مقالات قانونية

جريمة التحيل

فتح الصورة

إعداد: جابر غنيمي دكتور في القانون المساعد الأول لوكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد مدرس جامعي

قال الله عز وجل في محكم تنزيله:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ” صدق الله العظيم “.
والتحيل لغة هو الاحتيال والنصب ومعناه احتالَ واحتالَ على واحتالَ في واحتالَ لـ يحتال احْتَالْ، احتيالاً، فهو مُحتال، والمفعول مُحتال عليه واِحْتَالَ عَلَى صَدِيقِهِ وَأخَذَ مِنْهُ مَالَهُ أي دَبَّر لَهُ حِيلَةً أي أتى بالحيلة واستعملها والاحتيال اصطلاحا هو المكر والخديعة باستحلال المحرم وإبطال الحقوق وإسقاط الواجبات فهي أكل أموال الناس بالباطل وإفسادٌ في الأرض وتدميرٌ للبلاد والعباد.
وقد تحدث ابن خلدون عن التحيل في معرض حديثه عن الجريمة في المجتمع الحَضَري حيث يقول: “وأما فساد أهلها – أي المدينة – في ذاتهم واحدًا واحدًا على الخصوص فمن الكد والتعب في حاجات العوائد والتلوُّن بألوان الشر في تحصيلها وما يعود على النفس من الضرر بعد تحصيلها بحصول لونٍ آخر من ألوانها فلذلك يكثر منهم الفسق والشر والسفسفة والتحيُّل على تحصيل المعاش من وجهه ومن غير وجهه أي بوجه حق أو دونه”.
وقد انتشرت جريمة  التحيل في مجتمعنا المعاصر وتطورت تطورا رهيبا وأصبحت تحتل موقعاً متقدماً في مصاف الجرائم الخطيرة كما أصبح يعاني منها آلاف الضحايا الذين عجزوا عن استرداد أموالهم التي نهبت منهم وتنوعت وسائل هذا النوع من الجرائم ولكنها مع اختلافها إلا إنها تتفق وغيرها في التمويه والخداع والتغرير، الأمر الذي جعل هذا الجرم ينخر في المجتمع في نواحيه الاقتصادية والتنظيمية والاجتماعية ويطال الفرد والمؤسسة والاقتصاد والمجتمع  في نفس الوقت.
ولقد وردت هذه الجريمة بقسم مستقل من الباب الرابع المتعلق بهتك حرمة الملك والمسكن وعنوانه “في التحيّل وغيره من أنواع الخداع” .
و تقتضي جريمة التحيل جملة من الاركان )الفقرة الاولى( و يعاقب عليها القانون )الفقرة الثانية ( .
الفقرة الأولى: أركان جريمة التحيل 
جريمة التّحيّل لابد أن تتوفّر في  أركانها إحدى العناصر المبيّنة تفصيلا بالنص المذكور، فهي جريمة تتكون من ركن مادي ) أ ( وركن معنوي )ب(.
الركن المادي :
فأما الركن المادي فهو يستوجب استعمال طرق احتياليّة وخزعبلات تنتهي بتسليم المال أو المنقول أو العقار موضوع التّحيّل للمتحيل بوجه غير شرعي فقد يكون موضوع التحيل أموالا أو منقولات أو رقاعا أو أوراقا ماليّة أو وصولات أو إبراءات أو عقارات أو وعود  تحصل عليها الجاني من المجني عليه بعد أن أقنعه زيفا بوجود مشاريع وهميّة أو بوجود نفوذ أو اعتماد وهمي أو باستعمال اسما مدلسا أو صفات غير صحيحة والنّتيجة في جميع ذلك تسليم الشيء موضوع التّحيّل بصفة إراديّة معنى ذلك وجوب توفّر علامات موضوعيّة تقنع الإنسان البسيط بالمشروع الوهمي الذي لا وجود له في الحقيقة.
والمقصود بذلك أن الركن المادي لهذه الجريمة يتكون من ثلاثة عناصر وهي أولا استخدام وسيلة من وسائل الخداع المبينة بالنص المذكور  ثانيا تحقيق طرق الخداع لإقناع المتضرر بوجود نفوذ أو اعتماد أو مشروع وهمي و ثالثا الاستيلاء على مكاسب الغير بصفة إرادية وهو ما يميزها عن جريمة السرقة.
فهو يستوجب استخدام طرق احتياليّة تنتهي بتسليم المال أو المنقول أو العقار موضوع التّحيّل للجاني بوجه غير شرعي.
وقد يكون موضوع التحيل نقودا أو عقارات أو أوراقا ماليّة حصل عليها المتهم من الضحية بعد أن خدعه بوجود مشروعات وهميّة أو بوجود سلطة. والنّتيجة في جميع ذلك تسليم الشيء بصفة إراديّة معنى ذلك وجوب توفّر علامات تقنع الإنسان البسيط بالمشروع الوهمي الذي لا وجود له في الحقيقة. 
والمقصود بذلك أن الركن المادي لهذه الجريمة يتكون من ثلاث عناصر وهي:
 أولا : استعمال طريقة من طرق الخداع بالنص المذكور.
  ثانيا : تحقيق وسائل الخداع لإقناع المتضرر بوجود نفوذ أو مشروع وهمي.
 ثالثا : الحصول على مكاسب الغير بصفة إرادية وهو ما يميزها عن جريمة السرقة.
ب- الركن المعنوي  :
ويتمثل في انصراف عزم المتحيل للحصول على أموال المجني عليه باطلا باستخدام الاحتيال والوهم بالرغْم من علمه، وتكون عقوبة التحيل في القانون التونسي على ذلك الفعل (القصد الجنائي العام) أي إدراك الجاني لحقيقة أفعاله وعواقبها ووعيه باستخدام وسائل غير شرعيّة بهدف الاستيلاء على أموال الغير باطلا ويشترط أيضا تعمد المتهم سلب مكاسب المجني عليه دون وجه حق بنية تملكها (القصد الجنائي الخاص( .
الفقرة الثانية: عقوبة التحيل
نص القانون التونسي على عقوبة التحيل )أ ( و ما يشبه بالتحيل )ب(
أ- عقوبة التحيل:
لقد تعرض القانون التونسي لهذه الجريمة في المادة 291 م ج الذي جاء فيه أن عقوبة التحيل في القانون التونسي  بالسجن فترة خمس سنوات وبخطية قدرها ألفان وأربعمائة دينار، كل من استخدم مواصفات غير صحيحة أولجأ للحيل لإقناع الغير بوجود مشروعات لا وجود لها على أرض الواقع أو نفوذ أو مشروع وهمي أو التي من شأنها بعث الأمل، في نجاح غرض من الأغراض أو الخوف من الإخفاق فيه أو وقوع إصابة أو غيرها من الحوادث الخيالية ويكون قد تسلم أموالا أو منقولات أو ممتلكات أو أوراقا مالية أو وعودا أو وصولات أو حاول أن يختلس الكل أو البعض من مال الغير.
ب- عقوبة ما يشبه بالتحيل:
جاء بالفصل 292 من نفس المجلة على انه :” يشبه بالتحيل ويعاقب مرتكبه بالعقوبات المقررة بالفصل المتقدم : أولا ـ بيع أو رهن أو توثيق أو كراء ما لا حق لمرتكب ذلك في التصرف فيه خصوصا الأحباس. ثانيا ـ بيع أو رهن أو كراء ما سبق بيعه أو رهنه أو كراؤه أو تسليمه بالفعل توثقة” .
و قد اعتبرت محكمة التعقيب في الحكم الجنائي عدد 6904 مؤرخ فى 13/05/1970 – “شبه القانون الجنائي جريمة كراء ما سبق كراؤه بجريمة التحيل (الفصل 292 منه ) و تثبت بكافة الحجج و الأدلة التى لم يحجرها القانون. – و من أركانها الأساسية العمد وهذا العنصر المادي يستنتجه قاضي الموضوع من ظروف القضية وجواب المتهم و الشهادات القانونية و على القاضي تعليل حكمه تعليلا لا يشوبه ضعف ولا تحريف ولا تناقض”.
ان القانون الجزائي التونسي يتعامل مع هذه الجريمة بأقصى ظروف التخفيف بعد ان حصلت له قناعة بانها مجرد جنحة بسيطة، على عكس التشريعات الغربية مثل القانون الاردني واللبناني والألماني… وخاصة القانون الفرنسي الذي أدرجها ضمن الجنايات الخطيرة التي تطال الأفراد والاقتصاد وذلك من خلال الفصل 313 من المجلة الجزائية الفرنسية..

فتح الصورة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى