مقالاتمنوعات

أين الخلل؟

لقد انتبه الشاعر الفلسطيني محمد درويش الى حالة الفوضى التي تعم شوارعنا واستهتار المواطن وجنوحه الى السلوك المعوج في كل جوانب الحياة، فيعيش في بلده بعقلية الكراء او عابر السبيل.. *

ويعيش في الغرب بعقلية “الملّاك” والمواطن الصالح.. يقول السيد محمود درويش: “سـتُهاجرون إلـى أوروبـا, وتلـتزمـون بالقانون، ولا ترمـون أعقـاب السـجـائر على الأرض، ولا تدخـنون في الأمـاكن الـعـامـة، وتَـعْـبُـرُون مـن الأمـاكـن الـمـخـصـصـة للـعـبـور، وسـيـكون لديكم حس أمني حتى لو سرقت قطة من أمـام نافذتكم سـتبلغون الشرطة !! وسـتلـبـسـون حـزام الأمـان عــند قـيادة السـيارة، وتـضـعون مقعدا خلفيا للطفل، وتقفون في الطابور حـتـى لـو بلغ كـيـلو مـتر…. ” انتهى.

الغريب أننا نجد هذا الصنف يمتثل للسلوك المتمدن في بلاده أمام ووسط السفارات الأجنبية.. أو في الحياة العامة في الغرب، لكنه سرعان ما يدوس عليه حالما تطأ قدماه قنصلية بلده في بلاد الغربة، أو الباخرة أو الطائرة.. فيعود للفوضى والهمجية والأنانية.. وتعود به حليمة الى عادتها القديمة… فلابد أن هناك خللا ما..

والخلل حسب تقديري يكمن في مسؤولية الدولة وأعوانها قبل المواطن. فسلوك وتصرفات الاعوان في كثير من الأحيان داخل البلاد وخارجها، تساهم في هكذا فوضى ربما دون قصد. سلوك يوحي في أغلب الأحيان للمواطن بأن هؤلاء الأعوان مسخرون من الدولة رغم أنوفهم مجانا لتقديم خدمات للناس، وليسوا موظفين يتقاضون مرتباتهم من الخزينة العامة، ومن أجل تلك الوظيفة فحسب. إذن، فالمسؤولية تقع على عاتق الدولة ومؤسساتها ولا أحد غير الدولة.. فالدولة القائمة على الاستبداد أو الضعيفة، لا تستطيع بأي حال من الأحوال ضبط أعوانها وتربية شعبها على القيم الرفيعة للانسانية والتمدن..

فالمجتمعات لا تنشأ متمدنة، لكن الدولة الصالحة هي من تيسر لها أسباب التحضّر وتقوم على تربيتها.. ولا أدلّ على ذللك من وضع الشعوب الغربية..

لقد كانت إلى زمن غير بعيد، من أكثر الشعوب همجيّة وتوَحّشا.. لكن دولها روّضتها كما تروّض وحوش “السيرك” بالتربية وقوة القانون حتى جعلت منها مثالا يُقتَدى به في السلوك والتربية، بل أصبح هذا السلوك جزءً من شخصية الفرد فيها، وتقليدا يتوارثه الصغار عن الكبار..

محمد العماري.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى