زيارة لاريجاني إلى لبنان: قراءة في أبعاد الدور الإيراني الداعم للاستقرار الإقليمي

حسين مرتضى
في مشهد إقليمي معقّد يضجّ بالتوترات والصراعات المفتوحة، شكّلت زيارة أمين مجلس الأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، إلى بيروت حدثاً سياسياً يتجاوز حدود البروتوكول الدبلوماسي التقليدي. فالزيارة جاءت في لحظة سياسية دقيقة بالنسبة للبنان، حيث تتفاعل الضغوط الخارجية والداخلية حول ملف سلاح المقاومة، في ظلّ محاولات أميركية وحلفاء إقليميين لإعادة صياغة التوازنات السياسية في هذا البلد.
إلّا أنّ الرسائل التي حملها لاريجاني أوضحت أنّ إيران تسعى ـ من موقعها ـ إلى ترسيخ مقاربة مختلفة، تقوم على دعم الاستقرار ومنع انزلاق لبنان إلى أتون الفوضى.
المقاومة كركيزة للاستقلال والسيادة
من أبرز المحاور التي طغت على خطاب لاريجاني في بيروت التأكيد على أنّ المقاومة اللبنانية ليست ملفاً داخلياً صرفاً، بل عنصراً أساسياً من عناصر الحصانة الوطنية في مواجهة التهديدات الخارجية.
القراءة الإيرانية ترى أنّ أيّ محاولة لانتزاع هذا الدور أو تهميشه لن تقتصر على إضعاف حزب الله كفاعل سياسي ـ عسكري، بل ستعني في جوهرها تعريض لبنان برمّته لهشاشة استراتيجية أمام «إسرائيل». ومن هنا، فإنّ موقف طهران لا يعبّر عن تدخل في تفاصيل الحياة السياسية اللبنانية بقدر ما يعكس رؤية أوسع تعتبر الحفاظ على قدرة الردع اللبنانية مصلحة وطنية وإقليمية في آن واحد.
الدبلوماسية الأمنية: منع الانزلاق نحو الفوضى
زيارة لاريجاني، وهي ثاني مهمة خارجية له بعد توليه منصبه، تعكس انتقالاً نوعياً في السياسة الإيرانية تجاه لبنان، عنوانه الجمع بين الدبلوماسية التقليدية ومقاربات الأمن القومي.
إيران تدرك أنّ الساحة اللبنانية حساسة وقابلة للاشتعال، وأنّ أيّ تفجير داخلي لن يبقى محصوراً في حدود لبنان، بل سيتسرّب إلى المنطقة بأسرها. لذلك جاءت زيارة لاريجاني بمثابة مبادرة وقائية هدفها إغلاق الباب أمام السيناريوات التي قد تدفع لبنان إلى صراعات داخلية مدمّرة. هذا البعد الوقائي يوضح أنّ الدور الإيراني لا يقتصر على دعم طرف على حساب آخر، بل يتجاوز ذلك إلى محاولة صون وحدة لبنان واستقراره.
لبنان في قلب المعادلات الإقليمية الكبرى
الملف اللبناني بالنسبة لإيران ليس معزولاً عن السياق الإقليمي الأوسع. فزيارة لاريجاني حملت رسائل مرتبطة بالحرب المستمرة في غزة، وبمسار التطبيع العربي ـ الإسرائيلي، وبالترتيبات الأمنية الجديدة التي تحاول بعض القوى الدولية فرضها في الشرق الأوسط.
في هذا السياق، تعاطت طهران مع لبنان باعتباره نقطة ارتكاز بين محور المقاومة والتجاذبات الجيوسياسية، ما يجعله جزءاً لا يتجزأ من معركة إعادة رسم الخريطة الإقليمية. دعم إيران للبنان لا يُقرأ فقط في بعده الثنائي، بل أيضاً في بعده الاستراتيجي الذي يحمي موقع لبنان ضمن التوازنات الكبرى.
استراتيجية إيرانية جديدة: الحضور بدل الانكفاء
اختيار لبنان كإحدى أولى محطات لاريجاني الخارجية يرمز إلى أنّ طهران قرّرت اعتماد مقاربة جديدة في سياستها الإقليمية. ففي مواجهة الضغوط والعقوبات، لم تختر إيران الانكفاء أو الانسحاب، بل تعمّدت إبراز حضورها وتفعيل شراكاتها مع الدول الحليفة.
هذه الاستراتيجية الجديدة تقوم على مبدأ الموازنة الإيجابية: أيّ ترسيخ النفوذ الإقليمي عبر الحوار وتعزيز التحالفات، بدل الدخول في مواجهات مباشرة أو الاكتفاء بردود الأفعال. من هنا، تحضر إيران في لبنان ليس كقوة فرض أو إملاء، بل كطرف داعم يعرض شراكة تقوم على حماية السيادة الوطنية وصون التوازن الداخلي.
في الختام فإنّ زيارة لاريجاني إلى بيروت لا يمكن قراءتها كحدث منفصل، بل كجزء من استراتيجية إيرانية متكاملة تهدف إلى تثبيت أركان الاستقرار في منطقة تواجه مشاريع إعادة تشكيل قسرية من الخارج.
إيران، عبر هذه الزيارة، قدّمت نفسها كقوة داعمة للاستقلال اللبناني، محذّرة من كلفة أيّ محاولة لإقصاء مكوّن وطني فاعل أو تهميشه. كما بعثت برسالة إلى المجتمع الدولي أنّ مقاربة الاستقرار لا يمكن أن تُبنى على فرض معادلات أحادية أو على إضعاف عناصر القوة الداخلية للشعوب.
وبذلك، يمكن القول إنّ لاريجاني في بيروت لم يكن مجرّد مبعوث سياسي، بل حامل لرسالة مفادها: إيران باقية في قلب المعادلات الإقليمية، ولكن كقوة توازن، وداعم لشركائها، وسند لاستقرار المنطقة بأسرها…