فن و ثقافة

فيلم ” زريعة إبليس ” دمج الرعب النفسي مع المسائل النفسية والاجتماعية و الدينية

صفاء أحمد آغا – الرباط

بعد العرض في تونس يحط فيلم ” زريعة إبليس ” الرحال في مهرجان الرباط الدولي للسينما المؤلف في دورته  30، وهو فيلم تشويق وغموض ورعب سيكولوجي… مزج بين الجانب الفرجوي الخارق والعلمي والديني والاجتماعي، من غير ما يحاول يغطس في واحد منهم أكثر من اللازم.

وصف الفيلم بأنه ليس مجرد فيلم رعب بل عمل فني اجتماعي يحمل”قراءة ذكية” لواقع مسكوت عنه؛ يطرح تساؤلات حول الجسد، الهوية، الدين، والعاجز منها.. من الناحية الموضوعية، نرى أن موضوع التصفيح  هو طقس تقليدي لا يزال يمارس في بعض المناطق، وفيلم ” زريعة إبليس ” يحول هذه الممارسة إلى نقطة انطلاق لصراع بين الدين والعلم والخيال.

الفيلم إستمد نقاط قوته من الأداء  التمثيلي  حيث حاز على إشادة خاصة، لا سيما من رشا بن معاوية ومحمد قلصي،  كما لا ننسى أن نذكر أن التقنية السينمائية (كاميرا، إضاءة، موسيقى)يمكن أن تصفها  بأنها مستوى عالمي من إنتاج تونسي، مما يعد إشارة إلى تطور ملحوظ في سينما النوع في تونس.

موضوع الفيلم حاول الجمع  بين الموروث الشعبي والرعب  الشيء الذي جعل الفيلم يفتح حواراً ثقافياً واجتماعياً ليس مجرد ترفيه، فبالرغم من الإشادة، هناك من اعتبر أن تأثير بعض أفلام الرعب العالمية واضح جداً في تركيبة الفيلم، مما قد يقلّل من “فرادة” التجربة، فكون الفيلم يمزج بين الرعب والتحليل الاجتماعي والديني يجعل طابعه مزدوجاً، وقد يربك المشاهد الذي يتوقع صرفاً ترفيهياً صرفاً ، فالقضية  التي يناقشها مثل التصفيح مثلا ، تحتمل حساسية كبيرة في السياق التونسي والعربي، مما يمنح الفيلم بعداً خطيراً قد يواجه مقاومة أو جدلاً.

فمن بين التحليلات التي قد  يجعل «زريعة إبليس» مهمّاً؟ توضيف الموروث الشعبي كمادة للإبداع

بتناول فيلم التصفيح، يمسّ  كذلك الطقس التقليدي  الذي أحيط  بالسرية والخوف، ليتحول  إلى رمز للتمزّق بين القديم والحاضر، بين الطقس والمصلحة، بين الخوف والتحرّر، هذا الأمر يعطي للفيلم بعداً سينمائياً مزدوجاً: رعب + تأمل ، فسينما النوع (الرعب) في السياق العربي تجعل  الفيلم يمثل خطوة جديدة نحو نوع يعتبر قليل الانتشار في السينما العربية: فيلم «رعب نفسي» تنبّه لمخاوف اجتماعية ونفسية عبر رموز المعتقدات والتقاليد، ولذا، فإن زريعة إبليس ليس مجرد “فيلم رعب” بل محاولة للتوسّع النوعي.

الفيلم  يحظى بجودة تقنية عالية يُعدّ إشارة إلى أن الإمكانات التقنية صارت محلياً تتوفر لتقديم أعمال منافسة، لهذا عندما يشير الفيلم إلى كيف تتحول ممارسة وقائية (التصفيح) إلى لعنة، فهو يلمّح إلى هشاشة البنت/المرأة في بناء المجتمع، إلى القلق من الجسم، من الحرية، من التحكم، من التقليد. ومن ثم يكون الفيلم مرآة لتعقيدات الهوية والمجتمع من داخل تونس، لكن بصدى ممكن في كل المجتمع العربي.

إشادات الجمهور تعكس عطشاً لسينما تختلف عن النمط التجاري المعتاد، وتعبر عن رغبة في رؤية «شيء مختلف ، يحفر في الداخل». وبهذا، قد يكون الفيلم إشارة إلى أن السوق التونسية (والعربية) قادرة على استيعاب نوعيات أكثر جرأة.

في «زريعة إبليس» نلمس تجربة تونسية تتجاوز حدود الترفيه لتصبح فعل ثقافي واجتماعي. ليس كل فيلم رعب ينطوي على قيمة إضافية، لكن هذا العمل استطاع أن يمزج بين الموروث والحداثة، بين الرعب والتحليل، بين النوع والهوية. قد لا يكون مثالياً من الناحية النقدية في كل تفاصيله، لكن ما لا يُمكن إنكاره أنه خطوة نحو «ما بعد السينما التقليدية» في المنطقة: نحو نوعية، نحو مخاطرة، نحو سينما تحمل سؤالاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى