مقالات
أمهات الأمة … وسيدات الصبر الجميل

بقلم د غادة محفوظ
في كل لحظة يشتد فيها ثقل الحياة، وتتزاحم فيها المسؤوليات، تظل المرأة هي الركيزة الأقوى التي لا تنهار.
ورغم أن التاريخ مليء بالرجال، إلا أن النساء هنّ من صنعن ملامح هذا التاريخ بصبرهن، وعطائهن، وثباتهن.
منذ أول لحظة حملت فيها خديجة قلب النبي ﷺ، وحتى آخر أمٍّ تتحمل اليوم عبء حياة كاملة وحدها…
تبقى المرأة هي البداية، وهي السند، وهي الملجأ الذي يُعيد للأمة توازنها
قال الله تعالى:
«إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ».
وعند هذه الآية يبدأ الفهم الحقيقي لدور المرأة؛ تلك التي جعل الله صبرها بابًا للعطاء، وقوتها طريقًا للثبات، ووجودها أساسًا لاستقامة الأمة.
كانت المرأة عبر التاريخ ملحًا للرجال في حياة الأمة، تسندهم في المحن وتثبّتهم في لحظات الضعف.
أسماء بنت أبي بكر — ذات النطاقين — أحد أعظم النماذج:
كانت ملجأً لأبيها، وحاضنة لقوة الزبير بن العوام زوجها، ثم سندًا لابنها عبد الله بن الزبير حين واجه أشد ابتلاءات حياته.
لم تكن مجرد امرأة في بيت… بل كانت الملجأ والسند وعمود البيت والروح.
وهكذا يتكرر المشهد عبر التاريخ:
• خديجة بنت خويلد، أول من آمن بالرسول، قلبه الأول، وطمأنينته الأولى.
• آسية امرأة فرعون، التي ربّت سيدنا موسى رغم قسوة القصر وظلم الطاغية.
• فاطمة الزهراء، التي لقّبها الرسول بـ أم أبيها لعظم مكانتها وحكمة قلبها.
• أسماء بنت عميس، التي أوصى أبو بكر بأن تغسّله؛ ثقةً في طهرها ووفائها.
هذه ليست أسماء عابرة، بل قيمًا ربانية أودعها الله في المرأة الأصيلة:
العطاء، الحنان، القدرة على الثبات، والصبر الذي لا ينهزم.
وفي واقعنا المعاصر، تتجلى الصورة ذاتها:
في مصر وحدها ١٢ مليون امرأة معيلة، تكافح وتعمل وتربي وتُطعم…
ورغم أن النفقة ليست واجبًا عليها شرعًا، إلا أنها تتصدّق يوميًا بعمرها وجهدها.
هؤلاء النساء لسن مجرد أرقام؛ إنهن الأمان في البيت والمجتمع.
والمرأة التي تواجه تحدياتها بشجاعة تدرك جيدًا أن الحياة لا تُعطي إلا لمن ينهض،
وأن المسؤولية لا تُحمل إلا لمن كان لديه وعي وخبرة وقدرة على اكتساب أدوات الصمود.
ولهذا ينبغي للبنات اليوم أن يهتممن بتعلّم المهارات وبناء الذات،
ليصبحن نساء قادرات على اتخاذ القرار، وتحمل الأمانة، وتأسيس جيل مختلف.
ليس غريبًا إذن أن تكون أغلب المؤسسات الدعوية اليوم تقودها سيدات،
ولا أن يرى النبي ﷺ عند باب الجنة امرأةً تزاحمه، فلما سأل عنها قيل له:
“أنا امرأة أرملت، فعكفت على تربية أبنائي.”
هكذا يكرم الله المرأة… وهكذا يصون مكانتها.
ويبقى واجب المجتمع أن يُدرك أن المرأة لم تكن يومًا تفصيلة ثانوية،
بل كانت دائمًا الروح التي تُقيم بيتًا، وتُعلّم جيلاً، وتُخرج للأمة رجالًا يصنعون مستقبلها.
المرأة… أصل الحكاية وصانعة الرجال









