مقالاتمنوعات

جريمة اختطاف أو تحويل وجهة شخص

إعداد: جابر غنيمي
دكتور في القانون
المساعد الأول لوكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد
مدرس جامعي


الاختطاف اسم مشتـق من المصدر – خطف – والخطف هو الاستلاب
بسرعة وهو سرعة أخذ الشئ ، ونقول خطف البرق البصر أي ذهب به ،وأختطـــف الشيطـان السمع أي أسترقه، وقوله تعـــــالى في القـرآن الكريــم ” يكاد البرق يخطف أبصارهم ” معنــــاه يذهب به ويستلبهـا من شدة ضيـاءه ،وقوله أيضا ” ويتخطف النـاس من حولهم ” ،وقوله كذلك” إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب” أي لحقه وتبعه ،والخطف هاهنا معناه الاستراق وأخذ الشئ بسرعة .
كما أطلـق العرب قديما أسمـاء وألقاب اشتقت من نفس المصدر فمن ذلك يطلق لفظ الخطفة على ما أخذ مرة بسرعة ،كما يطلق على ما أختطفه الذئب من أعضـاء الشاة وهي حية.كما أطلق اسم الخاطف على بعض الطيور لأنها تخطف الصيد خطفـا أي تأخذه بسرعة وتذهب به كما أطلق هذا الاسم على الذئب.
ولكن ما يهمنـا هو ما اشتق من مصدر- خطف- في موضوع الإجرام والمجرمين حيث نجد العرب قديما قد استخدموا هذا الاسم في هذا الموضـوع ،حيث أطلـق اسم – الخطاف – على الرجل اللص الفاسق ويقول الشاعـــر :
وإستصحبــوا كل عــم أمــي مــن كل خطـاف وأعـرابـي
هذا هو التحديد اللغوي لكلمة الاختطاف ، ويلاحظ فيه أنه يقوم على الفعل السريع ،والأخذ السريع او السلب السريع ،أو الاختلاس السريع ،أي أن مـن لوازمه السرعـة فـي الفعـل وهذه السرعة تقتضي النقل السريـع والإبعـاد السريـع .
ونجد أن معظم التشريعات لا تضع تعريفا محددا لهذه الجريمة حيث تقتصر على ذكر العقوبـة المقـررة لها فقط، وهـذا ما نجده في القانـون المصري واللبناني والسـوري و والليبي، لكن بعض التشريعات الغربيـة الأخرى نجدها تعرف هذه الجريمة منها التشريع
الإيطالي والسوداني, وعرفها هذا الأخيـر بأنه :كل من يرغم أي شخص بالقـوة أو يغريه بأية طريقة من طرق الخداع على أن يغـادر مكانا ما ،يقـال أنه خطف ذلك الشخص.
ولعل السبب في عدم وضع تعـريف محدد لهذه الجريمـة في أغلب التشريعات هو حداثة هذه الجريمة من جهة ، ونجدها نـادرة في بعض الدول الأخرى من جهة ثانية ،وعدم وجود تحديد لمفهوم جريمة الاختطاف قد دفع بعض الباحثيـن وفقهـاء القانون الى الاجتهاد في وضع تعريفـات لها
وقد عرفه أحد الباحثيـن بأنها ” التعرض المفاجـئ والسريع بالأخذ أو السلب لما يمكن أن يكون محـلا لذلك استنادا إلى قوة ماديـة او معنوية ظاهرة أو مستتـرة “.
وعرف أيضا بأنه ” انتزاع الشـئ المادي أو المعنـوي من مكانه وإبعاده عنه بتمـام السيطـرة عليه “
ويظهر من كلا التعريفين أنهما لم يضعـا تحديدا دقيقا لمفهوم الاختطاف حيث ركزا على ذكر الفعل المادي مع الاختلاف بينهما حيث وصف التعريف الأول الفعل ب: التعرض المفاجئ السريع ،ووصف التعريف الثاني الفعل بالانتزاع ويلاحظ من كلا التعريفـين أنهما غير دقيقين ،ففي التعريف الأول لم يشر الى نقل محل الجريمة الى مكان آخر،كما أن التعريف الثاني لم يشر أيضا إلى إمكان حدوث هذه الجريمة بواسطة الحيلة او الاستدراج.
كما أن هناك تعريف آخر يعرفه على أنه:” سلب الفـرد او الضحية حريتـه باستخدام أسلوب او أكثر من أساليب العنف والاحتفاظ به في مكان ما يخضع لسيطرة وحماية ورقابة المختطفين تحقيقا لغرض معين
كما يلاحظ أن هذا التعريف لم يعترف بالاختطاف إلا على الإنسان ،كما أنه استعمل مصطلح أسلوب من أساليب العنف ، وغفل على أن العديد بل الكثير من صور هذه الجريمة تقع بأسلوب الاستدراج ،والحيلة والإغراء كما أنه وقع خلط بين جريمة الاختطاف وهي محل دراستنا ، وجرائـم أخرى مستقلة عنها وهي جريمة احتجاز الأشخاص او حبسهـم .
والذي نراه ونحن بصدد تعريف الاختطاف هو وضع تعريف واحد للجريمة بشكـل عام، وليس من السليم فصل التعريفين عن بعضهما البعض لأن كلا الجريمتـين تسمى اختطاف والتكييف القانوني لهما واحد، سـواء وقع على أشخاص أو على أشياء مادية طائرات ،قطـارات ،سيـارات ،سفـن …
ونتيجة لما سبق فإننا سنحـاول أن نضع تعريفـا دقيقا لجريمة الاختطاف محاوليـن أن يكون هذا التعريف شاملا لجميع عناصر الجريمة ومكوناتها الأساسية وهو كالأتـي : ” هو الأخذ السـريع باستعمال القوة المادية أو المعنوية أو عن طريق الحيلة والاستدراج لما يمكن أن يكون محلا لهذه الجريمة وإبعاده عن مكانه أو تحويل خط سيره بتمـام السيطـرة عليه “.
وحسب هذا التعـريف فإن محل جريمة الاختطاف ممكن أن يكون إنسان كما يمكن أن تكون وسيلة مادية، والإنسان يجب أن يكون حي ، ذكرا كان أو أنثى ،بالغـا أو حدثـا ،والمـادة قد تكون كما سبق ذكره وسيلة نقل بـرية ،بحـرية، أو جـوية .
كمـا أن أسلوب الخطف يمكن أن يتم بالقوة والعنف كما يمكن أن يتم عن طريق الحيلة أو الاستدراج .
و جريمة الاختطاف او تحويل وجهة تقتصي تحديد أركانها )الفقرة الأولى( و عقوبتها )الفقرة الثانية(
الفقرة الأولى: أركان جريمة الاختطاف
تقوم هذه الجريمة على ركن معترض )أ( ركن مادي )ب( و ركن معنوي )ج(
أ- الركن المفترض:
من المعلوم انه لا يتصور قيام جريمة الاختطاف دون وجود محـل تقع عليـه، وهو ما يطلق عليه الركن المفترض ، و هو الانسان الذي يجب ان يكون حيا
والإنسان هو ذلك الكائن الآدمي المركب من جسد وروح خلقه الله عز وجل وجعله يتمتع بنعمة العقل، وخصه بمجموعة من الخصائص والصفات النفسية والوجدانية مما يجعله كائنا فريدا يختلف عن غيره من الكائنات الحية الأخرى ،وما يعنينا في هذه الدراسة هو الإنسان ذو-الشخصية الطبيعية-والتي تثبت لها حقوق وعليها التزامات ،ومن هذه الحقوق الحق في الحياة، والحـق في الحرية الشخصيـة،الحق في السلامة الجسدية ،الحق في التملك والتصرف والحق في الأمن والطمأنينة على نفسه وماله وعرضه ،وسلامة جسده…
وهذه الحقـوق جميعها منوطة بصفة الحياة.والحياة هي الصفـة التي تضاف للجسد مادام يقوم بالحد الأدنى من الوظائف الحيوية الطبيعية،سواء كانت تلك الوظائف ظاهرة أي خارجية أو مستمرة تقوم بها الأعضاء والأجهزة الداخلية سواء كانت حيوية أو ذهنيـة.
وتبدأ الحياة الإنسانية بخروج الإنسان من بطن أمه حيا، وتثبت حياته بالصياح،العطاس، التنفس، أو الحركة وبهذا يعتبر المولـود إنسان له حقوق، ولهذا فهـو يتصور أن يكون محلا للاختطاف ،ويترتب على ما سبق أن الإنسان في مرحلته الجنينية أي ما قبل الولادة ،لا يتصور أن يكون محلا لجريمـة الاختطاف،وفي المقابل فإن الإنسان بفقده للحياة وذلك بخروج روحه بفعل الوفاة الطبيعية أو بالقتل فإنه يتحول إلى جثة هامدة ولا يتصور فيها جريمة اختطاف لأنه لم يعد قادرا على ممارسة حقوقه كإنسان وإن كان تبقى الجريمة قائمة ولكن بوصف ثان وهو الاعتداء على جثة .
ب- الركن المادي:
وبتمثل في اختطاف أو العمل على اختطاف شخص أو جرّه أو تحويل وجهته أو نقله أو العمل على جرّه أو على تحويل وجهته أو نقله من المكان الذي كان به وذلك باستعمال الحيلة أو العنف أو التهديد.

ج- الركن المعنوي:
لا يكفي لقيام الجريمة ارتكاب عمل مادي ينص ويعـاقب عليه قانون جزائي ،بل لابد أن يصدر هذا العمل المادي عن إرادة الجاني ،وتتشكل هذه العلاقة التي تربط العمل المادي بالفاعل ما يسمى بالركن المعنوي.
ونظرا لطبيعـة جريمة الاختطاف لا يتصور فيها أن تتم بالخطأ، حيث لا تتم إلا إذا كانت مقصودة سواء على الشخص المراد من طرف الخاطف أو شخص آخر، وقانون العقوبات لا يفرق كما سبق ذكره بين شخص وآخر فكل الأشخاص يحميهم القانون .
وعليه يلزم في هذه الجريمـة توافر القصد الجنائـي وأن يكون هذا الشخص متمتعا بالأهلية الجنائية ،وهذه الأهلية هي أن يكون الشخص-الجاني-بالغا وعاقلا وهما الدعامتان اللتان يقوم عليهما الوعي والإرادة وهذا معناه أن يكون الجاني وقت ارتكاب الجريمة متمتعـا بالعقل الذي يسمح له بإدراك معنى الجريمة ومعنى العقوبة كذلك القصد الجنائي في جرائم الاختطاف وعناصره.
القصد الجنائي العام معناه إرادة الخروج على القانون بعمل أو امتناع ،وهو إرادة الإضرار بمصلحة يحميها القانون الذي يفترض العلم به عند الفاعل.
والقصد إلى الشئ معناه اتجاه الإرادة إليه بعد العلم به ،وهذا يعني أن قصد فعل الخطف هو إحاطة العلم به واتجاه الإرادة نحوه ،وكذلك قصد النتيجة وهي الاختطاف ،والعمد يقوم على العلم والإرادة المنصرفين للفعل والنتيجة ،وعليه فإنه لكي يتحقق القصد الجنائي العام لدى الجاني يلزم توافر عنصرين هما:
أولا: أن يتحقق للجاني العلم بماهيـة جريمـة الاختطاف وبالوقائع المكونة لها، وعدم مشروعيتها وخطورتها والنتائج التي سوف تترتب عليها .
ثانيا: أن تتجه إرادة الجاني إلى ارتكاب جريمة الاختطاف بنية إحداث النتيجة الإجرامية

  • العلـــــــــــــم :
    يجب أن يحيط علم الجاني بماديات وعناصر الركن المادية للجريمة وكذا عناصـر الركن الشرعي وهـذا يعني أنه يلزم أن يكون الجاني عالما وعارفا بالفعل وهذا أمر بديهي ،كذلك أن العلـم بالأفعـال هو حالة ذهنية تعطي للشخص القدرة على الإدراك والتمييز بين الأفعال المختلفة مدركا خطواتها والنتائج التـي يمكن أن تسفر عنها ،والأصل أن الإنسان المتمتع بالملكات العقلية المعتـادة يـدرك أنه فاعل للفعل الذي يقوم به، والجاني في جريمة الاختطاف الأصل أن يكون عالما بماديات هذه الجريمة مدركا خطواتها ومتوقعا لنتائجها .
    وعلى ذلك فلا يكفي العلم بفعل الخطف بل يجب أن يتوقع النتيجـة التي يحدثها هذا الفعل وهذا التوقع يتطلب العلم بموضوع الحق المعتدى عليه وإدراك الأضرار التي قد تصيبه.
    ويلزم كذلك عالما بالحكم الشرعـي أو القانوني لفعـل الخطف والنتيجة المترتبة عليها وهذا النوع من العلم مفترض ولا يصح إنكاره أو الإدعاء بعدم وجوده ،وعلـى ذلك فإن القصد الجنائي يكون متوافر لدى الجاني في جريمة الاختطاف إذا كان الجاني عالما بأنه يرتكب فعل الخطف والوقائع المكونة له وهي الأخذ والنقل أو إجبار المخطوف على ترك مكانه أو تحويل خط سيره بتمام السيطرة عليه، وأنه يترتب على فعل الاعتداء على حـق الإنسان في الاختيار والتنقل والسلامة.
    ولا يقدح في العلم بماديات وعناصر الجريمة وركنها الشرعي عدم العلم باسم أو جنسية المخطوف أو عـدد ركاب الوسيلة المختطفة أو غير ذلك من التفاصيل كون هذا الفعل تابع لما سبق.
  • الإرادة :
    الإرادة هي نشاط نفسي يتجه إلى تحقيق غرض عن طريق وسيلة معينة.وهي تمثل جوهر القصد وعنصره الإنساني . والجاني في جريمة الاختطاف بعد علمه بهذه الجريمة تتجه إرادته إلى تحقيق هدفه وهو إبعاد المجني عليه عن مكانه أو تحويل خط سيره وأن إرادة الجاني قد اتجهت إلى تحقيق هذه النتيجة الإجـرامية، وهذا يعنـي أن الإرادة لا بد أن تنصرف إلى الفعل والى النتيجة معا، ولا يكفـي أن تتجـه الإرادة الى الفعل دون النتيجة ،ولو توفرت هذه الحالة فإن القصد الجنائي لم يكتمل بعد.
    كما لا يتوافر القصد الجنائي إذا اتجهت الإرادة إلى إحداث نتيجة غير ذلك التي قصدها الجاني ،كما لو كان الهدف إبعاد المجني عليه عن مكانه، وأخذه وتحويل خط سيره وتحققت نتيجة أخرى هي مجرد حجز الشخص ، وعليه يسأل الجاني عن جريمة الحجز وليس عن جريمـة الاختطاف ،أو كان الهدف الخطف والنتيجة المحققة هي الاعتداء والإيذاء الجسدي أو هتـك العرض …فإن النتيجـة الإجراميـة التي تحققت غير النتيجة المطلوبة ويسأل الجاني بناءا على النتيجة التي تحققت مادام الفعل يؤدي إليها.
    وعلى ذلك فإذا توا فر العلم بجريمة الاختطاف والوقائع المكونة لها وعدم مشروعيتها وخطورتها والنتائج التي سوف تترتب عليهـا، وتوفرت الإرادة إلى ارتكاب الجريمة بنية إحداث النتيجة الإجرامية فإن القصد الجنائي يتحقق في هذه الجريمة .
    الفقرة الثانية: عقوبة الاختطاف
    ينص الفصل 237 م ج ” يعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام كل من يختطف أو يعمل على اختطاف شخص أو يجرّه أو يحوّل وجهته أو ينقله أو يعمل على جرّه أو على تحويل وجهته أو نقله من المكان الذي كان به وذلك باستعمال الحيلة أو العنف أو التهديد.
    ويرفع العقاب إلى عشرين عاما إذا كان الشخص المختطف أو الواقع تحويل وجهته موظفا عموميا أو عضوا في السلك الديبلوماسي أو القنصلي أو فردا من أفراد عائلتهم أو طفلا سنه دون الثمانية عشر عاما.
    وتطبّق هذه العقوبة مهما كانت صفة الشخص إذا وقع اختطافه أو حوّلت وجهته بغية دفع فدية أو تنفيذ أمر أو شرط.
    ويكون العقاب بالسجن بقية العمر إذا ما تم الاختطاف أو تحويل الوجهة باستعمال سلاح أو بواسطة زي أو هوية مزيفة أو بأمر زيّف صدوره عن السلطة العمومية وكذلك إذا ما نتج عن هذه الأعمال سقوط بدني أو مرض.
    ويكون العقاب في هذه الجرائم الإعدام إذا ما صاحبها أو تبعها موت”.
    عقوبة الاختطاف يمكن ان تكون السجن) أ( أو الإعدام )ب(
    أ- عقوبة السجن:
    يعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام كل من يختطف أو يعمل على اختطاف شخص أو يجرّه أو يحوّل وجهته أو ينقله أو يعمل على جرّه أو على تحويل وجهته أو نقله من المكان الذي كان به وذلك باستعمال الحيلة أو العنف أو التهديد.
    ويرفع العقاب إلى عشرين عاما إذا كان الشخص المختطف أو الواقع تحويل وجهته موظفا عموميا أو عضوا في السلك الديبلوماسي أو القنصلي أو فردا من أفراد عائلتهم أو طفلا سنه دون الثمانية عشر عاما.
    وتطبّق هذه العقوبة مهما كانت صفة الشخص إذا وقع اختطافه أو حوّلت وجهته بغية دفع فدية أو تنفيذ أمر أو شرط.
    ويكون العقاب بالسجن بقية العمر إذا ما تم الاختطاف أو تحويل الوجهة باستعمال سلاح أو بواسطة زي أو هوية مزيفة أو بأمر زيّف صدوره عن السلطة العمومية وكذلك إذا ما نتج عن هذه الأعمال سقوط بدني أو مرض.
    ب- عقوبة الإعدام:
    يكون العقاب في جرائم الاختطاف او تحويل الوجهة الإعدام إذا ما صاحبها أو تبعها موت

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى