مقالات

الدروز: نهاية حكم الشرع… ما نشرناه في التاسعة حصل بعد منتصف الليل

 

*بقلم ناجي علي أمهز*

 

لنبدأ من حيث يبدأ الجميع عادةً بالخداع: “إسرائيل تحمي الدروز لأنها حليفتهم”. هذه كذبة. وإن سوّقت إسرائيل نفسها كحامية لهم، فهي تكذب. الحقيقة أن هناك نظامًا عميقًا، يحكم العالم، يقرر من يُمسّ ومن يُمنع مسّه. والدروز، لو كانوا في قلب أوروبا أو أقصى آسيا وتعرضوا للخطر، ستتحرك أقوى الدول لحمايتهم، ليس لأنهم أقوياء أو لأن لهم مالًا، بل لأن من أسس هذا النظام قرر أن يُمنع الاعتداء عليهم.

 

كما قلت لكم أمس قبل العدوان الإسرائيلي على سوريا، ما يحصل للدروز يتجاوز الإعلام والخرافات. حتى إسرائيل تصفع إذا مستهم، ليس لأنها عدوة أو صديقة، بل لأنّ هناك قرارًا عميقًا بأن هؤلاء ممنوع المساس بهم. راجعوا مقالي السابق: “الاعتداء على الدروز: والدم المحرّم… هل الشرق سيبقى دون أقليّات؟”.

 

أنا لا أكتب لجمهور مبرمج على وهم التحليل، بل لأقول الحقيقة كما هي، لكم أن تصدقوا أو لا، فمعظم الشعوب العربية أصبحت مختبرًا لمحللين استراتيجيين مزيفين.

 

لكن لنعُد إلى صلب الحدث:

حكم أحمد الشرع انتهى.

انتهى كأمر واقع، وسيسقط تمامًا في وقت قريب جدًا.

 

أما تركيا، فقد وقعت في خطأ استراتيجي ثانٍ، بعد أول خطأ لها الذي أشرت إليه سابقًا في مقال: “النظام العالمي غاضب من تركيا وأدواتها، وممنوع المساس بإيران، والروس يعتبرون بشار الأسد ورقة الدولة العلوية”.

ما حصل مع الدروز يُظهر أن أردوغان لم يعُد على خريطة النظام العميق، يحاول أن يبعث إشارات استغاثة لهذا النظام عبر ضربات رعناء وافق عليها ان توجه للدروز بل اطلق طائراته الحربية معلنا “احكوا معي انا احميهم”، معتقدًا أنه سيلفت الأنظار، وينال فرصة للحوار مع النظام العميق فجاء الرد قاسيًا: “حمايتنا ليست للبيع.”

الفئات المحمية:

اليهود: ليس لأنهم يملكون المال أو اللوبيات، بل لأنهم يحترمون الفكر، يقدّسون المفكر، يعبدونه. العقل عندهم رأس المال، وهذا ما تعلموه من توراتهم وقرآننا:

” وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)”

(البقرة: 247).

اليهود فهموا — أو على الأقل نُبّهوا — إلى أن نعمة العقل والبصيرة ليست صدفة، بل اصطفاء إلهي، وأنّ الأمم لا تُقاد بالثروات، بل بالمعرفة والبُعد والرؤية. قالوا: كيف يكون طالوت ملكًا علينا وهو لا يملك المال؟ لم يُجبهم نبيهم بأنه ابن الملياردير الفلاني او الزعيم العلاني، بل قال: إن الله زاده بسطةً في العلم والجسم. العقل قبل المال، والرؤية قبل النفوذ، وهذه من سنن السماء. وهكذا تدركون لماذا اليهود حكموا العالم بامثال اينشتاين وفرويد وغيرهم كثيرين في مختلف مجالات العلوم.

 

1. الدروز: لأن الحكمة سلاحهم، والذي يحكمهم ليس بماله أو نسبه بل بفكره والاهتمام بفطنة وذكاء بالعلاقات الدولية والمشاركة الدائمة في محافل الادب والفن والسياسة في العالم، فلا يكفي ان تتقوقع وتعتقد بان العالم سياتي اليك، بل ستجد نفسك معزولا عن العالم.

 

2. شعب الأردن: محميّ بظلّ الملك عبدالله. موته، لا سمح الله، يعني انهيارًا تامًا للمملكة، وتحوّل الشعب الأردني إلى لاجئ جديد، يطلب المساعدات بل ربما عمل على منح ارضه للفلسطينيين عله بسببهم يحصل على ما يكفي عيشه.

 

3. الموارنة: كانوا محميّين، منذ عام 1880، حين بدأ بعضهم بالتواصل مع فرنسا والفاتيكان لاستعادة بعض الاملاك المارونية التي صادرها نابليون وحولها الى املاك عامة. فظهرت نخب مارونية تُحسن الحوار والثقافة، وهكذا منح لهم الدور الاكبر في المشرق العربي وهو الحوار والتعليم كونهم يجيدون العربية وينتمون الى الكنيسةـ بدات الارساليات تصل مناطقهم في لبنان فتحوّلوا إلى أطباء ومهندسين، مصرفيين، بناة التعليم، وأدباء وقادة. وحين تم تسليمهم لبنان كدولة “سويسرا الشرق”، لم يكن عليهم حمل السلاح. لكن اليهود علموا أن الموارنة يشكلون خطرًا حضاريًا، لا عسكريًا، فدُفعوا بهم إلى أتون الحروب الداخلية وورطوهم بما ليس لهم. ومنذ دخلوا لعبة السلاح، سُحبت منهم الحماية، واصبح السوري وصي على لبنان، وايضا سمح بتهجيرهم وحلّ “الطائف” محلّ الصلاحيات التي كانت ممنوحة الى الموارنة.

 

الفئات غير المحمية:

 

1. الفلسطينيون: المطلوب إبادتهم. لا لأنهم حاربوا إسرائيل، بل لأنهم رفضوا كل أشكال التفاهم. رفضوا حلّ الدولتين، قبل مائة سنة ورفضوا ما اشترته البنوك اليهودية ” موسى حاييم مونتفيور من علي باشا المصري وايضا الاملاك التي باعتها العائلات السورية الى اليهود ” ، رفضوا حتى ما باعته السلطنة العثمانية “بعد انقلاب محمد الخامس على السلطان عبد الحميد”. دخلوا في رفضٍ شامل، فقرر النظام العالمي أن يُفنيهم. حتى الطعام ممنوع عليهم، وكلمة ترامب ليست إلا تنفيذًا لقرار اتُخذ قبلهبمائة سنة وما قاله وليد جنبلاط انه لم يبقى من فلسطين الا الذاكرة هو في ذات اتجاهات المعرفة.

 

2. الشيعة: هدف معلن للنظام العالمي. لأنهم لم يدخلوا النظام أصلًا، لم يتعرّفوا إليه، ولم يحاولوا حتى فهمه. عقيدتهم صلبة، جماعة مؤمنين طيبين صادقين مخلصين حتى التضحية بالروح، يتبعون رجال الدين وعادة رجال الدين لا يغوصون في السياسة لانهم يعتبرونها مليئة بالكذب والرياء.

 

اليوم الذي يحمي الشيعة شعرة خفية جدا ومجهولة في مكان ما، ولا سمح الله بحال حدث خطأ عسكري، فغزة ستكون نزهة مقارنة بما ينتظرهم. لا حليف يحميهم، ولا طائفة ستبكي عليهم.

 

3. العلويون: كانوا مرشحين للحماية بعد ان التزم العلويون منذ ايام الانتداب الفرنسي وخاصة الرئيس الاسد الذي التزم بكل ما تعهد فيه، لكن بشار الأسد فقد البوصلة بعد وفاة والده، ولم يجلس مع النخب ليسمع. فسقطت الحماية عنه قبل بقية العلويين.

ما معنى الإبادة؟

 

ليست سكاكين وسيوفًا. بل أن تتحوّل الطائفة إلى صفر سياسي. لا تصوّت، لا تؤثّر، لا يعترف بها أحد. العامل الشيعي في الخليج نموذج: يعمل ويأكل، لكنه لا ينتخب ولا يغيّر شيئًا.

 

في الماضي، حمت الجبال الأقليات. لم تكن هناك طائرات أو صواريخ، وكانت الجيوش تتردّد في صعود التلال للتكاليف الهائلة في الوقت والمال والاعداد والخسائر. أما اليوم، فلا جبل يحمي، ولا وادٍ يقي. الحماية الوحيدة: أن تصبح نخبويًّا، قارئًا للعالم، تفهم المتغيرات بموازين من ذهب.

 

غير ذلك… فالخريطة تُعدّ، والساعة تدقّ، وكلّ من لم يُحسب، يُمحى.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى