الزنا

عبارة ” جريمة الزنا ” مشكلة من كلمتين: جريمة – زنا.
فكلمة جريمة: من الفعل جرم: الجرم: القطع. وشجرة جريمة أي مقطوعة. والجرم بضم الجيم بمعنى التعدي، والجرم أي الذنب ، والجمع أجرام وجروم وهو الجريمة . وقد جرم يجرم جرما وأجرم وأجرم فهو مجرم وجريم
أما كلمة زنا: فهي مشتقة من فعل زنا، زنوا أي ضاق، لغة الهمز. وزنى عليه تزنية أي ضيق، ووعاء زني أي ضيق. وزنى يزني بمعنى فجر، وزانى مزاناة و زناء بمعناه نسبه إلى الزنا وهو إبن زنا
ونشير إلى ان القرآن الكريم قد تطرق لهذه الجريمة في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم. أولها قوله تعالى: ” وَلاَتَــقْـرَبُـوا الــزِنـــَا إِنٌـــهُ كَـــانَ فَـــاحِشَـةً وَسَـاءَ سَبِيلا َ “
وثانيها قوله تعالى :” الــزَانِـيَةُ وَالــزَانِيْ فَــاجْلــِدُوا كُلَ وَاحِدٍ مِنْهُمَــا مِائَــةَ جَلــْدَةٍ وَلاَ تَـأْخُــذْكُمْ بِــهِمَـا رَأْفَــةً فِيْ دِينِ الله ِإنْ كـنْــتُمْ تــُؤُمِنُونَ بِاللهِ وَاليَــوْمِ الآخِرِ، وَلْيَــشْهَدْ عَـذَابــَهُمــَا طــَائِفَةً مِنِ الُمؤْمِــنِيَن. الزَانِي لاَيـَنْكِحُ إِلاَ زَانِيَةً أَوْمُشْرِكَةً ، وَالزَانِــيَةُ لاَيَنْكِحُـــهَا إِلاَ زَانٍ أَوْ مُشْرِكْ ، وَحُـرِمَ ذَلِكَ عَلَى الُمؤْمِــنِيْنَ “
وثالثها قوله تعالى: ” وَالِذِينَ لاَيـــَدْعُــونَ مَعَ اللهِ إِلَهًــا آخَرَ وَلاَيَــقْتُــلُونَ النَـفْسَ التِي حَرَمَ اللهَ إِلاَ بِـالُحَقِ وَلاَيــَزْنــُوَن وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أثَــامَا “
أما ما ورد في السيرة النبوية الشريفة وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ما عرف بقضية أو واقعة ” ماعز”. وهي أشهر قضايا الزنا في ذلك العصر لما تضمنته من أحكام تتعلق أساسا بالإثبات والجزاء وغير ذلك .
أما فقهاء الشريعة الإسلامية فقد ذهبوا تقريبا مذهبا موحدا في تعريف هذه الجريمة ومن ذلك نستعرض آراءهم كما يلي:
1- المذهب الحنفي : ” الزنا هو اسم للوطء الحرام من قبل المرأة الحية في حالة الاختيار، في دار العدل ممن التزم أحكام الإسلام، العاري عن حقيقة الملك وعن شبهته، ومن حد الملك وعن حقيقة النكاح وشبهته “
كما عرفه هذا المذهب أيضا على أنه :” إدخال المكلف الطائع قدر حشفته قبل مشتهاة حالا أو ماضيا بلا ملك أو شبهة ، أو تمكينه من ذلك أو تمكينها ، ليصدق على ما لو كان مستلقيا فقعدت على ذكره فتركها حتى أدخلته، فانهما يحدان في هذه الصورة و ليس الموجود منه سوى التمكين.”
2- المذهب الشافعي : ” الزنا هو وطء رجل من أهل دار الإسلام امرأة محرمة عليه من غير عقد ولا شبهة عقد ولا ملك ، وهو مختار عالم بالتحريم”
3- المذهب المالكي :” الزنا هو وطء مكلف فرج امرأة لا ملك له فيه تعمدا . وعرفـوه أيضا بأنه: “كل وطء وقع على غير نكاح صحيح ولا شبهة ولا ملك يمين”
4- المذهب الحنبلي:” الزنا هو وطء امرأة من قبلها حراما لا شبهة له في وطئها فهو زان، ويجب عليـه الحد إذ أكملت شروطه، والوطء في الدبر مثله في كونه زنا لأنه وطء في فرج امرأة فلا ملك له فيها ولا شبهـة ملك، فكان زنا”
5- المذهب الظاهري :” الزنا هو وطء من لا يحل النظر إلى مجردها، مع العلم بالتحريم. أو هـــو وطء محرمة العين”
لم يضع القانون الوضعي تعريفا للزنا، وإنما حدده المشرع بعبارات وصيغ مختلفة. فالقانون المصري مثلا شأنه شأن القانون الجزائري في تنظيمه الحالي لأحكام جريمة الزنا في قانون العقوبات، قد استسقى فكرته في التجريم، وفي وضع الغالب من شروطه وإجراءاته وأدلته من المواد من 336 إلى 369 من قانون العقوبات الفرنسي قبل تعديله.
وقد عرف بعض فقهاء القانون الزنا، بأنه:” إرتكاب الوطء غير المشروع من شخص متزوج مع امرأة برضاها حالة قيام الزوجية فعلا أو حكما “
كما عرفه أيضا (موران ) على أنه : ” الزنا هو تدنيس فراش الزوجية وإنتهاك حرمتها بتمام الوطء”
وجاء في الموسوعة الكبيرة الفرنسية ” بورداس “BORDAS على أن الزنا هو علاقة جنسية لشخص متزوج خارج إطار الزواج. ويميز بين نوعين من الزنا: زنا بسيط ADULTERE SIMPLE وهو الزنا الذي يرتكبه الشخص المتزوج مع شخص غير متزوج. وزنا ثنائي ADULTERE DOUBLE ، وهو زنا يرتكبه شخص متزوج مع شخص متزوج
وفي فرنسا صدر قانون في 11/7/1975 الذي قرر عدم إعتبار جريمة الزنا جريمة جنائية ولا سبب من أسباب الطلاق
أما باقي القوانين الغربية، فتكاد تكون مجمعة على تجريم الزنا تجريما إجتماعيا، ماعدا القانون الإنجليزي الذي إعتبر الزنا جريمة مدنية والزوج الذي يرغب في الطلاق بسبب هذه الجريمة يجب عليه أن يطلب في نفس الوقت محاكمة الشريك، والمحكمة تقضي له في هذه الحالة بتعويض مالي. وعلى نفس المنوال سار قانون العقوبات المعروف بقانون جونيفا وهو الفريد من القوانين السويسرية الذي لايعرف التجريم الجنائي للزنا. وما عدا ذلك فأغلب التشريعات الأوربية تعاقب على جريمة الزنا بعقوبة الحبس لمدة ستة أشهر إلى سنتين كقانون عقوبات النمسا في المادة 502 وقانون عقوبات بلجيكا في المواد :387 إلى 390 وقانون عقوبات إيطاليا في المواد:353 – 354 وقانون ألمانيا في المادة 192 وقانون المجر في المادة 246.
في القانون الوضعي التونسي اقتضى الفصل 236 (نقح بالقانون عدد 1 لسنة 1968 المؤرخ في 8 مارس 1968) ” زنا الزوج أو الزوجة يعاقب عنه بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها خمسمائة دينار.
لا يسوغ التتبع إلا بطلب من الزوج أو الزوجة الذين لهما وحدهما الحق في إيقاف التتبع أو إيقاف تنفيذ العقاب. وإذا ارتكب الزنا بمحل الزوجية فـلا تنطبق أحكام الفصـل 53 من هذا القانون. والشريك يعاقب بنفس العقاب المقرّر للزوجة أو الزوج المرتكب للجريمة”
ينص الفصل 236 م ج لقيام جريمة الزنا توفر جملة من الأركان )الفقرة الأولى( و العقوبة
المستوجبة )الفقرة الثانية(
الفقرة الأولى: أركان جريمة الزنا
و تتمثل في: الركن المفترض: قيام رابطة زوجية صحيحة )أ( والركن المـادي: وقوع فعل الوطء غير المشروع )ب( والركن المعنوي: القصد الجنائي )ج(.
أ- الركن المفترض: قيام رابطة زوجية صحيحة:
يشترط القانون التونسي ان يكون احد الطرفين متزوجا زواجا صحيحا
ويشترط لقيام جريمة الزنا تطبيقا لنص المادة 339من قانون العقوبات الجزائري أن تكون الزانية وقت إرتكابها الأفعال المنسوبة إليها مرتبطة بعقد زواج صحيح مع الشاكي ، حيث نصت في فقرتها الأولى على ما يلي :
” يقضي بالحبس من سنة إلى سنتين على كل امرأة متزوجة ثبت ارتكابها جريمة الزنا “
كما يشترط القضاء المصري أن يكون الزواج بعقد صحيح
ويجب أن تكون رابطة الزوجية قائمة حال ارتكاب جريمة الزنا لأن الزنا خيانة العلاقة الزوجية وبالتالي يجب أن تكون هذه العلاقة قائمة وقت حدوث الوطء حقيقة أو حكما وقيام الرابطة الزوجية حقيقة يعني أن الزوجة مازالت على ذمة الزوج ولم يحدث طلاق بينهما ولم يتوف عنها ولم يصدر حكم بوفاته بطول غيبته أو فقده
ب- وقوع فعل الوطء غير المشروع:
إن غالبية القوانين الوضعية لم تضع نصا صريحا يحدد ماهية هذا الفعل وتعريفه وإلى أي مدى يعاقب عليه القانون ومتى ومنذ أية لحظة يبدأ العقاب على الفعل، حيث تركت هذه القوانين مسألة التعريف إلى الفقهاء وشراح القانون فأعطى كل منهم تعريفا
وتكاد تجمع أقوال الفقهاء على تعريف مضمونه أن جريمة الزنا لا تقوم إلا إذا تم إيلاج العضو التناسلي لرجل في قبل امرأة برضاهما حالة كونهما ليسا زوجين وكون أحدهما أو كلاهما متزوج مع شخص آخر وسواء كان الإيلاج كليا أو جزئيا وسواء أن يبلغ أحدهما أو كلاهما شهوته أو لا يتحقق شئ من ذلك التي راعاها المشرع عند وضعه النصوص التي تجرم الفعل وتعاقب عليه.
يتطلب القانون الألماني لتمام الزنى أن يحدث إيلاج عضو التذكير في المكان المعد له من جسم المرأة وبغير هذا الفعل المادي لا تتحقق جريمة الزنى بأفعال أقل منه جسامة مهما بلغ مداها في التمازج الجنسي ومع ذلك فإن القانون الروسي يعتبر من قبيل الزنى أفعال الفحش بصفة عامة ولو لم تصل إلى حد الإيلاج بل اللواط يعتبره زنا .
ويتطلب القانون الليبي لتمام الزنى أن يأتي رجل وامرأة فعل الجماع ) المادة الأولى من القانون رقم 70 لسنة 1973 في شأن إقامة حد الزنى ( .
ويتطلب مشروع القانون المصري لتمام الزنى أن يحصل وطء بين رجل وامرأة بالغين ) المادة الأولى من المشروع المحرر في فبراير 1978 ( ، ومادام الاتصال الجنسي الذي يشترطه القانون لقيام جريمة الزنى لا يكون إلا بإيلاج العضو التناسلي للرجل في فرج المرأة وعليه:
يجب أن يكون الوطء بين طرفين متغايرين أي من جنسين مختلفين (ذكر وأنثى (
ويكفي لقيام الركن المادي مجرد الإيلاج حتى ولو لم يحصل الإمناء (الإنزال ) أي ولو لم يشبع أحدهما أو كلاهما رغبته الجنسية فبمجرد الإيلاج ولو بدون إنتصاب تتم الجريمة حتى ولو كان الذكر عنينا أو خصيا إذ يكفي في معنى الوقاع بالنسبة له أن يتم ولو بغير إيلاج كامل أو كان حمل المرأة من هذا الفعل مستحيلا لبلوغها سن اليأس أو لمرض أو عيب خلقي في جهازها التناسلي أو تم الإنزال خارج الفرج أو إستعملت وسائل منع الحمل.
وهناك اتفاق بين الفقهاء على أن ما دون الوطء لا يعتبر زنا ، لكن الخلاف كان في المقصود بالوطء فهل هو المواقعة بمعنى إيلاج عضو التذكير في فرج الأنثى؟، أم انه يكفي الالتصاق والملامسة من الخارج دون الإيلاج لتحقق الوطء .
ذهب رأي إلى أنه يكفي الالتصاق دون اشتراط الإيلاج فالمواقعة تختلف عن الوطء ، كما كان بالنسبة للدكتور عبد الحميد الشواربي في كتابه الجرائم المنافية للآداب العامة والدكتور صالح مصطفى في كتابه الجرائم الخلقية .
وهذا ما خلص إليه الدكتور عبد الحكيم قوده في كتابه الجرائم الماسة بالآداب العامة والعرض في ضوء الفقه وقضاء النقض حيث أكد أنه : ” لا يختلف اثنان في أن الوطء غير المشروع هو اساس الركن المادي لقيام جريمة الزنا لكنه يرى أنه يكفي لحدوث الوطء مجرد الإتصال بين عضو التذكير وفرج المرأة دون اشتراط الإيلاج الكامل أو الجزئي ذلك أنه إذا كانت العبرة هي حماية حقوق الزوج ورابطة الزوجية المقدسة فإن الالتصاق يكفي لتحقق الاعتداء على هذه الرابطة الزوجية دون اشتراط الإيلاج أو الإنزال فقد يكون الشريك عنينا غير قادر على الانتصاب أو طاعنا في السن غير قادر على الإخصاب أو كانت الزانية تعدت سن الإنجاب فالعبرة ليست بحماية الأنساب وإنما أيضا المحافظة على تلك الرابطة المقدسة من أي تدنيس فلا يعقل أن يحكم القاضي بالبراءة بمجرد أن الشريك لم يستطع إيلاج عضو تذكيره في فرج المرأة إذا ثبت من التقرير الطبي الشرعي عدم قدرته على الانتصاب.
بينما أغلب الآراء الفقهية سواء في القانون الجزائري أو القانون المصري أو القانون الفرنسي القديم تشترط المواقعة أو الإيلاج دون الإمناء لتحقق جريمة الزنا كما سبق بيانه.
ونحن نوافق هذا الاتجاه باعتباره ينسجم والعبرة المتوخاة من تجريم الزنا المتمثلة في هتك عرض وشرف الزوج الأخر واختلاط الأنساب وتفشي الأمراض
و قد اشترطت محكمة التعقيب التونسية لقيام الزنا وقوع الاتصال الجنسي
فقد حددت محكمة التعقيب ، قبل تنقيح الفصل 236 ، في قرارها عدد 3150 المؤرخ في 8 اكتوبر 1964 أركان جريمة الزنا فكانت مطابقة للفقه الاسلامي فقد جاء في حيثيات القرار: “حيث ان جريمة الزنا لا تتوفر الا بالشروط الآتية : وقوع الوطء (الايلاج) حال قيام الزوجية مع القصد الجنائي.”
واختفى شرط الوطء من الفصل 236 الجديد بعد تنقيح مارس 8 مارس 1968:
جزائي عدد 3482 مؤرخ فى 14/01/1980 –” مجرد الاتصال لجنسي تتم به جريمة الزنا ولو بمجرد الدلك فلا يشترط الايلاج. “
وكذلك جزائي عدد 4520 مؤرخ فى 29/10/1980 – “تتم جريمة الزنا بمجرد اتصال جنسي ولو مع حائل خفيف او بدون انتشار” .
من الغريب انه بالاطلاع على وقائع القرار الاخير يتضح ان الزنا تم بين الزوجة وشريكها وهي لم تتجرد من ثيابها ؟ !! وهو ما عبرت عنه محكمة التعقيب بوجود “حائل” ولو انها اعتبرته خفيفا ولم ينفع عدم “انتشار ذكر الزاني” لعدم حصول اللذة من توفر اركان جريمة الزنا حسب الفصل 236 جديد من المجلة الجزائية.
اختفي شرط الايلاج من العناصر المكونة لجريمة الزنا واصبحت محكمة التعقيب تتحدث عن “الخطيئة” وهو لفظ غير قانوني ودلالته دينية واخلاقية واصبحت تتحدث عن “وضع مستراب” وهو وضع كما يدل عليه نعته لا يفيد الجزم واليقين بل يحيط به الشك والريبة و اصبحت تتحدث عن “علاقة فاجرة” وهو أيضا وصف اخلاقي غير قانوني.
جزائي عدد 9637 مؤرخ في 13/06/1984 – درج فقه القضاء على اعتبار وسيلة اثبات دعوى الزنا اما بالإقرار الصحيح المدعم أو بضبط الجانبين يمارسان الخطيئة أو وجودهما في وضع مستراب أو في حالة دالة على قيام العلاقة الفاجرة بينهما.
ان اختفاء عنصر الايلاج من العناصر المكونة لجريمة الزنا كان له تأثيره على مسألة اثبات الجريمة حيث لم يحدد الفصل 236 جديد من المجلة الجنائية مسألة اثبات جريمة الزنا واصبح ثبوت الجريمة من عدمه موكول لاجتهاد القاضي المطلق واقتناع وجدانه بحسب ما توفر له من ادلة في الملف.
ج- الركن المعنــوي:
تتطلب جريمة الزنا توافر القصد الجنائي الذي يختلف مضمونه باختلاق مركز المتهم وصفته .
يتوفر القصد الجنائي لدى الفاعل الأصلي متى أرتكب الفعل عن إرادة وعلم بأنه متزوج وأنه يواصل شخصا غير زوجه أو يعلم أن الطرف الآخر متزوج وتبعا لذلك لا تقوم الجريمة لانعدام القصد الجنائي ، إذا ثبت أن الوطء قد حصل بدون رضا الزوج كما لو تم بالعنف أو التهديد أو نتيجة للخديعة أو المباغتة كأن يتسلل رجل إلى مخدع امرأة فتسلم له ظنا منها أنه زوجها وبالمقابل تقوم جريمة الاغتصاب في حق من واقع المرأة بدون رضاها
ويثار التساؤل بشأن الزوج الذي يتحجج بجهله إن كان مقيدا بعقد الزواج كما لو إعتقد أنه مطلق أو أن الزوج الغائب قد مات ، فهل يؤخذ بمثل هذا الجهل كسبب لانتفاء القصد الجنائي ؟.
يرى الأستاذ الدكتور احسن بوسقيعة في كتابه الوجيز في القانون الجنائي الخاص الجزء الأول – طبعة 2003 ، صفحة 132-133 ، أن الأصل لاعذر بجهل القانون ذلك أن الرابطة الزوجية تظل قائمة ما لم تنحل بطلاق نهائي يقيد على هامش عقد الزواج أو تنفصم بحكم موت المفقود طبقا للإجراءات المقررة في قانون الأسرة .
غير أنه يجب التأكد من توافر القصد الجنائي العام من علم وإرادة لدى الفاعل الأصلي أو شريكه لإتيان جريمة الزنا وهو على عقد زواج أو أن شريكه متزوج وعلى هذا لو فرضنا أن امرأة متزوجة عن طريق الفاتحة وبعد ذلك افترقت وطلقت بالثلاث ثم أعاد ت زواج رسمي مع رجل آخر ثم إحتاج الزوج الأول إلى تقديم شهادة عائلية بالنسبة لأولاده فقام بتسجيل زواجه السابق العرفي قبل أن تتزوج زوجته السابقة بالزوج الثاني وهي لاتدري بما قام به فأصبحت متزوجة برجلين ، فيقدم الزوج الأول شكوى من أجل الزنا فهل تقوم جريمة الزنا هنا أم لا ؟ .
هنا لابد أن نرجع إلى القصد الجنائي فإذ ثبت أن هذه المرأة كانت تعتقد جازمة أنها مطلقة فإن أثبتت ذلك تصبح تجهل أنها متزوجة ولا تقوم جريمة الزنا في حقها ، كما لو أن إمرأة زنت مع رجل وعدها بالزواج وهو متزوج وأخفى عليها ثم زوجته تكتشف الأمر وتقدم شكوى ضد زوجها وشريكته فلا تقوم جريمة الزنا في حق شريكته لانعدام الركن المعنوي.
وعليه لابد أن يكون المتهم يعلم أنه هو متزوج أو الطرف الآخر شريكه متزوج.
أما بالنسبة للشريك فيشترط فيه العلم بأن خليله أو خليلته متزوجا أو متزوجة فإن كان يجهل الرابطة الزوجية وقت إتيان الفعل فإن القصد الجنائي يكون منتفيا .
يجب أن يعلم الجاني بتوافر أركان جريمة الزنا وأن القانون يعاقب عليها ، وعليه لا عقاب إلا إذا حصل الزنا والجاني عالما أنه متزوجا وأنه يواصل شخص غير قرينه في الزواج فإذا كان يجهل أنه متزوج أو وقع في غلط وأعتقد أنه يواصل شخص تحل له مواصلته شرعا كما لو ضنت الزوجة أنها تسلم نفسها لزوجها وليس لأجنبي فلا عقاب عليها وكذلك لا عقاب إذا اعتقد المتهم بحسن نية أنه قد أصبح في حل من الرابطة الزوجية كما لو اعتقدت الزوجة أن زوجها الغائب قد مات ولا مسؤولية إذا وقع الفعل بغير رضا المتهم ، كما لو أكرهت الزوجة على تسليم نفسها لأجنبي اغتصبها بالقوة أو بالتهديد. فقد تعتقد الزوجة أن صلة الزوجية باطلة كما لو أبلغت كذبا أن زوجها أخوها من الرضاعة وقد تعتقد أن صلة الزوجية قد انحلت كما لو تلقت بالبريد إشهاد طلاق مزور .
وتطبيقا لذلك قضي في فرنسا ببراءة زوجة من الزنا وكانت قد حصلت على حكم غير نهائي بالطلاق ثم اقترفت فعلها وهي تجهل القاعدة التي تقرر أن الطلاق لا ينتج أثره إلا إذا صار الحكم الصادر به نهائيا ، وإذا اعتقدت المطلقة رجعيا أن صلة الزوجية قد انحلت بهذا الطلاق فأتت فعلها أثناء العدة أعتبر القصد منتفيا لديها ، ويتعين أن تعلم الزوجة أنها تتصل بغير زوجها فإذا اعتقدت أنها تتصل بزوجها فإن القصد لا يتوفر لديها، كما لو دخل في فراشها أثناء نومها رجل اعتقدت وهي في تأثير النوم أنه زوجها فاستسلمت له
يتطلب القصد الجنائي توجيه الجاني إرادته نحو ارتكاب الفعل المعاقب عليه سواء كان إيجابيا أو سلبيا وكذلك نحو تحقيق نتيجته المطلوبة إذا ما تطلب القانون توافر نتيجة معينة للعقاب .
فيجب أن تتجه إرادة الزوجة إلى الاتصال جنسيا بغير زوجها بقبولها وطئه لها فإذا كانت إرادتها غير حرة أو غير مختارة انتفى القصد الجنائي، فإذا كانت مكرهة عليه فلا تقوم جريمة الزنا أصلا في حقها وإنما تكون ضحية جريمة اغتصاب .
كما ينتفي القصد الجنائي إذا كانت الزوجة نائمة أو منومة أو فاقدة الوعي أو مكرهة على ذلك ماديا أو أدبيا أو وقعت في غلط بشأن عقد زواجها أو صفة زوجها كما تنتفي جريمة الزنا من جهة الزوج الذي يقع ضحية الإكراه أدبي لا يمكن مقاومته كما ينطبق هذا على الإكراه المادي الذي لا يمكن مقاومته وليس شرط أن يصدر الإكراه ممن مارس الصلة الجنسية مع الزوجة، بل يجوز أن يصدر عن أي شخص وقد يصدر عن الزوج نفسه فإذا أكره الزوج زوجته على الدعارة لم يكن الزنا متوافر بفعلها ولا عبرة بالبواعث في تحديد عناصر القصد فليس بشرط أن يكون باعث الزوجة إلى فعلها هو إشباع الشهوة، فقد يكون الانتقام من الزوج بالإساءة إلى سمعته وقد يكون كسب المال، إذا كانت تهدف إلى تقاضي أجر ممن تتصل به وقد يكون الإنجاب إذا كان الزوج عقيما وسعت إلى الحمل عن طريق هذه الصلة غير المشروعة
الفقرة الثانية: خصوصية التتبع في جريمة الزنا و عقوبتها
لا يسوغ التتبع إلا بطلب من الزوج أو الزوجة الذين لهما وحدهما الحق في إيقاف التتبع أو إيقاف تنفيذ العقاب.
ولا يشترط القانون شكلا معينا في الشكوى، وبخصوص الجهة التي تقدم إليها فقد تكون النيابة العامة بوصفها السلطة المختصة بهذا الإجراء أو إلى أحد مأموري الضبط القضائي بوصفه السلطة التي عهد بإجراءاتها رفع الدعوى الجزائية
وبالرجوع إلى القانون الأردني أو المصري نجده أنه لم يشترط شكلا خاصا ولا أوضاعا محددة للشكوى فقد تكون كتابية أو شفوية
و الاسقاط في جريمة الزنا يترتب عنه وجوبا ايقاف التتبع في حق الفاعل الاصلى و الشريك و انقراض الدعوى العمومية .
ب- عقوبة الزنا:
زنا الزوج أو الزوجة يعاقب عنه بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها خمسمائة دينار.
وإذا ارتكب الزنا بمحل الزوجية فلا تنطبق أحكام الفصل 53 من المجلة الجزائية الذي يمكن المحكمة من إعمال ظروف التخفيف.
والشريك يعاقب بنفس العقاب المقرّر للزوجة أو الزوج المرتكب للجريمة.