مقالاتمنوعات

جريمة إصدار شيك بدون رصيد الأركان و إجراءات التسوية بقلم : القاضي الدكتور جابر غنيمي



بقلم : القاضي الدكتور جابر غنيمي المساعد الأول لوكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد

لقد اهتدى علماء الاقتصاد والتّجارة بداية من القرن السّابع عشر للميلاد بإنقلترا إلى اكتشاف سند الشّيك كأداة وفاء تقوم مقام النّقود في المعاملات الماليّة ثمّ انتقل هذا السّند إلى مختلف بلدان العالم ممّا أدّى إلى تطوّر التّعامل به في أغلب العمليّات الماليّة وحلّ محلّ الأوراق النّقديّة عند الوفاء بمختلف الالتزامات المدنيّة
هكذا يتبيّن مبدئيا أنّ هذه الوسيلة المستحدثة في الوفاء تفترض قيام علاقة قانونيّة بين أشخاص ثلاثة، فالشّخص الأوّل وهو الدّائن، والّذي يستوفي حقّه بواسطة الشّيك يسمّى المستفيد، أمّا الشّخص الثّاني والّذي يوفي بقيمة الشّيك لهذا المستفيد فيسمّى في الاصطلاح القانوني، المسحوب عليه ويفترض أن يكون مدينا بمبلغ الشّيك لفائدة المدين الأصلي الّذي يسمّى السّاحب
 وعلى ضوء هذه البيانات تبلور المفهوم العصري للشيك ليصبح ذاك السند الّذي اتّخذ مفاهيم متنوعة.
وقد جرى العمل على استعمال اللغة الفرنسية في تسمية هذه الوسيلة بلفظ chèque ، وأصبح اللفظ متداولا بهذه الصورة في معظم بلاد العالم فأصبحت له دلالة عالميّة
ولقد آثر المشرّع التّونسي السكوت عن تعريف الشيك وتحديد ماهيته مقتصرا على ذكر الشروط الشكليّة التي يجب أن تـتوفّر فيه، وذلك بأن نصّ صلــب الفصل 346 من المجلّة التجاريّة على أنّه  » يحتوي الشيك على البيانات الآتية
ذكر كلمة شيك مدرجة في نصّ السند نفسه باللّغة الّتي كتب بها. التوكيل المطلق المجرد بدفع مبلغ معين
اسم الشّخص الّذي يجب عليه الدّفع (المسحوب عليه).
تعيين المكان الذي يجب فيه الدّفع.
تعيين تاريخ إنشاء الشيك ومكانه
توقيع من أصدر الشيك (الساحب)
ومن الممكن أن نلتمس عذرا للمشرّع التونسي في عدم تعريفه للشيك، خاصة مع الديناميكية التي تطغى على الحياة العملية، ورغبة المشرّع في عدم حصر مفهوم الشيك في تعريف جامد لا يتماشى وروح العصر المتطوّر
و قد درج فقه القضاء التونسي على تعريف الشيك » بأنه الصك المحرر وفق بيانات إلزامية حددها القانون التجاري و يتضمن أمرا يصدره الساحب الى المسحوب عليه بدفع مبلغ معين من المال لفائدة المستفيد لدى الاطلاع »
و عرف فقه القضاء المصري الشيك » باه محرر مكتوب وفق أوضاع شكلية استقر عليها العرف يتضمن أمرا من الساحب إلى المسحوب اليه يكون غالبا احد البنوك بان يدفع للمستفيد او لحامل الصك مبلغا معينا من النقود بمجرد الاطلاع »
و قد عرف المشرع الفرنسي الشيك في القانون الصادر سنة 1865 بالمادة الأولى منه، لكن المرسوم الصادر في 30 اكتوبر 1935 لم يعرف الشيك بل اقتصر على ذكر بيانه بأنه

Le cheque est l’ecrit qui sous la forme d’un mandat de paiement sert au tireur a effectuer le retrait a son profit ou au profit d’un tiers de tout ou partie de fonds portes au credit de son compte chez le tire et disponible
و لقد نص الفصل 411 م ت  » يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام و بخطية تساوي أربعين بالمائة من مبلغ الشيك أو من باقي قيمته على أن لا تقل عن عشرين بالمائة من مبلغ الشيك أو باقي قيمته
كل من اصدر شيك ليس له رصيد سابق و قابل للتصرف فيه او كان الرصيد اقل من مبلغ الشيك أو استرجع بعد إصدار الشيك كامل الرصيد او بعضه او اعترض على خلاصه لدى المسحوب عليه في غير الصور المنصوص عليها بالفصل 374 من هذه المجلة ».
إن جريمة إصدار شيك بدون رصيد تقتضي توفر جملة من الأركان ( الجزء الأول) و تخضع لإجراءات التسوية ( الجزء الثاني)
الجزء الأول: أركان جريمة إصدار شيك بدون رصيد
إن جريمة إصدار شيك بدون رصيد تتحقق بوجود ركن مادي ( الفقرة الأولى) وركن المعنوي ( الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: الركن المادي
جريمة إصدار شيك بدون رصيد جريمة مادية بحتة تكون قائمة في حق الساحب إذا وقع إعلامه بإصداره لشيك بدون رصيد و لم يقم بتسوية وضعيته المادية في الآجال المحددة بالقانون
و قد نحت اغلب القوانين المقارنة منحى القانون التونسي مثل القانون الفرنسي و القانون اللبناني و القانون السوداني
وحدد الفصل 374 من المجلة التجارية صورا كافية لقيام الركن المادي لجريمة الشيك بدون رصيد و هي
_ إصدار شيك لا يقابله رصيد قابل للوفاء به
_ أو كان الرصيد اقل من قيمة الشيك أو قيام الساحب باسترجاع كامل الرصيد أو بعضه بعد إصدار الشيك
إن جريمة إصدار شيك بدون رصيد سابق وقابل للتصرّف فيه لا تقوم إلا إذا توفرت الأركان الضرورية لها والتي استوعبها النصّ المذكور وهي التالية
إصدار الشيك
يمرّ الشيك منذ التفكير في تحريره حتى تقديمه إلى المسحوب عليه بعدّة مراحل، ذلك أنّ الساحب يعدّ ورقة السند قبل تحريرها، ثمّ يقوم بملء البيانات اللازمة حتى تتوافر له صفات الشيك، ولا جدال في أنه حتى هذه اللحظة لا يعتبر الساحب قد أعطى شيكا ولا يخرج الأمر عن مرحلة الأعمال التحضيرية للجريمة، والقاعدة أنه لا عقاب عليها، لأن الهدف من العقاب، حماية الشيك عند وضعه للتداول، وما دام الشيك في حيازة الساحب فلا حاجة إلى مثل هذه الحماية، ولذلك فان إصدار الشيك يتحقق بطرحه للتداول أي بخروجه عن حوزة الساحب، لأنه حينئذ فقط تتحقق الحكمة من الحماية الجزائية. فلا يكفي مجرد عرض الشيك على الدائن دون تسليمه إليه. ولقد قضى بأن الإصدار يتم بمجرد إعطاء الساحب الشيك إلى المستفيد مع علمه بأنه ليس هناك رصيد قابل للسحب في تاريخ الاستحقاق، إذ يتم بذلك طرح الشيك في التداول فتنعطف عليه الحماية القانونية التي أسبغها المشرّع على الشيك، بالعقاب على هذه الجريمة باعتباره أداة وفاء تجري مجرى النقود في المعاملات.
وغالبا ما يتم تسليم الشيك من الساحب إلى المستفيد بصورة مباشرة أي عن طريق المناولة اليدوية، ولكن هذا ليس بشرط إذ قد يقوم الساحب بإرسال الشيك إلى المستفيد عن طريق البريد، وفي هذه الحالة لا يعتبر الركن المادي للجريمة متحققا إذا لم يكن للشيك المرسل من قبل الساحب عن طريق البريد رصيد، إلا إذا تم استلامه من قبل المستفيد أو من يمثله
وقد يسلم الساحب الشيك إلى وكيله هو ليقوم هذا الوكيل بتسليمه إلى المستفيد، وهنا لا يعتبر فعل الإصدار متحققا لان حيازة الوكيل ما هي إلا امتداد لحيازة الموكل
وسواء تم تسليم الشيك إلى المستفيد مباشرة أو بصورة غير مباشرة فان فعل الإصدار الذي تتحقق به الجريمة يقتضى أن يتخلى الساحب عن حيازته للشيك بمحض إرادته، فإذا انتفت هذه الإرادة فان الركن المادي للجريمة لا يكون قائما. وبناء على ذلك إذا حرر شخص شيكا دون أن يكون له رصيد لدى البنك، ووقّع عليه، ثم احتفظ به في حيازته وبعد ذلك سرق منه أو فُـقِـدَ فعثر عليه شخص وطرحه في التداول فلا جريمة ولا عقاب على من حرر الشيك لان خروج الشيك من حيازة محرر كان بسبب خارج عن إرادته. وتطبيقا لذلك قضت محكمة النقض المصرية بأن الأصل أن إعطاء الشيك بتسليمه للمستفيد، إنما يكون على وجه يتخلّي فيه الساحب نهائيا عن حيازته، بحيث تنصرف إرادة الساحب إلى التخلي عن حيازة الشيك، فإذا انتفت الإرادة لسرقة الشيك من الساحب أو فقده أو وقع تزويره عليه، انتفى الركن المادي للجريمة وهو فعل الإعطاء
ولكن قد يحدث أن يقوم الساحب بتحرير الشيك لمصلحة نفسه، أي يكون هو المستفيد فيه، ثم تقديمه للمسحوب عليه، وهو يعلم بأن ليس له رصيد، فهل يتوافر في حقه فعل الإصدار وتقوم جريمة إصدار شيك بدون رصيد
يمكن الإجابة على هذا التساءل بالرجوع إلى طبيعة الجريمة في حدّ ذاتها والغاية من التجريم، فالركن المادي في الجريمة يتكوّن من فعل الإعطاء أي طرح السند للتداول والغاية من العقاب هو حماية الثقة في الشيكات، فإذا كان الشيك قد سلم من الساحب الى المسحوب عليه وكان الأول هو المستفيد فان فعل التسليم في ذاته هو آخر مرحلة في حياة الشيك. ومن ثم فلا يتصور إطلاقا تداوله، ومتى كان الأمر كذلك فإنه ينتفي تصوّر الإعطاء المكوّن لركن الجريمة
كما أنه لا عقاب إلا على فعل الإصدار دون غيره، أي طرح الشيك للتداول، ومن ثمّ فكل تصرّف في الشيك لا حق لذلك لا يعدّ إصدارا، حتى ولو كان الموقّع على الشيك سيء النية أي يعلم بعدم وجود الرصيد الكافي والقابل للسحب. وهذا المنطق يتفق مع الثقة الممنوحة للشيك والحكمة من التجريم، لان هذه الثقة لا تُـتَطلب الا بالنسبة لفعل ساحب الشيك، فَمُظْهِرُ الشيك إذا علم بعدم وجود الرصيد وتصرّف في الشيك فإنه قد يكون مدفوعا للتخلص من ضرر قد يلحق به
ويمكن تبرير هذا المنطق بالرجوع الى قواعد القانون الجزائي التي تقتضي أن لا عقاب بدون نص، ذلك أن الفصل 411 من المجلة التجارية لم ينصّ على عقاب المظهر للشيك بدون رصيد سابق وقابل للتصرّف فيه أو برصيد ناقص، فتحويل الشيك المذكور عن طريق التظهير غير معاقب عليه إذا، حتى لو علم المظهر حقيقة الشيك بعد حصوله عليه. كما لا يمكن اعتباره شريكا مع المتهم الأول (الساحب) إذ أن علمه يأتي تابعا لقيام الجريمة فلا يعدّ مشتركا فيها
وتجدر الإشارة إلى أن جريمة إصدار شيك بدون رصيد سابق قابل للتصرف فيه أو برصيد ناقص هي جريمة وقتية تتم بمجرّد الفعل المادّي بتسليم الشيك إلى المستفيد أو إلى من يمثله، وهي لا تتوقف على تقديم الشيك الى المسحوب عليه، لان تقديم ذلك الشيك للمسحوب عليه للخلاص، هو إجراء كاشف للجريمة وليس منشىء لها
وتحديد تاريخ قيام الجريمة، بتاريخ الإصدار لا بتاريخ تقديم الشيك للخلاص أمر مهمّ في تحديد بدء سريان مدّة انقراض الدعوى الجزائية بالتقادم على نحو ما سيقع التعرّض إليه لاحقا.
كما أنّ جريمة إصدار شيك بدون رصيد سابق وقابل للتصّرف فيه أو برصيد ناقص، تقوم بصرف النظر عما إذا كان المستفيد يعلم بهذه الواقعة من عدمه، لان الغاية من التجريم هي حماية التعامل بالشيكات إلا أنّ المستفيد في الصورة المطروحة يتحمل المسؤولية الجزائية أيضا في صورة علمه بفقدان الرصيد أو بنقصانه (الفقرة الثانية من فصل 411 من المجلة التجارية )
2- انتفاء الرصيد السابق والقابل للتصرف فيه أو نقصانه:
يعتبر الرصيد منتفيا، و غير موجود إذا لم يكن الساحب دائنا للمسحوب عليه وقت إصدار الشيك. أو إذا كان الحق الذي للساحب عند المسحوب عليه لا يزال عند إصدار الشيك غير محقق الوجود، أو غير مستحق الأداء، أو غير معيّن المقدار، أو غير قابل للتصرّف فيه بموجب شيك، أو كان محلا لنزاع أو كان محلّ عقلة توقيفية، وهذا ما قصده المشرّع من خلال عبارة « غير قابل للتصرّف فيه ».
كما لا يعتبر الرصيد موجودا إذا كان الحق الذي للساحب عند المسحوب عليه لا يزال وقت إصدار الشيك، في صورة أوراق تجارية
وتطبيقا لذلك قضت المحاكم الفرنسية بأن قيام الساحب بإرسال بعض السندات إلى المسحوب عليه لبيعها بقصد تكوين الرصيد يكفي لدفع قيمة الشيك، لا ينفي وقوع الجريمة، فليس هذا إلا مجرد احتمال بتوفر الرصيد لا يقوم مقام رصيد فعلي قابل للتصرف فيه
والعبرة في قيام الجريمة بعدم وجود الرصيد وقت إصدار الشيك.
والأصل أنه يجب الرجوع إلى التاريخ المذكور في الشيك لتعيين وقت الإصدار، ولكن يحصل أحيانا أن يذكر الساحب في الشيك تاريخا لاحقا لتاريخ إصداره الحقيقي
وتقع مثل هذه الفرضية عندما لا يكون الرصيد موجودا عند إصدار الشيك ويتوقّع الساحب إيجاده لدى البنك المسحوب عليه في التاريخ المذكور في الشيك (التاريخ الصوري)
كما لو حرر الساحب الشيك في 1-1-2001 وضمّن به تاريخ 15-1-2001 فهل يجب لانتفاء الجريمة في هذه الحالة أن يكون الرصيد موجودا في تاريخ الإصدار الحقيقي (يوم 1-1-2001) أم يكـتفي بوجوده في التاريخ المذكور في الشيك
إن جريمة إصدار الشيك بدون رصيد، كغيرها من الجرائم الواقعة على الشيك، هي جريمة وقتية تتحقق بمجرّد تسليم الشيك إلى المستفيد، ومن ثمّ فإن التاريخ المذكور في الشيك لا يكون دائما هو العامل الأساسي والنهائي الذي يجب أن يعتد به كأساس لوقوع هذه الجريمة. فإذا قدم الشيك في التاريخ الثابت به أو بعده، وسددت قيمته من قبل البنك المسحوب عليه فلا إشكال، إذ لن تكون هناك في الغالب فائدة عملية في إثبات عدم وجود الرصيد قبل التاريخ المذكور في الشيك، لكن إذا وقع تقديم الشيك في يوم سابق على التاريخ المدون به، وهو أمر جائز طالما أن المستفيد يستطيع تقديمه للوفاء فور إصداره لكونه قابل للوفاء بمجرّد الاطلاع (371 من المجلة التجارية)، قامت الجريمة، إذا انعدم الرصيد أو كان غير كاف أو غير قابل للتصرّف فيه، ولا يقبل من الساحب إثبات ما يخالف ظاهر الشيك والادعاء بأنه قد صدر بتاريخ سابق على التاريخ المدون عليه
وتجدر الإشارة إلى أن الشرط المتعلق بوجود رصيد سابق يثير العديد من المشاكل إذا ما عمد البنك المسحوب عليه إلى التوقف فجأة عن خلاص شيكات مسحوبة من طرف الساحب رغم فتح اعتمادات لفائدة هذا الأخير
ولهذا الغرض صدر منشور عن البنك المركزي ليوضح علاقات البنوك مع حرفاءها واجتناب تحميل ساحبي شيكات ذوي نية حسنة وقعت مفاجأتهم برفض آداءها دون سابقية إعلام من طرف الصيرفي
ولقد ورد في هذا المنشور أنّه وطبقا للفصل 705 من المجلة التجارية لا يمكن الرجوع بدون سبب في فتح تلك الاعتمادات اذا وقع منحها لمدة غير محددة الا بعد تنبيه مسبق بثمانية أيام. غير أنه يجوز الرجوع في تلك الاعتمادات وجوبا وبدون تنبيه مسبق طبقا للفصل 706 من المجلة التجارية سواء منحت لمدة محددة أو غير محددة إذا توفى المستفيد أو طرأ عليه ما يفقده أهليته أو إذا صار مشهورا بالتوقف عن دفع ديونه ولو لم يثبت هذا التوقف بحكم أو إذا ارتكب خطأ فاحش في استعمال الاعتماد الممنوح. ولحسن تطبيق هذه القواعد، وبالخصوص لتمكين البنوك من الانتفاع دون أي أشكال بالضمانات التي يمنحها لها القانون من جهة، ولاجتناب الإلغاء التعسفي للاعتماد من جهة أخرى، تقرر إخضاع كل فتح اعتماد يُمْنَحُ من طرف البنوك لنصّ وحيد يسمى « بالقواعد العامة لفتح الاعتمادات »، و بالإضافة إلى ذلك فان البنوك مدعوة للإعلام بفتح الاعتماد وفقا لأنموذج « مكتوب إعلام بفتح اعتماد  » المصاحب لذلك المنشور
وجدير بالإشارة إلى أن عدم كفاية الرصيد تأخذ حكم انعدامه تماما، ذلك أنه كما سبق التعرض إليه آنفا، فإنه من شروط وجود الرصيد أن يكون مساويـا بالأقل لقيمة الشيك، فإذا
كان لا يكفي لتغطية هذه القيمة اعتبر في حكم الرصيد المنعدم بالنظر الى الساحب وهو ما يبدو من خلال عبارة « أو » الواردة بالفصل 411 من المجلة التجارية
وعلى هذا الأساس فان جريمة إصدار شيك بدون رصيد تتحقق إذا كان الرصيد الموجود لدى البنك المسحوب عليه أقل من المبلغ الذي صدر به الشيك، رغم أن بعض التشريعات العربية الأخرى، خلافا للتشريع التونسي، تنصّ على الفصل بين حالة انتفاء الرصيد وعدم كفايته
ومبدئيا تقوم الجريمة متى كان الرصيد أقل من قيمة الشيك، ولا أهمية لقيمة الفارق بين الرصيد الموجود وبين قيمة الشيك.
ومع ذلك ذهبت بعض الآراء الفقهية إلى أن تفاهة الفرق بين قيمة الشيك والرصيد الموجود قد تكون دليلا على حسن نية الساحب وبالتالي يمكن أن لا يكون محلّ مساءلة جزائية
و على المحكمة لإبراز توفر الركن المادي لجريمة إصدار شيك بدون رصيد أن تتحقق من عدم وجود الرصيد الكافي للوفاء بمعين الشيك لدى البنك المسحوب عليه و لها كامل الحرية و اعتمادا على حرية الإثبات في المادة الجنائية ان تتخذ جميع الوسائل و الإجراءات التي توصلها إلى معرفة الحقيقة
و لا يشترط قانونا لوقوع جريمة إصدار شيك بدون رصيد أن يقوم المستفيد بتقديم الشيك للبنك المسحوب عليه في تاريخ إصداره بل تحصل الجريمة و لو وقع تقديم الشيك في تاريخ لاحق لذلك طالما كان سند الشيك محرزا على شكلياته القانونية لكي يكون أداة وفاء تقوم مقام النقود و مستحق الأداء حالا و غير معلق على شرط كل ذلك خلال المدة التي لم تتناولها سقوط الدعوى العمومية بمرور الزمن طبق مقتضيات الفصل 5 م ا ج.
الفقرة الثانية: الركن المعنوي
الجريمة تتكوّن عندما يقترن الركن المادّي بركن آخر يطلق عليه الركن المعنوي. ويحصل ذلك عندما يبرز بوضوح وجه التحدّي من جانب مقترف الجريمة بكلّ حرية وإرادة مسؤولة لمخالفة الأوامر والنواهي التي حدّدها المشرّع قصد إلحاق الضرر بالغير، لذلك نصّت في البداية مختلف التشريعات التي تعرّضت إلى جريمة الشيك بدون رصيد على وجوب توفّر ركن سوء النية لدى الساحب عند إصداره لشيك بدون رصيد
فالفصل337 من قانون العقوبات المصري اعتبر سوء نيّة الساحب في جريمة إصدار شيك بدون رصيد هو من الأركان الأساسيّة للمؤاخذة فقد جاء به حرفيّا  » يحكم بهذه العقوبات -الحبس والغرامة- كلّ من أعطى بسوء نيّة شيكا لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب أو كان الرصيد أقلّ من قيمة الشيك أو سحب بعد إعطاء الشيك كلّ الرصيد أو بعضه بحيث يصبح الباقي لا يفي بقيمة الشيك أو أمر المسحوب عليه الشيك بعدم الدفع » . وذهبت محكمة التعقيب التونسيّة في نفس الاتّجاه.
غير أنّ هذا الركن طرأت عليه عدّة تغييرات هامّة، فتارة يعتدّ به قانونا وطورا يقع إلغاؤه صراحة أو يعتبر متوفّرا في جانب الساحب إذا أصدر شيكا واضح أن لا رصيد له ولم يقم بالتسوية في آجالها القانونيّة
ولا يخفى على أحد أنّ أحكام الشيك عرّفتها البلاد التونسية بمقتضى الأمر المؤرّخ في 30 ديسمبر 1923 المنقّح بالأمر المؤرّخ في 22 أكتوبر 1953 الذي تحدّث لأوّل مرّة عن جنحة الشيك بدون رصيد بالفصل التاسع منه والذي اشترط لإدانة مقترفها أن يكون سيّء النيّة في إصداره لذلك الشيك. فالقصد الإجرامي لا بدّ من توفّره في الفاعل وهو ما أقرّته محكمة التعقيب في القرار الصادر عنها عدد 4014 بتاريخ 23 ماي 1957، ثمّ أتت المجلّة التجاريّة المدرجة بالقانون عدد 129 لسنة 59 المؤرّخ في 5 أكتوبر 1959 فتحدّثت من جديد عن الجنحة المذكورة واعتبرتها بالفصل 411 منها جريمة موضوعيّة، إذ أنّه بمجرّد إنشاء الشيك وهو لا رصيد له تتكوّن هذه الجريمة، بقطع النظر عن نيّة مرتكبها وهو ما كرّسته محكمة التعقيب بقرارها عدد 2824 الصادر بتاريخ 22 جانفي 1964 بقولها: »يكون قائما على أساس من القانون، الحكم الذي قضى بالعقاب من أجل إصدار شيك بدون رصيد يقابله دون البحث عن سوء نيّة المتّهم باعتبار أنّ هذا الركن يتوفّر بمجرّد ثبوت أن لا رصيد له يقابله المبلغ المرسوم بالشيك الذي أمضاه »، وهكذا أصبحت جنحة إصدار شيك بدون رصيد حسب الفصل 411 في صيغته الأولى يوم صدور المجلّة التجاريّة هي جريمة ماديّة بحتة فلا يبحث عن حسن نيّة الفاعل من عدمها، فمجرّد إصدار الشيك وهو لا رصيد له يكون الجريمة
ثمّ أتى القانون عدد 311 لسنة 1970 المؤرّخ في 3 جويلية 1970 المنقّح للفصل 411 المذكور وأكّد من جديد على أنّ جريمة إصدار شيك بدون رصيد هي من الجرائم القصديّة التي يجب أن يتوفّر من جانب فاعلها سوء النيّة عند إصداره لذلك الشيك الذي لا رصيد له بالتالي أصبحت الفقرة الثانية الجديدة من ذلك الفصل تنصّ على ما يلي: »كلّ من أصدر عن سوء نيّة شيكا أو استرجع بعد إصدار الشيك كامل الرصيد أو بعضه أو حجّر على المسحوب عليه الدفع في غير الصور المنصوص عليها في الفصل 374 من هذه المجلّة ».
بينما كانت تلك الفقرة يوم صدورها كما يلي: »كلّ من أصدر شيكا ليس له رصيد سابق وقابل للتصرّف فيه أو كان الرصيد أقلّ من مبلغ الشيك واسترجع بعد استصدار الشيك كامل الرصيد أو بعضه أو حجّر على المسحوب عليه الدفع و في غير الصور المنصوص عليها بالفصل 374 من هذا القانون
وبمقارنة الفقرتين يتبيّن لنا أنّ المشرّع عدل عن اعتبار جريمة إصدار شيك بدون رصيد جريمة ماديّة إلى اعتبارها شخصيّة. وينبغي بالتالي إثبات أنّ الفاعل سيّء النيّة
ثمّ أتى القانون عدد 46 المؤرّخ في 2 جويلية 1977 والذي نقّح من جديد الفقرة الثانية الجديدة من الفصل 411 م .ت، وأرجع صيغة تلك الفقرة التي كانت محرّرة بها المجلّة التجاريّة من أوّل مرّة
 يبدو أنّ المشرّع هنا لم يلغ الركن المعنوي وإنّما اعتبره متوفّرا في الفاعل أي الساحب متى حصل له العلم بأنّ الشيك الذي أصدره لا رصيد له، لأنّه في القانون عدد 46 لسنة 1977 المذكور، أتى بموضوع التسوية وإجراءاتها إذ أنّه تولّى تنقيح الفصل 410 م .ت، وأصبح من الواجب على المصرف إعلام الساحب بمكتوب مضمون الوصول مع الإعلام بالبلوغ أنّ الشيك الذي سحبه عليه هو لا رصيد له أو رصيده غير كاف لتسديد مبلغه وترقّب أجل العشرة أيّام من تاريخ الإعلام ، وبعد فوات ذلك الأجل وإن لم يقم الساحب بالتسوية تعتبر عندها الفعلة جنحة تامّة الأركان يمكن مؤاخذته من أجلها، لذلك نجد المحاكم تتوقّف عن محاكمة الساحب لشيك لا رصيد له متى لم يقم إعلامه من طرف المصرف بالطريقة المذكورة، وهذا ما نجده مقرّرا بالقرار التعقيبي عدد 3539 الصادر بتاريخ 17 فيفري 1982
وفي نهاية المطاف أتى القانون عدد 83 لسنة 85 المؤرّخ في 11 أوت 1985 معيدا لصياغة الفصل 411 م .ت جاء بفقرتيه الأولى والثانية ما نصّه : » يعاقب بالسجن مدّة 5 أعوام وبخطيّة قدرها 3 آلاف دينار دون أن تقلّ عن مبلغ الشيك أو باقي قيمته : »كلّ من أصدر شيكا ليس له رصيد سابق وقابل للتصرّف فيه إن كان الرصيد أقلّ من مبلغ الشيك أو استرجع بعد إصدار الشيك كامل الرصيد أو بعضه أو حجّر على المسحوب عليه الدفع في غير الصور المنصوص عليها بالفصل 374″، فالصياغة الجديدة نستنتج منها أّنّ المشرّع أراد أن يعتبر صراحة وبوجه لا يقبل أي تأويل بأنّ جريمة إصدار شيك بدون رصيد التي هي جنحة هي جريمة ماديّة بحتة فلا وجود فيها لمسألة حسن النيّة من عدمها. وهذه الصياغة للفصل 411 من المجلّة التجاريّة هي التي استقرّ عليها رأي المشرّع التونسي حتّى بعد التنقيح الأخير للفصل المذكور بموجب القانون عدد 28 لسنة 1996 المؤرّخ في 3 أفريل 1996
وأخيرا نلاحظ أنّ المشرّع في القانون عدد 82 لسنة 1985، اعتبر الجريمة المذكورة حاصلة بمجرّد إصدار الشيك دون رصيد وتسليمه للمستفيد
ولتفادي عرض الساحب على المساءلة الجزائية نجد الفصل 410 ينصّ بالفقرة الأولى منه « لتسوية تنقرض بمقتضاها الدعوى العموميّة
وفي ذلك سعي للمشرّع في تفادي الالتجاء إلى العقوبات الجزائيّة لما لهذه الجريمة من ارتباط وثيق بالاقتصاد الوطني وبحركات البنوك وشؤونها
والتسوية لا تكون إلاّ بعد إعلام الساحب بأنّ الشيك الذي أصدره لا رصيد له. الأمر الذي يستنتج منه أنّ الجريمة التي حصلت قبل عمليّة التسوية غايتها جعل الدعوى العامّة تنقرض لا غير وهذا دليل آخر على أنّ المشرّع اعتبر أنّ هذه الجريمة ماديّة بحتة لأنّ الساحب قد يكون لا يعلم بأنّ الشيك الذي أصدره هو لا رصيد له ومع ذلك يعدّ قد ارتكب تلك الجنحة ومستهدفا للمؤاخذة إن لم يقم بعمليّة التسوية
الجزء الثاني: إجراءات التسوية
إنّ المشرّع أخذ بعين الاعتبار الطبيعة الماليّة والاقتصاديّة لجريمة إصدار شيك بدون رصيد فأقرّ إمكانيّة التسوية فيها، يدفعه في ذلك حرصه على ضمان خلاص المتضرّرين من هاته الجريمة، وسعيا منه إلى تدعيم الثقة في هاته الورقة التجاريّة التي لها دور فاعل في الحياة الاقتصاديّة. وتنقسم التسوية في جريمة إصدار شيك بدون رصيد إلى صنفين أو مرحلتين رئيسيّتين يقع التمييز بينهما بحسب الجهة التي تخضع لإشرافها عمليّة التسوية: ففي المرحلة الأولى يشرف البنك المسحوب عليه الشيك بدون رصيد على عمليّة التسوية ويمكن تسمية هذه المرحلة بمرحلة التسوية البنكيّة (الفقرة الأولى) وهي مرحلة ميّزها التنقيح الجديد بالاستقلاليّة عن المرحلة الثانية والموالية لها التي تقع فيها التسوية تحت إشراف القضاء وهي مرحلة يمكن تسميتها مرحلة التسوية القضائيّة (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: مرحلة التسوية البنكيّة 
عمل تنقيح 4 جوان 2007 على تدعيم دور التسوية كآليّة هامّة لتجاوز الآثار السلبيّة لجريمة إصدار الشيك بدون رصيد وذلك من خلال التمديد في أجل التسوية المصرفيّة وكذلك من خلال إرساء مرجعيّة عمل وفرض إتباع إجراءات وقائيّة هامّة
لقد خوّل المشرّع لساحب الشيك بدون رصيد فرصة هامّة لتدعيم فرص التحسّب من المؤاخذة الجزائيّة وذلك بالإسراع لتسوية وضعيّته في أجل معيّن ومضبوط حسابيّا
تمّ تنظيم فترة الإمهال الأولى في الفقرة الأولى من الفصل 410 ثالثا م.ت، ومدّتها ثلاثة أيّام مصرفيّة، لكنّ هذه الفترة قد شابها الغموض باعتبار أنّ المشرّع لم يستعمل في هذه الفقرة عبارة  » التسوية
أمّا بالنسبة إلى أجل التسوية فقد ميّز المشرّع بين حالتين بحسب ما إذا كان مقرّ الساحب « المصرّح به » يوجد داخل التراب التونسي أو خارجه، فإذا كان المقرّ بتونس فإنّ الأجل هو أربعة أيام عمل مصرفيّة بداية من تاريخ الإنذار الموجّه للساحب بواسطة عدل منفّذ أمّا إذا كان المقرّ بالخارج فيرفع الأجل إلى عشرة أيّام ولا يدخل يوم تبليغ الإنذار في احتساب الأجل لأنّه يجب أن يكون كاملا.
إضافة إلى هذه الفترة أضاف مشرّع 2007 صلب الفصل 412 ثالثا م.ت فترة جديدة للتسوية المصرفيّة مدّتها ثلاثة أشهر ينطلق احتسابها من يوم انقضاء التسوية ذات الأربعة أيّام
كما يجب الإشارة أنّه يقع الأخذ بعين الاعتبار أيّام العطل المصرفيّة (كيومي السبت والأحد)، حيث اقتضى الفصل 410 ثالثا م.ت في فقرته السادسة أنّه لا يدخل في نطاق احتساب الأجل الأيّام التي تمثّل عطلة مصرفيّة
إذ تنطلق مرحلة التسوية البنكيّة أو المصرفيّة من يوم التنبيه على الساحب بتوفير الرصيد (بأيّ وسيلة تترك أثرا كتابيّا)، ثمّ بعد هذا اليوم يتمتّع الساحب بأجل ثلاثة أيّام لتوفير الرصيد، وبعد هذا الأجل يقوم البنك في أجل يوم واحد بتحرير شهادة في انعدام الرصيد، ثمّ يتمتّع البنك بأجل ثلاثة أيّام ليسلم شهادة في عدم الدفع لعدل التنفيذ الذي يقوم بتوجيه إنذار للساحب خلال أربعة أيّام من تسلّم شهادة عدم الدفع ويتمتّع الساحب بعد إنذاره بأجل مدّته أربعة أيّام للتسوية الذي يشمل دفع مبلغ الشيك أو ما نقصّ منه وكذلك مصاريف التبليغ وبانتهاء هذا الأجل تبدأ فترة التسوية البنكيّة الأخيرة والمقدرة بثلاثة أشهر والتي تشمل توفير الرصيد وخلاص مصاريف الإعلام مع فائض بنسبة 10 بالمائة مع خلاص خطيّة بنسبة 10 بالمائة من مبلغ الشيك أو ما نقص منه.
لقد وضع المشرّع على عاتق البنك المسحوب عليه جملة من الواجبات الشكليّة التي ينبغي احترامها، وقد رتّب على الإخلال بها التعرّض لعقوبة ماليّة من خمسة مائة دينار إلى خمسة آلاف دينار طبقا لأحكام الفصل 412 م.ت
وتتمثّل هذه الواجبات المحمولة على البنك المسحوب عليه في دعوى الساحب أوّلا في تاريخ عرض الشيك للخلاص بأيّ وسيلة تترك أثرا كتابيّا لتوفير الرصيد بحسابه أو جعله قابلا للتصرّف فيه في أجل ثلاثة أيّام عمل مصرفيّة بداية من تاريخ رفض الدفع، ثانيا في تحرير شهادة في عدم الدفع مباشرة بعد انقضاء هذا الأجل (أجل ثلاثة أيّام) في خمسة نظائر وقد حدّد منشور البنك المركزي محتوى الشهادة في عدم الدفع، ثمّ أخيرا في الإعلام بعدم الدفع والذي هو إجراء أساسي يتمثّل في دعوة للساحب بواسطة عدل تنفيذ لتسوية وضعيّته وعلى هذا الأخير حتّى لا يستهدف للعقوبات المنصوص عليها بالفصل 403 م.ت أن يبلغ الإعلام بعدم الدفع خلال أربعة أيّام من تاريخ استلامه له
لقد حافظ تنقيح 2007 على نفس الإجراءات التي استوجبها المشرّع في تنقيح 3 أفريل 1996، وهذه الإجراءات حدّدت صلب الفصل 410 ثالثا م.ت الذي تضمّن فترتين للتسوية المصرفيّة والتي تتمثّل أساسا في إقدام الساحب على توفير الرصيد بحسابه أو جعله قابلا للتصرّف فيه في فترة التسوية الأولى التي تدوم ثلاثة أيّام، يضاف إلى هذا الإجراء دفع مصاريف التبليغ التي سبقها البنك لعدل التنفيذ في الفترة الثانية للتسوية التي تدوم أربعة أيّام فقط. ولقد أضيفت لهذه الإجراءات المحمولة على الساحب إجراءات أخرى جديدة رافقت الفترة المستحدثة التي تمّ إضافتها بموجب الفصل 412 ثالثا جديد من م.ت (فترة ثلاث أشهر)
وتوصف إجراءات التسوية في هذه المرحلة بالإجراء الإستحداثي، لأنّه وقع اعتماد مبدأ التدرّج في شروطها مع تقدّم مراحل التسوية، وفي هذه المرحلة يجب على الساحب الاستجابة لشرطين إضافيين بالفصل 412 ثالثا م.ت، المتمثّلين في دفع خطيّة لصندوق الدولة قيمتها 10%من مبلغ الشيك أو ما نقص منه وكذلك دفع فائض للمستفيد بنسبة 10% من مبلغ الشيك أو من باقي قيمته.
إذا قام الساحب بتسوية وضعيّته في أيّ طور من أطوار التسوية البنكيّة واستجاب للشروط القانونيّة واحترم الآجال فإنّه يترتّب على ذلك انقراض الدعوى العموميّة كما له إمكانيّة استرجاع صيغ الشيكات
أمّا بالنسبة للمسحوب عليه فلقد لقد تضمّن تنقيح 2007 وخاصّة بالفصل 412 ثالثا أثرين جديدين لحصول التسوية يتمثّل الأوّل في واجب تسليم البنك شهادة في التسوية للساحب أمّا الثاني فيتمثّل في إعلام البنك المركزي بحصول التسوية
الفقرة الثانية: مرحلة التسوية القضائيّة 
تعتبر هذه المرحلة الفرصة الأخيرة للساحب لتدارك أمره وهي مرحلة متميّزة من حيث خصائصها وشروطها وآثارها.
لقد قام مشرّع 4 جوان 2007 بإرساء أجل مفتوح للتسوية بعد تخلّيه عن الأجل المحدّد
إن تنقيح 3 أفريل 1996 رفّع في أجل التسوية القضائيّة من شهر (تنقيح 1988) إلى ثلاثة أشهر إذ أصبح الفصل 412 ثالثا م.ت ينصّ أنّه  » في صورة عدم حصول التسوية طبقا للشروط المبيّنة بالفصل 410 ثالثا من هذه المجلّة لساحب الشيك بدون رصيد خلال ثلاثة أشهر ابتداء من انتهاء أجل التسوية وقبل تاريخ صدور الحكم
 وقد واصل المشرّع رهانه على التسوية كإجراء ناجع للتصدّي لظاهرة الشيك بدون رصيد ممّا دفعه إلى تحرير هذا الأجل المحدّد بثلاثة أشهر وتفضيله إرساء أجل مفتوح طبقا للفصل 412 رابعا جديد م.ت الذي ينصّ على أنّه  » يمكن القيام بالتسوية أثناء التتبّع وقبل صدور حكم نهائي
كما يعتبر التنقيح الجديد تجاوزا لنقائص التنقيح السابق الذي جمع بين شرطين للتسوية، وقوعها في أجل الثلاثة أشهر كإطار زمني محدود، والثاني هو أن تتمّ التسوية قبل صدور حكم
تميّز تنقيح 4 جوان 2007 بالتمديد في مرحلة التسوية القضائيّة بجعل أجلها مفتوحا طوال مراحل التتبّع وقبل صدور حكم « نهائي ».
فالتسوية يمكن أن تحصل مادام الملفّ تحت نظر النيابة العموميّة التي تتّخذ حينها قرارا بالحفظ لانقراض الدعوى العموميّة بموجب التسوية، كما يمكن أن تحصل التسوية بعد إحالة النيابة العموميّة للساحب على المحاكمة، حينها تقضي المحكمة المتعهّدة بإيقاف المحاكمة بموجب التسوية ثمّ إنّ التسوية يجب أن تقع قبل صدور حكم « نهائي »
ومن المعلوم أنّ الأحكام الجزائيّة يمكن أن تصدر إمّا حضوريا أو معتبرا حضوريّا أو غيابيّا في حقّ المتّهم، وهنا يجب التمييز وإن لم يميّز المشرّع وذلك بإقصاء الأحكام الغيابيّة، فالقيام بالتسوية يبقى ممكنا حتّى بعد صدور حكم نهائي إذا كان غيابيّا، لأنّه يكفي الاعتراض عليه لينحل برمّته وتستأنف المحاكمة من جديد لذلك فلا معنى لحرمان الساحب من التسوية بعد صدور حكم نهائي غيابي عليه
 وعلى العموم فإنّ الأجل الجديد يبقى مفتوحا طول نشر القضيّة أمام قضاء الأصل بدرجتيه، بل يمكن القول أنّه من المتوقع جدّا أن يزيد فقه القضاء في إطالة هذه المرحلة ذلك أن محكمة التعقيب اعتبرت أنّ الساحب الذي فوّت على نفسه فرصة التسوية يمكنه القيام بذلك حتّى في طور نشر القضيّة أمام محكمة التعقيب.
إلى جانب هذا الأجل المفتوح واصل المشرّع بمناسبة تنقيح 04 جوان 2007 في تيسيره للواجبات المحمولة على الساحب وكذلك في تعزيزه لدور البنك المسحوب عليه
إذ نصّ الفصل 412 رابعا م.ت في صيغته الجديدة « على الساحب خلاص مبلغ الشيك أو باقي قيمته وفائض يساوي 10% يحسب باليوم بداية من تحرير شهادة عدم الدفع وخطيّة تساوي 20% من كامل مبلغ الشيك أو باقي قيمته وخلاص المصاريف
يتبين من خلال هذا الفصل أن المشرع قد خفّض من نسبة الفائض الواجب دفعه من قبل الساحب للمستفيد من 17% إلى 10% ذلك أن نسبة 17 بالمائة هي نسبة مرتفعة جدا ومن شأنها إثقال كاهل الساحب بشكل يعجز معه على أداء هذا الفائض، خاصة وأن حسابه يتم باليوم من تاريخ شهادة عدم الدفع
وهذا الرجوع في نسبة الفائض تتمثل غايته أساسا في تجاوز المشرع لتناقضاته فمن جهة يجرّم الفائض المشطّ، ومن جهة أخرى يفرض على الساحب فائضا في غاية الشّطط إذ لا يعقل أن يفرض المشرع في مادة الشيك بدون رصيد فائضا ترتفـع نسبتـه إلى 17% والحال أنـه يجرّم العمل بنسبة الفائض المشطّ
و بالرّغم من خيارات الساحب في التسوية إمّا بتأمين مبلغ الشيك أو ما نقص من الرصيد مع الفائض القانوني بالخزينة العامة وإمّا دفعه مباشرة لهذه المبالغ للمستفيد، فإن البنك المسحوب عليه يبقى وحده المؤهل قانونا لقبض مبلغ الخطية ومصاريف محضر الإعلام ويعد امتناعه عن قبض مال التسوية سلوكا تترتب عليه جريمة شكلية. كما رتب الفصل 412 م.ت عقابا على ارتكاب هذه الجريمة يتمثل في خطية من 500 إلى 5000 دينار
إضافة إلى هذا فإن البنك المسحوب عليه ملزم كذلك بمدّ الساحب بجميع الوثائق التي تثبت تسوية وضعيته، لذلك استوجب الفصل 412 رابعا على الساحب زيادة عن استجابته للشروط المالية أن يدلي لوكيل الجمهورية أو للمحكمة بما يفيد خلاص الخطية والمصاريف، وبما يفيد توفير الرصيد لدى المصرف مع الفائض.
ويترتب عن التفويت في فرصة التسوية القضائية مسائلة الساحب جزائيا، لكن إذا استجاب لهذا الخيار وقام بخلاص الشيك بدون رصيد فإنه يستفيد من إمكانية استرجاع استعمال صيغ الشيكات كما تنقرض الدعوى العمومية ويوقف التتبع في شأنه

لم : القاضي الدكتور جابر غنيمي
المساعد الأول لوكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد ومدرس جامعي

لقد اهتدى علماء الاقتصاد والتّجارة بداية من القرن السّابع عشر للميلاد بإنقلترا إلى اكتشاف سند الشّيك كأداة وفاء تقوم مقام النّقود في المعاملات الماليّة ثمّ انتقل هذا السّند إلى مختلف بلدان العالم ممّا أدّى إلى تطوّر التّعامل به في أغلب العمليّات الماليّة وحلّ محلّ الأوراق النّقديّة عند الوفاء بمختلف الالتزامات المدنيّة
هكذا يتبيّن مبدئيا أنّ هذه الوسيلة المستحدثة في الوفاء تفترض قيام علاقة قانونيّة بين أشخاص ثلاثة، فالشّخص الأوّل وهو الدّائن، والّذي يستوفي حقّه بواسطة الشّيك يسمّى المستفيد، أمّا الشّخص الثّاني والّذي يوفي بقيمة الشّيك لهذا المستفيد فيسمّى في الاصطلاح القانوني، المسحوب عليه ويفترض أن يكون مدينا بمبلغ الشّيك لفائدة المدين الأصلي الّذي يسمّى السّاحب
 وعلى ضوء هذه البيانات تبلور المفهوم العصري للشيك ليصبح ذاك السند الّذي اتّخذ مفاهيم متنوعة.
وقد جرى العمل على استعمال اللغة الفرنسية في تسمية هذه الوسيلة بلفظ chèque ، وأصبح اللفظ متداولا بهذه الصورة في معظم بلاد العالم فأصبحت له دلالة عالميّة
ولقد آثر المشرّع التّونسي السكوت عن تعريف الشيك وتحديد ماهيته مقتصرا على ذكر الشروط الشكليّة التي يجب أن تـتوفّر فيه، وذلك بأن نصّ صلــب الفصل 346 من المجلّة التجاريّة على أنّه  » يحتوي الشيك على البيانات الآتية
ذكر كلمة شيك مدرجة في نصّ السند نفسه باللّغة الّتي كتب بها. التوكيل المطلق المجرد بدفع مبلغ معين
اسم الشّخص الّذي يجب عليه الدّفع (المسحوب عليه).
تعيين المكان الذي يجب فيه الدّفع.
تعيين تاريخ إنشاء الشيك ومكانه
توقيع من أصدر الشيك (الساحب)
ومن الممكن أن نلتمس عذرا للمشرّع التونسي في عدم تعريفه للشيك، خاصة مع الديناميكية التي تطغى على الحياة العملية، ورغبة المشرّع في عدم حصر مفهوم الشيك في تعريف جامد لا يتماشى وروح العصر المتطوّر
و قد درج فقه القضاء التونسي على تعريف الشيك » بأنه الصك المحرر وفق بيانات إلزامية حددها القانون التجاري و يتضمن أمرا يصدره الساحب الى المسحوب عليه بدفع مبلغ معين من المال لفائدة المستفيد لدى الاطلاع »
و عرف فقه القضاء المصري الشيك » باه محرر مكتوب وفق أوضاع شكلية استقر عليها العرف يتضمن أمرا من الساحب إلى المسحوب اليه يكون غالبا احد البنوك بان يدفع للمستفيد او لحامل الصك مبلغا معينا من النقود بمجرد الاطلاع »
و قد عرف المشرع الفرنسي الشيك في القانون الصادر سنة 1865 بالمادة الأولى منه، لكن المرسوم الصادر في 30 اكتوبر 1935 لم يعرف الشيك بل اقتصر على ذكر بيانه بأنه

Le cheque est l’ecrit qui sous la forme d’un mandat de paiement sert au tireur a effectuer le retrait a son profit ou au profit d’un tiers de tout ou partie de fonds portes au credit de son compte chez le tire et disponible
و لقد نص الفصل 411 م ت  » يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام و بخطية تساوي أربعين بالمائة من مبلغ الشيك أو من باقي قيمته على أن لا تقل عن عشرين بالمائة من مبلغ الشيك أو باقي قيمته
كل من اصدر شيك ليس له رصيد سابق و قابل للتصرف فيه او كان الرصيد اقل من مبلغ الشيك أو استرجع بعد إصدار الشيك كامل الرصيد او بعضه او اعترض على خلاصه لدى المسحوب عليه في غير الصور المنصوص عليها بالفصل 374 من هذه المجلة ».
إن جريمة إصدار شيك بدون رصيد تقتضي توفر جملة من الأركان ( الجزء الأول) و تخضع لإجراءات التسوية ( الجزء الثاني)
الجزء الأول: أركان جريمة إصدار شيك بدون رصيد
إن جريمة إصدار شيك بدون رصيد تتحقق بوجود ركن مادي ( الفقرة الأولى) وركن المعنوي ( الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: الركن المادي
جريمة إصدار شيك بدون رصيد جريمة مادية بحتة تكون قائمة في حق الساحب إذا وقع إعلامه بإصداره لشيك بدون رصيد و لم يقم بتسوية وضعيته المادية في الآجال المحددة بالقانون
و قد نحت اغلب القوانين المقارنة منحى القانون التونسي مثل القانون الفرنسي و القانون اللبناني و القانون السوداني
وحدد الفصل 374 من المجلة التجارية صورا كافية لقيام الركن المادي لجريمة الشيك بدون رصيد و هي
_ إصدار شيك لا يقابله رصيد قابل للوفاء به
_ أو كان الرصيد اقل من قيمة الشيك أو قيام الساحب باسترجاع كامل الرصيد أو بعضه بعد إصدار الشيك
إن جريمة إصدار شيك بدون رصيد سابق وقابل للتصرّف فيه لا تقوم إلا إذا توفرت الأركان الضرورية لها والتي استوعبها النصّ المذكور وهي التالية
إصدار الشيك
يمرّ الشيك منذ التفكير في تحريره حتى تقديمه إلى المسحوب عليه بعدّة مراحل، ذلك أنّ الساحب يعدّ ورقة السند قبل تحريرها، ثمّ يقوم بملء البيانات اللازمة حتى تتوافر له صفات الشيك، ولا جدال في أنه حتى هذه اللحظة لا يعتبر الساحب قد أعطى شيكا ولا يخرج الأمر عن مرحلة الأعمال التحضيرية للجريمة، والقاعدة أنه لا عقاب عليها، لأن الهدف من العقاب، حماية الشيك عند وضعه للتداول، وما دام الشيك في حيازة الساحب فلا حاجة إلى مثل هذه الحماية، ولذلك فان إصدار الشيك يتحقق بطرحه للتداول أي بخروجه عن حوزة الساحب، لأنه حينئذ فقط تتحقق الحكمة من الحماية الجزائية. فلا يكفي مجرد عرض الشيك على الدائن دون تسليمه إليه. ولقد قضى بأن الإصدار يتم بمجرد إعطاء الساحب الشيك إلى المستفيد مع علمه بأنه ليس هناك رصيد قابل للسحب في تاريخ الاستحقاق، إذ يتم بذلك طرح الشيك في التداول فتنعطف عليه الحماية القانونية التي أسبغها المشرّع على الشيك، بالعقاب على هذه الجريمة باعتباره أداة وفاء تجري مجرى النقود في المعاملات.
وغالبا ما يتم تسليم الشيك من الساحب إلى المستفيد بصورة مباشرة أي عن طريق المناولة اليدوية، ولكن هذا ليس بشرط إذ قد يقوم الساحب بإرسال الشيك إلى المستفيد عن طريق البريد، وفي هذه الحالة لا يعتبر الركن المادي للجريمة متحققا إذا لم يكن للشيك المرسل من قبل الساحب عن طريق البريد رصيد، إلا إذا تم استلامه من قبل المستفيد أو من يمثله
وقد يسلم الساحب الشيك إلى وكيله هو ليقوم هذا الوكيل بتسليمه إلى المستفيد، وهنا لا يعتبر فعل الإصدار متحققا لان حيازة الوكيل ما هي إلا امتداد لحيازة الموكل
وسواء تم تسليم الشيك إلى المستفيد مباشرة أو بصورة غير مباشرة فان فعل الإصدار الذي تتحقق به الجريمة يقتضى أن يتخلى الساحب عن حيازته للشيك بمحض إرادته، فإذا انتفت هذه الإرادة فان الركن المادي للجريمة لا يكون قائما. وبناء على ذلك إذا حرر شخص شيكا دون أن يكون له رصيد لدى البنك، ووقّع عليه، ثم احتفظ به في حيازته وبعد ذلك سرق منه أو فُـقِـدَ فعثر عليه شخص وطرحه في التداول فلا جريمة ولا عقاب على من حرر الشيك لان خروج الشيك من حيازة محرر كان بسبب خارج عن إرادته. وتطبيقا لذلك قضت محكمة النقض المصرية بأن الأصل أن إعطاء الشيك بتسليمه للمستفيد، إنما يكون على وجه يتخلّي فيه الساحب نهائيا عن حيازته، بحيث تنصرف إرادة الساحب إلى التخلي عن حيازة الشيك، فإذا انتفت الإرادة لسرقة الشيك من الساحب أو فقده أو وقع تزويره عليه، انتفى الركن المادي للجريمة وهو فعل الإعطاء
ولكن قد يحدث أن يقوم الساحب بتحرير الشيك لمصلحة نفسه، أي يكون هو المستفيد فيه، ثم تقديمه للمسحوب عليه، وهو يعلم بأن ليس له رصيد، فهل يتوافر في حقه فعل الإصدار وتقوم جريمة إصدار شيك بدون رصيد
يمكن الإجابة على هذا التساءل بالرجوع إلى طبيعة الجريمة في حدّ ذاتها والغاية من التجريم، فالركن المادي في الجريمة يتكوّن من فعل الإعطاء أي طرح السند للتداول والغاية من العقاب هو حماية الثقة في الشيكات، فإذا كان الشيك قد سلم من الساحب الى المسحوب عليه وكان الأول هو المستفيد فان فعل التسليم في ذاته هو آخر مرحلة في حياة الشيك. ومن ثم فلا يتصور إطلاقا تداوله، ومتى كان الأمر كذلك فإنه ينتفي تصوّر الإعطاء المكوّن لركن الجريمة
كما أنه لا عقاب إلا على فعل الإصدار دون غيره، أي طرح الشيك للتداول، ومن ثمّ فكل تصرّف في الشيك لا حق لذلك لا يعدّ إصدارا، حتى ولو كان الموقّع على الشيك سيء النية أي يعلم بعدم وجود الرصيد الكافي والقابل للسحب. وهذا المنطق يتفق مع الثقة الممنوحة للشيك والحكمة من التجريم، لان هذه الثقة لا تُـتَطلب الا بالنسبة لفعل ساحب الشيك، فَمُظْهِرُ الشيك إذا علم بعدم وجود الرصيد وتصرّف في الشيك فإنه قد يكون مدفوعا للتخلص من ضرر قد يلحق به
ويمكن تبرير هذا المنطق بالرجوع الى قواعد القانون الجزائي التي تقتضي أن لا عقاب بدون نص، ذلك أن الفصل 411 من المجلة التجارية لم ينصّ على عقاب المظهر للشيك بدون رصيد سابق وقابل للتصرّف فيه أو برصيد ناقص، فتحويل الشيك المذكور عن طريق التظهير غير معاقب عليه إذا، حتى لو علم المظهر حقيقة الشيك بعد حصوله عليه. كما لا يمكن اعتباره شريكا مع المتهم الأول (الساحب) إذ أن علمه يأتي تابعا لقيام الجريمة فلا يعدّ مشتركا فيها
وتجدر الإشارة إلى أن جريمة إصدار شيك بدون رصيد سابق قابل للتصرف فيه أو برصيد ناقص هي جريمة وقتية تتم بمجرّد الفعل المادّي بتسليم الشيك إلى المستفيد أو إلى من يمثله، وهي لا تتوقف على تقديم الشيك الى المسحوب عليه، لان تقديم ذلك الشيك للمسحوب عليه للخلاص، هو إجراء كاشف للجريمة وليس منشىء لها
وتحديد تاريخ قيام الجريمة، بتاريخ الإصدار لا بتاريخ تقديم الشيك للخلاص أمر مهمّ في تحديد بدء سريان مدّة انقراض الدعوى الجزائية بالتقادم على نحو ما سيقع التعرّض إليه لاحقا.
كما أنّ جريمة إصدار شيك بدون رصيد سابق وقابل للتصّرف فيه أو برصيد ناقص، تقوم بصرف النظر عما إذا كان المستفيد يعلم بهذه الواقعة من عدمه، لان الغاية من التجريم هي حماية التعامل بالشيكات إلا أنّ المستفيد في الصورة المطروحة يتحمل المسؤولية الجزائية أيضا في صورة علمه بفقدان الرصيد أو بنقصانه (الفقرة الثانية من فصل 411 من المجلة التجارية )
2- انتفاء الرصيد السابق والقابل للتصرف فيه أو نقصانه:
يعتبر الرصيد منتفيا، و غير موجود إذا لم يكن الساحب دائنا للمسحوب عليه وقت إصدار الشيك. أو إذا كان الحق الذي للساحب عند المسحوب عليه لا يزال عند إصدار الشيك غير محقق الوجود، أو غير مستحق الأداء، أو غير معيّن المقدار، أو غير قابل للتصرّف فيه بموجب شيك، أو كان محلا لنزاع أو كان محلّ عقلة توقيفية، وهذا ما قصده المشرّع من خلال عبارة « غير قابل للتصرّف فيه ».
كما لا يعتبر الرصيد موجودا إذا كان الحق الذي للساحب عند المسحوب عليه لا يزال وقت إصدار الشيك، في صورة أوراق تجارية
وتطبيقا لذلك قضت المحاكم الفرنسية بأن قيام الساحب بإرسال بعض السندات إلى المسحوب عليه لبيعها بقصد تكوين الرصيد يكفي لدفع قيمة الشيك، لا ينفي وقوع الجريمة، فليس هذا إلا مجرد احتمال بتوفر الرصيد لا يقوم مقام رصيد فعلي قابل للتصرف فيه
والعبرة في قيام الجريمة بعدم وجود الرصيد وقت إصدار الشيك.
والأصل أنه يجب الرجوع إلى التاريخ المذكور في الشيك لتعيين وقت الإصدار، ولكن يحصل أحيانا أن يذكر الساحب في الشيك تاريخا لاحقا لتاريخ إصداره الحقيقي
وتقع مثل هذه الفرضية عندما لا يكون الرصيد موجودا عند إصدار الشيك ويتوقّع الساحب إيجاده لدى البنك المسحوب عليه في التاريخ المذكور في الشيك (التاريخ الصوري)
كما لو حرر الساحب الشيك في 1-1-2001 وضمّن به تاريخ 15-1-2001 فهل يجب لانتفاء الجريمة في هذه الحالة أن يكون الرصيد موجودا في تاريخ الإصدار الحقيقي (يوم 1-1-2001) أم يكـتفي بوجوده في التاريخ المذكور في الشيك
إن جريمة إصدار الشيك بدون رصيد، كغيرها من الجرائم الواقعة على الشيك، هي جريمة وقتية تتحقق بمجرّد تسليم الشيك إلى المستفيد، ومن ثمّ فإن التاريخ المذكور في الشيك لا يكون دائما هو العامل الأساسي والنهائي الذي يجب أن يعتد به كأساس لوقوع هذه الجريمة. فإذا قدم الشيك في التاريخ الثابت به أو بعده، وسددت قيمته من قبل البنك المسحوب عليه فلا إشكال، إذ لن تكون هناك في الغالب فائدة عملية في إثبات عدم وجود الرصيد قبل التاريخ المذكور في الشيك، لكن إذا وقع تقديم الشيك في يوم سابق على التاريخ المدون به، وهو أمر جائز طالما أن المستفيد يستطيع تقديمه للوفاء فور إصداره لكونه قابل للوفاء بمجرّد الاطلاع (371 من المجلة التجارية)، قامت الجريمة، إذا انعدم الرصيد أو كان غير كاف أو غير قابل للتصرّف فيه، ولا يقبل من الساحب إثبات ما يخالف ظاهر الشيك والادعاء بأنه قد صدر بتاريخ سابق على التاريخ المدون عليه
وتجدر الإشارة إلى أن الشرط المتعلق بوجود رصيد سابق يثير العديد من المشاكل إذا ما عمد البنك المسحوب عليه إلى التوقف فجأة عن خلاص شيكات مسحوبة من طرف الساحب رغم فتح اعتمادات لفائدة هذا الأخير
ولهذا الغرض صدر منشور عن البنك المركزي ليوضح علاقات البنوك مع حرفاءها واجتناب تحميل ساحبي شيكات ذوي نية حسنة وقعت مفاجأتهم برفض آداءها دون سابقية إعلام من طرف الصيرفي
ولقد ورد في هذا المنشور أنّه وطبقا للفصل 705 من المجلة التجارية لا يمكن الرجوع بدون سبب في فتح تلك الاعتمادات اذا وقع منحها لمدة غير محددة الا بعد تنبيه مسبق بثمانية أيام. غير أنه يجوز الرجوع في تلك الاعتمادات وجوبا وبدون تنبيه مسبق طبقا للفصل 706 من المجلة التجارية سواء منحت لمدة محددة أو غير محددة إذا توفى المستفيد أو طرأ عليه ما يفقده أهليته أو إذا صار مشهورا بالتوقف عن دفع ديونه ولو لم يثبت هذا التوقف بحكم أو إذا ارتكب خطأ فاحش في استعمال الاعتماد الممنوح. ولحسن تطبيق هذه القواعد، وبالخصوص لتمكين البنوك من الانتفاع دون أي أشكال بالضمانات التي يمنحها لها القانون من جهة، ولاجتناب الإلغاء التعسفي للاعتماد من جهة أخرى، تقرر إخضاع كل فتح اعتماد يُمْنَحُ من طرف البنوك لنصّ وحيد يسمى « بالقواعد العامة لفتح الاعتمادات »، و بالإضافة إلى ذلك فان البنوك مدعوة للإعلام بفتح الاعتماد وفقا لأنموذج « مكتوب إعلام بفتح اعتماد  » المصاحب لذلك المنشور
وجدير بالإشارة إلى أن عدم كفاية الرصيد تأخذ حكم انعدامه تماما، ذلك أنه كما سبق التعرض إليه آنفا، فإنه من شروط وجود الرصيد أن يكون مساويـا بالأقل لقيمة الشيك، فإذا
كان لا يكفي لتغطية هذه القيمة اعتبر في حكم الرصيد المنعدم بالنظر الى الساحب وهو ما يبدو من خلال عبارة « أو » الواردة بالفصل 411 من المجلة التجارية
وعلى هذا الأساس فان جريمة إصدار شيك بدون رصيد تتحقق إذا كان الرصيد الموجود لدى البنك المسحوب عليه أقل من المبلغ الذي صدر به الشيك، رغم أن بعض التشريعات العربية الأخرى، خلافا للتشريع التونسي، تنصّ على الفصل بين حالة انتفاء الرصيد وعدم كفايته
ومبدئيا تقوم الجريمة متى كان الرصيد أقل من قيمة الشيك، ولا أهمية لقيمة الفارق بين الرصيد الموجود وبين قيمة الشيك.
ومع ذلك ذهبت بعض الآراء الفقهية إلى أن تفاهة الفرق بين قيمة الشيك والرصيد الموجود قد تكون دليلا على حسن نية الساحب وبالتالي يمكن أن لا يكون محلّ مساءلة جزائية
و على المحكمة لإبراز توفر الركن المادي لجريمة إصدار شيك بدون رصيد أن تتحقق من عدم وجود الرصيد الكافي للوفاء بمعين الشيك لدى البنك المسحوب عليه و لها كامل الحرية و اعتمادا على حرية الإثبات في المادة الجنائية ان تتخذ جميع الوسائل و الإجراءات التي توصلها إلى معرفة الحقيقة
و لا يشترط قانونا لوقوع جريمة إصدار شيك بدون رصيد أن يقوم المستفيد بتقديم الشيك للبنك المسحوب عليه في تاريخ إصداره بل تحصل الجريمة و لو وقع تقديم الشيك في تاريخ لاحق لذلك طالما كان سند الشيك محرزا على شكلياته القانونية لكي يكون أداة وفاء تقوم مقام النقود و مستحق الأداء حالا و غير معلق على شرط كل ذلك خلال المدة التي لم تتناولها سقوط الدعوى العمومية بمرور الزمن طبق مقتضيات الفصل 5 م ا ج.
الفقرة الثانية: الركن المعنوي
الجريمة تتكوّن عندما يقترن الركن المادّي بركن آخر يطلق عليه الركن المعنوي. ويحصل ذلك عندما يبرز بوضوح وجه التحدّي من جانب مقترف الجريمة بكلّ حرية وإرادة مسؤولة لمخالفة الأوامر والنواهي التي حدّدها المشرّع قصد إلحاق الضرر بالغير، لذلك نصّت في البداية مختلف التشريعات التي تعرّضت إلى جريمة الشيك بدون رصيد على وجوب توفّر ركن سوء النية لدى الساحب عند إصداره لشيك بدون رصيد
فالفصل337 من قانون العقوبات المصري اعتبر سوء نيّة الساحب في جريمة إصدار شيك بدون رصيد هو من الأركان الأساسيّة للمؤاخذة فقد جاء به حرفيّا  » يحكم بهذه العقوبات -الحبس والغرامة- كلّ من أعطى بسوء نيّة شيكا لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب أو كان الرصيد أقلّ من قيمة الشيك أو سحب بعد إعطاء الشيك كلّ الرصيد أو بعضه بحيث يصبح الباقي لا يفي بقيمة الشيك أو أمر المسحوب عليه الشيك بعدم الدفع » . وذهبت محكمة التعقيب التونسيّة في نفس الاتّجاه.
غير أنّ هذا الركن طرأت عليه عدّة تغييرات هامّة، فتارة يعتدّ به قانونا وطورا يقع إلغاؤه صراحة أو يعتبر متوفّرا في جانب الساحب إذا أصدر شيكا واضح أن لا رصيد له ولم يقم بالتسوية في آجالها القانونيّة
ولا يخفى على أحد أنّ أحكام الشيك عرّفتها البلاد التونسية بمقتضى الأمر المؤرّخ في 30 ديسمبر 1923 المنقّح بالأمر المؤرّخ في 22 أكتوبر 1953 الذي تحدّث لأوّل مرّة عن جنحة الشيك بدون رصيد بالفصل التاسع منه والذي اشترط لإدانة مقترفها أن يكون سيّء النيّة في إصداره لذلك الشيك. فالقصد الإجرامي لا بدّ من توفّره في الفاعل وهو ما أقرّته محكمة التعقيب في القرار الصادر عنها عدد 4014 بتاريخ 23 ماي 1957، ثمّ أتت المجلّة التجاريّة المدرجة بالقانون عدد 129 لسنة 59 المؤرّخ في 5 أكتوبر 1959 فتحدّثت من جديد عن الجنحة المذكورة واعتبرتها بالفصل 411 منها جريمة موضوعيّة، إذ أنّه بمجرّد إنشاء الشيك وهو لا رصيد له تتكوّن هذه الجريمة، بقطع النظر عن نيّة مرتكبها وهو ما كرّسته محكمة التعقيب بقرارها عدد 2824 الصادر بتاريخ 22 جانفي 1964 بقولها: »يكون قائما على أساس من القانون، الحكم الذي قضى بالعقاب من أجل إصدار شيك بدون رصيد يقابله دون البحث عن سوء نيّة المتّهم باعتبار أنّ هذا الركن يتوفّر بمجرّد ثبوت أن لا رصيد له يقابله المبلغ المرسوم بالشيك الذي أمضاه »، وهكذا أصبحت جنحة إصدار شيك بدون رصيد حسب الفصل 411 في صيغته الأولى يوم صدور المجلّة التجاريّة هي جريمة ماديّة بحتة فلا يبحث عن حسن نيّة الفاعل من عدمها، فمجرّد إصدار الشيك وهو لا رصيد له يكون الجريمة
ثمّ أتى القانون عدد 311 لسنة 1970 المؤرّخ في 3 جويلية 1970 المنقّح للفصل 411 المذكور وأكّد من جديد على أنّ جريمة إصدار شيك بدون رصيد هي من الجرائم القصديّة التي يجب أن يتوفّر من جانب فاعلها سوء النيّة عند إصداره لذلك الشيك الذي لا رصيد له بالتالي أصبحت الفقرة الثانية الجديدة من ذلك الفصل تنصّ على ما يلي: »كلّ من أصدر عن سوء نيّة شيكا أو استرجع بعد إصدار الشيك كامل الرصيد أو بعضه أو حجّر على المسحوب عليه الدفع في غير الصور المنصوص عليها في الفصل 374 من هذه المجلّة ».
بينما كانت تلك الفقرة يوم صدورها كما يلي: »كلّ من أصدر شيكا ليس له رصيد سابق وقابل للتصرّف فيه أو كان الرصيد أقلّ من مبلغ الشيك واسترجع بعد استصدار الشيك كامل الرصيد أو بعضه أو حجّر على المسحوب عليه الدفع و في غير الصور المنصوص عليها بالفصل 374 من هذا القانون
وبمقارنة الفقرتين يتبيّن لنا أنّ المشرّع عدل عن اعتبار جريمة إصدار شيك بدون رصيد جريمة ماديّة إلى اعتبارها شخصيّة. وينبغي بالتالي إثبات أنّ الفاعل سيّء النيّة
ثمّ أتى القانون عدد 46 المؤرّخ في 2 جويلية 1977 والذي نقّح من جديد الفقرة الثانية الجديدة من الفصل 411 م .ت، وأرجع صيغة تلك الفقرة التي كانت محرّرة بها المجلّة التجاريّة من أوّل مرّة
 يبدو أنّ المشرّع هنا لم يلغ الركن المعنوي وإنّما اعتبره متوفّرا في الفاعل أي الساحب متى حصل له العلم بأنّ الشيك الذي أصدره لا رصيد له، لأنّه في القانون عدد 46 لسنة 1977 المذكور، أتى بموضوع التسوية وإجراءاتها إذ أنّه تولّى تنقيح الفصل 410 م .ت، وأصبح من الواجب على المصرف إعلام الساحب بمكتوب مضمون الوصول مع الإعلام بالبلوغ أنّ الشيك الذي سحبه عليه هو لا رصيد له أو رصيده غير كاف لتسديد مبلغه وترقّب أجل العشرة أيّام من تاريخ الإعلام ، وبعد فوات ذلك الأجل وإن لم يقم الساحب بالتسوية تعتبر عندها الفعلة جنحة تامّة الأركان يمكن مؤاخذته من أجلها، لذلك نجد المحاكم تتوقّف عن محاكمة الساحب لشيك لا رصيد له متى لم يقم إعلامه من طرف المصرف بالطريقة المذكورة، وهذا ما نجده مقرّرا بالقرار التعقيبي عدد 3539 الصادر بتاريخ 17 فيفري 1982
وفي نهاية المطاف أتى القانون عدد 83 لسنة 85 المؤرّخ في 11 أوت 1985 معيدا لصياغة الفصل 411 م .ت جاء بفقرتيه الأولى والثانية ما نصّه : » يعاقب بالسجن مدّة 5 أعوام وبخطيّة قدرها 3 آلاف دينار دون أن تقلّ عن مبلغ الشيك أو باقي قيمته : »كلّ من أصدر شيكا ليس له رصيد سابق وقابل للتصرّف فيه إن كان الرصيد أقلّ من مبلغ الشيك أو استرجع بعد إصدار الشيك كامل الرصيد أو بعضه أو حجّر على المسحوب عليه الدفع في غير الصور المنصوص عليها بالفصل 374″، فالصياغة الجديدة نستنتج منها أّنّ المشرّع أراد أن يعتبر صراحة وبوجه لا يقبل أي تأويل بأنّ جريمة إصدار شيك بدون رصيد التي هي جنحة هي جريمة ماديّة بحتة فلا وجود فيها لمسألة حسن النيّة من عدمها. وهذه الصياغة للفصل 411 من المجلّة التجاريّة هي التي استقرّ عليها رأي المشرّع التونسي حتّى بعد التنقيح الأخير للفصل المذكور بموجب القانون عدد 28 لسنة 1996 المؤرّخ في 3 أفريل 1996
وأخيرا نلاحظ أنّ المشرّع في القانون عدد 82 لسنة 1985، اعتبر الجريمة المذكورة حاصلة بمجرّد إصدار الشيك دون رصيد وتسليمه للمستفيد
ولتفادي عرض الساحب على المساءلة الجزائية نجد الفصل 410 ينصّ بالفقرة الأولى منه « لتسوية تنقرض بمقتضاها الدعوى العموميّة
وفي ذلك سعي للمشرّع في تفادي الالتجاء إلى العقوبات الجزائيّة لما لهذه الجريمة من ارتباط وثيق بالاقتصاد الوطني وبحركات البنوك وشؤونها
والتسوية لا تكون إلاّ بعد إعلام الساحب بأنّ الشيك الذي أصدره لا رصيد له. الأمر الذي يستنتج منه أنّ الجريمة التي حصلت قبل عمليّة التسوية غايتها جعل الدعوى العامّة تنقرض لا غير وهذا دليل آخر على أنّ المشرّع اعتبر أنّ هذه الجريمة ماديّة بحتة لأنّ الساحب قد يكون لا يعلم بأنّ الشيك الذي أصدره هو لا رصيد له ومع ذلك يعدّ قد ارتكب تلك الجنحة ومستهدفا للمؤاخذة إن لم يقم بعمليّة التسوية
الجزء الثاني: إجراءات التسوية
إنّ المشرّع أخذ بعين الاعتبار الطبيعة الماليّة والاقتصاديّة لجريمة إصدار شيك بدون رصيد فأقرّ إمكانيّة التسوية فيها، يدفعه في ذلك حرصه على ضمان خلاص المتضرّرين من هاته الجريمة، وسعيا منه إلى تدعيم الثقة في هاته الورقة التجاريّة التي لها دور فاعل في الحياة الاقتصاديّة. وتنقسم التسوية في جريمة إصدار شيك بدون رصيد إلى صنفين أو مرحلتين رئيسيّتين يقع التمييز بينهما بحسب الجهة التي تخضع لإشرافها عمليّة التسوية: ففي المرحلة الأولى يشرف البنك المسحوب عليه الشيك بدون رصيد على عمليّة التسوية ويمكن تسمية هذه المرحلة بمرحلة التسوية البنكيّة (الفقرة الأولى) وهي مرحلة ميّزها التنقيح الجديد بالاستقلاليّة عن المرحلة الثانية والموالية لها التي تقع فيها التسوية تحت إشراف القضاء وهي مرحلة يمكن تسميتها مرحلة التسوية القضائيّة (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: مرحلة التسوية البنكيّة 
عمل تنقيح 4 جوان 2007 على تدعيم دور التسوية كآليّة هامّة لتجاوز الآثار السلبيّة لجريمة إصدار الشيك بدون رصيد وذلك من خلال التمديد في أجل التسوية المصرفيّة وكذلك من خلال إرساء مرجعيّة عمل وفرض إتباع إجراءات وقائيّة هامّة
لقد خوّل المشرّع لساحب الشيك بدون رصيد فرصة هامّة لتدعيم فرص التحسّب من المؤاخذة الجزائيّة وذلك بالإسراع لتسوية وضعيّته في أجل معيّن ومضبوط حسابيّا
تمّ تنظيم فترة الإمهال الأولى في الفقرة الأولى من الفصل 410 ثالثا م.ت، ومدّتها ثلاثة أيّام مصرفيّة، لكنّ هذه الفترة قد شابها الغموض باعتبار أنّ المشرّع لم يستعمل في هذه الفقرة عبارة  » التسوية
أمّا بالنسبة إلى أجل التسوية فقد ميّز المشرّع بين حالتين بحسب ما إذا كان مقرّ الساحب « المصرّح به » يوجد داخل التراب التونسي أو خارجه، فإذا كان المقرّ بتونس فإنّ الأجل هو أربعة أيام عمل مصرفيّة بداية من تاريخ الإنذار الموجّه للساحب بواسطة عدل منفّذ أمّا إذا كان المقرّ بالخارج فيرفع الأجل إلى عشرة أيّام ولا يدخل يوم تبليغ الإنذار في احتساب الأجل لأنّه يجب أن يكون كاملا.
إضافة إلى هذه الفترة أضاف مشرّع 2007 صلب الفصل 412 ثالثا م.ت فترة جديدة للتسوية المصرفيّة مدّتها ثلاثة أشهر ينطلق احتسابها من يوم انقضاء التسوية ذات الأربعة أيّام
كما يجب الإشارة أنّه يقع الأخذ بعين الاعتبار أيّام العطل المصرفيّة (كيومي السبت والأحد)، حيث اقتضى الفصل 410 ثالثا م.ت في فقرته السادسة أنّه لا يدخل في نطاق احتساب الأجل الأيّام التي تمثّل عطلة مصرفيّة
إذ تنطلق مرحلة التسوية البنكيّة أو المصرفيّة من يوم التنبيه على الساحب بتوفير الرصيد (بأيّ وسيلة تترك أثرا كتابيّا)، ثمّ بعد هذا اليوم يتمتّع الساحب بأجل ثلاثة أيّام لتوفير الرصيد، وبعد هذا الأجل يقوم البنك في أجل يوم واحد بتحرير شهادة في انعدام الرصيد، ثمّ يتمتّع البنك بأجل ثلاثة أيّام ليسلم شهادة في عدم الدفع لعدل التنفيذ الذي يقوم بتوجيه إنذار للساحب خلال أربعة أيّام من تسلّم شهادة عدم الدفع ويتمتّع الساحب بعد إنذاره بأجل مدّته أربعة أيّام للتسوية الذي يشمل دفع مبلغ الشيك أو ما نقصّ منه وكذلك مصاريف التبليغ وبانتهاء هذا الأجل تبدأ فترة التسوية البنكيّة الأخيرة والمقدرة بثلاثة أشهر والتي تشمل توفير الرصيد وخلاص مصاريف الإعلام مع فائض بنسبة 10 بالمائة مع خلاص خطيّة بنسبة 10 بالمائة من مبلغ الشيك أو ما نقص منه.
لقد وضع المشرّع على عاتق البنك المسحوب عليه جملة من الواجبات الشكليّة التي ينبغي احترامها، وقد رتّب على الإخلال بها التعرّض لعقوبة ماليّة من خمسة مائة دينار إلى خمسة آلاف دينار طبقا لأحكام الفصل 412 م.ت
وتتمثّل هذه الواجبات المحمولة على البنك المسحوب عليه في دعوى الساحب أوّلا في تاريخ عرض الشيك للخلاص بأيّ وسيلة تترك أثرا كتابيّا لتوفير الرصيد بحسابه أو جعله قابلا للتصرّف فيه في أجل ثلاثة أيّام عمل مصرفيّة بداية من تاريخ رفض الدفع، ثانيا في تحرير شهادة في عدم الدفع مباشرة بعد انقضاء هذا الأجل (أجل ثلاثة أيّام) في خمسة نظائر وقد حدّد منشور البنك المركزي محتوى الشهادة في عدم الدفع، ثمّ أخيرا في الإعلام بعدم الدفع والذي هو إجراء أساسي يتمثّل في دعوة للساحب بواسطة عدل تنفيذ لتسوية وضعيّته وعلى هذا الأخير حتّى لا يستهدف للعقوبات المنصوص عليها بالفصل 403 م.ت أن يبلغ الإعلام بعدم الدفع خلال أربعة أيّام من تاريخ استلامه له
لقد حافظ تنقيح 2007 على نفس الإجراءات التي استوجبها المشرّع في تنقيح 3 أفريل 1996، وهذه الإجراءات حدّدت صلب الفصل 410 ثالثا م.ت الذي تضمّن فترتين للتسوية المصرفيّة والتي تتمثّل أساسا في إقدام الساحب على توفير الرصيد بحسابه أو جعله قابلا للتصرّف فيه في فترة التسوية الأولى التي تدوم ثلاثة أيّام، يضاف إلى هذا الإجراء دفع مصاريف التبليغ التي سبقها البنك لعدل التنفيذ في الفترة الثانية للتسوية التي تدوم أربعة أيّام فقط. ولقد أضيفت لهذه الإجراءات المحمولة على الساحب إجراءات أخرى جديدة رافقت الفترة المستحدثة التي تمّ إضافتها بموجب الفصل 412 ثالثا جديد من م.ت (فترة ثلاث أشهر)
وتوصف إجراءات التسوية في هذه المرحلة بالإجراء الإستحداثي، لأنّه وقع اعتماد مبدأ التدرّج في شروطها مع تقدّم مراحل التسوية، وفي هذه المرحلة يجب على الساحب الاستجابة لشرطين إضافيين بالفصل 412 ثالثا م.ت، المتمثّلين في دفع خطيّة لصندوق الدولة قيمتها 10%من مبلغ الشيك أو ما نقص منه وكذلك دفع فائض للمستفيد بنسبة 10% من مبلغ الشيك أو من باقي قيمته.
إذا قام الساحب بتسوية وضعيّته في أيّ طور من أطوار التسوية البنكيّة واستجاب للشروط القانونيّة واحترم الآجال فإنّه يترتّب على ذلك انقراض الدعوى العموميّة كما له إمكانيّة استرجاع صيغ الشيكات
أمّا بالنسبة للمسحوب عليه فلقد لقد تضمّن تنقيح 2007 وخاصّة بالفصل 412 ثالثا أثرين جديدين لحصول التسوية يتمثّل الأوّل في واجب تسليم البنك شهادة في التسوية للساحب أمّا الثاني فيتمثّل في إعلام البنك المركزي بحصول التسوية
الفقرة الثانية: مرحلة التسوية القضائيّة 
تعتبر هذه المرحلة الفرصة الأخيرة للساحب لتدارك أمره وهي مرحلة متميّزة من حيث خصائصها وشروطها وآثارها.
لقد قام مشرّع 4 جوان 2007 بإرساء أجل مفتوح للتسوية بعد تخلّيه عن الأجل المحدّد
إن تنقيح 3 أفريل 1996 رفّع في أجل التسوية القضائيّة من شهر (تنقيح 1988) إلى ثلاثة أشهر إذ أصبح الفصل 412 ثالثا م.ت ينصّ أنّه  » في صورة عدم حصول التسوية طبقا للشروط المبيّنة بالفصل 410 ثالثا من هذه المجلّة لساحب الشيك بدون رصيد خلال ثلاثة أشهر ابتداء من انتهاء أجل التسوية وقبل تاريخ صدور الحكم
 وقد واصل المشرّع رهانه على التسوية كإجراء ناجع للتصدّي لظاهرة الشيك بدون رصيد ممّا دفعه إلى تحرير هذا الأجل المحدّد بثلاثة أشهر وتفضيله إرساء أجل مفتوح طبقا للفصل 412 رابعا جديد م.ت الذي ينصّ على أنّه  » يمكن القيام بالتسوية أثناء التتبّع وقبل صدور حكم نهائي
كما يعتبر التنقيح الجديد تجاوزا لنقائص التنقيح السابق الذي جمع بين شرطين للتسوية، وقوعها في أجل الثلاثة أشهر كإطار زمني محدود، والثاني هو أن تتمّ التسوية قبل صدور حكم
تميّز تنقيح 4 جوان 2007 بالتمديد في مرحلة التسوية القضائيّة بجعل أجلها مفتوحا طوال مراحل التتبّع وقبل صدور حكم « نهائي ».
فالتسوية يمكن أن تحصل مادام الملفّ تحت نظر النيابة العموميّة التي تتّخذ حينها قرارا بالحفظ لانقراض الدعوى العموميّة بموجب التسوية، كما يمكن أن تحصل التسوية بعد إحالة النيابة العموميّة للساحب على المحاكمة، حينها تقضي المحكمة المتعهّدة بإيقاف المحاكمة بموجب التسوية ثمّ إنّ التسوية يجب أن تقع قبل صدور حكم « نهائي »
ومن المعلوم أنّ الأحكام الجزائيّة يمكن أن تصدر إمّا حضوريا أو معتبرا حضوريّا أو غيابيّا في حقّ المتّهم، وهنا يجب التمييز وإن لم يميّز المشرّع وذلك بإقصاء الأحكام الغيابيّة، فالقيام بالتسوية يبقى ممكنا حتّى بعد صدور حكم نهائي إذا كان غيابيّا، لأنّه يكفي الاعتراض عليه لينحل برمّته وتستأنف المحاكمة من جديد لذلك فلا معنى لحرمان الساحب من التسوية بعد صدور حكم نهائي غيابي عليه
 وعلى العموم فإنّ الأجل الجديد يبقى مفتوحا طول نشر القضيّة أمام قضاء الأصل بدرجتيه، بل يمكن القول أنّه من المتوقع جدّا أن يزيد فقه القضاء في إطالة هذه المرحلة ذلك أن محكمة التعقيب اعتبرت أنّ الساحب الذي فوّت على نفسه فرصة التسوية يمكنه القيام بذلك حتّى في طور نشر القضيّة أمام محكمة التعقيب.
إلى جانب هذا الأجل المفتوح واصل المشرّع بمناسبة تنقيح 04 جوان 2007 في تيسيره للواجبات المحمولة على الساحب وكذلك في تعزيزه لدور البنك المسحوب عليه
إذ نصّ الفصل 412 رابعا م.ت في صيغته الجديدة « على الساحب خلاص مبلغ الشيك أو باقي قيمته وفائض يساوي 10% يحسب باليوم بداية من تحرير شهادة عدم الدفع وخطيّة تساوي 20% من كامل مبلغ الشيك أو باقي قيمته وخلاص المصاريف
يتبين من خلال هذا الفصل أن المشرع قد خفّض من نسبة الفائض الواجب دفعه من قبل الساحب للمستفيد من 17% إلى 10% ذلك أن نسبة 17 بالمائة هي نسبة مرتفعة جدا ومن شأنها إثقال كاهل الساحب بشكل يعجز معه على أداء هذا الفائض، خاصة وأن حسابه يتم باليوم من تاريخ شهادة عدم الدفع
وهذا الرجوع في نسبة الفائض تتمثل غايته أساسا في تجاوز المشرع لتناقضاته فمن جهة يجرّم الفائض المشطّ، ومن جهة أخرى يفرض على الساحب فائضا في غاية الشّطط إذ لا يعقل أن يفرض المشرع في مادة الشيك بدون رصيد فائضا ترتفـع نسبتـه إلى 17% والحال أنـه يجرّم العمل بنسبة الفائض المشطّ
و بالرّغم من خيارات الساحب في التسوية إمّا بتأمين مبلغ الشيك أو ما نقص من الرصيد مع الفائض القانوني بالخزينة العامة وإمّا دفعه مباشرة لهذه المبالغ للمستفيد، فإن البنك المسحوب عليه يبقى وحده المؤهل قانونا لقبض مبلغ الخطية ومصاريف محضر الإعلام ويعد امتناعه عن قبض مال التسوية سلوكا تترتب عليه جريمة شكلية. كما رتب الفصل 412 م.ت عقابا على ارتكاب هذه الجريمة يتمثل في خطية من 500 إلى 5000 دينار
إضافة إلى هذا فإن البنك المسحوب عليه ملزم كذلك بمدّ الساحب بجميع الوثائق التي تثبت تسوية وضعيته، لذلك استوجب الفصل 412 رابعا على الساحب زيادة عن استجابته للشروط المالية أن يدلي لوكيل الجمهورية أو للمحكمة بما يفيد خلاص الخطية والمصاريف، وبما يفيد توفير الرصيد لدى المصرف مع الفائض.
ويترتب عن التفويت في فرصة التسوية القضائية مسائلة الساحب جزائيا، لكن إذا استجاب لهذا الخيار وقام بخلاص الشيك بدون رصيد فإنه يستفيد من إمكانية استرجاع استعمال صيغ الشيكات كما تنقرض الدعوى العمومية ويوقف التتبع في شأنه

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى