البنية الأيديولوجية فى «نزف الوردة»

بقلم د.شيرين العدوي
«نزف الوردة» مجموعة قصصية للمبدعة عزة أبوالعز عضو اتحاد كتاب مصر، وعزة أبو العز تكتب بجناح فراشة عن أثر رحيق الورد. إنها كاتبة شديدة الحساسية، والرهافة الإبداعية. فالبنية القصصية عندها تستفيد بشكل كبير من نظرية «اقتصاد القصة القصيرة».
هى سمة نقدية عالمية ركز عليها «شيرود أندرسون» فى نقد القصة القصيرة. هذا الاقتصاد يظهر فى – اقتصاد الشخصية: فالكاتبة لا تثقل النص بتفاصيل فى الخلفية السردية غير ضرورية، بل ترسم شخصياتها بخطوط حادة ومركزة. تمثل نموذجا مصغرا للصراع الاجتماعى والنفسى، وهذا يخدم وظيفة القصة ككشف (Epiphany)
كما يوضح جيمس جويس. ويظهر الاقتصاد الآخر عندها فى الحدث: فهو حجر الزاوية فى بناء التأثير الكلى للعمل. فلا نجد زيادة أو حشوا مما يعزز وحدة التأثير التى دعا إليها إدجار آلان بو. ونجد فى خطابها وأيديولوجيته مناهضة النمطية؛ حيث يتقاطع بشكل وثيق مع تفكيك صورة المرأة النمطية المعاصرة.
فشخصيات عزة أبو العز تتصارع بغير مثالية، وتتمرد على الأدوار الاجتماعية المحددة للمرأة مسبقا، ظهر هذا فى صورة المرأة السلبية (الضحية) أو البطلة الخارقة. أما النزف فقد جاء كرفض للأدلجة. ففكرة نزف الوردة نفسها تشير إلى كلفة التحرر، أو الثمن الفادح للوعي.
هذا النزف هو رفض لوضع المرأة فى قوالب جاهزة. وعزة تستخدم السرد كأداة لنقد ضمنى للأنساق الثقافية والاجتماعية التى تستنفد طاقة الروح، فتصبح القصص لديها أدوات فى خطاب التحديث الذى لا يتبنى التحديث الأجوف، بل التحديث القائم على إصلاح الداخل وكشف عيوبه.
ولكنى أنبهها للمراجعات اللغوية الصارمة التى يجب أن يخضع لها العمل فهذا من صلب العمل الإبداعي. كما يظل لديها التأثير النفسى فى آلية البوح كنوع من التطهير(Catharsis) إنه فعل مقاومة يهدف إلى التطهير النفسى للشخصية والقارئ معا.
والكاتبة تستخدم اللغة كأداة لتجسيد الألم المجرد، مما يمنحه شكلا ملموسا يمكن مواجهته والتعاطى معه. فقصصها تضىء المناطق المظلمة فى العلاقات الإنسانية والاجتماعية. هذه الشفافية فى الطرح تعد ضرورة فنية لخلق الصدق الأدبى، وضرورة أيديولوجية لتعزيزالوعي. إنها تبرز تأثير الزمن والذاكرة على الشخصية.
هكذا نجحت عزة أبو العز من إخراج القصة القصيرة من إطار الحكاية التقليدية إلى فضاء التأمل الفلسفى والنفسي؛ حيث تصبح القصة القصيرة وسيلة لاكتشاف الروح، وإعادة تعريف الوجود فى مواجهة قسوة الحياة.
إنه عمل إبداعى لقارئ يبحث عن عمق التجربة وجمالها فى آن واحد. هكذا يمكن النظر لكتابات عزة أبو العز كسرد مضاد ( Counter- Narrative) للصور النمطية، حيث تستخدم أدوات القصة القصيرة العالمية ( التكثيف، وحدة التأثير، اقتصاد اللغة) لتقدم للمجتمع رؤية نقدية عميقة للواقع ولصورة المرأة فيه.
ويتميز خطابها السردى بشاعرية اللغة، مستخدمة مفردات اللغة بكثافة الرمزية العالية معتمدة الجمل القصيرة المشحونة بعاطفة فكرية هائلة، تاركة مساحة واسعة لتأويل القارئ. وثنائيات المتناقضات لديها ( كالجمال مقابل/ الوجع. والبوح مقابل/ الصمت.
والقوة مقابل/ الهشاشة) فيبقى النص كمنشور زجاجى مفتوح على كل الألوان، وعلى كل التأويلات؛ وهذا مما يمنح أى نص غموضه وجماله الدائم. إننا نتوقع فى المستقبل من المبدعة مزيدا من الجمال والتفرد.
المصدر: مؤسسة الأهرام المصرية









