المنافسة بين الولايات المتحدة والصين: صراع استراتيجي متعدد الأبعاد يعيد تشكيل النظام العالمي

كتب العميد منير شحادة
تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة والصين في العقد الأخير تحوّلاً جوهرياً من مرحلة “الانخراط والتعاون إلى مرحلة المنافسة الاستراتيجية الشاملة . هذه المنافسة لا تقتصر على بُعد واحد، بل تشمل الاقتصاد والتكنولوجيا والأمن والسياسة، ما يجعلها تختلف عن الحرب الباردة الكلاسيكية التي اتسمت بانقسام أيديولوجي حاد وانعدام الترابط الاقتصادي بين القوتين.
أولاً: طبيعة المنافسة بين الولايات المتحدة والصين
تُوصف المنافسة الحالية بأنها متعددة الأبعاد؛ فهي مزيج من اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية وجيوسياسية في آن واحد.
في المجال الاقتصادي، تتنافس واشنطن وبكين على قيادة الاقتصاد العالمي والتحكم في سلاسل الإمداد والتجارة الدولية.
في المجال التكنولوجي، تدور معركة حقيقية حول التفوق في مجالات الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات والاتصالات.
أما في الجانب العسكري والأمني، فالتوترات تتركز في المحيطين الهادئ والهندي، مع استمرار سباق التسلح والتوسع البحري الصيني.
هذه الأبعاد المترابطة تجعل الصراع أكثر تعقيداً من مجرد مواجهة أيديولوجية، بل هو صراع على النفوذ والنظام الدولي القادم.
ثانياً: أدوات القوة التي يستخدمها الطرفان
لكل طرف أدواته الخاصة في إدارة هذه المنافسة:
الولايات المتحدة
التحالفات والشراكات الأمنية مثل: أوكوس (AUKUS) و الرباعية (QUAD) لتعزيز النفوذ في آسيا والمحيط الهادئ.
العقوبات والقيود الاقتصادية على الشركات الصينية، خصوصاً في قطاع التكنولوجيا والرقائق الإلكترونية.
الاعتماد على المؤسسات الدولية (كصندوق النقد والبنك الدولي) لترسيخ النظام القائم على القواعد الغربية.
القوة الناعمة من خلال الإعلام والتعليم والثقافة والدبلوماسية الديمقراطية.
الصين
مبادرة “الحزام والطريق” لتعزيز النفوذ الاقتصادي وربط آسيا وأفريقيا وأوروبا بشبكة من البنى التحتية.
الاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي لتعويض القيود الأمريكية.
استخدام التمويل والاستثمارات كأدوات تأثير في الدول النامية.
التحالفات المرنة مثل تعاونها مع روسيا وإيران وبعض دول الجنوب العالمي لموازنة النفوذ الأمريكي.
ثالثاً: احتمالات التصعيد العسكري وخطوط التوتر
رغم أن احتمال حرب مفتوحة بين القوتين يبقى منخفضاً حالياً، إلا أن المخاطر قائمة بسبب:
قضية تايوان التي تمثل خطاً أحمر لبكين واختباراً لالتزامات واشنطن.
بحر الصين الجنوبي حيث تتزايد الاحتكاكات البحرية بين القوات الأمريكية والصينية.
السباق العسكري في الفضاء والقدرات السيبرانية، الذي قد يؤدي إلى حوادث غير محسوبة.
كلا الطرفين يدرك أن الصدام المباشر ستكون كلفته باهظة اقتصادياً وعالمياً، لذلك يسعيان إلى إدارة التنافس دون انفلاته.
رابعاً: مستقبل العلاقة – تعاون أم تصادم؟
المستقبل القريب يبدو متجهاً نحو “تنافس منظم” أكثر من مواجهة شاملة.
واشنطن وبكين تدركان حاجتهما المتبادلة في الاقتصاد العالمي ومكافحة التغير المناخي واستقرار الأسواق.
لكن انعدام الثقة الاستراتيجي يبقي العلاقة متوترة. خاصةً أن أميركا و منذ أكثر من عقد من الزمن تسعى لشرق أوسط جديد تُسقِط فيه الأنظمة العربية و تدمر جيوشها و تنهب ثرواتها كما و أنها مع دول الناتو تتجه لصراع مع روسيا يمكن أن يؤدي إلى حربٍ إقليمية و حتى عالمية ثالثة ، ترى الصين في كل ذلك أنها أصبحت مطوقة من كل الإتجهات و خاصة أن اميركا نشرت قواعد بحرية عسكرية و عددها ١٨ قاعدة في البحار المحيطة بها .
على المدى الطويل، يُرجّح أن تشهد العلاقة صراعاً طويل الأمد على النفوذ مع فترات من التهدئة التكتيكية وليس المصالحة الكاملة.
خامساً: تأثير المنافسة على النظام والاقتصاد العالمي
المنافسة الأمريكية–الصينية تُعيد تشكيل النظام الدولي عبر:
تجزئة الاقتصاد العالمي إلى تكتلات وسلاسل إمداد موازية.
إعادة توزيع النفوذ الاقتصادي لصالح دول آسيوية صاعدة مثل الهند وفيتنام وإندونيسيا.
تأثير كبير على الدول النامية التي تحاول الاستفادة من الطرفين دون الانحياز لأحدهما.
كما أن التنافس التكنولوجي بين البلدين يحدد مستقبل الابتكار والمعايير التقنية العالمية.
سادساً: موقع الشرق الأوسط في المنافسة
الشرق الأوسط أصبح ساحة توازن دقيقة بين القوتين:
الولايات المتحدة ما تزال القوة الأمنية التقليدية في المنطقة من خلال قواعدها وتحالفاتها.
الصين توسّع حضورها الاقتصادي عبر الاستثمار في الطاقة والبنى التحتية، وتوثيق العلاقات مع دول الخليج وإيران.
دول المنطقة – مثل السعودية والإمارات ومصر – تتبنى سياسات موازنة تهدف للاستفادة من الشراكات الاقتصادية مع بكين دون خسارة المظلة الأمنية الأمريكية.
وبذلك يشكّل الشرق الأوسط منطقة اختبار لنمط التنافس المرن بين القوتين.
خاتمة
المنافسة بين الولايات المتحدة والصين ليست حرباً باردة جديدة، بل صراع متعدد الأبعاد يعكس انتقال القوة في النظام الدولي.
إنها مواجهة بين قوة مهيمنة تسعى للحفاظ على موقعها، وقوة صاعدة تطمح لإعادة تشكيل النظام بما يعكس وزنها الاقتصادي والسياسي.
مستقبل هذه العلاقة سيتحدد بقدرة الطرفين على إدارة التنافس دون انزلاق إلى صراع عسكري، وبمدى استعداد العالم للتعامل مع نظام دولي أكثر تعدداً في مراكز القوة.










