« Bribes»..العشق في مواجهة الزمن والنسيان يفتتح مسابقة الأفلام الطويلة بمهرجان الرباط لسينما المؤلف

صفاء أحمد آغا
في مدينةٍ تنبض بالتاريخ والجمال، حيث تلتقي الثقافات وتتعانق الحكايات، يولد فيلمنا اليوم ليحمل نبضًا جديدًا للسينما المعاصرة.. فيلمٌ لا يكتفي بأن يروى، بل يعاش؛ لأنه يفتح نوافذ الذاكرة، ويصغي إلى همس الإنسان أينما كان.
من قلب التجربة الإنسانية العميقة، ومن رؤية فنية جريئة، يشارك فيلمنا في المسابقة الدولية لمهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف في دورته 30 , ليكون شهادةً على قوة الصورة، وسحر الحكاية، وخلود الإبداع.
عمل طويل مشترك
فيلم « Bribes» هو عمل طويل مشترك، قام بإخراجه السينمائيان جانان فاتين محمّدي وعبد الإله زيرات.. المحمّدي أوضحت في مقابلة أنها تشارك زيرات تجربة الإخراج كزميل لها، وأن الفيلم يدخل في سياق المشاركة بمهرجان وطني للسينما المغربية.
السيناريو يعالج موضوعًا إنسانيًا وشاعريًا في آنٍ واحد: امرأة مصابة بمرض Alzheimer’s disease وعلاقَتها بحبّها القديم، بالتوازي مع قصة ثانية لقيادي عسكري سابق (قائد قديم في حرب الرمال) يحاول مع ابنته أن يعيد ربط خيوط حبٍّ مضى ، حيث ذكرت المخرجة أنها لم تكن لديها تجربة شخصية مباشرة مع «ألزهايمر»، لكن قصص الأسرة والذكريات هي التي ألهمتها.
الفيلم يستند إلى فكرة «العشق في مواجهة الزمن والنسيان»، استخدام مرض الألزهايمر يعطي الأثر الشعوري لزوال التذكّر، والحنين إلى الماضي، والرغبة في استعادة ما ضاع. قصّة القائد القديم ترمز إلى الأجيال التي تحمل ذاكرة الحروب، والأثر النفسي/العائلي الذي يترتب عليها. بهذا، الفيلم يجمع بين:
- الصراع مع الزمان والذاكرة (عندما تُنسى المرأة من خلال المرض).
- الصراع بين الماضي والحاضر، وبين الحب والتضحية، وبين ما فات وما يمكن أن يستعاد.
- البعد العائلي والضميري، حيث الأب/القائد يحاول أن يعيد للحب مكانه قبل أن تكون الفرصة قد فُقدت.
بهذا المعنى، يمكننا القول إن «Bribes» يعمل كبدرٍ منقة في مسار السينما المغربية التي تميل إلى معالجة ذاكرة الحرب، التغيير الاجتماعي، والتحوّلات النفسية، لكن من زاوية أكثر حميمية إنسانية ، فالأسلوب يبدو أنه يميل إلى الدراما التأملية، أكثر من الإثارة أو الأكشن، مع عنصر مفاجأة في النهاية كما ذكرت: «المشاهد لا يتوقع هذه النهاية».
التصوير ربما يركّز على اللحظات الداخلية، وتقاطع خطين قصصيين — امرأة في مواجهة المرض، وقائد في مواجهة الماضي — ما يوفر مساحة للشعور والتأمل بدلاً من الأحداث المتلاحقة.

الفيلم يحمل رسائل متعددة:
- الذاكرة قيمة: عندما تمسّ الذاكرة — سواء بفعل المرض أو بفعل العمر — نجد أن الإنسان قد يفقد جزءًا من ذاته، وكذلك من علاقاته.
- الحب لا يتقادم بالضرورة: رغم مرور الزمن، بعض العلاقات يمكن أن تعود إلى النور أو تُعاد صياغتها، لكن هذا يتطلّب الشجاعة والمواجهة.
- الأجيال والتاريخ: القائد القديم يمثّل جيلًا عاش تجربة تاريخية (حرب الرمال)، ويحاول أن ينقلها أو يعيدها بشكل مختلف، عبر ابنته، هذا يمكن أن يرمز إلى كيف أن الأجيال الجديدة تتعامل مع إرث الأجداد – بين الصمت والمواجهة، بين الذاكرة والنسيان.
- انعكاسات المرض على العائلة: المرض لا يؤثر على الفرد فقط، بل على محيطه، وعلى الروابط التي كانت قائمة معه. الفيلم بهذا يسبر تأثيرات الألزهايمر على العلاقات، على الحب، على السرد الشخصي

مشروع حديث
بما أن الفيلم لا يزال مشروعًا حديثًا أو قيد العرض في المهرجانات، فالقيمة التي يمكن أن نحسبها له:
- يسد مكانًا مهمًا في السينما المغربية المعاصرة، التي تبحث عن أصوات مختلفة ومعالجة إنسانية.
- يمكن أن يكون ذا أهمية في النقاشات حول «الذاكرة» و«المرض» و«الحب القديم» في سياق مغربي – ما يجعله ليس فقط فيلمًا بل وثيقة صورية عن تغيّر الزمن.
- من الناحية التقنية: إذا ما نفّذ جيدًا، يمكن أن يستخدم تصويرًا بسيطًا لكن مؤثّراً، أداءً ممثّلًا حساسًا، وإخراجًا يركّز على المشاعر أكثر من الحدث
- قد يكون العائق كذلك أن التشويق الموجود في «مفاجأة النهاية» يعتمد على سرد غير تقليدي أو مقطّع؛ هذا قد يحبّذ من جمهور السينماarthouse، لكنه قد يصعّب على جمهور عام.
- نجاح الفيلم سيعتمد كثيرًا على قدرة الممثلين على تجسيد حالة المرأة المريضة بالزهايمر، وأيضًا على قدرة المخرجين على جعل قصة القائد القديم متصلة بروح الفيلم لا مجرد موازاة.
فيلم «Bribes» يبدو عملًا واعدًا يحمل بين طيّاته موضوعات إنسانية عميقة: الذاكرة، المرض، الحب، الزمن، التاريخ. من خلال القصتين المتوازيتين — امرأة تعاني الألزهايمر، وقائد يحاول استعادة علاقة ماضية — يُقدّم الفيلم رؤية شخصية وحميمية مع لمسة اجتماعية/تاريخية. إن تمّ إعداده وإخراجه وتوسيعه بشكل جيد، فقد يكون إضافة مهمة للسينما المغربية الحديثة










