انتخابات جزئية قريباً… هل تنجح سلطات الجزائر في كسب ودّ منطقة القبائل؟

انطلقت حملة الانتخابات الجزئية في ست بلديات في الجزائر تابعة لمحافظتي بجاية وتيزي أوزو اللتين تشكلان الوعاء الأساسي لمنطقة القبائل (شمال الجزائر)، وهي الخطوة التي تستهدف استكمال المسار الانتخابي، بعدما فشلت السلطات المعنية في ذلك خلال الانتخابات المحلية التي جرى تنظيمها في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، بسبب عدم تجاوب سكان المنطقة معها.
وكانت حركة الاقتراع في الانتخابات البلدية بمحافظات القبائل، بجاية وتيزي أوزو والبويرة، بطيئة جداً مقارنة مع باقي المحافظات، كما شهدت تسجيل بعض الحوادث الطفيفة بسبب الاعتراض على إجراء الانتخابات رغم أنها لم تكن بالوتيرة نفسها في الانتخابات البرلمانية الماضية.

ووضعت السلطة الجزائرية المستقلة للانتخابات كل إمكاناتها لتسيير العملية الانتخابية بين المتنافسين وذلك بتوفير قاعات لاحتضان التجمعات الشعبية، إضافة إلى الفضاءات المخصصة للاعلان الانتخابي.
امتحان صعب
ويجمع متابعون للشأن السياسي في البلاد أن هذه الانتخابات تشكل امتحاناً صعباً للسلطة باعتبار أن المنطقة كانت خارج المسار الانتخابي، كما أنها سبق وأن رفضت كل الاستحقاقات الانتخابية التي نظمتها السلطة منذ الانتخابات الرئاسية التي جرى تنظيمها في كانون الأول (ديسمبر) 2019.
وفي هذا الصدد، يقول المحلل السياسي أحسن خلاص لـ”النهار العربي” “إن هذه الانتخابات تعتبر عنواناً لعودة المنطقة التي قاطعت الاستحقاق سابقاً بعنف في ظروف خاصة، إلى المسار الانتخابي والتطبيع مع أجندة السلطة”.
وتجري هذه الانتخابات وفق خلاص “في وقت أعلنت السلطة أن أي اعتراض أو تشويش على العملية الانتخابية يُصنف في خانة الأعمال الإرهابية”.
وفي العامين الأخيرين، فرضت السلطات الجزائرية حصاراً مشدداً على أتباع التنظيم الإنفصالي “ماك” في منطقة القبائل، وهو الطرف المتهم بعرقلة سير الانتخابات في كل محطة، وصنّفت هذا التنظيم الذي يقوده المغني فرحات مهني من العاصمة الفرنسية باريس ضمن قوائم الإرهاب واعتقلت العشرات من عناصره، وبث التلفزيون الحكومي شهادات تؤكد رغبة التنظيم في حمل السلاح ضد الدولة الجزائرية وتشكيل ميليشيات مسلحة.
واستناداً إلى نسب التصويت الضعيفة التي تم تسجيلها في هذه البلديات، فإن الانتخابات الجزئية المقررة في ست بلديات منتصف الشهر الجاري إجراء لا بد منه لتشكيل مجالس شرعية قانونية بدل تولي الإدارة أمر تسييرها. وهو ما يؤكده الأستاذ في القانون الدستوري في جامعة أدرار ورقلة جنوب البلاد، البروفسور حمودي محمد، الذي يقول لـ”النهار العربي” إن “هذه المحطة تعتبر استكمالاً لمرحلة بناء المؤسسات، بخاصة أن الانتخابات لم تجرَ فيها وهو ما يفرض إعادة تنظيمها حتى يكون لها تمثيل شعبي من طريق مجالس محلية تحقق تطلعات سكان المنطقة، وسيتم إجراؤها وفق ما هو مقرر بالقانون العضوي للانتخابات المعدل والمتمم”.
وتشكل منطقة القبائل الهاجس الأكبر بالنسبة إلى السلطة عند اقتراب كل موعد انتخابي بسبب مقاطعتها للاستحقاقات وانحيازها لوجهة نظر بسبب الظروف السياسية القائمة، ففي الانتخابات الرئاسية التي جرى تنظيمها في كانون الأول (ديسمبر) 2019 لم تتجاوز نسبة التصويت عتبة 0.9 في المئة، بينما بلغت نسبة التصويت في انتخابات البرلمان الجزائري التي نظمت في حزيران (يونيو) الماضي واحداً في المئة فقط.
مؤشرات إيجابية
ويستبعد خلاص أن “تُحدث انتخابات منطقة القبائل ثورة أو تشكل مفاجأة، فنسبة المشاركة قد تبقى ضعيفة لكن الأمر اللافت للانتباه أن منطقة القبائل لم تعد بالحدة نفسها التي كانت تطبع أوضاعها منذ عام”.
ففي الانتخابات البلدية التي جرى تنظيمها في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بلغت نسبة التصويت 20 في المئة و 15 في المئة في الانتخابات الولائية، وهي نسبة مرتفعة جداً مقارنة مع نسب التصويت المتدنية في الانتخابات الرئاسية وانتخابات البرلمان الجزائري.
ومن بين المؤشرات التي ساهمت بشكل واضح وكبير في هذه النتائج مشاركة جبهة القوى الاشتراكية (أقدم حزب جزائري معارض) في المنطقة، والذي كان يستحوذ بشكل كبير على أغلبية المجالس البلدية في ولايات منطقة القبائل.
وحقق أقدم حزب سياسي نتائج بارزة، رغم أنه قاطع الاستحقاق النيابي الذي جرى في حزيران (يونيو) الماضي، وحصلت جبهة القوى الاشتراكية في الانتخابات المحلية على 898 مقعداً وترأست 47 بلدية وجاءت في المرتبة الثانية على مستوى 65 بلدية.
وسجل الحزب هذه المرة أيضاً حضوره في الاستحقاق الانتخابي المرتقب تنظيمه منتصف الشهر المقبل، مع كل من “جبهة المستقبل” و”جبهة التحرير الوطني” و”التجمع الوطني الديموقراطي” إضافة إلى قوائم الأحرار (المستقلين).
وأبدى رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي، في مؤتمر صحافي عقده في وقت سابق خلال زيارته إلى ولاية بجاية شرق الجزائر، للاطلاع على التحضيرات للانتخابات الجزئية، ارتياحه لظروف تنظيمها.
واعتبر أن “إقدام الأحزاب السياسية والقوائم الحرة على سحب ملفات الترشح وإقبال المواطنين للتسجيل في القوائم الانتخابية رغم فترة العطلة، دليل على أن الديناميكية تبشر بالخير”.

وأضاف: “أشجعكم اليوم على مواصلة المسار وتطويره لصالح منطقة القبائل وللجزائر ككل”.
ووصف شرفي إجراء الانتخابات المحلية الجزئية في ولايتي بجاية وتيزي أوزو، بأنه “تعبير عن الديموقراطية الحقيقية والحس المدني لسكان المنطقة”، موضحاً أنه يتعين علينا “تجسيد الديموقراطية والتنافس الشريف بين الأفراد والمواطنين بكل سلمية واحترام”، في إشارة منه إلى التوتر الذي شهدته بعض البلديات خلال الاستحقاقات الانتخابية الماضية