إصلاح القضاء إقامة العدل

الحلقة السادسة الجزء الخامس بقلم الهادي كرو
في إطار الدراسة المتعلقة بإصلاح القضاء والتي صدرت في شانها إقتراحات تضمنتها خمس حلقات خصصت على التوالي للبحث ومحطاته وللمحاكم وتركيبتها ولتوحد القضاء والمحاكم وتخصص الحلقة السادسة لضمان إقامة العدل وهذا الجزء الخامس.
القضاء وإقامة العدل لا يضمن القضاء إقامة العدل حسب النظام القضائي الحالي إذا لم تتقيد المحكمة بقاعدة الفصل من دستور 1959 والفصل من دستور 2014 وهي ” القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ” وباثرها الذي نص عليه الفصل من دستور 2014 وهو ” القضاء سلطة مستفلة تضمن إقامة العدل ” .
ويترتب عن عدم تطبيق القاعدة المذكورة حسب الاحوال إما مخالفة القانون او الخطإ في تطبيقه وتاويله او الإمتناع من الحكم سواء في المادة الجزائية او المادة المدنية و الحكم بالسجن ولو كانت الجريمة مثارة اوغير ثابتة قانونا او باقصى العقوبة من اجل غياب المتهم او برفض الدعوى لنقص يمكن تلافيه .
إثارة الجريمة
إن عدد الشبان الذين يحالون على المحاكم لمقاضاتهم من اجل جرائم مثارة لا يحصى ولا يعدٌ . وفي هذا المعنى تفيد وقائع قضية جزائية أن أعوان فرقة مكافحة المخدرات وأثناء إستجوابهم أحد المتهمين المدعو (ا ) اعترف بأنه تزود بالمادة المخدرة من شخص وهو المدعو (ب) ولغاية إلقاء القبض على هذا الأخير نصب له كمين وتمّ إلقاء القبض عليه وبحوزته مادة مخدرة واعترف بدوره أنه اقتناها من شخص ثالث المدعو (ت) ولضبط هذا الشخص قام أعوان الأمن بالتوجه إليه رفقة المقبوض عليه الثاني لشراء المادة المخدرة فوجدوا صدفة شخصا آخر بصدد اقتناء نفس المادة وهو المدعو (ث) إلا ان متساكني المنطقة نبهوا المدعو (ث) إلى وجود أعوان الأمن فلاذ بالفرار وتخلص من قطعة المخدر فأحيل جملة المتهمين على الدائرة الجنائية بالمحكمة الإبتدائية بتونس فقضت عليهم بالسجن مددا مختلفة.
فطعنوا بالإستئناف وطلب محامي احد المتهمين الحكم بالنقض وعدم سماع لعدم مشروعية الإجراءات ةلإستخدام أعوان الأمن أحد المتهمين كطعم للإيقاع بالبقية في كمين إلا أن محكمة الإستئناف لم تلتفت إلى هذا الدفع وأقرت حكم البداية فطعن دفاع المتهم بالتعقيب وتمسك ببطلان الإجراءات.
فقررت محكمة التعقيب ما يلي : ” إن محامي الطاعن تمسك لدى محكمة القرار ببطلان إجراءات التتبع إستنادا إلى ما ثبت من إستعمال باحث البداية لأحد المتهمين للإطاحة واستدراج باقي المظنون فيهم والإيقاع بهم في قضية الحال والتي تعتبر من قبيل الجريمة المثارة باعتبار وأن الباحث هو الذي عمل على إثارة عملية الإتجار في المادة المخدرة فتسبب للمتهم شراء المادة المخدرة وهذا الامر يتجاوز المأمورية التي أناطها المشرع بعهدة عونن الامن العمومي المتمثلة في معاينة الجرائم لا إثارتها والتحريض على وقوعها “….
كما إعتبرت محكمة التعقيب هذه الظاهرة باطلة لا يمكن ان تترتب عنها الجريمة حسب القرار التعقيبي عدد 49182 المؤرخ في 23 مارس 2004 المنشور بالمجلة القانونية التونسية لسنة 2004 ص 179 طبقا لما ورد بحوليات اعلوم القانونية الصادرة سنة 2009 عن كلية العلوم القانونية والإقتصادية والتصرف بجندوبة صحيفة 79 لئن إنصفت محكمة التعقيب المتهم بإرتكاب جريمة مثارة فإن الإنصاف حصل بعد بعد إيداع في السجن لمدة طويلة والمتهم من بريئ ثم ان الطعن بالتعقيب لا يقوم به ولا يقدر عليه كل متهم يصدر ضده حكم نهائي يقضي بعقابه وذلك تصبج احكام الفصل 108 من دستور 2014 لا معنى وهي ” لكل شحص الحق في محاكمة عادلة في اجل معقول والمتقاضون متساوون امام القضاء ” ويرجح ان تكون السلطة التنفيذية هي سبب وجود الجريمة المثارة في ميدان المخدرات
من اجل المكافاة وشهائد التقدير التي تمنحها وظارة الداخلية لعون الامن العمومي الذي يتفطن للجريمة ويضبط الشخص او الأشخاص قبل وقوعها . لا يعاب على وزارة الداخلية هذا التمشي وهي سنة حميدة من المفروض ان تعمٌم وتمنع وجود الجرائم الجديدة ولا يلام عون الامن على الاهتمام بالمخدرات وإثارة الجريمة نظرا لحرص الدولة على مكافحتها يضبط الشخص المعني بها إحتياطا ولعلمهم بما يهدد الامن وتقتصرالإثارة على التحذير واللوم .
وبما ان القانون يقتضي ان تنهى الى وكيل الجمهورية لدى المحكمة الإبتدائية جميع الإرشادات والمحاضر والأوراق المتعلقة بالجرائم فإن الحفظ الحيني للقضية امر لا شك فيه لانه مكلف بمعاينة سائر الجرائم ويجتهد في تقرر مآل الشكايات والإعلامات التي يتلقاها دون ان يسال عنها قانونا وله صفة القاضي هو ومساعديه وهم مؤهلون للنظر في توفر الاركان العامة الجريمة من عدمه ومع ذلك فإن إحالة المتهم بإرتكاب جرائم المخدرات يحال في كل الأحوال على حاكم التحقيق بمعلقة تحيل من اجل إرتكاب ترسانة من جرائم المخدرات بدا من اخطرها وهي تكوين وانخراط و المشاركة في عصابة لارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في القانون واشدها عقابا وهو السجن من عشرين عاما الى مدى الحياة وبخطية من مائة ألف دينار الى مليون دينار وصولا الى الى اخفها وهي محاولة المسك لغاية الإستهلاك وعقابها السجن من عام إلى خمسة أعوام والخطية من ألف إلى ثلاثة آلاف دينار .
ثم يحال المتهم دون تفكيك للملف على دائرة الاتهام ومنها إلى الدائرة الجناحية بالمحكمة الإبتدائية من اجل إرتكاب جنحة المحاولة الموجبة للعقاب ويصدر الحكم إبتدائيا وإستنافيا بادنى العقاب البدني وبالخطية ولو قضى مدة أطول بالسجن لان التهمة تتعلق بالمخدرات ولو كاانت الجريمة مثارة او غير ثابتة قانونا .
إثبات الجريمة لم يتعرض القانون عدد 52 لسنة 1992 المؤرخ في 18 ماي 1992 والمنقح بالقانون عدد 39 لسنة 2017 مؤرخ في 8 ماي 2017 المتعلق بالمخدرات لمعنى لفظ إستهلك ومسك لغاية الإستهلاك الشخصي وحاول ذلك ولطريقة إثبات الجرائم المنصوص عليها وعلى عقابها بالفصل الرابع وهو ” يعاقب بالسجن من عام إلى خمسة أعوام وبخطية من ألف إلى ثلاثة آلاف دينار كل من استهلك أو مسك لغاية الإستهلاك الشخصي نباتا أو مادة مخدرة في غير الأحوال المسموح بها قانونا و المحاولة موجبة للعقاب ” .
وبالرجوع إلى مداولات القانون المتعلق بالمخدرات عدد 52 لسنة 1992 المؤرخ في 18 ماي 1992 المنشورة بالرائد الرسمي للمداولات عدد 31 لجلسة يومي 12 و 13 ماي 1992 والتي لها قيمة القانون نجد تعريفا واضحا وصفا دقيقا للفظ إستهلاك ومسك لغاية الإستهلاك الشخصي يترتب عنه وجوبا الوسيلة التي تثبت بها الجريمة . بخصوص المعنى فقد اكدت المداولات ان استهلاك المادة المخدرة ومسكها لغاية الاستهلاك الشخصي لا يتوفر ركنها المادي وتعتبر جريمة إلا إذا كانت مباشرة الفعل في الحال بمعنى ان المستهلك لا بد ان يضبط وهو يتناول المادة المخدرة و ويتعاطاها بالطريقة التي تستهلك بها وان ماسك المادة لغاية الإستهلاك الشخصي لا بد ان يضبط وبحوزته المادة المخدرة وان يثبت انها للإستهلاك الشخصي. اما جريمة محاولة الإستهلاك ومحاولة مسك المادة المخدرة لغاية الاستهلاك الشخصي فإن أركانها العامة لا تتوفر والجريمة لا ترتكب إلا إذا ثبت ان السبب المانع من الإستهلاك ومن المسك عند ضبط المتهم خارج عن إرادته.
ومن الناحية القانونية حين يقتضي الفصل 150 من مجلة الإجراءات الجزائية انه ” يمكن إثبات الجرائم باي وسيلة من وسائل الإثبات ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ويقضي الحاكم حسب وجدانه الخالص ” تكون الوسائل التي تثبت بها الجرائم المنصوص عليها وعلى عقابها بالفصل الرابع من قانون المخدرات هي التي شخصتها مداولات القانون بصفة مدققة لا تدع مجالا لطريقة الإثبات الحر والعمل بوجدان القاضي الخالص وبحصوص الوسيلة التي تثبت بها هذه الجرائم فقد بينت مداولات قانون المخدرات عدد 54 لسنة 1992 المذكورة الوسيلة التي تثبت بها هذه الجرائم و ورغم ان المشرع بيٌن معنى هذه الجرائم وضبط وسيلة إثباتها في مداولات هي أعمال تحضيرية لها قيمة القانوني فان التهمة توجه على المشتبه فيهم ويودعون السجن ويعاقبون به وبالخطية في الأصل أبتدائيا وإستينافيا دون إعتبار للمعنى ولوسيلة الإثبات القانونية ..
تتاسس الإدانة والعقاب على تحليل بول المتهم الموقوف ونتيجته الإيجابية في حين ان التحليل المعني بالقانون يتعلق بمادة التي تكون في حوزة المتهم للتاكد من اتها مادة مخدرة وانها مدرجة بالجدول ” ب ” الملحق بقانون المخدرات عدد 52 لسنة 1992 .
لا يستبعد ان تكون السلطة التنفيذية سبب وجود هذا العمل القضائي وان يكون منشور صادر عن وزارة العدل ياوٌل الفصل 4 من القانون عدد 52 لسنة 1992 ويعتبر تحليل البول وسيلة تثبت بها الجريمة . وما يعزز هذا الراي ان مخابر التحليل لم تكن لها المعدات والعتاد الازم لتحليل البول وقت صدور القانون المخدرات وبقدرة قادر وفي اجل وجيز توفرت الاجهزة وتكوٌن المحللون وإشتغل المخبر دون هوادة في تحليل بول يوفره الشباب في كل مناسبة تجمعه بالشرطة وهي كثيرة وقتها وذلك إشهارا لتطبيق المعاهدة وفاء بالعهد . و في إطار الوفاء بالعهد الذي يتعلق الآن بوعود الحملات الإنتخابيٌة الأخيرة التي تسببت في تنقيح قانون المخدرات عدد 52 لسنة 1992 المؤرخ في 18 ماي 1992 بالقانون عدد 39 لسنة 2017 .
المتعلق بالمخدرات اشرف رئيس الجمهورية يوم 15 مارس 2017 على اجتماع مجلس الامن القومي واعلن انه ضد وضع الشباب في السجن من اجل تعاطي المخدرات وتطرق الي موضوع اجراءات التتبع في جرائم استهلاك المخدرات وتمت المصادقة على مقترح يتعلق بمشروع تنقيح القانون عدد 52 لسنة 1992 وعرضه بصفة استعجالية على مجلس نواب الشعب . لا يمكن إعتبار المناسبة فرصة لإلغاء وتعويض قانون كتب له الخيبة سواء عند وضعه وتاويل احكامه الأكثر تطبيقا وهي غير معنية من المعاهدة المصادق عليها واضرت بالشباب ضررا كبيرا لان الحكومة سبق ان عرضت على مجلس نواب الشعب مشروع قانون يتعلق بالمخدرات مضمن بمكتب الضبط المركزي للمجلس يوم 31 ديسمبر 2015 بالواردات عدد 79- 2015 الا ان النظر فيه تعطل لحصول خلاف بخصوصه بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وهذا دليل على ان مصلحة الشعب وما يعانيه الشباب لا قيمة له امام المصلحة الخاصة .
صدر القانون عدد 39 لسنة 2017 المؤرخ في 8 ماي 2017 ونقح القانون عدد 52 لسنة 1992 المؤرخ في 18 ماي 1992 المتعلق بالمخدرات الذي إكتفى بتعديل الفصل 12 بالنص التالي ” لا تنطبق أحكام الفصل 53 من المجلة الجزائية على الجرائم المنصوص عليها بهذا القانون باستثناء تلك المنصوص عليها بالفصلين 4 و8 منه ” . أما الفصل الرابع يعاقب بالسجن من عام الى خمسة أعوام وبخطية من ألف الى ثلاثة آلاف دينار كل من استهلك أو مسك لغاية الاستهلاك الشخصي نباتا أو مادة مخدرة في غير الأحوال المسموح بها قانونا والمحاولة موجبة للعقاب.
والفصل الثامن يعاقب بالسجن من ستة أشهر إلى ثلاثة أعوام وبخطية من ألف دينار إلى خمسة آلاف دينار كل من ترددعلى مكان أعد وهيئ لتعاطي المخدرات ويجري فيه تعاطيها مع علمه بذلك. ويستثنى من ذلك قرين وأصول وفروع من أعد أو هيأ ذلك المكان وكل من يقيم معه عادة. إن إكتفاء المبادرة بتنفيح قانون المخدرات يما يفتح المجال لتطبيق الفصل 53 من المجلة الجزائية على جريمتي الفصل 4 والفصل 8 من قانون المخدرات دليل على سوء تقدير لما يعانيه الشباب. يتعلق الفصل 4 بجريمة استهلاك المادة المخدرة ومسكها لغاية الإستهلاك الشخصي والمحاولة في جميع المواد المدرجة بالجدول ” ب ” ونظرا لثمنها فإن تطبيق أحكام الفصل 53 من المجلة الجزائية عليها ينفع الغني اكثر من الفقير .
اما تنقيح جريمة الفصل 8 فإنه مجاملة غير مجدية وإلغاء الفصل احسن من تنقبحه .
من المفروض ان لا يغفل التنقيح عن وسيلة إثبات جريمة استهلاك المادة المخدرة ومسكها لغاية الإستهلاك الشخصي التي تم عرضها وعن جريمة الترويج الإقليمية التي لا تقل أهمية عنها والتي يطبق على مرتكبها قياسا والقياس ممنوع في المادة الجائية الفصل الخامس ” يعاقب بالسجن من ستة أعوام الى عشرة أعوام وبخطية من خمسة آلاف دينار الى عشرة آلاف دينار كل من قام بأعمال الزراعة أو الحصاد أو الإنتاج أو المسك أو الحيازة أو الملكية أو العرض أو النقل أو التوسط أو الشراء أو الإحالة أو التسليم أو التوزيع أو الاستخراج أو التصنيع للمواد المخدرة بنية الاتجار فيها في غير الأحوال المسموح بها قانونا
( يتبع ) الهادي كرو