اعتداءات الآخرين . وهذا ما
يدفع الإنسان إلى الحرية المملوءة بالمخاوف والأخطار الدائمة والانضمام إلى مجتمع ما مع
الآخرين من اجل المحافظة المتبادلة عن أرواحهم وحرياتهم واملاكهم .
فهذه النظرية تقر بأن العقد الذي ابرم بين الأفراد وبين الحاكم لإقامة السلطة لا يمنح الحاكم
السلطة المطلقة.وإنما يمنحه سلطة مقيدة بما يكفل تمتع الأفراد بحقوقهم الباقية والتي لم
يتنازلوا عنها.إضافة إلى أن الحاكم في نظرية لوك طرف في العقد مثل الفرد. وما دامت أن
شروط العقد قد فرضت على الحاكم الكثير من الالتزامات، فهو مقيد وملتزم بتنفيذ الشروط،
وأجاز للأفراد مقاومته وفسخ العقد.
ثالثا: نظرية جون جاك روسو :
الحياة الفطرية حياة خير وسعادة يتمتع بها الأفراد بالحرية والاستقلال والمساواة
الحياة الفطرية حياة خير وسعادة يتمتع بها الأفراد بالحرية والاستقلال والمساواة
يختلف مع لوك على أسباب التعاقد وأطرافه ومن ثم النتائج التي تترتب على ذلك .
يختلف مع روسو على أسباب التعاقد وأطرافه ومن ثم النتائج التي تترتب على ذلك .
يرجع إلى فساد الطبيعة والحياة العصرية، وذلك كمظهر الملكية الخاصة وتطور الصناعة
من إخلال بالمساواة وتقييد الحريات
فسر رغبة الأفراد في التعاقد على أساس ضمان استمرارية المساواة والحريات العامة
وضمان السلم الاجتماعي .
وبالتالي ومن خلال نظرة روسو كان لابد للأفراد السعي للبحث عن وسيلة يستعيدون بها
المزايا ، فاتفق الأفراد فيما بينهم على إبرام عقد اجتماعي ، هذا العقد يقوم الأفراد من خلاله
بالتنازل عن كافة حقوقهم الطبيعية لمجموعة من الأفراد الذي تمثلهم في النهاية الإرادة
العامة . هذا التنازل لا يفقد الأفراد حقوقهم وحرياته لان الحقوق والحريات المدنية استبدلت
بتلك الطبيعية المتنازل عنها للإرادة العامة .

  • الحكومة لا تقوم على أساس تعاقد بينها وبين المواطنين وإنما هي هيئة من المواطنين
    مكلفة من قبل صاحب السيادة بمباشرة السلطات الذي له أن يستردها وان يمنحها إلى
    أشخاص آخرين .
    _ الانتقادات التي تعرضت لها النظرية العقدية :
  • الخيالية : لان التاريخ لا يعطينا مثلا واحدا واقعيا بان جماعة من الجماعات قد نشأت
    بواسطة العقد .
  • غير صحية من الناحية القانونية :
  • غير صحيحة من الناحية الاجتماعية: تفترض أن الإنسان كان في عزلة قبل نشأة الجماعة
    وهذا قول غير صحيح لان الإنسان كائن اجتماعي .
    ب_ النظريات المجردة:
    سميت هذه النظرية أو الاتجاه بالنظريات المجردة للعديد من الأسباب أهمها لعدم خروجها
    من طور التنظير ورفوف الأوراق الى ارض الواقع ، ملت التسمية لروعة البناء النتظيري
    وهشاشة أو استحالة تطبيقها أو إيجادها – إن وجدت في أرض الواقع . فكل هذه الأسباب
    كانت دافع لتجريد هذه النظريات في هذا الاتجاه.
    ومن أهم النظريات المجردة:
  • نظرية الوحدة
  • نظرية النظام القانوني
  • نظرية السلطة المؤسسة
  • النظرية المؤسسة لهوريو
    أولا : نظرية الوحدة ( جينلك)
    بداية يحاول الفقيه جينلك أن يفرق بين المصطلحين * العقد* و * الفونبارك* ، فالعقد من
    الناحية القانونية هو تطابق إرادتين على أساس الرضا واتفاق على المحل إذ وجدت
    المصالح، فالمصالح المتبادلة هي التي دفعت بالتعاقد ، فالبائع مثلا قد يحصل على مال


و المشتري يحصل على أشياء غير التي دفعت للبائع ، إلا انه قد تم الاتفاق على ذلك من قبل
، أما الفونبارك فهو تطابق أو تعدد العديد من الإرادات ، فالعلاقة متباينة الإرادات من اجل
تحقيق هدف واحد ألا وهو إنشاء دولة.
وفعلا هذه الفكرة مبهرة من العديد من النواحي:
فعلى المستوى الداخلي ، على أساس الفونبارك يمكن تبرير إنشاء شركات المساهمة
المتعرف عليها في القانون التجاري ، اما على مستوى القانون العام نجد هذه النظرية تتماشى
مع الأنظمة الدستورية المعاصرة و بالأخص الأنظمة البرلمانية . كالاتفاق الحاصل بين
الحكومة والبرلمان .
أما على المستوى الدولي ، فإن هذه الفكرة تتماشى مع فكرة الاتحادات ، والاتفاقيات . وهذا
الاتجاه هو أكثر اعتمادا في الوقت المعاصر .
إلا أن حسب المنطق فإن هذه النظرية تبرر نشأة السلطة السياسية وليس نشأة الدول . وكذا لا
يمكن أن نتصور لنشؤ دول بفضل إرادات مختلفة دون أن يوجد نظام قانوني منشئ.
ثانيا: نظرية النظام القانوني:
صاحب النظرية * هنري كلسن* إذ يعتبر أن الدولة هي نظام تسلسلي للقواعد القانونية
تستمد صحتها من قاعدة قانونية مفترضة.
فهذا النظام التسلسلي أو الهرمي ، يعتبر أن كل قاعدة أعلى ملزمة للقاعدة الأدنى ، فهكذا كل
قاعدة تستمد صحتها من قاعدة أعلى منها درجة الى أن تصل الى الدستور الذي يستمد هو
الآخر صحته من دستور سابق . وهذا ما يعرف لدى فقهاء القانون الدستوري بمبدأ /دستورية
القوانين/، فالقاعدة الدستورية أو القاعدة الأساسية المفترضة لا يجوز أن نسال من أين تستمد
صحتها الإلزامية، فيجب الاعتقاد بهذه القاعدة والإذعان لها . إلا أن هذه النظرية لم تسلم من
الانتقادات أهمها للفقيه ريني في كتابه الحتمية القانونية الصادر سنة 1928 . فانه يسلم بفكرة
الهرم القانوني ، إلا انه يعتبر أن الدستور الاول ليست له قوة فرضية وإنما قوة واقعية تستمد
من الجمعية التأسيسية ، فمثلا الثورة الفرنسية استمدت قوتها من الجمعية الوطنية ، فالإرادة
الشعبية واقعية وليست مفترضة واقعة خارج القانون.


أما المدرسة الماركسية، تعتبر أن الدولة ما هي غلا مرآة للنظام الاقتصادي والاجتماعي
الموجود . وبالتالي القول بالقاعدة الافتراضية الملزمة لا سند له من الصحة.
ثالثا: نظرية سلطة المؤسسة:
حسب منظري هذه النظرية ، أن الدولة غير موجودة ولا كيان لها إلا حينما تؤسس و تنظم
سلطاتها القانونية ، فلا يتم هذا كله إلا بطريقين . أولا بنقل الدولة من سلطة سياسية أي
سيطرت شخص أو شخصين الى كيان مجرد .
أما المرحة الثانية وضع دستور وهكذا ستتحول الدولة من دولة فعلية الى دولة قانونية .
رغم صحة هذه النظرية في العديد من الجوانب إلا أنها لا تتماشى مع الدول ذات الدساتير
العرفية التي لا توجد فيها قوانين عليا تنظمها.. رغم كل هذا فإنها تعتبر كيان ، فإذا أخذنا
فحواها فإنه يستحيل أن تقام دولة لعدم وجود دستور.
باختصار فإنه توجد الدولة بوجود الدستور، فلا يتصور قيام دولة بدون دستور، وهذا يكذبه
الواقع.
رابعا: نظرية المؤسسة : هوريو
حسب هوريو فإن الدولة جهاز اجتماعي وسياسي وأن تشكيلها قد يتم على مرحلتين :
المرحلة الأولى: تقبل الأفراد لإقامة مشروع دولة معتمدة من مجموع المثقفين.
المرحلة الثانية : إنجاز هذا المشروع بدعوة الأفراد للانخراط والانضمام.
فالدولة حسب هوريو مؤسسة للمؤسسات ، ولا يتم هذا التأسيس إلا بمراحل ، مرحلة الفكرة
الموجهة ، وقد يتم ذلك بوجود أفراد يتصورون فكرة المؤسسة ووسائل إنجازها ثم فيما بعد
هناك مرحلة الانضمام باستثناء جهاز معتمدين على النصوص القانونية الموجودة سابقا،
وأخيرا هناك مرحلة نشر الدستور ، بحيث يكرس ما هو قائم ويعدل حسب مقتضيات الحاجة
ودليله على ما يقول : قيام الدولة الجزائرية إذ يرى أن مرحلة الفكرة الموجهة بدأت بظهور
القادة و الزعماء التاريخيين ، ثم بدأت مرحلة الانضمام بموافقة الشعب والالتفاف حول
الثورة ومبادئها ثم بدأت مرحلة نشر الدستور بميثاق طرابلس .


وحسب المنطق واعتقاد بعض رجال القانون فإن قيام الدول كقاعدة عامة لا يقوم على أساس
هذا التسلسل المذكور، كما انه صح القول بالنسبة للدولة الجزائرية. فإنه لا يصح بالنسبة
لباقي الدول، بل توجد مغالطة تاريخية، إذ أن الدولة الجزائرية كانت موجودة مع العثمانيين
والأمير عبد القادر..إلا أنها شاهدت نوع من الضعف والاضمحلال مع الاستدمار الفرنسي..
المبحث الثاني : أركان الدولة
للدولة أركان ثلاثة هي :الشعب ( الفقرة الأولى) و الإقليم ( الفقرة الثانية) و السلطة السياسية
( الفقرة الثالثة)
الفقرة الأولى : الشعب:
بديهيا أن الدولة لا يمكن أن تقوم بغير جماعة بشرية تعيش على وجه الدوام في حدود إقليم
معيّن، و إذا كان وجود الشعب يمثل المحور الأساسي لقيام الدولة فإنه لا يشترط أن يبلغ
عدده رقما معينا و ثابتا فعدده يختلف من دولة لأخرى فقد يقل إلى بضعة آلاف و قد يصل
إلى مئات الملايين.
من الناحية القانونية كل الدول تتمتع بنفس الخصائص إلاّ أنه من الناحية السياسية و
الاقتصادية تعتبر كثافة السكان عاملا هاما في ازدياد قوة الدولة و نفوذها.
و يرى الفقه أن وجود الشعب يعد ظاهرة طبيعية و سياسية، فالظاهرة السياسية تتمثل في أن
أفراد الشعب يقطنون حتما أرضا معينة أما الظاهرة السياسية فتتمثل في خضوع هؤلاء
الأفراد لنظام سياسي معين و تجدر الإشارة إلى أن هذه الجماعة البشرية المكونة للشعب لا
يشترط فيها أن تكون متجانسة أو غير متجانسة من الناحية الاجتماعية : اللغة، الدين …
التمييز بين المدلول السياسي و المدلول الاجتماعي للشعب :
المدلول الاجتماعي لكلمة الشعب هو مجموع الأفراد المقيمين على إقليم الدولة و المتمتعين
بجنسيتها سواء كانوا رجالا أو نساء كبارا أو صغار عقلاء أو مجانين و كذلك المتمتعين
بالحقوق السياسية منهم و المحرومين منها و يطلق على هؤلاء مواطني الدولة أو رعاياها.
أما المدلول السياسي للشعب، فيقصد به مجموع الأفراد المتمتعين بالحقوق السياسية و بذلك


يخرج من مدلول الشعب السياسي الأطفال و المحرومين من الحقوق السياسية سواء لأسباب
تتعلق بالناحية العقلية أو لأسباب أدبية كمرتكبي الجرائم المخلة بالشرف.
و بذلك يتضح أن المدلول السياسي للشعب أضيق من المدلول الاجتماعي.
أ_ التفرقة بين الشعب و سكان الدولة :
إذا كان الشعب بمفهوميه الاجتماعي و السياسي يعني مجموع الأفراد المرتبطين بجنسية
الدولة فإن المقصود بسكان الدولة هو مجموع الأفراد المقيمين على إقليمها سواء كانوا من
شعبها أو من الأجانب الذين لا تربطهم بالدولة رابطة الولاء حيث لا يتمتعون بجنسيتها و إنما
تربطهم بها رابطة الإقامة أو التوطن.
ب_ التفرقة بين الشعب و الأمة :
سبق لنا أن عرّفنا اصطلاح الشعب في الفقرة السابقة، أما الأمة فهي ظاهرة اجتماعية مفادها
وجود جماعة من الناس يستقرون على أرض معينة و يرتبطون بها معنويا، و تستند على
مقومات مشتركة من أصل، الدين، اللغة، التاريخ، العادات، الذكريات، الآمال المشتركة …
التي تولد الرغبة لدى الأفراد في العيش معا.
ما يميّز الأمة عن الشعب هو الظاهرة الاجتماعية و التي تكمن في وجود المصالح و الروابط
بين أفراد الجماعة غير أنه لا يشترط لقيام الأمة توافر الظاهرة السياسية أي الخضوع لسلطة
سياسية فقد تقوم الأمة دون أن ينشأ عنها دولة مثل الأمة العربية و قد تنشأ دولة تضم شعبا
يتكوّن من عدة أمم مثل الإتحاد السوفياتي سابقا الذي كان شعبه يتكوّن من عدة أمم و قد تنشأ
دولة يكون شعبها مكونا لأمة في نفس الوقت مثل الإيطالي، الألماني، الفرنسي … الذي هو
شعب و أمة في نفس الوقت.
و قد تباينت الآراء الفقهية حول العوامل المكونة للأمة إلاّ أن أغلبها يتمحور حول النظريات
الآتية :
1_ النظرية الموضوعية : التي يأخذ بها الفقهاء الألمان و تركز على عوامل الأصل اللغة
و الدين.
2_النظرية الشخصية : يأخذ بها الفقه الفرنسي و مضمونها أن الأمة تجد أساسها في الحس

17
التضامني الذي يوحد إرادة الأفراد في العيش معا أي أنها تركز على العامل النفسي
و الإرادي.
3_النظرية المادية : يأخذ بها الفقه الماركسي و هي تستند على النواحي الاقتصادية
و الاجتماعية فوفقا لهذه النظرية وحدة المصالح الاقتصادية هي التي تقرر باقي العلاقات بين
الأفراد و تصهرهم في نظام اجتماعي موحد.
و يتمثل النقد الموجه لهذه النظريات في أنها تركز على جوانب معينة من مكونات الأمة
و تهمل الجوانب الأخرى و السبب في ذلك أن هذه النظريات هي وليدة ظروف و بيئة
سياسية معينة القصد منها خدمة الأهداف السياسية للتجمعات التي وجدت فيها و بالتالي لا
يمكن تعميمها لتشمل مفهوم الأمة بصفة مطلقة.
و خلاصة القول أن تكوين الأمة تشترك فيه مجموعة كثيرة من العوامل : الأصل، اللغة،
الدين، العادات و التقاليد، التاريخ، المصير المشترك و الرغبة في العيش معا.
تم توظيف كلمة أمة في القرآن الكريم في 44 آية و بمعان مختلفة.
_ مفهوم الأمة الإسلامية :
البعض يطلق تسمية الأمة الإسلامية إنطلاقا من الآية : ” وَ جَعلنَاكم أمة وسطا” هذا
المصطلح من الناحية الدينية لكن من الناحية السياسية لا يعبر عن الحقيقة فهناك أمم متعددة
تضمها الأمة الإسلامية بالمفهوم الديني.
الفقرة الثانية: الإقليم:
لقيام الدولة لابد من وجود رقعة من الأرض يقيم عليها أفراد الشعب على وجه الدوام و
الاستقرار و من ثمة فإن القبائل الرحل لا يمكن أن تشكل دولة لعدم استقرارها في رقعة
معينة.
و الإقليم هو النطاق الجغرافي الذي تباشر فيه الدولة سلطتها حيث لا يمكن لسلطتين مستقلتين
تتمتع كل منهما بالسيادة أن تجتمع معا إقليم واحد.
و إقليم الدولة يشمل على ما يلي :
أ_ الإقليم الأرضي : يتحدد بحدود طبيعية مثل الجبال أو البحار أو بحدود اصطناعية مثل

الأملاك الشائكة أو الأسوار أو أي علامات يستدل بها على نهاية الإقليم و يمكن أن يكتفي
بخطوط الطول و العرض لتعيين الحد الفاصل بين دولة و أخرى.
ب_ الإقليم البحري : يشمل الجزء الساحلي من مياه البحر العامة المجاورة لشواطئ الدولة
و كذلك المياه الداخلية في حدودها من البحيرات و الأنهار الداخلية و قد ثار جدل فقهي حول
تحديد نطاق البحر الإقليمي حسم هذا النقاش في إطار اتفاقية قانون البحار 1982 بمسافة 12
ميل بحري.
ج_ الإقليم الجوي : يشمل الفضاء الذي يعلو كل من الإقليم الأرضي و البحري و لا بد من
التفرقة بين طبقتين من الجو، طبقة الغلاف الهوائي المحيط بالأرض حتى ارتفاع حوالي
1000 كلم فهذه الطبقة تخضع لسيادة الدولة بالكامل. و لهذا نصت اتفاقية شيكاغو في المادة
1-1944 : “تقر الدول المتعاقدة بأن لكل منها السيادة على الفضاء الجوي الذي يعلو
إقليمها”، و فيه تتمتع الطائرات المدنية (دون حربية) يحق الهبوط لأسباب تقنية و يمكن
للدولة أن تغلق أجوائها في وجه الطائرات الأجنبية كما يحق لها تحديد ممرات جوية معينة
للدخول إلى إقليمها.
و طبقة الفضاء الجوي، و تمتد إلى ما لا نهاية و هي غير خاضعة لسيادة دولة ما وفقا
لقرارات الأمم المتحدة الصادرة سنة 1963-1966 بشأن اكتشاف الفضاء حيث أصبحت
ملكية مشتركة للبشرية.
_ طبيعة حق الدولة على إقليمها:
اختلف الفقه في تكييف الدولة على إقليمها فذهب رأي على أنه حق سيادة غير أن هذا الرأي
منتقد على أساس أن السيادة تمارس على الأشخاص و ليس على الأشياء بينما ذهب في إتجاه
آخر إلى تكييف ذلك الحق بأنه حق ملكية لكن هذا الرأي منتقد هو الآخر إذ يتعارض مع حق
الملكية الفردية للعقارات.
و الرأي الحديث يعتبر الإقليم بمثابة المنطقة الجغرافية التي يحق للدولة أن تستعمل سلطتها
داخلها على الأفراد دون غيرها بعبارة أخرى أنه المجال الذي تتحدد فيه سلطات الدولة.
الفقرة الثالثة: السلطة السياسية:


تعتبر السلطة السياسية من أهم العناصر في تكوين الدولة حتى أن البعض يعرّف الدولة
بالسلطة و يقول بأنها تنظيم لسلطة القهر أو الإجبار.
و يمكن تعريف السلطة السياسية بأنها قدرة التصرف الحر التي تباشر بحكم سموها حكم
الناس عن طريق خلق النظام و القانون بصفة مستمرة، و تتولى السلطة السياسية أداء
وظائف الدولة الداخلية و الخارجية و تكون مسؤولة أمام الجماعات الأخرى عن كافة
الشؤون التي تتعلق بالإقليم و الشعب.
و لعل الطابع الرئيسي الذي يميّز الدولة الحديثة عن الوحدات السياسية التي كانت موجودة
في السابق هو تجميع السلطات في يد حكومة واحدة تملك من الوسائل المادية و القانونية ما
يمكنها من السيطرة التامة على الإقليم دون منازعة من أية سلطة أخرى.
أ_ أصل نشأة السلطة:
الجماعة البشرية نشأت بقصد تحقيق هدف معيّن مادي و معنوي و هذا الهدف هو الذي يحدد
أنماط السلوك و نمط حياة الأفراد داخل الجماعة و إذا كان الهدف في الجماعات البدائية
الأولى كالأسر و القبائل لا يتجاوز الرغبة في حفظ النوع و الدفاع ضد الاعتداءات الأخرى
فإنه حيث تقدّم الزمن بالجماعات البشرية بدأت تتولد بينهم علاقات قرابة جديدة لا تنبع من
وحدة السلالة أو الدم فحسب و لكنها تنبع من وحدة أسلوب الحياة و من وحدة المصالح
المرتبطة بوحدة الأرض و من تشابك الهدف الاجتماعي و امتداده ليربط بين أفراد المجتمع
في أجياله المتعاقبة و بذلك يتكوّن تدريجيا ضمير جماعي يحتوي الضمائر الفردية في
المجتمع و يحملها على الرضا بالنظام الجماعي.
و ينمو الضمير الجماعي و بهدف صيانته ضد النزعات الفردية تظهر السلطة العامة لتسهر
على المصلحة الجماعية و تطورها و لتلزم السلوكات الفردية بما يحقق الأمن و السلام
الجماعيين.
ب_ خصائص السلطة السياسية:
السلطة السياسية ظاهرة اجتماعية لارتباطها بالجماعة البشرية إذ لا يستقيم النظام الجماعي
و لا يستقر دون وجود هذه السلطة و تقوم ظاهرة السلطة على أساس الإحساس بالحاجة إليها
و هذا الإحساس بضرورة الحياة الجماعية و المحافظة عليها.

و السلطة السياسية ظاهرة نفسية تقوم على الرضا، فالسلطة السياسية إذ تجد سندها
الاجتماعي في كونها تسعى لتحقيق الهدف الجماعي و صيانته و تطويره و تعمل على تحقيق
آمال الأفراد و أهدافهم و لهذا فإن السلطة العامة و إن أخذت في الحياة الواقعية شكل القوة
المادية فإنها قبل كل شيء تعتمد في وجودها و في شرعية تصرفاتها على مدى ارتباطها
بالضمير الجماعي و صدق تعبيرها عنه و من ثم فهي تستقر في الأساس على رضا
المحكومين بها و قبولهم لها.
و لذلك قيل إن السلطة لا تنشئ الخضوع و لكن الهدف الاجتماعي الذي تمثله السلطة هو
الذي يدعم هذا الخضوع و يؤكده، و تأسيسا على ذلك استقر الفكر السياسي الحديث على أن
كل زمن تعيشه السلطة في أمن و بدون معارضة قوية من أحد يمثل قرينة نسبية لأن الناس
قد تقبل السلطة السياسية بالعادة أو بالكسل عن البحث عن سلطة أخرى أو بالخوف من
مقاومتها خشية التعرّض لبطشها و انتقامها أيا كان الأمر فلابد من الملاحظة التالية :

  • السلطة السياسية كثيرا ما تعتمد في الدولة المعاصرة على أسباب مختلفة بعضها للضغط و
    بعضها للإقناع حتى تحمل الأفراد الخاضعين لها على الرضا بها و تقبلها.
    و مظاهر التخويف و الضغط ما تعتمده الدولة دائما من قوة عسكرية و شرطة بوليسية
    لحماية وجودها و أمنها و لفرض سيطرتها بالقوة المادية عند الاقتضاء “بالضرورة”.
    و تلعب السجون و المعتقلات و غيرها من وسائل العقاب دورا كبيرا في هذا المجال “إن
    رجل النيابة و القاضي يحملان رمز القوة المادية الضاغطة باسم القانون و مصلحة المجتمع
    على حريات الأفراد و أموالهم غير أنه يلاحظ أن سيادة القانون لا تزال تغلب على قوة الدولة
    المادية و ترسم من إجراءات التحقيق و الإثبات و حياد القاضي ما يهذبها و ينزع عنها مظنّة
    الاستبداد المادي و بجانب وسائل القهر المختلفة تلعب الدعاية دورا رئيسيا في الدول
    المعاصرة في محاولة لخلق الرضا بالسلطة عن طريق محاولة إقناع الشعب بأن السلطة
    القائمة هي أحسن سلطة يمكن أن تعبر عن أمالهم”.
    _ السلطة و الحرية :
    إن السلطة و هي تكفل الوجود الجماعي و تحميه فإنها لا تعارض فكرة الحرية الفردية و لا
    تقضي عليها فهي تعمل على خلق نوع من التنسيق بين حريات هؤلاء الأفراد و مجالات


الصالح العام المشتركة بينهم و هذا التنسيق هو أمر نسبي يتغيّر بتغيّر الزمان و المكان كما
يتحدد في ضوء فلسفة الدولة الشاملة و نظرتها إلى ما يجب أن يكون عليه تركيبها
الاجتماعي و الاقتصادي “الرأسمالية و الاشتراكية”.
_ السلطة كظاهرة قانونية :
المصلحة العامة التي تتجمع حولها الحياة الجماعية و تحدد أهداف الأفراد و أمالهم المستقبلية
لا تتحقق تلقائيا فهي تتطلب من الأفراد أن يسلكوا فيما بينهم أنماطا معينة من السلوك لا تهدد
هذه المصلحة العامة و لا تمنع دون تطورها و ليست قواعد هذا السلوك في النهاية غير
القانون و من ثم تأكد أن القانون ظاهرة اجتماعية يرتبط وجوده بوجود الجماعة ينشأ معها و
يتطور بتطورها و هو في نشأته و تطوره يأخذ صورة الجماعة لأنها هي التي توجبه و
تفرضه صيانة للأمن و السلام الجماعيين غير أن القانون يبقى في حاجة إلى قوة عاملة
تتولى في شأنه مهمتين :

  • تقوم على استنباط فكرة القانون التي تعيش في ضمير الأفراد و تضعها موضع التنفيذ
    فتحدد الفكرة و تبلورها في الواقع من خلال ما تضعه من قواعد سلوك محددة و معلنة رسميا
    للناس.
  • تسهر على تنفيذ هذه القواعد السلوكية و حمايتها ضد كل محاولة للخروج عليها من جانب
    الأفراد مستخدمة في ذلك قوتها المادية عند الاقتضاء.
    و من هنا يقوم التلازم بين فكرة السلطة و فكرة القانون، فالسلطة طالما بقيت أمينة لفكرة
    القانون التي تعيش في ضمير الأفراد فإنها تجد سندها النفسي لدى الأفراد دون صعوبة و
    لكنها تبدأ تتعرض لاحتمالات عدم الرضا بها حين يتعارض سلوكها مع ما توجبه فكرة
    القانون من أحكام.
    الفقرة الثانية: خصائص الدولة
    تتمثل خصائص الدولة في السيادة ( أ) و الشخصية المعنوية أو القانونية ( ب)
    أ_ السيادة:


1_ تعريف السيادة : يمكن تعريف السيادة بأنها سلطة سياسية آمرة، نابعة من ذات الدولة، و
قادرة على تنظيم نفسها، و على فرض توجيهاتها، دون أن تكون خاضعة داخليا أو خارجيا
لغيرها، فهي في الداخل أعلى السلطات التي تملك أمر الحكم فيما ينشأ بين الأفراد و
الوحدات الداخلية من خلافات، و هي كذلك لا تخضع ماديا و لا معنويا لسلطة أخرى مهما
كان نوعها.
و تقوم سيادة الدولة على عدة خصائص :

  • سيادة شاملة : يقصد بها لأنها تنطبق على جميع سكان الدولة باستثناء المتمتعين
    بالامتيازات أو الحصانة الدبلوماسية.
  • سيادة دائمة: أنها تتعدى في أعمار القائمين عليها و النظام الدستوري الذي تعمل في
    إطاره.
  • سيادة لا تقبل التجزئة: و معنى ذلك أنه في الدولة الواحدة سواء كانت دولة موحدة أو
    مركبة و سواء كانت تأخذ بالنظام المركزي أو اللامركزي فإنها في كل الحالات ذات سيادة
    واحدة.
  • سيادة مطلقة: أي أن الدولة داخل حدودها تمثل أعلى سلطة عامة لا مكان لسلطة أخرى
    منافسة لها و أنها خارج حدودها لا تخضع لسلطة أعلى منها.
    2_ مظاهر السيادة :
  • السيادة الإيجابية و السيادة السلبية :
    السيادة السلبية يقصد بها عدم خضوع سلطة الدولة لأي جهة أخرى مهما كان نوعها، أما
    المفهوم الإيجابي للسيادة فهو الذي يبرر سلطة الدولة بكل ما تقوم به من حق الأمر و النهي
    و الزجر في الداخل و تمثيل الدولة و ترتيب حقوق و التزامات لها و عليها في الخارج.
  • السيادة الداخلية و السيادة الخارجية:
    يقصد بالسيادة الداخلية حق الأمر في مواجهة كل سكان الدولة أما السيادة الخارجية فيقصد
    بها عدم خضوع الدولة لسلطة أجنبية فيما عدا ما تلتزم به في مجال علاقاتها مع الدول
    الأخرى طبقا لقواعد القانون الدولي و يعبّر عن السيادة الخارجية بمصطلح الاستقلال.
  • السيادة الشخصية و السيادة الإقليمية:


في السابق كانت السيادة حق شخصي للملك و لهذا فإن قوانين الدولة كانت تطبّق على
مواطنيها و لو كانوا مقيمين خارج إقليمها و هو ما يعبّر عنه بالسيادة الشخصية و قد هجرت
هذه النظرية و حاليا يأخذ بمفهوم السيادة الإقليمية أي أن سلطة الدولة يتحدد مجالها في نطاق
حدود إقليم الدولة.
3_ صاحب السيادة :
لا شك أن الدولة هي صاحبة السلطة السياسية العليا و هذه السلطة تكون مجردة و مستقلة في
وجودها عن الأشخاص الممارسين لها و هم طبقة الحكام في الدولة فهم مجرد أداة في يد
الدولة تمارس من خلالهم مظاهر سلطتها.
و إذا كانت الدولة شخصا معنويا مجردا فإن السلطة فيها لابد أن تنسب إلى صاحب محدد
يمارسها بصورة فعلية فمن هو الصاحب الفعلي لهذه السلطة السياسية ذات السيادة ؟
في هذا الصدد قيلت نظريتان هما :

  • نظرية سيادة الأمة : مضمون هذه النظرية أن السيادة تكون للأمة بإعتبارها وحدة مجردة
    مستقلة عن سائر الأفراد المكونين لها، فالسيادة لا تكون لفرد من الأفراد أو جماعة من
    الجماعات و إنما تنسب إلى الشخص الجماعي الذي يشمل مجموع الأفراد و هذا الشخص هو
    ما يعبر عنه بكلمة الأمة.
    _ النتائج المترتبة :
  • السيادة تمثل وحدة واحدة غير قابلة للتجزئة فما دام أن الأمة هي شخص واحد فإن السيادة
    تكون كذلك واحدة غير مجزئة و يترتب عن ذلك الأخذ بمبدأ “الديمقراطية النيابية” أو
    “الديمقراطية غير المباشرة”.
  • الانتخاب يعتبر وظيفة و ليس حقا من الحقوق السياسية و هذا ما يتوافق مع الأخذ بمبدأ
    “الإقتراع المقيد”.
  • النائب في البرلمان يعتبر ممثلا للأمة بأسرها و ليس ممثلا لناخبي دائرته.
  • القانون يكون تعبيرا عن إرادة الأمة.
    الأمة تشمل الأجيال الماضية، الحالية و المستقبلية.
    _ الانتقادات الموجه لهذه النظرية :

  • كان لهذه النظرية فائدة في الحد من سلطات الملوك لكنها حاليا أصبحت عديمة الجدوى.
  • تؤدي هذه النظرية إلى الاعتراف بالشخصية القانونية للأمة و هذا غير مقبول من الناحية
    القانونية.
  • أنها تؤدي إلى الاستبداد مادام أن القانون هو تعبير عن إرادة الأمة و ليس تعبيرا عن إرادة
    الأغلبية.
    _ نظرية سيادة الشعب :
    مضمون هذه النظرية أن السيادة تنسب إلى الشعب باعتباره مكوّن من مجموعة من الأفراد و
    من ثم تكون السيادة حق لكل فرد من أفراد الشعب أي أنها تكون مجزئة على أفراد الشعب
    بالمفهوم السياسي.
    _النتائج المترتبة عن نظرية سيادة الشعب:
    يترتب عنها عدة نتائج هي :
  • السيادة تكون مجزأة بين الأفراد و بالتالي يكون لكل فرد حقا ذاتيا في مباشرة السلطة و
    هذا ما يتماشى مع نظام الديمقراطية المباشرة و شبه المباشرة.
  • الانتخاب يعتبر حقا و ليس وظيفة و هذا المبدأ يتماشى مع نظام “الاقتراع العام”.
  • النائب في البرلمان يعتبر ممثلا لدائرته الانتخابية و من ثم يمكن للناخبين إعطاء تعليمات
    ملزمة للنائب كما أنه يكون مسؤولا أمامهم عن تنفيذ وكالته و يلتزم بأن يقدم لهم حسابا عنها
    كما يحق للناخبين عزل النائب من وكالته في أي وقت.
  • القانون يكون تعبيرا عن إرادة الأغلبية الممثلة في هيئة الناخبين و من ثم يتعيّن على
    الأقلية الإذعان لرأي الأغلبية دون إعتبار ما إذا كانت هذه الإرادة أكيدة و دائمة أم لا.
    _النقد الموجه لهذه النظرية :
    إذا كان الاتجاه الحديث في الدساتير قد اتجه إلى الأخذ بمبدأ سيادة الشعب لكونه أكثر تحقيقا
    للديمقراطية إلا أنه هناك انتقادات وجهت لهذه النظرية :
  • يترتب عن الأخذ بمبدأ سيادة الشعب تبعية النواب لجمهور ناخبيهم و هذا ما قد يؤدي إلى
    تحقيق المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة.

  • هذه النظرية تقول بتجزئة السيادة على أفراد الشعب و هذا يؤدي إلى وجود سياديتين
    سيادة مجزأة بين الأفراد و سيادة الدولة باعتبارها شخص معنوي.
    و على العموم فإن معظم الدساتير حاولت التوفيق بين النظرتين و ذلك بالأخذ بمبادئ من
    كليهما كالأخذ بالاقتراع العام و إلغاء الوكالة الإلزامية و إعتبار النائب ممثلا للأمة أو
    للشعب.
    ب_ الشخصية المعنوية أو القانونية:
    1_ تعريف الشخصية المعنوية:
    هي جماعة من الأشخاص يضمهم تكوين يسعى إلى تحقيق هدف معين أو مجموعة من
    الأموال ترصد لتحقيق غرض معين يمنحها القانون صفة الشخصية فتكون شخصا مستقلا و
    متميزا عن الأشخاص الذين يساهمون في نشاطها أو يستفيدون منها كالدولة، الولاية، و
    الشركات … تمييزا لها عن الأشخاص الآدميين و البعض عرّفها بأنها تشخيص قانوني
    للأمة.
    و الاعتراف للدولة بالشخصية القانونية يعني أنها وحدة قانونية مستقلة و متميزة عن الحكام
    و المحكومين لها طابع الدوام و الاستقرار لا تزول بزوال الحكام و سلطة الدولة و تقوم على
    أساس تحقيق مصالح الجماعة.
    2_ النتائج المترتبة على شخصية الدولة:
    1_ الأهلية القانونية للدولة : مادام أن الدولة كائن قانوني قائم بذاته و مستقل عن الحكام و
    المحكومين لابد أن يسلم لها بقدرات قانونية مستقلة تمكنها ليس من إتيان أعمال مادية فقط بل
    من ممارسة مختلف التصرفات القانونية و هو ما يطلق عليه بالأهلية القانونية سواء كانت :
    أهلية وجوب : و يقصد بها صلاحية الشخص لكسب الحقوق و تحمل الالتزامات و هي تختلط بالشخصية وجودا و عدما (الجنين في بطن أمه يملك أهلية وجوب ناقصة). أهلية أداء: صلاحية الشخص لأن يباشر بنفسه التصرفات القانونية التي من شأنها أن
    تكسبه حقا أو تحمله دين.
    و بما أن الدولة كغيرها من الأشخاص المعنوية لا تستطيع أن تمارس بذاتها ما تخوله لها


أهليتها القانونية من أعمال و تصرفات و إنما يمارس هذه الأعمال نيابة عنها و باسمها
أشخاص آدميون و هم الحكام طبقا لما ينص عليه الدستور و تتميز أهلية الدولة بخاصيتين
هما :

  • تصرفات الإرادة المنفردة.
  • قدرة القهر المادي أو امتياز التنفيذ المباشر.
    2_ الذمة المالية: معناه مجموع ما يكون للشخص من حقوق و التزامات مالية، و باعتبار
    الدولة شخص قانوني لها ذمة مالية خاصة بها و مستقلة عن الذمة المالية للأعضاء المكونين
    لها و لممثليها الذين يتصرفون باسمها و من ثم فإن الحقوق و الالتزامات التي ترتبها
    تصرفات حكام الدولة باسمها و لحسابها لا تعود إلى الذمة المالية لهؤلاء الحكام و لكنها تكوّن
    حقوق و التزامات لحساب الدولة ذاتها (يمكن للدولة أن تكون دائنة أو مدينة).
    3_ وحدة الدولة و ديموماتها : المقصود بأن الدولة تمثل وحدة قانونية واحدة هو أن تعدد
    سلطاتها العامة من تشريعية و تنفيذية و قضائية و كذلك تعدد ممثلي الدولة و تعدد الأجهزة و
    الأشخاص التي تعبر عن إرادتها و تعمل باسمها لا يغيّر من وصفها كشخص قانوني واحد،
    و المقصود بأن الدولة تمثل وحدة قانونية دائمة فيعني أن وجود الدولة كشخص قانوني و
    استمرارها لا يتأثر بتغير الأشخاص الممثلين لها أو بتغير نظام الحكم فيها، و ما يبرر
    استمرار الدولة و ديمومتها اعتبارها شخصا قانونيا مستقلا و متميزا في وجوده و حياته عن
    وجود و حياة الأفراد المكونين له أو الممثلين له و أنها تستهدف أغراضا تتجاوز عمر جيل
    بذاته من أجيال شعبها.
    يترتب على صفة ديمومة الدولة الآتي:
  • الحقوق التي تثبت للدولة في مواجهة الغير و كذلك الالتزامات التي تتعهد بها الدولة
    لصالح الغير تبقى واجبة النفاذ للدولة أو عليها مهما حدثت التغيرات التي تصيب الشكل
    الدستوري أو تغيّر الحكام.
  • المعاهدات و الاتفاقات التي تبرمها الدولة مع غيرها من الدول تبقى قائمة و واجبة النفاذ
    مادامت الدولة قائمة بغض النظر عن تغيّر ممثليها.
  • القوانين التي تصدرها السلطات المختصة في الدولة تبقى هي الأخرى قائمة و واجبة

النفاذ مهما تغيّر النظام الدستوري إلى أن يتم تعديلها أو إلغائها صراحة أو ضمنا وفقا
للإجراءات المحددة لذلك.

المبحث الرابع: أشكال الدول
تنقسم الدول الى دولة بسيطة ( الفقرة الأولى) و دولة مركبة ( الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: الدولة البسيطة أو الموحدة
سنتطرق الى تعريف الدولة البسيطة ( أ) و إلى خصائص الدولة البسيطة (الموحدة ) ( ب)
المركزية و اللامركزية (ج)
أ_ تعريف الدولة البسيطة (الموحدة):
تعرف الدولة الموحدة هي الدولة التي لا توجد فيها غير سلطة حكومية واحدة تمارس
اختصاصاتها على كل أفراد شعبها في جميع أجزاء إقليمها بطريقة موحدة.
غير أنه اذا كانت السلطة الحكومية في الدولة تتفرع عادة الى ثلاث سلطات هي السلطة
التشريعية و القضائية و التنفيذية.فأن المقصود بوحدة السلطة الحكومية في الدولة الموحدة
أساسا وحدة السلطتين التشريع و القضاء. أما السلطة التنفيذية فقد تعدد فرعها ألإداري الذي
يتولى تنفيذ السياسة العامة للدولة و الذي يطلق عليه بالسلطة الأدارية.و تعدد السلطة الأدارية
في الدولة الموحدة في حالة الأخذ بنظام اللامركزية الأدارية حيث توجد السلطة المركزية في
العاصمة و الى جانبها السلطات اللامركزية المحلية و المرفقية.
كما عرفت الدولة البسيطة على أنها تلك الدولة التى تنفرد فيها سلطة أو هيئة واحدة بممارسة
الشؤون الداخلية و الخارجية فيها و أكثر دول العالم من هذا النوع كالأردن و فرنسا و
السويد…..الخ،و لا يؤثر في أعتبار الدولة البسيطة اتساع رقعتها أو كونها مكونة من عدة
أقاليم أو مقاطعات تتمتع بالأدارة المحلية كما لا يؤثر من وضع الدولة كدولة بسيطة كونها
تتكون من اقليمين أو أكثر لا يوجد أتصال أرضي بينهما كما هو الحال بالنسبة للباكستان
سابقا.
ب_ خصائص الدولة البسيطة الموحدة:
تتميز الدول الموحدة بمجموعة من الخصائص:

بكون التنظيم السياسي للسلطة فيها واحد تتجسد في الجهاز الحكومي الموحد الذى يطلع
بجميع الوظائف في الدولة طبقا للقواعد الدستورية فيها هذا من ناحية ،
ومن ناحية أخرى تكون الدولة الموحدة متحدة في عنصرها البشرى حيث تخاطب السلطة
السياسية فيها جماعة متجانسة بالرغم من ما قد يوجد من اختلافات فردية بين أعضاء
الجماعة . كما يخضع الجميع في الدولة الموحدة لقرارات صادرة من الهيئات الحكومية
وأخيرا يعطي التنظيم الحكومي جميع أجزاء إقليم الدولة بطريقة متجانسة دون اعتبار
الفوارق الإقليمية أو المحلية وعلى ذلك فان الدولة الموحدة تتميز بعدم تجزئة السلطة
الحكومية فيها سواء في تكوينها أو طريقة ممارستها لاختصاصاتها كما تتميز بوحدة السلطة
التشريعية التي تتولى سن القوانين التي يخضع لها أفراد شعبها ،وبوحدة السلطة القضائية
التي يلجئ اليها هؤلاء الأفراد بالفصل فيها يثور بينهم من نزاعات ،وإذا كانت القاعدة العامة
في الدولة الموحدة كما رأينا – هي وحدة السلطة وممارستها عاى مجمل إقليم الدولة بطريقة
موحدة لمواجهة جميع الساكنين بقوانين موحدة يخضعون لها عند تماثل الظروف فإنه عند
إختلاف الظروف ببعض أقاليم الدولة فإنها قد تضطر إلى تطبيق قوانين موغايرة على بعض
الأقاليم التي تخضع لضروف خاصة بيئية او سكانية كإستثناء على القاعدة العامة إلى أن يتم
تغير هذه الضروف و الأمثلة كثيرة لدول الموحدة لأن معضم دول العالم دول موحدة كا
جمهورية مصر العربية و الجمهورية اللبنانية وغالبية الدول الغربية كا فرنسة وبلجيكة
وهولندا واليابان وغيرها من الدول .
ج_ المركزية واللامركزية الإدارية:
1_ المركزية:
تتصف الدولة بالمركزية عندما لا تكتفي السلطة المركزية باتخاذ القرارات السياسية فقط بل
تتولي أيضا اتخاذ القرارات الإدارية –غير أن الطابع المركزي يختلف من دول لأخرى،فقد
تكون المركزية فيها بصفة مطلقة كما قد تكون نسبية.

  • الدولة المركزية:
    تكون الدولة عندما تتخذ كافة القرارات بواسطة أجهزة مركزية الحكومة أو الوزارات- سواء
    كانت تلك القرارات سياسية أو إدارية أما الفروع أو الهيئات أو الأعوان المحليون للحكومة


فلا يتخذون أي قرار إلا بالرجوع للسلطة المركزية ولا يقومون سوي بتنفيذ قرارات السلطة
المركزية ،غير أن هذه الحالة تكاد تكون ضئيلة في وقتنا الحالي بسبب التطور الذي عرفته
المجتمعات وانتزاع الأقليات والجهات والمناطق مزيدا من الصلاحيات والسلطات ،وبسبب
التخلي علي نظام المركزية المفرط لأنه يؤدي إلي تعطيل أعمال الهيئات والأعوان المحليين
وتجاهل الحاجيات المحلية .
وبسبب التخلي علي نظام المركزية المفرط لأنه يؤدي إلي تعطيل أعمال الهيئات والأعوان
المحليين وتجاهل الحاجيات المحلية .

  • الدولة البسيطة الغير مركزية:
    أ- مفهوم عدم التركيز:يطلق علي هذا الشكل من الدول الغير مركزية أو المحورية أو الدول
    الغير أخذة بالتركيز.
    ومهما كان الوصف الذي يطلق عليها فإنها تتميز عن سابقتها في كون السلطة المركزية
    تسمح بإحالة القرارات التي ترجع إلي سلطات محلية أو جهوية أو إقليمية وتكون هذه
    السلطات المحلية إمتداد للسلطة المركزية ويؤدى هذا إلي تحقيق غايتين:
  • تخفيف العبء علي المؤسسات المركزية للدولة
  • تقريب السلطة أكثر للمواطنين
    غير أن إحالة الحكومة المركزية سلطة إتخاذ القرارات لسلطات الجيهات أو المناطق ينبغي
    أن يسمح للسلطة المركزية بممارسة الرقابة التسلسلية عليها ويتم ذلك بخضوع السلطات
    المحلية مباشرة للسلطة المركزية وتلتقي التعليمات منها. كما أن السلطات المركزية عندما
    توجه التعليمات للسلطات الجهوية فإنها تفرض وتحدد الإتجاه الواجب إتباعه.
    ب-نطاق عدم التركيز:إن سلطة التفويض من طرف الحكومة للجهات أو المناطق لا تشمل
    سوي المجال الإدارية،مثل تسيير المرافق العامة ،وسلطة البوليس ،ولا تشمل أبدا سلطة
    الدولة مثل الستطة التشريعية و القضائية أو النشاط الدبلوماسي .وحتي في المجال الإداري
    فإن بعض الإختصاصات تبقي خاضعة لرقابة السلطة السلمية وسلطة الوصاية .
    -كما أن السلطة المحلية لا تتخذ قراراتها إلا طبقا لتوجهات وتعليمات الحكومة ،وبإمكان هذه
    الأخيرة السلطة المركزية إلغاء القرارات المحلية إذا كانت غير مشروعة أو لا تتماشي مع


توجيهات الحكومة . وإضافة إلي ذلك فإن الأعوان المحليين الممثلين للحكومة يبقون
مرتبطين بها في وظيفتهم سواء تعلق الأمر بتعيينهم أو ترقيتهم أو بعزلهم.

2_ اللامركزية:
معني الدول الموحدة اللامركزية :تقوم الدول اللامركزية علي تقسيم السلطة بين الحكومة
المركزية وبين السلطات الإدارية الأخرى في الدولة سواء كانت منتخبة كالمجالس المحلية
–كالمجلس البتدي أو المجلس الولائي في الجزائر – أو خاضعة للتعيين مثل الؤسسات
العمومية .
وللإشارة فإن اللإختصاصات الممنوحة للسلطات اللامركزية هي ذات طابع إداري ،وهي
مخولة لها بموجب القانون وليس عن طريق المرسوم .إن هذا الأسلوب في تفويض السلطة
يؤدي إلي عدم إمكانية الحكومة التراجع عن هذا التفويض إلا عن طريق القانون.وإضافة إلي
ذلك ،فإن الأعوان المحليين غير خاضعين للسلطة السليمة للحكومة فهم يخضعون للوصاية
الإدارية والتي هي أكثر تحررا من الوصاية السليمة ،لأنها لا تتضمن سلطة الأمر مثلما هو
الحال بالنسبة للسلطة السليمة.ولقيام نظام اللامركزي ينبغي توافر العناصر التالية في
المجموعة المحلية:

  • وجود مجالس منتخبة علي المستوي المحلي تتولي إدارة شؤن المواطنين
  • تمتع هذه الهئات اللامركزية باالشخصية المعنوية والإستقلال المالي . ونتيجة لذلك تملك
    ميزانية خاصة بها.
  • عدم خضوع هذه الهئات لمراقبة الحكومة المحلية خضوعا تاما وشاملا ، وإنما تخضع
    للوصاية الإدارية في أعمالها و قراراتها.
    _ أصناف الدول الموحدة اللامركزية:
    وللإشارة فإنه لايوجد شكل موحد لهذا الصنف من الدول وإنما قد نكون بصدد نظام
    اللامركزية الإدارية أو بصدد نظام اللامركزية السياسية .
    أ-نظام اللامركزية الإدارية : يمكن أن تكون هذه اللامركزية إما ترابية أو فنية .
    يمكن أن تكون هذه اللامركزية إما ترابية أو فنية.


1_ اللامركزية الترابية: تتمثل في وجود جماعات محلية تتولى تصريف شؤونها هيئات
منتخبة،مثل المجلس الشعبي أو المجلس الشعبي الولائي في الجزائر.
غير أن هذه الجماعات المحلية لا تتمتع بالأستقلال القانوني،كما هو الحال في الدولة
الأتحادية.و هي تمارس صلاحياتها في نطاق القانون الصادر عن السلطة المركزية.
2_ اللامركزية الفنية: يتم احداث الهيئات اللامركزية بواسطة القانون،و تقوم بممارسة
أنشطتها حسب توجيهات الدولة و تحت اشراف مثل هذه المؤسسات العمومية.
_ الدولة الموحدة المدمجة:
تتميز هذه الدولة بوجود سلطة مركزية و برلمان واحد.و لكن يمكن في هذه الدولة أن يصدر
البرلمان الواحد عدة قوانين تطبق على بعض الأقليم دون غيرها و ذلك أن حسب تنوع
المجموعات السكانية الموجودة في تلك الدولة.
و من أكثر الأمثلة شيوعا على هذا النموذج،النظام المطبق في المملكة المتحدة،حيث تتكون
من عدة أقاليم منضوية تحت التاج البريطاني و هي بلاد ألغال-أيكوسيا-و أيرلندا الشمالية.و
المعلوم أن القوانين التي يصادق عليها البرلمان البريطاني لا تطبق بالضرورة على كل هذه
الأقاليم بل قد تطبق على البعض دون الأخر.
_ نظام اللامركزية السياسية:
تتحقق اللامركزية السياسية،عندما تتسع دائرة اختصاص الأقليم لتشمل ممارسة السلطة
السياسية و نكون بذلك بصدد حكومة ذاتية مستقلة عن السلطة المركزية.
و قد ظهر هذا الشكل نتيجة التطور الديموقراطي في تسيير شؤون المحلية اعتماد على
مراعاة حقوق الأقليات الخاصيات الثقافية و الأجتماعية لبعض المناطق أو الجهات.
و يعرف هذا الشكل في عدة بلدان من بينها ايطاليا و اسبانيا.ففي ايطاليا أعترف دستورها
الصادر في 27-12-1947 في الفصل الخمس عشر منه على أن الجهات تكون مجموعات
مستقلة لها سلطة خاصة ووظائف محددة و تنقسم أيطاليا الى 20 جهة يدير كل جهة مجلس
منتخب عن طريق الاقتراع العام المباشر،و يتولى المجلس انتخاب حكومة محلية .و تمارس
هذه الجهات صلاحيات هامة تشمل خاصة الأشغال العمومية و التهيئة العمرانية و السكن و
الفلاحة و السياسة و الصحة و الوقاية الاجتماعية.


و تتولى هذه الجهات القيام بمهامها بواسطة قوانين خاصة تقوم هي باصدارها.
أما في اسبانيا فأن دستور 1978 يمنح القوميات والجهات حق الإستغلال الذاتي .فتتولي كل
مجموعة مستقلة تنظيم وتحديد صلاحياتها بمقتضي قانون أساسي يتم وضعه علي مستوي
المحلي ويوافق عليه البرلمان الإسباني ،وتشمل صلاحية المناطق المستقلة ،التهيئة العمرانية
،الفلاحة والصيد البحري ،الثقافة الصحة والرياضة . وقد منح إقليم كاتالونيا الإستقلال الذاتي
عام 1977، وإقليم الباسك إستقلالا ذاتياعام 1979عن طريق الإستفتاء .
ولم تتواصل بعض البلدان إلي إقرار هذا الشكل من حيث التنظيم رغم وجود مجموعات
ثقافية متميزة ،ففي فرنسا فإن إقليم كورسيكا يطالب بمنحة الإستقلال الذاتي ،وقد إقترحت
حكومة ليونيل جوسبان بشأن منح الإقليم مزايدا من الصلاحيات وبرلمان محليا يمكن إنتخابه
في حدود عام 2004 .
كما رفض الشعب البريطاني مشروع إنشاء سياسة في كل من إيكوسيا وبلاد الغال بواسطة
إستفتاء عام1978 ،ونفس الأمر بالنسبة لفرنسا حيث فشل مشروع إنشاء مجموعات محلية
بعد رفض الشعب الفرنسي له في إستفتاء نظم عام1969.
وللإشارة فإن اللامركزية السياسية لا تحمل فقط مزايا بل قد تحمل أحيانا بذور تهديد أركان
الدولة الموحدة وتمهد لقيام الدولة الإتحادية أو الإنفصال التام عنها. والدليل علي ذلك أن
الدستور الإسباني يمنح الحكم الذاتي لبعض المناطق ، ومع ذلك فإن منطقة الباسك تشهد
أعمال عنف وتسعي للحصول علي الإستقلال التام عن إسبانيا أو إقامة دولة إتحادية فيها.
الفقرة الثانية: الدولة المركبة
نتناول تعريف الدولة المركبة (أ) و الاتحادات القديمة (ب) و الاتحادات الجديدة (ج)
أ_ تعريف الدولة المركبة:
تسبب تطور التاريخ بالإضافة الى دول بسيطة في ظهور بما يعرف بالدول المركبة
أو الاتحادية و قد أنتشرت الأنظمة الاتحادية في النصف الثاني من هذا القرن بصور خاصة
بعد أن أحست الدولة بما يحققه الاتحاد من مزايا و فوائد للدول الأعضاء.
و كما تعرف الدولة المركبة أنها تلك الدولة التي تتكون من اتحاد دولتين أو أكثر،غير أن هذا
الاتحاد ينقسم الى عدة أشكال بسبب اختلاف نوع و طبيعة الاتحاد الذي يقوم بين هذه الدول

التي تنحصر في الاتحاد الشخصي و الاتحاد الحقيقي أو الفعلي و الاستقلالي أو التعاهدي
و لاتحاد المركزي.

ب_ الاتحادات القديمة (الإتحاد الشخصي و الحقيقي):
1_ الإتحاد الشخصي:
هو اتحاد يقوم بين دولتين تحت سلطة رئيس واحد نتيجة ارتباط عرشين بفعل المصاهرة
كأن يتزوج أحد ملوك دولة بملكة دولة أخرى،أو اتفاق بين رئيس دولتين أو أكثر لإقامة
الاتحاد شخصي و اختيار أحدهما لرئاسة الدولة المتحدة.
و يعتبر هذا الإتحاد أضعف أنواع الاتحادات الأخرى،ذلك أن مظهره يكمن في وحدة رئيس
الدولة المتحدة لا غير،ذلك فأن بقاءه يرتبط بمدى رغبة الرؤساء في الإبقاء عليه حيث أنه
يمكن أن يزول نتيجة اختلاف قوانين تولي العرش كما سنرى.
و عليه فأن الدول المتحدة تبقى متمتعة بشخصيتها المستقلة و سيادتها الداخلية و الدولية و
دستورها و سلطتها ،لأن هذا الإتحاد الشخصي لا يؤدي إلى خلق دولة جديدة.
و يتفرع عن قيام مثل هذا الإتحاد استمرار كل دولة في تصرفاتها من تمثيل و عقد معاهدات
مع الدولة التي تشاء دون أن يكون لأي دولة من أعضاء الإتحاد حق الاعتراض على ذلك،و
نتيجة لهذا الاستقلال فإنها تتحمل المسؤولية لوحدها عن أفعالها و تصرفاتها.
و من جهة أخرى فأن ذلك الاستقلال يمتد إلى الأفراد حيث يبقى كل رعايا دولة عضو في
الإتحاد متمتعين بجنسية دولتهم و يعتبرون أجانب في الدول الأخرى الأعضاء في الإتحاد.
أما الرئيس فأنه يمارس سلطاته باعتباره رئيسا للإتحاد و لكن بصفته أيضا رئيسا الدولة
الداخلية في الإتحاد لذلك فأن الإتحاد فأن شخصيته تكون مزدوجة أو متعددة وفقا لعدد الدول
المتحدة.
و فيما يتعلق بعلاقات الدول المتحدة فأنها مستقلة فيجوز لها أن تبرم المعاهدات مع بعضها
و كذا التمثيل الدبلوماسي ولذلك فأن الحرب التي تقوم بينهما تعتبر حربا دولية لا حرب
أهلية.


و من أمثلة هذا الإتحاد الشخصي ذلك الذي وقع بين انجلترا و هانوفر من سنة 1714 حيث
اعتلى الملك جورج الأول الهانوفري عرش البلدين و انتهى سنة 1833
حيث اعتلت الملكة فكتوريا عرش أنجلترا لأن قانون العرش في هانوفر لا يسمح للنساء
بتولي العرش و كذا الأتحاديين لوكسمبورج و هولندا لا يسمح هو الأخر للنساء بتولي
االعرش ، و كذا الأتحاد الذي تم بين لويتيانا و بولونيا بزواج الدوق لاجيسلاس سنة 1835
و أيضا الاتحاد الشخصي HEDWEJبالملكة JAGELLONاالأقليون
االذي قام بين البيرو و كولومبيا سنة 1814 ثم انضمت فينزويلا سنة 1816 اليه حيث تولد
بوليغار رئاسة الدول الثلاث (1813،1814،1816) .
2_ اللامركزية:
معني الدول الموحدة اللامركزية : تقوم الدول اللامركزية علي تقسيم السلطة بين الحكومة
المركزية وبين السلطات الإدارية الأخرىفي الدوتة سواء كانت منتخبة كالمجالس المحلية
–كالمجلس البتدي أو المجلس الولائي في الجزائر – أو خاضعة للتعيين مثل الؤسسات
العمومية .
وللإشارة فإن اللإختصاصات الممنوحة للسلطات اللامركزية هي ذات طابع إداري ،وهي
مخولة لها بموجب القانون وليس عن طريق المرسوم .إن هذا الأسلوب في تفويض السلطة
يؤدي إلي عدم إمكانية الحكومة التراجع عن هذا التفويض إلا عن طريق القانون.وإضافة إلي
ذلك ،فإن الأعوان المحليين غير خاضعين للسلطة السليمة للحكومة فهم يخضعون للوصاية
الإدارية والتي هي أكثلر تحررا من الوصاية السليمة ،لأنها لا تتضمن سلطة الأمر مثلما هو
الحال بالنسبة للسلطة السليمة.ولقيام نظام اللامركزي ينبغي توافر العناصر التالية في
المجموعة المحلية:

  • وجود مجالس منتخبة علي المستوي المحلي تتولي إدارة شؤن المواطنين
  • تمتع هذه الهئات اللامركزية باالشخصية المعنوية والإستقلال المالي .ونتيجة لذلك تملك
    ميزانية خاصة بها.
  • عدم خضوع هذه الهئات لمراقبة الحكومة المحلية خضوعا تاما وشاملا ، وإنما تخضع
    للوصاية الإدارية في أعمالها و قراراتها.

_ أصناف الدول الموحدة اللامركزية:
وللإشارة فإنه لايوجد شكل موحد لهذا الصنف من الدول وإنما قد نكون بصدد نظام
اللامركزية الإدارية أو بصدد نظام اللامركزية السياسية .
_ نظام اللامركزية الإدارية : يمكن أن تكون هذه اللامركزية إما ترابية أو فنية .
يمكن أن تكون هذه اللامركزية إما ترابية أو فنية .
_ اللامركزية الترابية: تتمثل في وجود جماعات محلية تتولى تصريف شؤونها هيئات
منتخبة،مثل المجلس الشعبي أو المجلس الشعبي الولائي في الجزائر.
غير أن هذه الجماعات المحلية لا تتمتع بالاستقلال القانوني، كما هو الحال في الدولة
الاتحادية. و هي تمارس صلاحياتها في نطاق القانون الصادر عن السلطة المركزية.
_ اللامركزية الفنية: يتم احداث الهيئات اللامركزية بواسطة القانون،و تقوم بممارسة
أنشطتها حسب توجيهات الدولة و تحت اشراف مثل هذه المؤسسات العمومية.
_ الدولة الموحدة المدمجة:
تتميز هذه الدولة بوجود سلطة مركزية و برلمان واحد.و لكن يمكن في هذه الدولة أن يصدر
البرلمان الواحد عدة قوانين تطبق على بعض الأقليم دون غيرها و ذلك أن حسب تنوع
المجموعات السكانية الموجودة في تلك الدولة.
و من أكثر الأمثلة شيوعا على هذا النموذج،النظام المطبق في المملكة المتحدة،حيث تتكون
من عدة أقاليم منضوية تحت التاج البريطاني و هي بلاد ألغال-أيكوسيا-و أيرلندا الشمالية.و
المعلوم أن القوانين التي يصادق عليها البرلمان البريطاني لا تطبق بالضرورة على كل هذه
الأقاليم بل قد تطبق على البعض دون الأخر.
_ نظام اللامركزية السياسية:
تتحقق اللامركزية السياسية،عندما تتسع دائرة اختصاص الأقليم لتشمل ممارسة السلطة
السياسية و نكون بذلك بصدد حكومة ذاتية مستقلة عن السلطة المركزية.
و قد ظهر هذا الشكل نتيجة التطور الديموقراطي في تسيير شؤون المحلية اعتماد على
مراعاة حقوق الأقليات الخاصيات الثقافية و الأجتماعية لبعض المناطق أو الجهات.
و يعرف هذا الشكل في عدة بلدان من بينها ايطاليا و اسبانيا.ففي ايطاليا أعترف دستورها


الصادر في 27-12-1947 في الفصل الخمس عشر منه على أن الجهات تكون مجموعات
مستقلة لها سلطة خاصة ووظائف محددة و تنقسم أيطاليا الى 20 جهة يدير كل جهة مجلس
منتخب عن طريق الأقتراع العام المباشر، و يتولى المجلس انتخاب حكومة محلية .
و تمارس هذه الجهات صلاحيات هامة تشمل خاصة الأشغال العمومية و التهيئة العمرانية
و السكن و الفلاحة و السياسة و الصحة و الوقاية الأجتماعية.
و تتولى هذه الجهات القيام بمهامها بواسطة قوانين خاصة تقوم هي بأصدارها.
أما في اسبانيا فأن دستور 1978 يمنح القوميات والجهات حق الإستغلال الذاتي . فتتولي كل
مجموعة مستقلة تنظيم وتحديد صلاحياتها بمقتضي قانون أساسي يتم وضعه علي مستوي
المحلي ويوافق عليه البرلمان الإسباني ، وتشمل صلاحية المناطق المستقلة ، التهيئة
العمرانية ،الفلاحة والصيد البحري ، الثقافة الصحة والرياضة . وقد منح إقليم كاتالونيا
الإستقلال الذاتي عام 1977، وإقليم الباسك إستقلالا ذاتياعام 1979عن طريق الإستفتاء .
ولم تتواصل بعض البلدان إلي إقرار هذا الشكل من حيث التنظيم رغم وجود مجموعات
ثقافية متميزة ، ففي فرنسا فإن إقليم كورسيكا يطالب بمنحة الإستقلال الذاتي ، وقد إقترحت
حكومة ليونيل جوسبان بشأن منح الإقليم مزايدا من الصلاحيات وبرلمان محليا يمكن إنتخابه
في حدود عام 2004 .
كما رفض الشعب البريطاني مشروع إنشاء سياسة في كل من إيكوسيا وبلاد الغال بواسطة
إستفتاء عام1978 ، ونفس الأمر بالنسبة لفرنسا حيث فشل مشروع إنشاء مجموعات محلية
بعد رفض الشعب الفرنسي له في إستفتاء نظم عام1969.
وللإشارة فإن اللامركزية السياسية لا تحمل فقط مزايا بل قد تحمل أحيانا بذور تهديد أركان
الدولة الموحدة وتمهد لقيام الدولة الإتحادية أو الإنفصال التام عنها. والدليل علي ذلك أن
الدستور الإسباني يمنح الحكم الذاتي لبعض المناطق ،ومع ذلك فإن منطقة الباسك تشهد
أعمال عنف وتسعي للحصول علي الإستقلال التام عن إسبانيا أو إقامة دولة إتحادية فيها.
ج_ الاتحادات الحديثة (الاتحاد التعاهدي أو الاستقلالي و الاتحاد المركزي)
1_ الاتحاد التعاهدي الاستقلالي:
هو اتحاد يضم دولتين و أكثر على أن تبقى كل دولة لها سيادتها الداخلية و الخارجية


و رئيسها الخاص و يرمي هذا الأتحاد أساسا،الذي يقوم بناء علي إتفاق، إلي توحيد وتنسيق
الشؤون الإقتصادية و الإجتماعية والعسكرية أو بعضها فتنشأ هيئة تسمى مجلس أو مؤتمر
تكون مهمتها تحقيق الأغراض التي أنشئ من أجلها الإتحاد. هذه الهيئة تختارها حكومات
الدول المتحدة ولا يقوم أفراد هذه الدولة بإنتخابها ،لذلك فإنها تتسم باالطابع السياسي ، فلا
تكون قراراتها ملزمة إلا إذا وافقت عليها الدول الأعضاء ، كما أنها لا تعبر عن رأيها وإنما
على رأى الدول التي تمثلها . ووفقا لما سبق فأن سلطتها لا تمتد الى رعايا دول الأتحاد
و توصياتها ليست ملزمة نظرا لكون الأتحاد لا يشكل دولة جديدة كما أن الهيئة ليست حكومة
فوق الحكومات و عليه فأن الدول المتحدة تبقى مستقلة عن بعضها،و أن الهيئة الجديدة
مهمتها تقتصر في البحث على سبيل الكفيلة لتحقيق الهدف الذي أنشئت من أجله فتقدم
التوصيات المتعلقة بذلك دون أن تخرج عن نصوص المعاهدة و الى أن تتقبلها جميع الدول
الأعضاء فأن مهمتها تبقى محصورة فيما نصت عليه المعاهدة الى ان تعدل و يترتب على ما
سبق عليه:

  • أن الدول الأعضاء في الأتحاد تبقى مستقلة داخليا و خارجيا عن بعضها البعض لها
    علاقات دولية خاصة و لها دستور خاص بها،و يخضع افرادها لجنسيتها دون عيرها.
  • أن قيام هذا الأتحاد لا يتطلب تشابه أنظمة الحكم .
  • أن الحرب تقوم بين دولة أجنبية و دولة داخلية في الأتحاد و لا تعد حربا على التحاد ككل.
  • ان الحرب التي تقوم بين دولتين في الأتحاد هي حرب دولية و ليست أهلية.
  • أن استقلال الدول المتحدة ينتج عنه حق الأنفصال عنه متى أراد أي عضو ذلك.
  • أن عدم التقيد بما ورد في المعاهدة يمكن أن يؤدي الى فصل العضو الذي لم يلتزم
    بنصوص المعاهدة من قبل الأعضاء بالأجماع.
    و يمكن ايراد أمثلة على هذا النوع من الأتحاد: أولهما الإتحاد السويسري الذي قام سنة
    1815.ويجد هذا الإتحاد بدايته سنة 1291عندما قامت ثماني دول صغيرة بإقامة علاقات
    سنة 1647 الذى نص علي وحدة اعضاء الإتحاد ودفاعهم عن المعتدين عليهم وقدمت عدة
    مشاريع من قبل بونبارت الجنرال عسكرية مع بعضها وإعتناق التحكيم لحل خلافاتهم ثم أن
    صدر ميثاق الإتحاد ووافق عليه بالإجماع الإثنين والعشرين مقاطعة يوم 7 أوت 1815


إنظمت إليهم خمسة دول أخرى بعد قرن ونصف ظهر علي إثر ذلك الإتحاد نتيجة إتفاقيات
ومعهدات خاصة منها ميثاق الأسفاق برون كلها لم تحض بالقبول أو تجد قابلية للتطبيق ، إلى
ولذي تعرض لتعديل بوضع دستور 12 سبتمبر 1948 ، وعلي أثر ذلك تحول الإتحاد إلي
اتحاد فدرالي فقدت فيه المقاطعات العديد من الإختصاصات. وثانيهيما الاتحاد الذي قام بين
الولايات الإمريكية بعد الستقلال 13 مقاطعة عن بريطانيةا بإعلان الإستقلال في 4 جويلية
1776 ودخل الإتحاد التعاهدي حيز التنفيذ في مارس 1781 وتحول إلي إتحاد فدرالي سنة
1787 بعد الإجماع الذي وقع في ماي 1787 في فلادلفي.
وثالثهما التعاهدي الجرماني الذي إستمر من سنة 1815 إلي سنة 1866 والذي كانت النمسا
جزءا منه وحل محله اليوم إتحاد ألمانيا الشمالية المفصولة عن النمسا بموجب معاهدة براغ
وهذا الاتحاد الجرماني الشمالي أضفيت إليه بعض دول الجنوب وكون سنة 1871
الإمبراطورية الفدرالية الألمانية
2_ الإتحاد المركزي:
_ نشأة الاتحاد المركزي و خصائصه:
ينشأ هذا الاتحاد كغيره بين دولتين أو أكثر، الا أنه يتميز عن الاتحادات السابقة في كونه
أكثر انصهارا بين الدول المتحدة و أقواها ارتباطا، و يظهر هذا التمايز في فقدان الدول
الأعضاء لشخصيتها الدولية و سيادتها الخارجية، و قيام شخصية دولية جديدة مكانها هي
دوله الاتحاد المركزي بسيادتها الخارجية الكاملة و تمتعها بجزء من السيادة الداخلية لكل
الدويلات المنشئة للاتحاد، و هذا الجزء ينحصر فيما ينص عليه دستور الاتحاد و المتمثل
بالخصوص في المصالح المشتركة للدويلات و هو دو طبيعة مزدوجة باعتباره يمثل من
جهة دولة موحدة على المستوى الخارجي و دول متحدة على المستوى الداخلي.
لذلك فأن أي نزاع يقوم بين الدويلات أو بينها و بين دولة الاتحاد يتم حله حسب نصوص
الدستور و ليس القانون الدولي.
و ينتج عن ذلك أن دولة الاتحاد هي دولة صاحبة السيادة في المجال الدولي، أما الدويلات
فلا سيادة لها في الخارج، و تبعا لذلك فأن رعايا الاتحاد تكون لهم جنسية واحدة هي جنسية
دولة الاتحاد.


أما فيما يتعلق بالسيادة الداخلية فهي مشتركة بين الدويلات و الدولة المركزية و هذا ما
يميزها عن الاتحاد الفعلي و الدولة الموحدة، ذلك لأن الدويلات لا تستقل استقلالا تاما
بسيادتها الداخلية كما هو الشأن في الاتحاد الفعلي كما لا تفقدها كلها كما هو الحال في الدولة
الموحدة،غاية ما في الأمر أن الحكومة المركزية تتمتع بجزء من السلطة على حكومة
الدويلات و أقليمها و رعاياها.
ووفقا لذلك فأن كل دويلة يكون لها دستورها الخاص بها و بالتالي سلطتها الثلاث طبقا لما هو
مقرر و محدد في دستور الأتحاد التي تتكون هي الأخرى من سلطة تشريعية لها مجلسين
أحدهما ينتخبه الشعب و الثاني يتكون من ممثلين عن الدويلات و سلطة تنفيذية و سلطة
قضائية.
_ كيفية نشأة و نهاية الإتحاد المركزي: ينشأ الأتحاد المركزي بطريقتين
أولهما: هي انضمام دولتين أو أكثر من أجل إقامة دولة واحدة في شكل اتحاد مركزي
كالولايات المتحدة الأمريكية و سويسرا و كندا و أستراليا.
ثانيهما: تفكك دولة موحدة الى عدة دويلات و تكوين اتحاد مركزي كالإتحاد السوفياتي سابقا
و المكسيك.
و ينتهي أيضا بطريقتين كانهيار الدول و وفقا لقواعد القانون الدولي كان تقع تحت سلطة
أجنبية أو تتحول من اتحاد مركزي الى نوع اخر من الأتحاد كالأتحاد التعاهدي أو يتحول الى
دولة موحدة أو ينقسم الى دول مستقلة ذات سيادة مثلما حدث للأتحاد السوفياتي سنة 1991.
_ خصائص الإتحاد المركزي:
يتميز الإتحاد المركزي كما سبق أن أشرنا باختصار شديد عن غيرة من أشكال الدولة بعدة
خصائص أساسية نجملها في الأتي:
_ توزيع الاختصاصات بين الحكومة المركزية و الحكومات الولايات:
و تتوزع الاختصاصات تلك وفقا للطرق الأتية:

  • اما أن تحدد على سبيل الحصر اختصاصات الحكومة المركزية و الباقي يترك للولايات
    و هي الطريقة التي اتبعها كل من الولايات المتحدة الأمريكية و سويسرا و الأتحاد
    السوفياتي.


و اما أن تحدد اختصاصات حكومات الولايات و ما بقي يترك للحكومة المركزية و هو ما
سارت عليه كندا.
_ وجود دستور مكتوب: ان توزيع الاختصاصات بين الحكومة المركزية و حكومات
الولايات يقتضي ضرورة وجود دستور مكتوب يلجأ اليه لبيان توزيع السلطة بين الهيآت
المركزية و الهيآت المحلية في الولايات المشكلة للاتحاد
_ ضرورة وجود قضاء فيديرالي: ان وجود قضاء مركزي يضع حدا للمشاكل التي يمكن أن
تنشأ من جرائها منازعات بين الحكومة المركزية و حكومات الولايات فيتدخل القضاء
المركزي للفصل فيها.
_ تمثيل الدويلات في الهيئة التشريعية للاتحاد: من مظاهر تأكيد استمرار بقاء الولايات
كوحدة دستورية ،تمثلها في الهيئة التشريعية للأتحاد و لا يهم وجود تفرقة بين هذه الولايات.
_ تمتع رعايا الاتحاد بجنسية واحدة: ان ظهور شخص دولي جديد يستتبع تمتع كل رعايا
الدول التي اتحدت بجنسية واحدة هي جنسية دول الأتحاد.
_ ان قيام علاقات معقدة بين دول الاتحاد و الولايات يحقق الحرية: ان قيام علاقات معقدة
داخل الأتحاد بين مختلف الدول تكون لصالح الحرية فإذا كان الأتحاد يسمح بقيام سلطة
مركزية قوية تشعر بقوتها في الخارج، فإنها تكون بدون خطر في الداخل نتيجة لتداخل
الصلاحيات بحيث أن السلطة المركزية تكون مجبرة غالبا على التفاوض مع الدويلات
الداخلية في الأتحاد بدلا من اصدار أوامر اليها.
و مثالنا على ذلك النظام الفيديرالي السويسري: ان الأتحاد المركزي السويسري تعود بوادره
الى القرن 13 حينما عقد اتفاق بين ثلاث مقاطعات هي اوري،سويتز، واينتروالدن
15/07/1291 و تطور ليشمل ثمان مقاطعات ثم ثلاث عشر و أخيرا اثنان و عشرون على
أثر الإتحاد الفيديرالي في سنة 1815 و المتوج بدستور 12/09/1848 المعدل في سنة
1874 .
_ الهيآت المركزية في الإتحاد السويسري:
مجلس الدولة الذي تمثل المقاطعات فيه بالتساوي و يهتم بالمسائل التشريعية و التنفيذية،غير


أن هذه الوظيفة يعهد بها إلى مجلس اتحادي يختاره مجلس الدولة لمدة أربع سنوات و يمارس
أعماله في النطاق الذي يحدده له مجلس الدولة.
و توجد إلى جانب هذا المجلس محكمة فيدرالية أنشئت في سنة 1848 عهد لها بحل
المنازعات التي تقوم بين المقاطعات و الدولة الاتحادية و هو اختصاص يتزايد مهام الدولة
الفيدرالية و تداخل الاختصاصات بينهما و بين المقاطعات.
و ما يتميز به الإتحاد الفيدرالي السويسري هو الأهمية الممنوحة للتطبيقات الديمقراطية و
التمسك بها مما جعل الشعب هو المحرك و المراقب للتحول الذي تعرفه الدولة السويسرية و
هذا عن طريق أسلوب الاستفتاء الذي يعد أهم مظهر من مظاهر الديمقراطية المباشرة في
سويسرا.
الفصل الثاني: المنظمات الدولية
المبحث الأول: التعريف بالمنظمة الدولية
الفقرة الأولى: التطور التاريخي للمنظمات الدولية:
شكلت حالتي التناحر والتعاون نوعا من العلاقات البدائية التي لم ترتق إلى مستوى العلاقات
السائدة الآن بين الدول، لكنها مثلت البداية ، إذ أن وجود هذه العلاقات انما يقتضي
بالضرورة وجود تنظيم لها يتلاءم معها ، ذلك لأن حالات الحرب والسلم والهدنة والأحلاف
والإتفاقيات تتطلب إطارا معينا تحل في نطاقه تلك الحالات ، غير أن ذلك لا يعني حتما
وجود منظمات تقوم بهذا الدور ، لأن المنظمات هي صورة من صور التنظيم الدولي ووسيلة
من وسائله وليست هي التنظيم ذاته.
واستمر الحال على ذلك حتى القرن الرابع عشر ، إذ بدأت الدعوات بالتصاعد لإيجاد
منظمات دولية تتسم بصفة الثبات والإستقرار لتنظيم العلاقات بين الدول ، وتم فيما بعد طرح
العديد من المشاريع لذلك ومنها على سبيل المثال: مشروع الوزير الفرنسي (سلي) سنة
1603 لإنشاء جمهورية مسيحية كبرى تضم شعوب أوروبا جميعها و معاهدة صلح وستفاليا
Westphalia في عام 1648 وهي من أهم المعاهدات آنذاك في تنظيم العلاقات بين الدول.

وعلى الرغم من استغلال رجال الكنيسة الديانة المسيحية لغير إيجاد روابط المحبة والخير ،
ولحساب مصالحهم ، إلا أن المسيحية بحد ذاتها أوجدت سببا لقيام تكتلات تقوم في إطارها
وهو ما تطور إلى منظمات في فترات لاحقة، أما الإسلام فقد كان عاملا أساسيا في تجسيد
روابط مبنية على أساس مبادئ إنسانية كالتعاون والمحبة والصدق والوفاء بالعهد والعدالة.
قال تبارك وتعالى في كتابه الكريم: “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكٍر وأنثى وجعلناكم شعوبا
وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم” .
إن هذه العوامل وغيرها هي التي رسخت الدعوة لقيام منظمات دولية ، ولكن ما تم طرحه
حتى القرن التاسع عشر كان مجرد مشاريع ، إذ بدأت الدول الأوربية بعد الحرب النابليونية
تضع فكرة إيجاد منظمات دولية موضع التنفيذ ، وذلك عن طريق المؤتمرات، فشهدت
أوروبا بشكل خاص عقد مؤتمرات خلال الفترة الممتدة منذ انهيار فرنسا ونفي نابليون خارج
أوروبا وحتى الحرب العالمية الأولى ومنها على سبيل المثال مؤتمر فيينا عام 1815 للدول
المنتصرة على نابليون (بريطانيا ، بروسيا ، روسيا ، النمسا)، ثم تعددت المؤتمرات بعد ذلك
في الدول الآوروبية ومنها مؤتمر : برلين 1878 ، لاهاي 1899 و 1907 ، لندن 1912
1913- .
و قد عزز قصور نظام المؤتمرات الدولية من فكرة إنشاء المنظمات الدولية الثابتة
والمستقرة، لكن فكرة التنظيم الدولي السائدة في القرن التاسع عشر هيمن عليها الطابع
الإقليمي العنصري، لذلك ظهرت تلك المنظمات على أساسين هما : أولا: منظمات إقليمية
تقتصر العضوية فيها على الدول الاوروبية فقط استنادا إلى المؤتمرات المشار إليها سابقا ،
بالإضافة إلى قارة أمريكا التي نظمها مؤتمر بنما عام 1826 و ثانيا: منظمات متخصصة
غالبا ما يقتصر نشاطها على القضايا الفنية وليس السياسية وذلك بسبب تمسك الدول بمبدأ
السيادة المطلقة ورفضها أن تعرض قضاياها السياسية على منظمات دولية.
واقتصر ظهور هذه المنظمات المتخصصة على:

  • منظمات التحكيم الدولية نتيجة لكثرة المنازعات ، وأول معاهدة وضعت أسس التحكيم هي
    اتفاقيتي لاهاي التي ظهرت على أثرها محكمة التحكيم الدولية الدائمة عام 1900.

  • اللجان المنظمة للأنهار الدولية وتتركز مهماتها على تنظيم الملاحة في بعض الأنهار
    الدولية مثل لجنة الدانوب عام 1856 بعد حرب القرم.
  • اللجان الإدارية وكانت تهدف إلى تحسين مجالات الإتصالات والتطورات العلمية مثل
    اتحاد البريد العالمي عام 1878.
    واستمر واقع المنظمات على هذا المنوال حتى القرن العشرين ، إذ ظهرت منظمات عالمية
    العضوية ليست إقليمية وعامة الأهداف غير متخصصة بجانب واحد ، ففي أعقاب الحرب
    العالمية الأولى تم إنشاء عصبة الأمم ثم ظهور الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية.
    واستنادا لما تقدم يمكن القول أن ظهور المنظمات الدولية وتطورها يعود إلى عاملين
    أساسيين هما:
  • حالات الصراع والحروب التي عاشتها أوروبا وعجز سياسة المؤتمرات والأحلاف
    وقصورها في تحقيق الأمن والسلم الدوليين.
  • التطورات العلمية والتكنولوجية وبخاصة في الميدان الإقتصادي وما لعبته من دور في
    التقارب بين القارات .
    و تكمن أهمية المنظمات الدولية في وقتنا الراهن في الدور الذي تمارسه في العلاقات الدولية
    وذلك من خلال:
  • انها المكان الذي تلتقي فيه الدول لمناقشة الأمور التي تهمها على أساس رابطة العضوية.
  • الإسهام في حل المشاكل الدولية في المجالات المختلفة وبخاصة منها التي تهدد الأمن
    والسلم الدوليين.
  • انها أداة من أدوات تقنين قواعد القانون الدولي وتطويرها من خلال ما تضعه من معاهدات
    واتفاقيات تشكل مصدرا من مصادر القانون الدولي العام.
    الفقرة الثانية: تعريف المنظمة الدولية وعناصر قيامها:
    أ_ تعريف المنظمة الدولية:


استُخِدم مصطلح “المنظمة الدولية” للمرة الأولى عام 1927 من قبل المحكمة الدائمة للعدل
الدولي في رأيها الإستشاري المتعلق بقضية اللجنة الأوروبية للدانوب.
وذهب الكتّاب والباحثون في اتجاهات متعددة لتعريف المنظمة الدولية حسب وجهة نظر كل
واحد منهم، لكن أغلب هذه التعاريف كان قاصرا من خلال التركيز على جانب واحد دون
الجوانب الأخرى، فهناك من ركز على الهدف أو الغاية للمنظمات الدولية ، ومن ثم فإنه
أغفل الجانب الشكلي في تكوين هذه المنظمات ، كما في تعريف هوفمان : “جميع أشكال
التعاون بين الدول التي تريد أن تجعل من تعاونها نوعا من النظام يسود في الوسط الدولي ،
على أن تكون أشكال التعاون هذه قد نشأت بإرادتها ، وتعمل في وسط تكون فيه الدول
أشخاصا قانونية مستقلة”.
وهناك من عرف المنظمة الدولية بصفتها القانونية بوصفها شخصا من أشخاص القانون
الدولي العام ، إذ عرفها الدكتور مفيد شهاب بأنها : “شخص معنوي من أشخاص القانون
الدولي العام ينشأ من إرادات مجموعة من الدول لرعاية مصالح مشتركة دائمة بينها ،
ويتمتع بإرادة ذاتية في المجتمع الدولي وفي مواجهة الدول الأعضاء”. و عرفها الدكتور
محمد طلعت الغنيمي بأنها : “مؤتمر دولي الأصل فيه أن يكون على مستوى الحكومات
مزودا بأجهزة لها صفة الدوام وممكنة التعبير عن إرادته الذاتية”. وهذا التعريف تنقصه الدقة
لأنه جعل المنظمة الدولية مؤتمرا دوليا، في حين تم التطرق سابقا في إطار السياق التاريخي
إلى أن المنظمة تختلف عن المؤتمر في نواح متعددة.
وعرفها الدكتور عبد العزيز سرحان بأنها :” وحدة قانونية تنشئها الدول لتحقيق غاية معينة
وتكون لها إرادة مستقلة يتم التعبير عنها عبر أجهزة خاصة بالمنظمة ودائمة”. وهنا يلاحظ
أن الأستاذ سرحان استخدم مصطلح الوحدة القانونية الذي يحتاج إلى تفسير لما يراد به ،
بخاصة وإنه أشار في التعريف إلى أن هذه الوحدة لها إرادة تعبّر عنها بأجهزة”.
في حين وضع الدكتور بطرس بطرس غالي تعريفا للمنظمة الدولية يختلف عن التعريفات
السابقة ، إذ وصفها بأنها هيئة دائمة ، كما أنه أسهب في التعريف ليدخل في الغاية والنتائج ،
إذ جاء في تعريف المنظمة بأنها : “هيئة دائمة تشترك فيها مجموعة من الدول رغبة منها


للسعي في تنمية بعض مصالحها المشتركة ببذل مجهود تعاوني تتعهد بسببه أن تخضع
لبعض القواعد القانونية لتحقيق هذه المصالح” .
وذهب الدكتور عبد هلال العريان إلى منحى مشابه، إذ عرفها بأنها : “هيئة من الدول ،
تأسست بمعاهدة ، وتمتلك دستورا وأجهزة عامة ولها شخصية قانونية متميزة عن شخصية
الدول الأعضاء” .
واستنادا لما تقدم يمكن القول أن المنظمة الدولية هي عبارة عن شخص قانوني اعتباري ينشأ
بإرادة الدول واتفاقها لتحقيق أهداف مشتركة.
ب_ عناصر قيام المنظمة الدولية:
من خلال مجمل التعاريف السابقة يمكن القول أن للمنظمة الدولية عناصر أساسية لابد منها
لقيام المنظمة وتتمثل هذه العناصر “أو الشروط” بما يأتي:
1_ الصفة الدولية:
المنظمة الدولية عبارة عن هيئة تنشأ باتفاق دول ، وهذا يعني أن العضوية فيها تقتصر على
الدول كاملة السيادة فقط ، ومن ثم فال يجوز أن تضم الأفراد أو الشركات الخاصة أو هيئات
الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر. ومن هنا أطلق عليها البعض تسمية المنظمات الحكومية
لتمييزها عن المنظمات غير الحكومية التي تقوم بين أفراد أو هيئات من دول مختلفة بقصد
التعاون في المجالات كافة. ومن أمثلتها منظمة الصليب الأحمر الدولية ، والإتحاد البرلماني
الدولي والإتحاد النسائي العالمي…الخ.
وإذا كان شرط أن تكون العضوية مقتصرة على الدول كاملة السيادة ، إلا أننا نلاحظ وجود
بعض الإستثناءات على ذلك ومنها:

  • الدول التي تتواجد على أراضيها قوات أجنبية وإن كان ذلك يشكل احتلال وانتقاصا
    لسيادتها ، وتعليل ذلك هو وجود حكومة وطنية تطلب ذلك الإنضمام.

  • هناك بعض المنظمات المتخصصة مثل: اتحاد البريد العالمي تمنح بعض الأقاليم المسماة
    أقاليم ما وراء البحار حق العضوية فيها ، وذلك لإمتداد نشاط هذه المنظمات ليشمل تلك
    الأقاليم..
  • هناك بعض المنظمات الدولية تقبل في عضويتها بعض المناطق التي لا تحظى بصفة دولة
    لأسباب سياسية ، مثل المنظمة الأوروبية للتعاون الإقتصادي التي قبلت في عضويتها إقليم
    الترست للسنوات 1947-1954 والذي كان محل نزاع بين يوغسلافيا وايطاليا.
  • تقبل بعض المنظمات المتخصصة حق التمثيل فيها لأشخاص طبيعيين مثل محكمة العدل
    الدولية وهي الجهاز القضائي للأمم المتحدة.
  • تقبل بعض المنظمات مندوبين يمثلون جهات غير حكومية في الدولة مثل منظمة العمل
    الدولية التي يكون التمثيل فيها ثلاثي يشمل ممثلين عن الحكومة وأرباب العمل والعمال.
    2_ الصفة الرضائية:
    تقوم المنظمة الدولية على أساس رضا الدول بالإنضمام إليها ، انسجاما مع المذهب الإرادي
    الذي يتجسد في التزامها بقواعد القانون الدولي ويتفق مع مبدأ سيادة الدول ومساواتها. وعليه
    يجب أن تكون الدول المنتمية للمنظمة راضية بالإلتزامات التي تقررها تلك المنظمة وأن
    تعلن رغبتها واستعدادها للإلتزام بميثاق المنظمة الدولية.
    وهنا البد من الإشارة إلى أنه لا يمكن تصور إجبار دولة ما على الإنتماء إلى المنظمة الدولية
    ، فالعضوية في هذه المنظمات اختيارية ، على الرغم من وجود حالات تلتزم بمقتضاها
    الدول طوعا ببعض المبادئ التي تقررها المنظمة الدولية حتى وإن لم تكن عضوة فيها.
    ان نطاق مبدأ الرضائية يقتصر على العضوية من حيث الإنضمام أو الإنسحاب ، ولا يشمل
    ما يصدر عن المنظمة من قرارات والتي تخضع ألحكام التصويت وقاعدة الأغلبية.
    3_ الإرادة الذاتية:

تمتلك المنظمة الدولية إرادتها الخاصة بها والمتميزة عن إرادة الدول الأعضاء فيها ، وذلك
بمجرد قيامها ، وهذه نتيجة منطقية لإعتبار المنظمة شخصية معنوية قانونية. وهو ما يعني
وجود الإرادة المستقلة لهذه الشخصية، على العكس من المؤتمر الدولي الذي لا يحظى بمثل
هذه الإرادة وتعبّر قراراته عن مجموعة إرادات الدول المشاركة فيه.
وهناك رأي لبعض الكتاب ينكر فيه وجود الإرادة المستقلة للمنظمة ، ويقول انها عبارة عن
إرادات الدول الأعضاء فيها جميعها ، ويعطي دليلا على ذلك بصدور القرارات بالإجماع ،
في حين أن هناك البعض من الكتاب يؤكد وجود الإرادة المستقلة للمنظمة في حالة صدور
القرارات بالأغلبية.
4_ مبدأ الإستمرارية:
تعبّر المنظمة الدولية عن إرادة لتحقيق أهداف مشتركة بين الدول الأعضاء ، لعل في
مقدمتها تحقيق الأمن والسلم الدوليين. وبما أن هذه الأهداف دائمة ومستمرة فإن الأداة
(المنظمة) التي تستخدم لتحقيقها يجب أن تكون دائمة أيضا. وتمت الإشارة سابقا أن صيغة
المؤتمرات الدولية لم تكن كافية لتحقيق الأهداف لكونها صيغة مؤقتة.
وليس المقصود من دوام المنظمة أن تعمل أجهزتها كل الوقت من أجل تحقيق أهدافها، بل
يكفي أن يكون لها كيان خاص دائم ومستقر، بحيث يمّكنها من ممارسة نشاطها في أي وقت
تراه مناسبا.
المبحث الثاني: التكييف القانوني للمنظمة الدولية:
يقصد بالتكييف القانوني هنا الوصف القانوني للمنظمة الدولية، أي هل تعد المنظمة الدولية
شخصا من أشخاص القانون الدولي العام أم لا؟
والكلام عن الشخصية القانونية يحدد إمكانية إيجاد حقوق للمنظمة الدولية وتحملها
الإلتزامات.

وإذا كان الفقه قد استقر على أن الدول لها شخصية قانونية دولية، فإن هناك تباين في وجهات
النظر بشأن الشخصية القانونية للمنظمة الدولية، وانقسم الفقه إلى ثلاثة اتجاهات:
الفقرة الاولى: الإتجاه التقليدي: ويرى أن شخص القانون الدولي العام الوحيد هو الدول،
ومن أصحاب هذا الرأي الفقيه الفرنسي (فوشي)، الذي عرف القانون الدولي العام بأنه:
“مجموعة القواعد التي تحدد حقوق الدول وواجباتها في علاقاتها المتبادلة”. ومن ثم فإن
المنظمة الدولية وفقا لهذا المذهب ليس شخصا من أشخاص القانون الدولي. وهذا الرأي فيه
نوع من التطرف في ظل اتساع نطاق القانون الدولي وقيام المنظمات الدولية وازدياد
أهميتها.
الفقرة الثانية: الإتجاه الموضوعي: وذهب باتجاه متطرف آخر، إذ يرى أصحاب هذا
المذهب، أن الفرد الإنسان هو شخص القانون على الصعيدين الوطني والدولي، لذلك أنكر
على المنظمات وحتى الدول صفة الشخص القانوني من منطلق أن الشخصية المعنوية هي
مجرد افتراض لا وجود له هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أن القانون الذي يتضمن الحقوق
والإلتزامات يتوجه إلى من يدرك هذه الحقوق والإلتزامات الأمر الذي ينطبق فقط على
الشخص الطبيعي الذي يملك العقل والإدراك. ووفق هذا الرأي أيضا لا تعد أيضا، المنظمات
الدولية من أشخاص القانون الدولي.
الفقرة الثالثة: الإتجاه الثالث: وهو المذهب الذي يوسع من أشخاص القانون الدولي ليشمل
الدولة والمنظمات الدولية وحتى الأفراد، ونعتقد أن هذا هو الإتجاه الأصلح والأقرب للتطور
القانوني واتساع نطاقه.
والجدير بالذكر هنا أن أول من نادى بضرورة الإعتراف للمنظمات بالشخصية القانونية
الدولية هو الكاتب “بروسبيرو فيدوزي” عام 1897 عندما قال بتمتع الإتحادات الإدارية
الدولية بهذه الصفة. وكان رأي محكمة العدل الدولية الإستشاري الذي أصدرته عام 1949
في مسألة قتل “الكونت برنادوت” وسيط الأمم المتحدة في فلسطين المحتلة قد أكد وبشكل
قاطع تمتع المنظمات الدولية بالشخصية القانونية الدولية. ويبدو أن هذا الرأي كان هو

الأساس الذي تم الإستناد إليه لإعطاء المنظمات الدولية جميعها الشخصية القانونية الدولية،
وأيضا هو الرأي الغالب في الفقه الدولي.
المبحث الثالث: نطاق الشخصية القانونية الدولية للمنظمات الدولية:
إن الإعتراف للمنظمة الدولية بالشخصية القانونية الدولية لا يعني أن هذه الشخصية مطلقة
مثل ما تتمتع به الدول ، بل هي شخصية من طبيعة خاصة محددة بإطار قدرتها على أداء
المهام الملقاة على عاتقها والمثبتة في ميثاقها ، ذلك لأن الشخصية القانونية المقررة لها هي
التي تمكنها من ذلك. ومن ثم فال مجال لزيادتها عن القدر الملائم ألداء تلك الوظائف ، وعليه
فهي أذن شخصية قانونية ووظيفية ، وهو ما ذهبت إليه محكمة العدل الدولية ، إذ ميّزت بين
الشخصية القانونية الدولية لكل من المنظمة الدولية والدولة ، وأكدت أن الإعتراف للمنظمة
الدولية بهذه الشخصية لا يعني اطلاقا اعتبارها بمثابة الدولة فيما لها من حقوق والتزامات ،
وانما يشير إلى إمكانية اكتسابها الحقوق وتح ملها الإلتزامات وبالقدر اللازم لممارسة
وظائفها وعلى النحو الذي استهدفته الدول من انشائها.
المبحث الرابع: النتائج المترتبة على تمتع المنظمة بالشخصية القانونية الدولية:
بما أن المنظمة الدولية تتمتع بالشخصية القانونية الدولية الوظيفية ، كما تقّدم ذكره ، فإنها
تكون أهلا لإكتساب الحقوق وتحمل المسؤولية وفي إطار الميثاق المنشأ لتلك المنظمة .
وتتمثل حقوق المنظمة الدولية ومسؤوليتها على النحو الآتي:
الفقرة الأولى: حقوق المنظمة الدولية:
على الرغم من تسليمنا بتمتع المنظمة الدولية بالشخصية القانونية الدولية الوظيفية ، فإن ذلك
لا يعني أن لهذه المنظمة الحقوق جميعها التي يحظى بها أشخاص القانون الدولي ، فالمنظمة
الدولية تمارس حقوقها في مجالين أساسيين هما: .
1- مجال العلاقات وفقا لقواعد القانون الدولي:

  • حق عقد الإتفاقيات والمعاهدات والقيام بالتصرفات وفقا لقواعد القانون الدولي وبالحدود
    التي تخدم الأهداف التي يحددها ميثاقها، سواء أكانت مع الدول الأعضاء فيها أو غير
    الأعضاء (دولا أو منظمات أخرى) بمقتضى شخصيتها الذاتية. ومن أمثلة ذلك ما ورد في
    ميثاق الأمم المتحدة حول اتفاقية وضع أحد الأقاليم تحت وصايتها (م77 )، كذلك ما تبرمه
    المنظمة عن طريق مجلس الأمن (م43 ) لمد المجلس بما يلزمه من قوات ومساعدات
    وتسهيلات لحفظ الأمن والسلم الدوليين، وأيضا اتفاقيات المقر كما حصل عندما قامت الأمم
    المتحدة من عقد اتفاق مقر مع سويسرا سنة 1946 لإنشاء مقرها الأوروبي في جنيف.
    وهناك أيضا اتفاقيات التعاون بين المجلس الإقتصادي والإجتماعي التابع لهيئة الأمم المتحدة
    والوكالات المتخصصة (م 63).
  • ممارسة الحماية الدبلوماسية لموظفيها والعاملين بها ، أي حق تحريك دعوى المسؤولية
    للمطالبة بالتعويض عما قد يصيب المنظمة أو أحد العاملين فيها من الضرر ، وهذا هو رأي
    محكمة العدل الدولية عام 1949 بصدد مقتل وسيط الأمم المتحدة في فلسطين المحتلة الكونت
    برنادوت.
  • حق التقاضي وفقا لقواعد القانون الدولي العام، وذلك في حدود الإختصاصات الممنوحة
    لها والتي تمكنها من القيام بمهامها. فلها حق التقاضي أمام محاكم التحكيم والمحاكم الدولية ،
    في حين لا يحق لها أن تكون طرفا مدعيا أو مدعى عليه أمام محكمة العدل الدولية ، وانما
    يجوز لها أن تطلب رأيا استشاريا.
    2- مجال علاقاتها وفقا لميثاقها: تستمد المنظمة حقوقا أيضا من ميثاقها مباشرة في مواجهة
    الدول الأعضاء وغير الأعضاء فيها إذا ما اعترفت تلك الدول لها بذلك أو رغبت بالتعامل
    معها. وهذا ما أشارت إليه المادة الأولى من اتفاقية مزايا وحصانات الأمم المتحدة (سنة
    1946 ) إذ نصت على: ” تتمتع هيئة الأمم المتحد ة بشخصية قانونية، فلها: أ- حق التعاقد
    ب- شراء العقارات والأموال المنقولة وبيعها، ج – التقاضي” .
    و بناء على ذلك فإن للمنظمة الدولية الحقوق الآتية:

  • حق التملك: فلها ذمة مالية مستقلة عن ذمم الدول الأعضاء، وبذلك تستطيع أن تمتلك
    الأموال الثابتة والمنقولة وأن تتصرف فيها بالبيع والشراء والإيجار والهبة ….بما لا
    يتعارض مع ميثاقها، ولها إصدار وبيع النشرات والمطبوعات والإفلام لكل أنشطتها.
  • حق التعاقد لتسيير أمورها اليومية: سواء أكان هذا التعاقد على سلع أم خدمات ألداء
    وظائفها.
  • حق التقاضي: فلها أن تكون مدعية أو مدعى عليها أمام المحاكم الوطنية بشخصيتها
    الخاصة ، سواء أكان في دولة عضوة أم غير عضوة.
    الفقرة الثانية: مسؤولية المنظمة الدولية:
    يمكن أن تقوم هذه المسؤولية نتيجة لإخلال المنظمة بالتزام عقدي مما يوجب مسؤوليتها
    العقدية ، واما أن تقوم هذه المسؤولية نتيجة لإخلالها بالتزام قانوني مما يوجب مسؤوليتها
    التقصيرية في ثلاثة مجالات ، هي:
    1- مسؤولية المنظمة في نطاق القانون الدولي العام: في هذه الحالة يكون الإخلال
    بالإلتزام العقدي أو القانوني الذي يوجب المسؤولية العقدية أو التقصيرية ، في مواجهة
    شخص من أشخاص القانون الدولي العام ( دولة أو منظمة دولية أخرى ) ، فقد تخل المنظمة
    الدولية بعقد أو اتفاق مع دولة أو منظمة أخرى ، وقد يصدر منها تصرفا يصيب أحدهما
    بضرر معين. فتقوم مسؤولية المنظمة شأنها في ذلك شأن مسؤولية الدولة العقدية أو
    التقصيرية ، الأ أنه يجب التنويه إلى أن الفقه ذهب باتجاهات مختلفة في تقرير مسؤولية
    المنظمة الدولية أو مسؤولية الدول الأعضاء فيها وعلى النحو الآتي:
  • الإتجاه الأول: يرى أن المنظمة إذا تصرفت تصرفا يوجب مسؤوليتها فإن الدول الأعضاء
    هي التي تتحمل المسؤولية فقط وبصورة مباشرة ، لأن الدول هي التي أنشأت تلك المنظمة
    أي انها أوجدت السبب الذي أحدث الضرر. ومن ثم تكون المسؤولية تضامنية للدول
    الأعضاء بالنسبة ألعمال المنظمة. ولكن ما يؤخذ على هذا الإتجاه انه ينكر الشخصية
    القانونية للمنظمة الدولية وهذا غير مقبول.

  • الإتجاه الثاني: يرى أن المنظمة الدولية وحدها تملك حق التصرف تجاه الدول أو
    المنظمات الدولية الأخرى، ومن يملك حق التصرف يتحمل عبء المسؤولية. وهكذا تتحمل
    المنظمة بما تملكه من إرادة ذاتية بموجب ميثاقها المسؤولية عن أعمالها، لوجود العلاقة بين
    الشخصية القانونية والمقدرة على تحمل المسؤولية.
  • الإتجاه الثالث: يرى أن المنظمة تكون هي المسؤولة عن تصرفاتها لكن من الممكن أن
    تتحمل الدول الأعضاء هذه المسؤولية بصفة احتياطية “كضامنين” للمنظمة طالما انها هي
    التي أنشأت المنظمة وان لها على المنظمة سلطة التوجيه والرقابة.
    ويستند هذا الرأي إلى ما يشير إليه ميثاق الجماعة الإقتصادية الأوروبية من أن الإتفاقات
    التي تبرمها تلزمها هي والدول الأعضاء، ولكن هذا المذهب لا يمكن تعميمه للسبب نفسه
    الذي تم الرد به على المذهب الأول.
    و على ضوء ما تقدم يمكن القول أن المنظمة الدولية هي التي تتحمل المسؤولية الدولية
    التعاقدية أو التقصيرية تجاه الدول الأعضاء وغير الأعضاء والمنظمات والهيئات الدولية
    الأخرى بموجب قواعد القانون الدولي للمسؤولية ، إلأ إذا وجد نص بخلاف ذلك في ميثاق
    المنظمة الدولية.
    2- مسؤولية المنظمة بمقتضى ميثاقها: بما أن لكل منظمة دولية ميثاق خاص بها فإن
    المسؤولية التي تتحقق في مواجهة دولة أو أكثر من الأعضاء فيها سيحكمها ذلك الميثاق أو
    ما يلحق به من اتفاقيات ولوائح. ويكون لهذه المصادر أولوية التطبيق حتى في حالة
    تعارضها مع قواعد القانون الدولي المتعلقة بالمسؤولية ، لأن هذه القواعد ليست من النظام
    العام ) أي ليست من القواعد الآمرة ) بحيث لا يجوز الإتفاق على ما يخالفها.
    أما في مواجهة الدول غير الأعضاء، فلا يمكن الإحتجاج بها الا إذا كانت تلك الدول تعترف
    بالمنظمة الدولية، أما إذا لم تكن تعترف بها فإن العلاقة تخضع للقواعد العامة فقط ولا تلتزم
    الميثاق. كما تحددت مسؤولية المنظمة بموجب ميثاقها في علاقاتها مع موظفيها والعاملين
    لديها ، فهي تكون مسؤولة عن تصرفاتها والإجراءات الإدارية التي تتخذها ضدهم.


3 – مسؤوليتها وفقا للقانون الداخلي للدول: من المعلوم أن للمنظمة الدولية أن تجري من
التصرفات ( في حدود ميثاقها) ما تشاء من بيع وشراء وتعاقد وكذلك بعض التصرفات التي
تحتاجها لتسيير شؤونها اليومية، وقد تقوم بعض هذه التصرفات في دولة المقر أو في دولة
أخرى سواء من الدول الأعضاء أم في غيرها، فإذا ما تصرفت المنظمة تصرفا ترتب عليه
مسؤولية ( تقصيرية أو عقدية) وفقا لقواعد التشريع الوطني لتلك الدولة، وتكون مسؤوليتها
هنا كمسؤولية الأشخاص العادية أو المعنوية في نطاق هذه الدولة فسوف تطبق عليها
القوانين السارية فيها ، مع ملاحظة ما تتمتع به تلك المنظمات من مزايا وحصانات وما
تتضمنه اتفاقيات المقر عادة . وفي هذه الحالة لا تقوم المسؤولية الدولية إلا إذا استنفذ
المتضرر من هذا التصرف طرق الطعن التي له أن يلجأ إليها وبدون جدوى ، وهنا تتدخل
دولته لحمايته والحفاظ على حقوقه ، فيخضع النزاع عندها إلى قواعد القانون الدولي.
وعلى الرغم مما تقدم الا أنه يجب القول بأن المسؤولية الدولية للمنظمة الدولية لا تتحقق إلا
إذا توافرت الشروط الأتية:

  • صدور تصرف غير مشروع (من قبل المنظمة الدولية) وفقا لقواعد القانون الدولي ، سواء
    أكان الإخلال بالتزام قانوني دولي أم كان الإخلال مصدره القانون الداخلي ، مع عدم إمكانية
    المتضرر من الحصول على حقوقه وفقا لقواعد القانون الداخلي وتدخل دولته للوصول إلى
    تلك الحقوق ، إذ يتحول النزاع إلى نزاع وفق قواعد القانون الدولي.
  • نسبة العمل غير المشروع إلى المنظمة: فالمنظمة الدولية مسؤولة عن كل تصرف يصدر
    من أجهزتها ومن العاملين لحسابها ( ممثليها الذين يعملون طبقا لتعليماتها ورقابتها) ، وهي
    غير مسؤولة عن تصرفات الأشخاص والأجهزة التابعة للدول الأعضاء ( مندوبين أو ممثلين
    أو خبراء) ومن ثم فإن آثار تصرفهم تنصرف إلى دولهم وليس للمنظمة.
  • استنفاذ طرق التقاضي : وهو شرط لازم لقيام المسؤولية الدولية للمنظمة ، ويطبّق على
    المنظمة الدولية أيضا في الدعاوى التي ترفع على المنظمة من قبل الدول أو الأفراد ما دامت
    هذه المنظمات قد أنشأت هيئات للطعن سواء أكانت تلك الهيئات تابعة للمنظمة ذاتها أو أنها

داخلية لأحدى الدول كدولة المقر أو كانت محاكم تحكيم أو حتى دولية دائمة أو خاصة
بالمنظمة الدولية كالمحكمة الإدارية للأمم المتحدة للنظر في مثل تلك الدعاوى والنزاعات.
المبحث الخامس: مزايا المنظمات الدولية وحصاناتها:
إذا أنشئت المنظمة الدولية كشخص قانوني دولي فإنه بالإضافة إلى حقوقها سابقة الذكر
يلاحظ تمتعها ببعض المزايا والحصانات للقيام بمهامها وبشكل مستقل عن دولة المقر
ومحاولات الضغط عليها، وعلى الرغم من تشابه هذه المزايا والحصانات للمنظمات الدولية
مع المزايا والحصانات الدبلوماسية إلى حد كبير إلا أنها تختلف عنها من حيث:

  • لا يمكن للدبلوماسي أن يتمسك تجاه دولته بهذه المزايا والحصانات لأنها تقرر أصلا ممثلها
    ، بينما يمكن أن تتمسك بها المنظمة وموظفوها تجاه الدول الأعضاء جميعها وحتى دولة
    المواطن.
  • تحدد المزايا والحصانات الدبلوماسية بين الدول على أساس مبدأ المعاملة بالمثل بينما لا
    تقوم مثل هذه الرابطة بين المنظمة ودولة المقر أو الدول الأعضاء.
  • يتم منح المزايا والحصانات المقررة في إطار قانون المنظمات الدولية تلقائيا دون اشتراط
    قبول الدولة المضيفة ، بينما يحظى هذا القبول بأهمية في إطار العلاقات الدبلوماسية بين
    الدول .
    وهنا يمكن التساؤل عن مصادر المزايا والحصانات للمنظمة الدولية ، وهل أنها تكمن في
    الإتفاقات فقط أم أن العرف يشكل مصدرها الآخر؟
    وتكمن أهمية هذا الموضوع فيما يأتي:
    اولا : إذا قامت المنظمة أو نشاط لها على إقليم دولة غير عضوة فيها ، هنا قد يغفل اتفاق
    المقر بعض المزايا والحصانات دون النص عليها أو قد يشير هذا الإتفاق إلى اتفاقات أخرى.
    ثانيا- إذا قامت المنظمة على إقليم دولة عضوة ، ونص ميثاقها بشكل عام (دون تفصيل)
    على تمتعها بمزايا وحصانات هنا تظهر أهمية المصادر الأخرى بخاصة العرف.


ثالثا- كذلك الحال إذا نصت القوانين الداخلية لبعض الدول على تمتع المنظمات الدولية بمزايا
وحصانات دون تحديدها على وجه الدقة . ويمكن توضيح كل من المصدر الإتفاقي والعرفي
لهذه المزايا والحصانات كما يأتي:
الفقرة الاولى: المصدر الإتفاقي لمزايا المنظمات الدولية وحصاناتها: درج العمل الدولي
على تحديد مزايا المنظمة الدولية وحصاناتها بموجب اتفاقيات دولية أو عن طريق
التشريعات الداخلية للدول وعلى النحو الآتي:

  • فقد تحدد المزايا والحصانات في صلب ميثاق المنظمة (كما في م 105 من ميثاق الأمم
    المتحدة(. .
  • قد تعقد بعض المنظمات اتفاقيات عامة تتضمن تلك المزايا والضمانات.
  • اتفاقيات المقر التي تعقدها المنظمة الدولية مع الدولة المضيّفة.
  • قد تنص بعض القوانين الداخلية للدول على مزايا المنظمة الدولية وحصاناتها، ويحصل
    ذلك بمناسبة وجود اتفاقية المقر مع الدولة.
    الفقرة الثانية: المصدر العرفي لمزايا المنظمات الدولية وحصاناتها: بالنظر لكون
    المنظمات الدولية حديثة النشأة نسبيا ، فإن القواعد العامة التي تحكمها لم تتبلور بعد في
    قواعد عرفية وبخاصة فيما يتعلق بمزايا تلك المنظمات وحصاناتها، لذلك فقد ذهب قسم من
    الفقهاء إلى إنكار وجود عرف بهذا الصدد. ولكن بعد ظهور الأمم المتحدة وتطور المنظمات
    الدولية عالميا وإقليميا بدأ ظهور قواعد عرفية بهذا الخصوص.
    إن هذه المبادئ وإن كانت حديثة النشأة إلا أنها استقرت في الإتفاقيات العامة والخاصة
    واتفاقيات المقر التي عقدتها المنظمات بالإضافة إلى التشريعات الداخلية وأحكام المحاكم مما
    يعني وبتكرار النص عليها، توافر الركن المادي للعرف الدولي وأن شعور الدول بإلزامها
    يعني توافر الركن المعنوي لها.
    وإذا ما استقرأنا تلك الأتفاقيات والأحكام نجد أن أهم هذه المزايا والحصانات هي:


_ حرمة أبنية المنظمة ومقراتها وملحقاتها: فهي تعامل معاملة السفارات ومقرات البعثات
الدبلوماسية فال يجوز اقتحامها أو تفتيشها أو محاصرتها من قبل دولة المقر، ويجب على
دولة المقر حماية تلك المقرات والمقيمين فيها، إلا أن هذه الحصانة لا يجب أن تكون مبررا
لجعل مقر المنظمة مكانا يهدد أمن دولة المقر أو مصالحها.
والسؤال الذي يثار هنا: هل يجوز إعطاء الأشخاص المطلوب القبض عليهم، من جانب دولة
المقر، الملجأ السياسي أو الإلتجاء إلى مقر المنظمة؟
والجواب ان هذ ا الحق مقر للبعثات الدبلوماسية ، قاعدة عدم الإقليمية ، لكن هذه القاعدة لا
يمكن التمسك بها من قبل المنظمات الدولية، كما أن معظم مواثيق المنظمات واتفاقيات المقر
تنص صراحة على عدم جواز أن يصبح مقر المنظمة مأوى للأشخاص الهاربين من القانون
أو من تنفيذ الأحكام الصادرة بحقهم. أما في حالة عدم وجود نص بذلك فالأمر متروك
لمسؤول المنظمة الإداري في إعطاء مثل هذا الحق من عدمه. وفي كل الأحوال لا يجوز
لدولة المقر أن تقتحم مقر المنظمة لإخراج ذلك الشخص، لأن ذلك يمس بحصانتها، ولكن
يجوز لها محاصرتها لمنع هروب الشخص منها.
_ صون وثائق المنظمة ومحاضر جلساتها : كما تكون وثائق الغير التي تحت يدها في حكم
وثائقها، سواء أكانت هذه الوثائق في بناية المنظمة الرسمية أو مقراتها الأخرى.
_ الحصانة القضائية: إذ تتمتع أموال المنظمة وموجوداتها بالحصانة القضائية ) ما لم
يتنازل عنها الأمين العام أو من يخوله (، عدا الحصانة ضد الإجراءات التنفيذية التي لا
يجوز التنازل عنها مطلقا، فلا يجوز الإستيلاء عليها أو على أموالها أو مصادرتها أو نزع
ملكيتها أو حتى التدخل فيها بأية صورة باستثناء النص في الميثاق على خالف ذلك.
_ عدم خضوع أموال المنظمة المنقولة وغير المنقولة للضرائب والرسوم الجمركية: ولا
يجوز إصدار الأوامر بتقييد الإستيراد والتصدير فيما يتعلق بأعمال المنظمة الرسمية والتي
تفرضها دولة المقر.


_ يعد بريد المنظمة الدولية بريدا دبلوماسيا ويجوز لها استخدام الحقيبة الدبلوماسية:
ويعفى من رسم الطابع ويكون له الأولوية على باقي الرسائل.
_ يتمتع العاملون فيها وممثلو الدول ومندوبوها بامتيازات وحصانات.

المبحث السادس: حياة المنظمة الدولية:
الفقرة الأولى: ميثاق المنظمة الدولية:
من أهم الأمور التي يثيرها إنشاء المنظمة الدولية هو ميثاقها، إذ أن هذا الميثاق هو الذي
يقيّمها ويحدد معالمها وأهدافها ووسائلها وأجهزتها وكل الأحكام العامة المتعلقة بحياتها.
وتطلق على ميثاق المنظمة تسميات مختلفة، فقد يطلق عليه تسمية دستور (منظمة الصحة
العالمية) أو اتفاقية (منظمة الطيران المدني الدولية) أو عهد (عصبة الأمم) أو النظام
الأساسي (صندوق النقد الدولي) أو ميثاق (منظمة الأمم المتحدة ، الجامعة العربية(.
ويكون هذا الميثاق عبارة عن معاهدة دولية بين عدد من الدول، وبذلك يختلف نشوء المنظمة
الدولية عن نشوء الدولة، إذ لا تقوم المنظمة إلا بهذه المعاهدة خلافا للدولة التي تقوم عند
توافر أركانها المادية الثالثة )الشعب والإقليم والسلطة(.
ان وجود الميثاق هو الذي يميّز المنظمة الدولية عن الهيئات الأخرى التي لا تقوم في الغالب
على أساس ميثاق، بل تقوم على أساس قرار من منظمة أخرى مثالها الهيئات التابعة لمنظمة
الأمم المتحدة التي تتولى تسيير أحد المرافق العامة الدولية كالصندوق الدولي لرعاية
الطفولة. وتتمتع هذه الهيئات بإرادة مستقلة ولها ميزانيتها الخاصة إلا انها لا تكون منظمة
دولية.
ان إعداد مشروع الميثاق يتم عبر صورتين:

  • الصورة الأولى: وضع مشروع الميثاق عن طريق مؤتمر دولي، وهي الصورة الغالبة في
    العمل الدولي، إذ يعقد مؤتمر دولي تمثل فيه حكومات الدول، وبعد المناقشات ينتهي المؤتمر
    إلى وضع مشروع الميثاق (وقد تخّول بعض المواثيق المنظمة الدولية ذاتها سلطة الدعوة
    لمؤتمر عند الحاجة لتعديل أحكام الميثاق). وغالبا ما تقوم لجنة من الدول الأعضاء في
    المؤتمر بوضع ذلك المشروع، ثم يعرض على مؤتمر موسع يضم أكبر عدد من الدول التي
    تريد الإنضمام إلى المنظمة. مثال ذلك ميثاق الأمم المتحدة الذي جاء في أعقاب ثالثة
    مؤتمرات دولية.
    وإذا كان المفروض أن ينتهي المؤتمر بإقرار المشروع ليصبح اتفاقية، إلا أن المؤتمر قد
    ينتهي بتشكيل جهاز يتولى القيام (بصفة مؤقتة) بوظيفة المنظمة التي يجري الإعداد لها،
    وفي هذه الحالة تتفق الدول في المؤتمر على المسائل الأساسية وتترك بعض التفصيلات
    المختلف عليها لهذا الجهاز.
    وبعد الإقرار النهائي للمشروع يصبح اتفاقية دولية يخضع للقواعد العامة من حيث التصديق
    وفقا للقواعد الدستورية لكل دولة.
    وبعد استكمال التصديقات تودع الوثائق لدى طرف دولي متفق عليه، فقد يكون دولة من
    الدول الأعضاء، كما هو الحال بالنسبة لميثاق الأمم المتحدة الذي انيط بالولايات المتحدة،
    وميثاق الجامعة العربية الذي انيط بمصر. وقد يكون الإيداع لدى منظمة دولية، مثالها ميثاق
    منظمة الصحة العالمية الذي أودع لدى الأمم المتحدة.
  • الصورة الثانية: وهي أن تقوم منظمة دولية أخرى بوضع مشروع ميثاق المنظمة الدولية،
    وهذه الحالة محدودة، مثال ذلك ما تضمنه ميثاق الأمم المتحدة ( م 59) إذ أجاز للمجلس
    الإقتصادي والإجتماعي إعداد مشروعات مواثيق وكالات متخصصة جديدة كما هو الحال
    في منظمة الصحة العالمية.
    الفقرة الثانية: الطبيعة القانونية للميثاق:


يتصف ميثاق المنظمة الدولية بصفتين أساسيتين، فهو ذو طبيعة مزدوجة؛ إذ أنه معاهدة
دولية ذات طبيعة تعاقدية من ناحية، وهو بمثابة القانون الأعلى أي الدستور بالنسبة للمنظمة
من ناحية أخرى.
1- الطبيعة التعاقدية للميثاق: يعد الميثاق عبارة عن معاهدة من نوع خاص، تعقد بين
أطراف دولية متعددة، فهي تخضع للقواعد العامة في إبرام المعاهدات وشروطها من حيث
شروط الإنعقاد والصحة والتسجيل وتبادل التصديقات.
2- الطبيعة الدستورية للميثاق: للميثاق من حيث الموضوع طبيعة دستورية، ذلك لأن هذا
الميثاق هو الذي ينشئ المنظمة ويحدد أهدافها ووسائلها وأجهزتها ويحكم حياتها ونشاطها،
وهو بذلك المصدر الأعلى أو القانون الأعلى الذي يتصدر مصادر المنظمة الأخرى، ويكون
بمثابة الدستور في داخل الدولة.
الفقرة الثالثة: تفسير الميثاق:
قد يثير تطبيق الميثاق مسألة تفسيره وذلك في حالة ما إذا قام جهاز من أجهزة المنظمة أو
دولة من الدول الأعضاء بتطبيق الميثاق وفق مفهومه الخاص، ونازعه في هذا طرف آخر،
في هذه الحالة يجب اللجوء إلى جهة معينة لتفسير هذا الميثاق.
وغالبا ما تقوم تلك المواثيق في النص على اتباع إجراءات معينة أو تحديد الجهة التي لها
حق التفسير، وقد اختلفت مواثيق المنظمات الدولية في ذلك؛ فأخذ بعضها بمبدأ الإحالة على
التحكيم مثل اتحاد البريد العالمي، بينما أخذت بعض المواثيق بقاعدة اللجوء إلى محكمة
العدل الدولية لحل المنازعات المتعلقة بميثاقها مثل منظمة الصحة العالمية.
وقد أجازت مواثيق بعض المنظمات الرجوع إما للتحكيم أو لمحكمة العدل الدولية مثل ميثاق
منظمة اليونسكو.
وأخيرا قد تعطي بعض المواثيق هذا الحق لأحد فروع المنظمة، ولا تسمح للجهات الخارجية
بالتدخل في ذلك كما جاء في دستور كل من البنك الدولي للإنشاء والتعمير وصندوق النقد
الدولي، فقد جعلا حل كل نزاع يتعلق بتفسيرهما يتم فقط بقرار من المديرين ويجوز لكل


دولة عضو أن تطلب عرض قرار المديرين أمام مجلس المحافظين الذي يكون قراره نهائيا
دون استئناف.
المبحث السابع: أنواع المنظمات الدولية:
تختلف طريقة تصنيف المنظمات الدولية باختلاف الزوايا التي ينظر فيها إلى تلك المنظمات.
من حيث أهـدافــهـــــــــا: منظمات عامــة و منظمات متخصصة، من حيث نطاق العضوية
منظمات عالمية و منظمـات إقـليـميـــة، و من حيث نشاطها منظمات ذات أهداف تشريعية
ومنظمــات ذات أهداف قضائية و منظمـات ذات أهداف تنفيذية.
الفقرة الاولى: من حيث أهدافها:
1- منظمات عامة: تكون المنظمة الدولية عامة إذا أتسع نطاق أهدافها لتشمل أوجها متعددة
للتعاون الدولي (سياسي، اقتصادي، اجتماعي،…) وهي قد تكون منظمات إقليمية مثل
الجامعة العربية وقد تكون عالمية مثل الأمم المتحدة.
2- منظمات متخصصة: تكون المنظمة الدولية متخصصة إذا اقتصر نشاطها على هدف
محدد، وهي ما تسمى بالوكالات التخصصية، وتمتاز هذه المنظمات بكثرة عددها واتساع
قاعدتها فقد تكون:

  • منظمات اقتصادية: مثل البنك الدولي للإنشاء والتعمير وصندوق النقد الدولي.
  • منظمات اجتماعية وإنسانية: مثل منظمة الصحة العالمية واليونسكو.
  • منظمات علمية: مثل وكالة الطاقة الذرية والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.
  • منظمات للمواصلات: مثل منظمة الطيران المدني والإنماء الدولي للمواصلات السلكية.
    ويجب التنويه هنا أن هذه المنظمات أو الوكالات المتخصصة قد تكون عالمية وقد تكون
    إقليمية.
    الفقرة الثانية: من حيث نطاق العضوية:


1- المنظمات العالمية: تكون المنظمة الدولية عالمية إذا كانت العضوية فيها مفتوحة للدول
جميعها بحيث تستطيع أية دولة الإنضمام إليها ووفقا للشروط التي يحددها ميثاقها.
وعلى الرغم من هذه الصيغة العالمية لبعض المنظمات، إلا أنها تتفاوت فيما بينها من حيث
شروط الإنضمام إليها وكسب العضوية، فمثال يكون الشرط الوحيد للإنضمام إلى الوكالات
المتخصصة للأمم المتحدة هو أن تكون الدولة عضوة في الأمم المتحدة، في حين يشترط
ميثاق الأمم المتحدة (م 4 ) للإنضمام وجوب أن تكون الدولة محبة للسلام وأن تقبل تحمل
الإلتزامات الواردة في الميثاق وقادرة على تنفيذها، بينما تمنح بعض المنظمات سلطة
تقديرية لأحد أجهزتها لتقدير مدى توافر الشروط في الدولة طالبة الإنضمام.
2- المنظمات الإقليمية: تكون العضوية فيها محدودة وتقتصر على مجموعة من الدول.
واختلف الكتّاب في معيار الإقليمية على ثلاثة اتجاهات:

  • الإتجاه الأول: (المعيار الجغرافي): ويقوم على أساس الجوار الجغرافي، بمعنى يقتصر هذا
    المعيار على المنظمات التي تضم دولا متجاورة جغرافيا . وهناك منظمات ليست عالمية لكن
    لا ينطبق عليها هذا الوصف الجغرافي مثل الاوبك.
  • الإتجاه الثاني: (المعيار الجغرافي السياسي): ويعطي، هذا الرأي، الإقليمية مفهوما سياسيا
    إلى جانب الموقع الجغرافي، فهو يضيف إلى جانب الجوار الجغرافي شروطا أخرى تربط
    دول الإقليم كالدين واللغة والأصل المشترك.
    ويلاحظ على هذين المفهومين للإقليمية (الجغرافي والسياسي)، أنهما مفهومان ضيقان جدا
    بحيث يخرج عن نطاقهما الكثير من المنظمات (التي لا يمكن اعتبارها عالمية) مثل منظمة
    الأوبك.
  • الإتجاه الثالث: (الإتجاه المرن للإقليمية): ويذهب إلى اعتبار المنظمة إقليمية إذا تحدد
    نطاق العضوية فيها بعدد من الدول وارتبطت مع بعضها بأية رابطة، سواء أكانت جغرافية
    أم سياسية أم قومية أم اقتصادية وبشكل دائم أو مؤقت، فإذا كانت الدول متجاورة جغرافيا


(كانت جغرافية)، وإذا كانت من أصل واحد (كانت قومية)، ويشمل هذا الإتجاه حتى
الأحلاف العسكرية.
الفقرة الثالثة: من حيث طبيعة النشاط:
تكون المنظمات ذات طبيعة تشريعية مثل (منظمة العمل الدولية). وتكون ذات طبيعة
قضائية مثل (محكمة العدل الدولية( وذات طبيعة إدارية أو تنفيذية كما هو حال معظم
المنظمات. وقد تحتوي الكثير من المنظمات على هذه الإختصاصات مجتمعة.

المبحث الثامن: عمل المنظمة الدولية:
المنظمة الدولية شخصية قانونية اعتبارية قامت بهدف تحقيق التعاون بين الدول الأعضاء
لتحقيق أهداف مشتركة، ويستند عمل المنظمة على ثالث ركائز هي: الأجهزة التي تتكون
منها المنظمة الدولية، والعاملون فيها، وميزانيتها.
الفقرة الاولى: أجهزة المنظمة الدولية:
تطورت فكرة المنظمات الدولية عن المؤتمرات الدولية التي كانت تعقد بصورة وقتية ثم
تنتهي، ونظرا لتعدد المهام والحاجة إلى الإستمرار والدوام. وكانت المنظمات في بداية
عهدها تتكون في الغالب من هيئة أو جهاز واحد، إلا أن التطورات في العلاقات الدولية
واتساع نطاق التعاون بين الدول وتزايد مشاركتها في تلك المنظمات، قد أدى إلى تعدد أجهزة
المنظمة الدولية وتحت تأثير عاملين أساسيين هما:

  • تنوع المهام والأهداف التي تسعى المنظمات لتحقيقها، لذلك أصبحت المنظمات بحاجة إلى
    إنشاء المزيد من الأجهزة التي يتولى فيها كل جهاز مهام معينة.
  • ازدياد المشاركة الدولية في المنظمات ، التي استوجبت زيادة عدد الأجهزة لتنفيذ القرارات
    أو النظر في المشاكل التي تقع بين فترات الإنعقاد العادي للجهاز الرئيسي، وكذلك تحقيق


الموازنة بين المزايا المعطاة لبعض الدول الأعضاء وبين تحقيق مبدأ المساواة بحيث يوجد
جهاز يضم كل الأعضاء (مثل الجمعية العامة) وآخر محدد العضوية تعطى فيه امتيازات
لبعض الدول (مثل مجلس الأمن(.
وتختلف المنظمات من حيث عدد الأجهزة واختصاصاتها:

  • الجهاز الرئيس “الهيئة العامة” أو المؤتمر: يطلق على هذا الجهاز تسميات عدة مثل:
    (الهيئة العامة، المؤتمر العام، الجمعية العامة، المجلس..الخ(.
    و ويتألف هذا الجهاز في الغالب من الدول الأعضاء جميعها في المنظمة الدولية، ويكون
    التمثيل فيه متساو مع الدول الأخرى إلا في حالات استثنائية ينص عليها الميثاق.
    ويعد هذا الجهاز صاحب الإختصاص وله الأولوية العامة على المنظمة، فله أن يناقش
    الأمور كافة المتعلقة بالمنظمة الدولية بما فيها صلاحيات الأجهزة الأخرى إلا إذا نص في
    الميثاق على خالف ذلك. ويدخل في مهام الجهاز أيضا تقرير وسائل التعاون مع الهيئات
    الدولية، وكذلك ممارسة الرقابة على أجهزة المنظمة الأخرى. ويمكن لهذا الجهاز أن يفّوض
    مباشرة هذه الإختصاصات أو بعضها لجهاز أو أكثر من أجهزة المنظمة، إلا أنه يجب القول
    أن هناك اختصاصات لا يجوز تخويلها غلي جهاز آخر لأن الميثاق حصرها بالجهاز الرئيس
    مثل: (وضع السياسة العامة للمنظمة، تعيين الأمين العام، إقرار الميزانية، إجراء التعديلات
    على الميثاق…الخ).
    ويلاحظ أن هذا الجهاز لا ينعقد بصورة مستمرة وإنما يقوم بعقد دورات سنوية في الأصل
    ويحدد ميثاق المنظمة مددها، فمثال تحدد الجمعية العامة للأمم المتحدة دوراتها الإعتيادية
    سنويا ، بينما يعقد مجلس الجامعة دوراته الإعتيادية كل ستة أشهر.
    وبالإضافة إلى الدورات الإعتيادية يعقد هذا الجهاز اجتماعات استثنائية كلما دعت الحاجة
    لذلك وبدعوة اما من مجموعة من الدول الأعضاء أو الأمين العام . ويكون لهذا الجهاز عادة
    مكتب يتألف من رئيس ونواب وقد يضم له بعض رؤساء اللجان أو الهيئات، ويتولى هذا
    المكتب الإشراف على أعمال الهيئة العامة ومواعيد جلساتها وجدول أعمالها، مثال ذلك


مكتب الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يرأسه رئيس الجمعية العامة ونوابه المكونين من
13 نائبا ورؤساء اللجان السبع فيها.
وقد تعمد الهيئة العامة إلى تشكيل لجان متخصصة تهتم كل منها بشأن من شؤون المنظمة،
وتتألف هذه اللجان من ممثلي الدول الأعضاء أو على النحو الذي يحدده الميثاق. كما أن
للهيئة العامة أو المجلس نظاما داخليا يحدد ديناميكية العمل في هذا الجهاز هو الذي يحدد
سبل إعداد جدول الأعمال أو المناقشة وتأجيلها وغلق المناقشة والتصويت، وضمان حرية
الأعضاء وحريتهم في التعبير عن آرائهم.
أخيرا لابد من القول أن الهيئة العامة تعقد اجتماعاتها في مقر المنظمة غير أن ذلك لا يمنع
من عقد هذه الإجتماعات خارج المقر سواء في الدولة المضيفة أو غيرها من الدول ما لم
ينص على عكس ذلك في الميثاق.

  • الجهاز التنفيذي للمنظمة: يتولى الجهاز التنفيذي مهام قد تكون على درجة كبيرة من
    الأهمية والخطورة.
    ويتألف هذا الجهاز من عدد محدود من الدول الأعضاء في المنظمة الدولية لكي ينهض بهذه
    المهام بسرعة بعيدا عن ضياع الوقت في المناقشات.
  • الجهاز الإداري أو الأمانة العامة: تعد الأمانة العامة بمثابة الجهاز الإداري للمنظمة
    الدولية. وتحظى بأهمية خاصة نتيجة لما تقوم به من واجبات. ويتألف هذا الجهاز من رئيس
    أعلى ( السكرتير أو الأمين العام) يتم تعيينه من قبل الهيئة العامة أو الجمعية العامة بصورة
    منفردة أو بالإشتراك مع بعض الأجهزة الأخرى. (مثال ذلك تعيين الأمين العام للأمم من قبل
    الجمعية العامة بناء على توصية من مجلس الأمن( م 97). ويختلف هذا الجهاز عن الأجهزة
    السابقة بأنه يتكون أساسا من موظفين دوليين بينما تتكون الأجهزة الأخرى من ممثلي
    ومندوبي الدول الأعضاء.
    وتتولى الأمانة العامة نشاطات المنظمة اليومية وتقوم بالمهام الآتية استنادا لميثاقها:

  • تقوم بالإتصالات مع الدول الأعضاء والأجهزة والفروع واللجان الفرعية داخل المنظمة،
    أو مع الدول والهيئات والمنظمات الأخرى.
  • الإعداد لدورات وجلسات الهيئة العامة من خلال تهيئة التقارير ومحاضر الجلسات والقيام
    بأعمال النشر والترجمة، وتقوم أحيانا بإعداد مشروعات القرارات التي تصدرها الهيئة
    العامة وإعداد الميزانية، فضلا عن قيام الأمين العام بتقديم المشورة للهيئة العامة في القضايا
    الفنية والتخصصية بجانب دوره السياسي.
  • تتكفل الأمانة العامة متابعة تنفيذ قرارات الهيئة العامة.
  • الأجهزة الأخرى: إضافة إلى ما تقدم من أجهزة أساسية للمنظمة الدولية، هناك أجهزة
    أخرى تمارس عملها بموجب ميثاق المنظمة، وتكون العضوية فيها عامة لكل الدول
    الأعضاء في المنظمة أو قد تتحدد العضوية فيها وفقا لشروط يحددها الميثاق، وقد تكون
    عضوية تلك الأجهزة دائمة أو مؤقتة، وقد يتمتع بعض الأعضاء بامتيازات تقوم على أساس
    القوة أو المساهمة المالية أو التوزيع الجغرافي أو الإختصاص الفني وقد يتم انتخاب
    الأعضاء فيها من قبل الهيئة العامة وبنسبة موصوفة كالثلثين أو الإجماع أو تكون العضوية
    اختيارية.
    وتتولى هذه الأجهزة في الغالب مهاما تنفيذية للمنظمة الدولية لذلك فإنها تتمتع بسلطات
    تمكنها من ذلك وبموجب الميثاق. وغالبا ما تناط بها مهام الهيئة العامة وفي حدود
    اختصاصاتها في فترات ما بين دورات الإنعقاد للهيئة العامة، إذ أنها تعقد دوراتها بشكل
    مستمر أو حسب مقتضيات الحاجة. ويكون لهذه الأجهزة أنظمة داخلية تحدد آلية عملها
    وصور تحركها وتحكم علاقاتها وتصرفاتها، كما أن نظام الجهاز وميثاق المنظمة يحددان
    مكان انعقاد الإجتماعات واوقاتها وضبط جلساتها وطريقة التصويت والمناقشة…إلخ.
    وأخيرا لابد من التأكيد أن أجهزة المنظمة الدولية هي مسألة اختيارية يحددها ميثاقها، فهو
    الذي يقرر عدد الأجهزة واختصاصاتها وصلاحياتها… وبما يتوافق مع أهدافها.
    الفقرة الثانية : العاملون في المنظمات الدولية:

يعمل في المنظمات الدولية عدد من الأشخاص الطبيعيين يقومون بنشاطات مختلفة، ويمكن
تقسيم هؤلاء العاملين إلى قسمين رئيسيين هما:
1_ مندوبو الدول وممثلوها في المنظمة: تتكون هذه الطائفة من الأشخاص الذين تختارهم
حكوماتهم لتمثيلها في المنظمة، سواء أكانوا من الدبلوماسيين أم الخبراء والفنيين، وينحصر
دور هؤلاء الأشخاص في رسم سياسة المنظمة واتخاذها لقراراتها، ويكونون مقيدين في
تصرفاتهم بتعليمات تصدر لهم من دولهم، ويتمتعون بحصانات وامتيازات المبعوث
الدبلوماسي.
2_المستخدمون في المنظمات الدولية: الكادر الوظيفي ( الإداري والفني) الذي يشغل
المراكز المختلفة لتسيير عمل المنظمة سواء بصفة دائمة أم مؤقتة. وعرفتهم محكمة العدل
الدولية بأنهم: ” كل موظف بأجر أو بدون أجر، يعمل بصفة دائمة أم لا، يعين بواسطة أحد
فروع المنظمة للممارسة أو المساعدة في ممارسة إحدى وظائف المنظمة ” ، لذلك فإن
الأشخاص الذين تسند لهم المنظمة الدولية مهمة وقتية كخبير أو وسيط في مهمة يعتبرون
وفقا لهذا التعريف (موظفا دوليا(.
المبحث التاسع: ميزانية المنظمة الدولية:
ان من أبرز النتائج التي تترتب على تمتع المنظمة الدولية بالشخصية القانونية المستقلة عن
الدول الأعضاء فيها، هو تمتعها بذمة مالية مستقلة وذلك لثبوت أهليتي الوجوب والأداء لها
بالحدود التي يحددها ميثاقها. فالمنظمة عند قيامها بالأنشطة تحتاج إلى نفقات تغطي هذه
النشاطات، لذلك فإنها تعمد إلى وضع ميزانية خاصة بها، تحدد فيها مصادر إيراداتها
ونفقاتها.
وإذا كان الميثاق يحدد موارد المنظمة وأوجه الصرف، فإن وضع الميزانية للمنظمة الدولية
يخضع للقواعد العامة في وضع ميزانيات الدول من الناحية الحسابية.
أما الشروط الشكلية والتكميلية، المتعلقة بإعداد الميزانية من حيث الإقتراح والتصديق
والتصويت فإن مواثيق المنظمات تختلف فيما بينها.

67
والسؤال الآن هو كيف يجري إعداد الميزانية للمنظمة الدولية؟
والجواب على ذلك أن العمل يجري غالبا في المنظمات الدولية بأن تقوم لجان فنية مختصة
بوضع مشروع الميزانية، بعد دراسة احتياجات أجهزة المنظمة وواقع مواردها، ويتولى
الأمين العام تقديم المشروع للهيئة العامة أو الجهة المختصة لغرض المناقشة والإقرار بعد
التصويت، ويلاحظ أن معظم المنظمات تأخذ بالأغلبية الموصوفة (وليس الإجماع)، فقد أخذ
ميثاق الأمم المتحدة في ( م 18-2 ) بقاعدة الثلثين في المسائل الخاصة بالميزانية، في حين
أخذ ميثاق الجامعة العربية بمبدأ الأغلبية العادية في ( م 16).
وتختلف المواثيق في المدد الزمنية للميزانية، فقد تكون سنوية كما هو الحال بالجامعة
العربية، وقد تكون لسنتين مثل ميزانية منظمة الزراعة والأغذية الدولية (الفاو) ومنظمة
اليونسكو، وقد تكون أربع سنوات كميزانية منظمة الصحة العالمية. وعلى الرغم من أن
ميزانية المنظمة الدولية تخضع للقواعد العامة، إلا أن هناك بعض الإستثناءات إذ تتمتع
الأجهزة الرئيسية في منظمات معينة بميزانية خاصة مثل صندوق الأمم المتحدة للطفولة،
وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، ووكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين.
ويمكن تحديد أبرز إيرادات المنظمة الدولية ونفقاتها على النحو الآتي:
الفقرة الاولى: إيرادات المنظمة الدولية: هناك موارد ثابتة (عادية) للمنظمات الدولية
وأخرى موارد استثنائية. وتتكون مصادر الإيرادات الثابتة عادة من:
1- اشتراكات الدول الأعضاء، وهو المورد الأساس للمنظمة الدولية، إذ تلتزم هذه الدول
بتقديم نصيبها الذي يفرضه الميثاق. ولا توجد قاعدة موحدة في تحديد الأنصبة، فمثال تعمل
قلة من المنظمات بمبدأ المساواة مثل (الأوبك(، في حين انتهجت المنظمات الأخرى معايير
مختلفة تراعي مصالح الدول الأعضاء، ولعل القاعدة التي سارت عليها الأمم المتحدة في
توزيع الأنصبة هي الأقرب لتحقيق العدالة وهي قاعدة (المقدرة على الدفع) التي تعتمد أساسا
على مقدار الدخل القومي للدولة مع الأخذ بنظر الإعتبار متوسط دخل الفرد وحصيلة الدولة
من العملات الصعبة وما تشهده كل دولة من أزمات اقتصادية.

و على الدولة التي تمتنع عن دفع حصتها من الميزانية، قد تصل إلى حد فصل وتُرتّب
المنظمات جزا الدولة العضو من المنظمة، أو منعها من التصويت، وقد أخذ ميثاق الأمم
المتحدة بالجزاء الأخير في المادة 19 ، إذ يحرم العضو من التصويت في الجمعية العامة إذا
تأخر عن دفع الإشتراكات المستحقة عليه لآخر سنتين أو أكثر، إلا إذا اقتنعت الجمعية بأن
عدم الدفع ناشئ عن أسباب لا قبل للعضو بها.
أما الموارد الإستثنائية فتتحقق للمنظمة الدولية أحيانا من:
2- التبرعات التي تقدم للمنظمة الدولية من قبل الدول الأعضاء وغير الأعضاء وبموجب
ميثاقها، إذ قد تبيح مواثيق المنظمات لها أن تتقبل التبرعات أو لا تجيز، وقد تجيزها بشروط
معينة من أهمها موافقة الهيئة العامة كي لا يكون وسيلة ضغط أو تأثير على المنظمة الدولية.
3- القروض التي تلجأ إليها بعض المنظمات لسد جزء من نفقاتها الطارئة، وقد يكون
الإقتراض لأجل تمويل عمليات قد تدر أرباحا على المنظمة أو تدخل ضمن اختصاصاتها،
لاسيما في المنظمات ذات المهام الإقتصادية والمالية.
4- واردات ما تصدره المنظمة من كتب ونشرات ووثائق وغيرها، إضافة إلى إصدار
الطوابع البريدية.
5- فرض رسوم وضرائب معينة حسب ما يحدده الميثاق، وتكون حالات نادرة، ومنها ما
تفرضه المنظمة من ضرائب على رواتب موظفيها، وهو ما تأخذ به الأمم المتحدة.
الفقرة الثانية: نفقات المنظمة الدولية:
تحدد ميزانية المنظمة الدولية وميثاقها أوجه نفقاتها والتي تشمل:

  • رواتب وأجور العاملين فيها من موظفين ومستخدمين وعمال.
  • التأثيث والبناء والإيجارات لمقراتها وأجهزتها.
  • نفقات النشاطات المختلفة التي تكون من اختصاصاتها.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى