مقالات

غادة محفوظ تكتب : الحوكمة سبيل الإصلاح الحزبي في الجمهورية الجديدة

الحياة الحزبية تمثل الركيزة الأساسية لأي نظام ديمقراطي حديث، فهي الأداة التي تُترجم من خلالها مصالح المواطنين إلى برامج وسياسات واقعية. غير أن التحدي الأكبر الذي تواجهه الأحزاب في مصر يتمثل في غياب الشفافية وضعف التنظيم الداخلي وسيطرة الطابع الفردي على حساب المؤسسية، مما جعل الكثير من هذه الكيانات بعيدة عن جمهورها وفاقدة للمصداقية. من هنا يبرز مفهوم الحوكمة باعتباره المدخل الأهم لإصلاح العمل الحزبي وإعادته إلى مكانته الطبيعية في المجتمع.

الـحوكمة في جوهرها تعني وجود قواعد وآليات واضحة تضمن الشفافية في إدارة الموارد، والمساءلة بين القيادة والقاعدة، والكفاءة في توظيف الإمكانات البشرية والمادية، والمشاركة الواسعة للأعضاء في صناعة القرار. وعندما تُطبق هذه المبادئ داخل الأحزاب فإنها تفتح الباب لإصلاح شامل يعالج أمراض البنية الحزبية المزمنة. فالشفافية المالية مثلًا تجعل الحزب أكثر مصداقية لدى أعضائه والدولة والمجتمع، والانتخابات الداخلية العادلة تضمن تداول القيادة وتمنع احتكار المناصب، والمشاركة الواسعة تتيح للشباب والنساء الدخول إلى دوائر التأثير وصناعة القرار، بينما يضيف التقييم الدوري للأداء عنصرًا مهمًا يضمن التجديد والتطوير المستمر.

إن الحوكمة ليست مجرد إطار تنظيري، بل هي عملية إصلاحية تُمكّن الأحزاب من أن تتحول إلى مؤسسات وطنية فاعلة. فحين تلتزم الأحزاب بالشفافية والمساءلة وتبني آليات للمشاركة، فإنها تكتسب احترام الدولة وثقة المواطنين، وتصبح أكثر قدرة على المنافسة السياسية ببرامج تعكس الواقع وتلبي احتياجات الناس. وبذلك لا يقتصر أثر الحوكمة على إصلاح الأحزاب وحدها، بل يمتد إلى تقوية المجتمع المدني، ودعم الدولة في بناء حياة سياسية متوازنة، وإرساء دعائم الاستقرار والتنمية في إطار الجمهورية الجديدة.

الخلاصة أن الحوكمة تمثل بالفعل السبيل الحقيقي للإصلاح الحزبي، فهي الضمانة لبناء مؤسسات سياسية قوية، وتوسيع المشاركة الشعبية، وإعادة الثقة إلى المجال العام. وعندما تصبح الحوكمة نهجًا ثابتًا داخل الحياة الحزبية، يتحول الحزب من مجرد كيان شكلي إلى قوة مجتمعية فاعلة تساهم في صنع الحاضر والمستقبل

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى