صحافة ورأي

إن لم تستح فأفعل ما شئت

“من الأخطاء ما لا يُجدي معه الإعتذار”

“قاضي التحقيق بالقطب المالي تعهد بالشكاية (…) حول العقود التي تم إبرامها بين المترشح نبيل القروي ورئيسة جمعية «عيش تونسي» ألفة تراس وحركة النهضة مع شركات “اللوبييغ” في الولايات المتحدة الأمريكية.” هذا ما قاله المتحدث باسم النيابة العمومية بتونس سفيان السليطي سنة 2019.

فما معنى هذا المصطلح “اللوبييغ” ؟ ولماذا شرعت له أمريكا وجرمته تونس ؟

“اللوبيينغ”.. في خدمة أصحاب المال

لا يوجد إجماع بخصوص أصل كلمة “اللوبيينغ”، لكن معجم “أوكسفورد” يعود إلى سنة 1640 حيث يشير إلى أن هذا النشاط ظهر في مجلس العموم البريطاني حين كان المواطنون يقصدون أعضاء المجلس في ردهة المبنى للترافع عن مصالحهم، وهو ما تشير إليه كلمة “Lobby” بالإنجليزية والتي تعني الردهة.

وتتحدث مصادر تاريخية عن كون أعضاء مجلس العموم البريطاني كان يكملون نقاشاتهم في الردهة، حيث تم اعتبار ذلك امتدادا لجلساتهم داخل قاعة الاجتماعات، وهو ما مهد لكي تصبح الكلمة لاحقا لصيقة بالسعي لإحداث تأثير سياسي أو خدمة مصالح معينة من خلال التواصل مع أعضاء البرلمان داخل المبنى التشريعي.

في الولايات المتحدة شاعت الكلمة في بداية القرن التاسع عشر وتعزز انتشارها خلال فترة رئاسة يوليسيس غرانت الذي ذكر أن كل من كانت له مصلحة كان يتربص به في ردهة فندق The Willard بالعاصمة واشنطن خلال تردده عليه.

ويستمد “اللوبيينغ” في الولايات المتحدة مشروعيته من الفصل الأول من الدستور الذي ينص في تعديله الأول على حق الأشخاص في التجمع السلمي وتقديم العرائض للحكومة من أجل رفع ما قد يرونه حيفا وقع عليهم.

مع نهاية الحرب العالمية الثانية سن الكونغرس قانون Federal Regulation Lobbying Act، والذي نص على أن يسجل الأشخاص والمنظمات التي تمتهن “اللوبيينغ” أسماءهم عند الكونغرس بمجلسيه وأن يكشفوا عن الجهات التي يعملون لصالحها والأموال التي تنفق لهذا الغرض.

ومع مرور الزمن زادت أهمية “اللوبيينغ” وزادت الحاجة إليه بالنسبة للشركات وصار شارع K Street في واشنطن، حيث تتركز مكاتب “اللوبيينغ”، محج الطامحين لأن تميل كفة قرارات الكونغرس والإدارة الأمريكية لصالحهم. ونتج عن ذلك تواصل ارتفاع الإنفاق المسجل في هذا الجانب.

لماذا جرمت تونس اللوبيينغ ؟

يعتبر اللوبيينغ أداةً لأطراف تملك من المال الكثير لتستطيع توجيه الرأي العام. فحسب أرقام لسنة 2015, تجاوز مجموع الإنفاق على هذه الأداة في الولايات المتحدة 2.6 مليار دولار وهو رقم يفوق الميزانية المخصصة لمجلس النواب ومجلس الشيوخ مجتمعين.

تثبت هذه الأرقام مدى كلفة طلب المساعدة من “جماعات الضغط” وفي تونس وجهت التهم في 2019 إلى ثلاثة أطراف سياسية (النهضة، قلب تونس و “عش تونسي”) و يذكر أن القطب القضائي الاقتصادي والمالي، قد فتح تحقيقا منتصف شهر جويلية ضدّ حركة النهضة وحزب “قلب تونس” وجمعية “عيش تونسي”، حول عقود اللوبيينغ التي تتعلق بالحصول على تمويل أجنبي للحملة الانتخابية وقبول تمويلات مجهولة المصدر.

الغريب في الأمر أن حركة النهضة أنكرت في 2019 علاقتها وتهمة ارتباطها بهذه المجموعات (مجموعات الضغط أو “اللوبيينغ”) ليأتي بعدها القيادي في حركة النهضة زياد العذاري مؤكدا ان الأمر يتعلق بقيام أنصار ومناضلي النهضة في الخارج بحملات للتعريف بصورة الحركة في الخارج في إطار ”الديبلوماسية الحزبية الشعبية في الخارج” وهو ما وصفه بأن ”لا مشكل فيه وليس مخالفا للقانون”. ثم قفز عبد اللطيف المكي ليتهم حزباً أخر بتهمةٍ مازالوا لم يثبتوا برائتهم منها حيث قال شبه متاكد كون رجل الاعمال المصري ساوريس والذي كان وراء الانقلاب في مصر يقف خلف نبيل القروي وتوظيف العمل الخيري و”اللوبيينغ”.

وفي سجال أعيد إحياء ذكراه بعد القرارات الأخيرة لقيس سعيد وبعد أن تعهدت النيابة العمومية من جديد بقضية عقد ”لوبيينغ” النهضة طفت على سطح فضائح النهضة جريمة جديدة حيث نشرت وزارة العدل الأمريكية، عقد لوبينغ جديد لفائدة حركة النهضة تم إمضاءه يوم 29 جويلية المنقضي في واشنطن بقيمة 30 ألف دولار بدون احتساب الأداءات.

وكشف المحامي ياسين عزازة، اليوم الجمعة، أنّ النهضة وقعت عقدا جديدا مع شركة لوبيينغ أمريكية لدفع المسؤولين الأمريكيين لتهديد رئيس الجمهورية قيس سعيد والضغط عليه، بحسب تعبيره .

واكد عزازة، في تدوينة نشرها على حسابه بفيسبوك، أن هذا العقد منشور على موقع وزارة العدل الأمريكية وينص على أن الشركة ستقوم بالتوسط عند الأمريكان وستوفر دعما على مواقع التواصل .

المتحدث، أوضح أن هذا العقد ينضاف إلى عقود أخرى أهمها العقد الذي وقعته الحركة مع نفس الشركة بقيمة اكثر من مليار تونسي والذي اشارت إليها دائرة المحاسبات في تونس.

وقال “يستعملون المال الأجنبي ويدفعون 30 ألف دولار أمريكي لسيناتور أمريكي من أجل أن يضغط على الرئيس الأمريكي ليقطع التلاقيح عن التونسيين”، مضيفاً ” الآن نفهم قول الشيخ التكتاك زعيم الحركة “إما نحن أو الفوضى و العنف”.

يشار إلى أن الفصل 163 من القانون الإنتخابي، ينص على فقدان أعضاء المجلس المتمتعين بالتمويل الأجنبي عضويتهم بمجلس نواب الشعب، ويعاقب المترشح لرئاسة الجمهورية المتمتع بالتمويل الأجنبي بالسجن لمدة خمس سنوات، كما يحرم كل من تمت إدانته بالحصول على تمويل أجنبي لحملته الانتخابية من أعضاء قائمات المترشحين من الترشح في الانتخابات التشريعية والرئاسية الموالية مع دفع خطية ماليّة تتراوح بين عشرة أضعاف وخمسين ضعفاً لمقدار قيمة التمويل الأجنبي.

وبهذا العقد الجديد تمردت النهضة مرة أخرى على قانون الأحزاب بل ونفت، في محاولة فاشلة للهروب، علمها  بعقد اللُوبيينغ إذ علّقت حركة النهضة على ما يتم تداوله حول عقد ‘لوبيينغ’ في الولايات المتحدة الأمريكية، مؤكدة أنها لم تقم بأي تحويلات مالية إلى الخارج ولم تتلق أي تحويلات أو تمويلات مالية من الخارج.

وأضافت الحركة أنها تخضع لإجراءات القانون التونسي وحساباتها وعقودها يتم مراقبتها من قبل محكمة المحاسبات، مشيرة إلى أنهالم توقع، لا عن طريق ممثلها القانوني، ولا عن طريق أي من مؤسساتها أو قياداتها أي عقد مع أي مؤسسة في الخارج.

يقول نجيب محفوظ “من الأخطاء ما لا يُجدي معه الإعتذار” ولكننا هذه المرة أمام وضعية جديدة وحالة شاذة فالنهضة لم تستحي في 2019 بعد أن ضمنت أنها لن تحاسب  تحت غطاء قضاء البحيري بل عاودت الكرة في أوت 2021 لتطلق أكاذيبها المعتادة بأن لا علاقة لها معتقدةً أن زيف خطابها سيمر دون ملاحظته.

خلود هداوي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى