مقالات قانونية

إصلاح القضاء : إقامة العدل

الحلقة السادسة الجزء الرابع
بقلم الهادي كرو

في إطار الدراسة المتعلقة بإصلاح القضاء والتي صدرت في شانها إقتراحات تضمنتها خمس حلقات خصصت على التوالي للبحث ومحطاته وللمحاكم وتركيبتها ولتوحد القضاء والمحاكم وتخصص الحلقة السادسة لضمان إقامة العدل وهذا الجزء الرابع .
الثورة وإقامة العدل
الثورة وظاهرة الإجرام
لم تكن الجريمة حرفة تمارس على العلن قبل الثورة بل كانت افعالا معزولة ترتكب في ظروف طارئة او لغاية معينة وينتهي امرها بعد وقوعها فاصبحت بعد الثورة فعلة يقوم بها الجاني بمفرده او بمشاركة عصابة وتستمر وقائعها وقتا طويلا لا يعطله احد حتى يكثر سخط الضحايا وضجيجهم فيفرٌ الجاني ويختفي خوف من ان يتفطن لتحيله بعد ان إستولى على أموال كثيرة .
لقد عرفت اغلب الميادين الأقتصادية التحيل بمختلف انواعه ولم يسلم منها الإدخار والوديعة والشعائر الدينية العمرة والحج .
والغريب في الامر ان المتحيل لا يقدم على الجريمة إلا بعد ان يرضى بها الطرف المقابل رغم خطورتها .
الرضاء وإقامة العدل
لقد اصبح المواطن مهما كان شانه وجنسه وعمره مهددا بجرائم تنوعت وكثرت بعد الثورة منها ما يباغت بوقوعها ولخطورة التهديد يستجيب مكرها لما يطلبه الجاني مثل جرائم ” النطرة ” وهي والتهديد بالسيف والسلاح الأبيض كي تتتخلى الضحية عن كل ما في حوزتها من أغراض ونقود وهاتف وساعة ونظارات وحلي وغيره ومنها الجرائم التي ترنكب إعتمادا على التحيل والتوسط لبعض الخدمات مثل السفر للحج والعمرة والسياحة وإعتماداعلى العروض المغرية التي تثير غريزة الطمع والحصول على المال الموفور بطرق غريبة ودون تعب او إعتمادا على التمكين من ممارسة المحظور في كامل الستر ويسنوجب كل نوع من هذه الجرائم الوقوف على رضاء الطرف المقابل وتقدير المشاركة ووجود الرضاء من إعدمه
من المعلوم ان الرضا تمحي به جريمة المواقعة إذا صدرعن راشد وبدون مقابل وتثبت الجريمة إذا نسب لقاصر إلا ان هذا القاعدة تغير مفهومها بعد الثورة .
واحسن مثال لهذا التغيير هي الظاهرة الإجرامية الخطيرة المتعلقة بالشعوذة والسحر والتطبيب الروحاني التي تفشت بصفة كبيرة بعد الثورة .
يدعي الجاني انه على علاقة بالجن وهم يساعدونه في عمله فتقتنع الضحية ونقع في الطعم بسبب الطمع وتخسر الأموال وتذعن لاوامره ولو كانت قتل النفس البريئة من الشباب او الكهول ويستمر هذا الصنيع مدة طويلة دون ان يكشف اهل الشأن امره .
” بلقاسم “
إن احسن مثال يجسم هذه الظاهرة هي وقائع قضية صادمة في منتهى الغرابة لا يصدق احد وقوعها تولى إذاعتها البرنامج التلفزي ” الحقائق الأربع ” بالوصف والصورة وقد إستمرت منذ ما يزيد عن الخمس سنوات تقريبا وما زالت مستمرة لا يقدم عليها العاقل فاعلا كان او مفعولا به .
وقد افاد البرنامج انه توصل الى اقناع فتاتين بالتشكي الى النيابة العمومية وهو ما وقع بالفعل .
تتعلق هذه الوقائع بالمشعوذ بلقاسم وبمن توصل إلى مواقعتهن من النساء وعددهم تسعمائة 900 فتاة وتصويرهن لإستعمال الصور عند الحاجة بعد ان إستجبن للإشهار المنزل على صفحته بال” فيسبوك” مع رقم هاتفه المتعلق بقدرته ومهارته على العلاج السفلي من الجنّ العاشق .
والمؤكد ان بلقسم يعلم المراة مباشرة وبصفة واضحة ولغة فصيحة ان العلاج يتم بمواقعتها وبشروط نفسية ومادية ولا يجبرها على قبوله ولا تصدر الأفعال الشريرة والتهديد الذي ينسب إليه إلا بعد ان تقبل الفتاة العلاج وشروطه وتنفذها عن طواعية .
ومن شروط العلاج الرغبة في الإغتصاب والمعلشرة و تسديد مبلغا ماليا يحدده وإعاداد مكان للمعاشرة وللإتصال الجنسي وإحضار ملابس النوم والفواكه الجافة .
وأعلنت النيابة العموية في نشرة الاخبار التلفزية انه تم إلقاء القبض على بلقاسم.
وينسب لنقابة موظفي إدارة الشرطة العدلية أّنه تّمت الإحاطة النفسية بالمتضررات في مرحلة أولى من قبل الضباط المختصين في علم النفس التابعين لجهاز الشرطة العدلية، وفي مرحلة ثانية تم تسخير أخصائيين من خارج الجهاز.
سبحان مغير الأحوال لو لم تغير الشرطة طريقة العلاج والقت في السجن لاصابت لان الجن يخرج من الرحم ويغادر السجن على عجل .
أن الإستشهاد بهذه الظاهرة لا يشكل خروجا عن موضوع دراسة إصلاح القضاء لعلاقتها بموضوع قانوني بالغ الأهمية يتعلق بالقضاء ويحتاج الإصلاح
من المؤكد ان المحكمة لا يمكنها قانونا تقدير العقاب والحكم به إعتمادا على فهمها لوقائع القضية وللعناصر التي تتوفر بها الاركان العامة للجريمة .
لقد اقر التشريع قاعدة عامة تلزم المحكمة بالتقيد بنص الإحالة في كل القضايا ومنها قضية بلقاسم ولا فائدة ترجى من إرجاع الملف إلى النيابة العمومية قصد التوسع في عدد الأشخاص المحالين لإقنناع النيابة العمومية بان بلقاسم يتحمل وزر الجرائم وعليه فإن المحكمة ملزمة بتطبيق القانون ونص الإحالة او نص قانوني تستند الاليه ولا يحيد عن الإتجاه الذي سلكته النيابة العمومية .
ان القاعدة التي تفيد ان المحكمة تتعهد بالافعال لا بالإحالة لا تلبي رغبة المحكمة لانها لا تسمح بتجاوز أفعال المتهم في تقدير الإدانة والعقاب عند ثبوتها .
بكل موضعية وتجرد ودون إنحياز لجهة دون اخرى فإن مدلول الرضاء بالجريمة تغير بعد الثورة وهوامر يستدعي تعديل القانون وتمكين القضاء من تحقيق العدالة عوضا عن ضمان إقامة العدل في أحوال يضبطها القانون ويستثنيها من واجب ضمان أقامة العدل الذي يفرضه الفصل من دستور 2014
وللوقوف على مدلول الرضاء يتم الرجوع الى القرار التعقيبي الجزائي عدد 29942 المؤرخ في 3 ماي 2008 وقد ورد به
” ان مفهوم انعدام الرضا ينصرف إلى مستوى مادي يحمل الى العنف والتهديد وما شابه ذلك ومستوى معنوي ينصرف الى معنى الاكراه المعنوي
ولعل ما كان في مستواه المعنوي اكثر وقعا واعظم وينتهي بالضرورة بذهاب معنى الرضاء
ان الرضاء ان يفبل الطرف راغبا لا مكرها مستحسنا لا مرغما
ويقول رجال الفانون الجزائي بنفس التوجه في إعتبار الرضاء في حالة الضغط النفسي والاكراه المعنوي التي تجعل المجني عليه في وضعية لا يقدر على دفعها ” .
( يتبع ) الهادي كرو

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى