🌿 الاقتصاد الأخضر في تونس: من التحديات إلى الفرص الاستراتيجية للتنمية المستدامة

في ظل تفاقم التحديات البيئية والمناخية عالميًا، لم يعد الانتقال نحو الاقتصاد الأخضر خيارًا ثانويًا أو ترفًا فكريًا، بل أصبح ضرورة استراتيجية لضمان استدامة النمو وتحقيق العدالة الاجتماعية. وبالنسبة لتونس، يشكّل هذا التحوّل فرصة تاريخية لإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني وخلق فرص عمل جديدة وجذب استثمارات مسؤولة وصديقة للبيئة.
تشخيص الوضع الراهن
رغم وجود مبادرات بيئية متفرقة خلال السنوات الأخيرة، لا يزال الاقتصاد التونسي يعتمد إلى حدّ كبير على الأنشطة التقليدية الكثيفة الاستهلاك للموارد والطاقة. كما تشكو القطاعات الواعدة مثل الطاقات المتجددة، والتدوير، والزراعة المستدامة من ضعف التمويل وغياب الحوافز الجبائية والمالية الكفيلة بدعمها.
التحديات الكبرى
يواجه المسار الأخضر في تونس عدة عقبات هيكلية، من أبرزها:
-
ضعف الإطار التشريعي والحوكمة البيئية المتكاملة.
-
محدودية التمويل المحلي وغياب استراتيجية واضحة لجذب التمويلات الدولية من صناديق المناخ والاستثمار الأخضر.
-
نقص الكفاءات والمهارات المختصة في مجالات الاقتصاد الدائري والطاقات النظيفة.
-
غياب ثقافة بيئية مجتمعية راسخة تدعم خيارات التنمية المستدامة.
فرص واعدة تنتظر الاستثمار
ورغم هذه التحديات، فإن لتونس مقوّمات قوية تجعلها مؤهلة لتكون مركزًا إقليميًا للاقتصاد الأخضر.
فوفرة الشمس والرياح تتيح إمكانيات هائلة لتطوير الطاقات المتجددة، كما أن الشباب التونسي المتعلم والطموح قادر على قيادة الابتكار الأخضر.
إضافة إلى ذلك، تمثل السوق الأوروبية المجاورة فرصة استراتيجية لتصدير المنتجات والخدمات المستدامة، بينما توفّر الاتفاقيات الدولية، مثل مؤتمرات المناخ (COP) ومبادرات الاتحاد الأوروبي، مصادر تمويل وخبرة تقنية يمكن الاستفادة منها بفعالية.
نحو رؤية وطنية خضراء
لتحقيق التحول المنشود، من الضروري اعتماد استراتيجية وطنية شاملة تمتد على عشر سنوات، تقوم على شراكة فعالة بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني. وتشمل أهم الأولويات:
-
تحفيز الاستثمار في مجالات الطاقة المتجددة والتدوير والزراعة المستدامة عبر تخفيفات جبائية وحوافز بنكية.
-
إصلاح منظومة التعليم والتكوين لإدراج تخصصات مرتبطة بالاقتصاد الدائري والابتكار البيئي.
-
إنشاء مرصد وطني للاقتصاد الأخضر لتقييم الأداء ومتابعة المؤشرات البيئية بصفة دورية.
-
دعم بعث حاضنات أعمال خضراء في الجهات الداخلية لتشجيع ريادة الأعمال البيئية.
-
مأسسة الشراكة مع الجهات المانحة والمنظمات الدولية لتنفيذ مشاريع محلية مستدامة.
نحو عقد اجتماعي بيئي جديد
إن بناء اقتصاد أخضر ناجح لا يقتصر على القرارات الحكومية، بل يتطلب انخراطًا فعليًا من كل الفاعلين: المؤسسات الاقتصادية، المجتمع المدني، والجامعات. فالتنمية المستدامة هي مسؤولية جماعية، تُبنى على وعي مجتمعي وثقافة بيئية تترجم في السلوك اليومي وفي السياسات العمومية على حدّ سواء.
الاقتصاد الأخضر لم يعد حلمًا بعيد المنال، بل مسارًا حتميًا لضمان سيادة تونس الطاقية والغذائية والبيئية. النجاح في هذا التحول يتطلب إرادة سياسية جريئة، وإصلاحات هيكلية، ورؤية مجتمعية تشاركية تضع الإنسان والبيئة في صميم النمو الاقتصادي.










