مقالات

محو الأمية الإعلامية

 

بقلم د. شيرين العدوى

باتت المجتمعات الآمنة فى حالة صراع اجتماعى، ونفسى، ولا أبالغ إن قلت انهيارات قيمية وأخلاقية بسبب حروب الجيل الرابع.

وحروب الجيل الرابع ظهرت مع نهاية القرن العشرين؛ حيث بدأ العالم يشهد تحولا بعيدا عن الصراعات التقليدية بين الدول، بظهور فاعلين جدد غير حكوميين فى ساحة الصراع؛ هذا التحول كان بمنزلة إيذان ببدء عصر جديد، تكتسب فيه أدوات الحرب الناعمة، وفى مقدمتها «الإعلام» أهمية إستراتيجية تتجاوز القوة الصلبة. وعلى الرغم من أن هذا الإطار يوفر فهما مفيدا للتطور فإن الخبراء يختلفون حول ما إذا كانت هذه الأجيال تمثل مسارا خطيا منفصلا تماما.

فبعض المنظرين، مثل «ويليام ليند» ، يرى أن حروب الجيل الرابع لم تتبلور بالكامل بعد؛ ويرفض اعتبار الجيل الخامس مفهوما قائما بذاته، هذا الجدل يؤكد أن الفواصل بين الأجيال فى الحروب ما بين ثقيلة وناعمة ليست واضحة تماما، وأن ظهور جيل جديد لا يلغى بالضرورة استخدام أدوات الجيل السابق. وتعرف حروب الجيل الرابع بأنها صراعات يكون فيها أحد الأطراف المشاركة ليس «دولة»؛ بل كيان عنيف غير حكومي. نشأ هذا المفهوم فى عام 1989 على يد فريق من المحللين الأمريكيين، منهم ويليام إس ليند الذى وصفها بأنها: «الحرب اللامتماثلة». ويمثل هذا النوع من الحروب عودة إلى نماذج الصراع التى كانت سائدة قبل ظهور القومية الحديثة حيث تفقد الدولة احتكارها للعنف وقوى الصراع.

وتتميز هذه الحروب بخصائص أساسية تكسر القواعد التقليدية للصراع منها:1- أن تختفى الخطوط الفاصلة بين الحرب والسياسة، والعسكريين والمدنيين. 2- تعتمد على اللامركزية الكاملة، حيث تعمل الشبكات الصغيرة والخلايا السرية بشكل مرن وبدون تسلسل هرمى واضح مما يجعل من الصعب تتبع مصدر دعمها المالى أو قيادتها. 3- الهدف الأساسى لم يعد تدمير القدرات العسكرية للخصم، بل استهداف الإرادة السياسية وإضعاف ثقة الشعب فى دولته. فهى حرب لإنهاك الخصم وتدميره بشكل منهجى، وتحقيق هزيمة نفسية للشعوب.

وفى هذه الحرب الإعلام يتحول الإعلام من مجرد أداة مساعدة إلى سلاح رئيسى . فتستخدم فيها وسائل الإعلام التقليدية والجديدة، ومنظمات المجتمع المدنى، والمعارضة السياسية لخدمة مصالح القوى الخارجية التى تشن الحروب. فالهدف هو تسخير إرادات الآخرين لتنفيذ مخططات العدو. ولذلك بات علينا جميعا واجب قومى ألا وهو: محو الأمية الإعلامية للأفراد وتحصينه نفسيا. وتعتمد استراتيجية على تحصين المجتمع من الداخل، باعتباره خط الدفاع الأول ضد التضليل، ويتم ذلك عبر ثلاث ركائز أساسية. أولا: نشر الوعى الرقمى والثقيف الإعلامى على نطاق واسع؛ لتزويد الأفراد بالقدرة على التمييز بين المعلومات الموثوقة والدعاية المغرضة.

ثانيا: تعليم الجمهور كيفية التحقق من صحة المحتوى الإعلامى، وفهم الأساليب المستخدمة فى الحرب النفسية مثل الأخبار الزائفة والفيديوهات المفبركة.

ثالثا: تعزيز الشفافية وتوفير المعلومات الصحيحة من قبل المؤسسات الرسمية، حيث إن غيابها قد يصنع فجوات معرفية تكون بيئة خصبة لانتشار الشائعات وتآكل الثقة. وعلى كل منا دور، فعلينا جميعا كقوة ناعمة فاعلة فى المجتمع أن نقوم على بناء وعى جماعى يجعل العقل البشرى هو الحصن المنيع، والقلعة التى تقهر، والجيش الذى يهزم العدو دون عتاد.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى