مقالات قانونية

الانتزاع من اجل المصلحة العامة بقلم جابر غنيمي دكتور في القانون مدرس جامعي

عرف الفصل 17 من مجلة الحقوق العينية حق الملكية بانه:” الحق الذي يخول صاحب الشيء وحده استعماله و استغلاله و التفويت فيه”.
وقد أكد العلامة ابن خلدون على قدسية حق الملكية اذ قال: “لا قوام للإنسان الا بالمال ولا سبيل المال الا بالعمارة ولا سبيل للعمارة الا بالعدل”.
ويعتبر “حق الملكية” من الحقوق المقدسة التي اقرتها كل القوانين الدولية و الوطنية.
فقد نصت المادة 17 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان على انه” لكل فرد حق التملك”.
فحماية حق الملكية للأفراد واجب محمول على كاهل الدولة لضمان التصرف فيه في كنف القانون ودون أي شغب.
ونص الفصل 29 من دستور 2022 على ان “حق الملكية مضمون و لا يمكن الحد منه الا في الحالات و بالضمانات التي يضبطها القانون”.
وقد نظم المشرع التونسي على غرار التشاريع الأخرى طرق وأسباب اكتساب الملكية والتي يمكن أن تكون ارادية أو بحكم القانون.
فقد نص الفصل 22 من مجلة الحقوق العينية تكتسب الملكية بالعقد والميراث والتقادم والالتصاق ومفعول القانون وفي المنقول بالاستيلاء أيضا.”.
 

و نص الفصل 20 من مجلة الحقوق العينية ” لا يجبر أحد على التنازل على ملكه إلا في الأحوال التي يقررها القانون وفي مقابل تعويض عادل”. ويعتبر الانتزاع من أجل المصلحة العامة سبب من أسباب اكتساب الملكية بحكم القانون، وهو يحد من قدسية حق الملكية.
إذ أنه في إطار سعيها لتوفير المرافق العامة الأساسية وتنظيم المناطق العمرانية وتسهيل حياة المواطنين العامة، تجد الدولة نفسها مجبرة أحيانا للحد من حق الملكية أو حتى النيل منه. فالانتزاع من أجل المصلحة العامة هو حد في حق الملكية وهو في الان ذاته سبب لكسب الملكية من طرف الدولة لاستغلاله للمصلحة العامة للأفراد.
و يعرف الانتزاع من اجل المصلحة العمومية بانه اجراء قانوني يتم من خلاله تحويل ملكية خاصة لفائدة الدولة او الجهات العامة من اجل انجاز او بعض مشاريع او اعمال تعود بالنفع العام . ويتم ذلك وفقا لمجموعة من الضوابط القانونية وتقتصر الحالة على الأهداف التي تصب في المصلحة العامة مثل بناء الطرق او المشاريع السكنية او المرافق العامة.
و على مستوى تقنين الانتزاع من اجل المصلحة العامة فقد اقر دستور 1861 وهو الأول في العالم العربي الإسلامي اقر حق الملكية بصيغة جديدة اذ أن إقرار حق الملكية صحبه استثناء وهو الحد من الملكية من أجل المصلحة العامة، اذ تضمن الفصل 89 من هذا الدستور أنه ” لا توضع يد على كسب لأحد بأي وجه حق الا بمصلحة عامة كتوسعة الطريق ونحوه بثمن المثل”.
وقد أقر دستور 1861 حل سيق للأمر المؤرخ في 30 أوت 1858 المنشئ لبلدية تونس الحاضرة ان أقره اذ تضمن هذا الأمر ولأول مرة في تاريخ القانون التونسي التنصيص صراحة على الانتزاع من أجل المصلحة العامة.
وبالتالي يتضح وان الانتزاع من أجل المصلحة العامة تم في نطاق التنظيم العمراني ولو ان الدستور الذي صدر سنة 1861 تولى تعميم الانتزاع ليشمل كامل انحاء تراب الوطن خدمة لنفس الأغراض مما تقتضيه المصلحة العامة. وفي سنة 1905 صدر امر 5 سبتمبر لتقنين الانتزاع واخضاعه الى ضوابط وبالتالي يعتبر بمثابة القانون المنظم للانتزاع اذ أقر وضبط إجراءات الانتزاع وضمن التعويض للمنتزع منه عقاره واشترط صراحة هذا النص أن يتم الانتزاع بواسطة أمر وأن لا يتم تحويز الإدارة المستفيدة بالانتزاع الا بعد تأمين غرامة عادلة يضبطها القضاء. وعوضت أحكام هذا التشريع ما كان يتضمنه أمر 30 أوت 1858 وتواصل العمل بأمر 5 سبتمبر 1905 الى أن صدر أمر 9 مارس 1939 المنظم للانتزاع من أجل المصلحة العامة الذي وقع تعديل البعض من أحكامه بواسطة امر 10 ديسمبر 1943 المتعلق برخص البناء و العمران.
و قد بادرت الدولة بعد الاستقلال بإصدار القانون عدد 85 لسنة 1976 المؤرخ في 11 أوت 1976 المتعلق بمراجعة التشريع المتعلق بالانتزاع من اجل المصلحة العامة ، الا أن تشريع الانتزاع الصادر سنة 1976 طرأ عليه خلال سنتي 2003 و2016 تعديل مهم من الناحية القانونية. وتعزز ذلك بصدور المرسوم عدد 65 لسنة 2022 الذي نقح العديد من الفصول الصادرة بمقتضى قانون عدد 53 لسنة 2016.
ان الانتزاع من اجل المصلحة العامة يطرح إشكالية تحديد اطاره القانوني؟
للإجابة على هذه الإشكالية سنتعرض الى شروط و إجراءات الانتزاع من اجل المصلحة العامة في مبحث اول و اثاره في مبحث ثان.
المبحث الأول: شروط و إجراءات الانتزاع من اجل المصلحة العامة
الانتزاع من اجل المصلحة العامة يخضع الى جملة من الشروط ( المطلب الأول) و الإجراءات ( المطلب الثاني)
المطلب الأول: شروط الانتزاع من اجل المصلحة العامة
و تتمثل في توفر شرط المصلحة العامة و العقارات المشمولة بالانتزاع و الأطراف المخولة لها الانتزاع. 1- توفر شرط المصلحة العامة:
ينص قانون الانتزاع الى عدم اللجوء الى الانتزاع من أجل المصلحة العامة الا في الحالات القصوى التي تكون فيها الحاجة الملحة لتنفيذ برنامج ووجود المصلحة العامة متأكدا وذلك بعد أن تستنفذ الجهة التي تريد الانتزاع كل الطرق الودية للحصول على العقار وبالتالي فقد اشترط المشرع توفر شرط المصلحة العامة التي سنتطرق اليها بالحديث تباعا. من الملاحظ أن جميع النصوص القانونية المنظمة للانتزاع من أجل المصلحة العامة لم تقدم مفهوما للمصلحة العمومية بل اكتفت ببعض الحالات التي يكون فيها اللجوء الى الانتزاع ممكنا كاعتزام الجهة المنتزعة تجهيز المنطقة بالطرقات وقنوات صرف المياه الامطار المستعملة وبالمرافق الضرورية من مدرسة أو سوق بلدي ،على غرار أمر 30 اوت 1858 وقانون 85 الصادر في 11 أوت 1976. وكذلك القانون عدد 26 لسنة 2003 الصادر في 14 أفريل 2003 الى جانب القانون عدد 53 لسنة 2016 المؤرخ في 11 جويلية 2016. وقد نص هذا الأخير في الفصل الأول:” يضبط هذا القانون المبادئ والقواعد والإجراءات الإدارية والقضائية المتبعة في انتزاع العقارات لغاية انجاز مشاريع أو تنفيذ برامج تكتسي صبغة المصلحة العمومية”. أما الفصل الثاني فقد نص: «يتم الانتزاع من أجل المصلحة العمومية بصفة استثنائية ومقابل تعويض عادل وبالضمانات التي يضبطها القانون.” وتعرف المصلحة العامة بأنها المنفعة والمصلحة كالمنفعة وزنا ومعنى وشروط المصلحة أن تكون من المصالح التي لم يقم دليل شرعي على الغائها.
2- العقارات المشمولة بالانتزاع من أجل المصلحة العامة: نص الفصل الرابع من القانون عدد 53 لسنة 2016 مؤرخ في 11 جويلية 2016 أن العقارات المشمولة بالانتزاع من أجل المصلحة العامة هي:
-العقارات اللازمة للمشروع العمومي المزمع إنجازه وكذلك العقارات اللازمة لضمان قيمة هذا المشروع وحسن استغلاله ولتركيز المرافق والمباني المخصصة للمصالح القائمة على صيانته والحفاظ على ديمومته. -الأراضي المجاورة للمشروع والتي تدعو الحاجة لاستغلاله في تهيئة محيطه وحمايته من الزحف العمراني. -العقارات اللازمة لتنفيذ برامج التهيئة والتجهيز والتهذيب والسكن واحداث المدخرات العقارية والمقررة من قبل الدولة أو الجماعات المحلية أو الموكولة للمؤسسات أو المنشآت العمومية داخل المناطق العمرانية أو خارجها. -العقارات اللازمة لضمان مخططات وأمثلة التهيئة المصادق عليها. -البنايات المتداعية للسقوط التي لم يتولى شاغلوها أو مالكوها هدمها وتمثل تهديدا للصحة أو السلامة العامة أو تلك المندرجة في إطار برامج تهيئة وتجديد وتهذيب مصادق عليها. -العقارات المهددة بالكوارث الطبيعية والتي تدعو الحاجة لنقل ملكيتها لفائدة الدولة والجماعات المحلية أو مخصصة لإنجاز منشئات حماية. -العقارات التي تبين انها تكتسي صيغة أثرية أو تراثية أو تاريخية ويشمل الانتزاع جميع الحقوق العينية الموظفة على تلك العقارات.
إضافة الى ذلك فقد أقر الفصل 45 من القانون عدد 53 لسنة 2016 المؤرخ في 11 جويلية 2016 على أنه يمكن انتزاع الأراضي الاشتراكية كيفما عرضها القانون عدد 28 لسنة 1964 المؤرخ في 04 جوان 1964، ويضيف الفصل عدد 46 من القانون المذكور أنه يمكن عند الاقتضاء انتزاع الأراضي التابعة لأحباس خاصة أو مشتركة لم يقع تصنيفها او جاري تصنيفها بسبب انجاز مرافق عمومية مجاورة لتلك العقارات. الى جانب ذلك فان الانتزاع لا يتسلط على عقار بعينه بل يمكن ان يمتد ليشمل العقارات المجاورة للمشروع وعقارات محتمل أن تكون ذو فائدة للمشروع المزمع اقامته.
و تجدر الإشارة الى انه بمقتضى المرسوم عدد 65 لسنة 2022 المؤرخ في 19 أكتوبر 2022 اصبح الانتزاع يشمل:
الاضرار المباشرة الحاصلة لمالكي العقارات المحاذية للمشروع العمومي ولكل من انجزت لهم حقوق على تلك العقارات رضائيا او قضائيا.
ويقصد بالضرر المباشر كل مضرة مادية وثابتة تسبب فيها المشروع العمومي يتم تقدير الضرر المباشر من قبل خبير أملاك الدولة.
يتم تقدير الضرر المباشر من قبل خبراء أملاك الدولة.
3- الاطراف المخول لها قانونا ممارسة حق الانتزاع:
ينص الفصل الثالث من القانون عدد 53 لسنة 2016 المؤرخ 11 جويلية 2016 أنه: «يتم الانتزاع من أجل المصلحة العمومية لفائدة الدولة والجماعات المحلية ولفائدة المؤسسات والمنشآت العمومية المخول لها ذلك بمقتضى قوانين احداثها. كما يمكن للمؤسسات والمنشآت العمومية الأخرى في إطار المهام الموكولة لها الانتفاع بالانتزاع من أجل المصلحة العمومية متى توفرت شروطه وذلك عن طريق الدولة التي تحيل اليها العقارات المنتزعة”. أقر المشرع التونسي بأن الهيات المخول لها انتزاع العقارات من أجل استغلالها للمصلحة العامة فإلى جانب الدولة و الجماعات العمومية المحلية و تحديدا المجالس البلدية و المجالس الجهوية انضمت الى القائمة الوكالات العقارية المنصوص عليها في القانون عدد 21 لسنة 1973 المؤرخ في 14 أفريل 1973 و هذا ما أقره الفصل الثالث من القانون عدد 53 لسنة 2016 اذ ورد بالفقرة الأخيرة منه “تبقى سارية المفعول الأحكام الخاصة بالوكالات العقارية المحدثة بمقتضى القانون عدد 21 لسنة 1973 المؤرخ في 14 أفريل 1973 المتعلق بتهيئة المناطق السياحية و الصناعية و السكنية” وهي الوكالة العقارية للسكنى ، الوكالة العقارية للسياحة و الوكالة العقارية الصناعية لتضاف اليها أخيرا وكالة التجديد و التهذيب العمراني سنة 1981 ، و ينص الفصل 35 فقرة أولى: “يمكن للدولة أو الجماعات العمومية المحلية أن تنتزع لفائدتها أو لفائدة الوكالات العقارية المنصوص عليها بالفصل 90 من هذه المجلة، كل عقار كائن بدوائر تدخل عقاري لإنجاز برامج التهيئة و التجهيز و التجديد و التهذيب المنصوص عليها بنفس الفصل”. ان توسع دائرة الذين يمكنهم ممارسة حق الانتزاع رافقه تحول في الأشخاص المستفيدين من هذا الحق مما جعل شرعية ممارسته تطرح أكثر من اشكال ذلك أن الوكالات العقارية بصفة خاصة أصبحت تلعب دور الوسيط بين المالك الأصلي للعقار الموجود داخل دائرة التدخل العقاري والخواص الذين صار بإمكانهم اقتناء الأراضي المنتزعة بعد تهيئتها. خلاصة القول ان الأطراف المعنية بالانتزاع هم :
الدولة .
الجماعات المحلية.
المؤسسات والمنشآت العمومية المخول لها ذلك بمقتضى قوانين احداثها.
المؤسسات والمنشآت العمومية الأخرى شروط الانتزاع وذلك عن طريق الدولة التي تحيل اليها العقارات المنتزعة.
المطلب الثاني: إجراءات الانتزاع من اجل المصلحة العامة
و تتمثل في الاختبارات و تكوين الملف و تعهد لجنة الاستقصاء و المصالحة و استصدار امر الانتزاع و الاعلام به و ترسيمه.
1- الاختبارات:
تتولى الجهة صاحبة المشروع تكليف خبير أملاك الدولة قصد ضبط القيمة المالية للعقارات اللازمة لانجاز المشروع و ما تحتويه من بناءات و غراسات واحداثات ويمكن لها ان توكل هذه المهمة الى خبير او اكثر من الخبراء العدليين يتم تسميته بمقتضى اذن.
في حالة التعذر للجهة الإدارية المعنية استصدار الاذون القضائية اللازمة قصد الدخول الى كافة أجزاء العقار المزمع انتزاعه تنجز عمليات الاختبار بالرجوع الى طبيعة العقار والاستغلال المعد لها ووضعيتها العمرانية في ضوء المراجعات الجارية لادوات التخطيط العمراني حسب الحال وبناءا على شبكة المعايير والتي تأخذ بعين الاعتبار خاصة .
_ طبيعة العقار.
_الاستعمال الفعلي المعد له
– التنظير مع الأسعار الجارية في تاريخ الاختبار بالنسبة للعقارات المماثلة الواقعة بنفس المنطقة.

2- تكوين ملف فني:
تتولى الجهة صاحبة المشروع توجيه طلب الى الوزارة المكلفة بأملاك الدولة في العقارات اللازمة لإنجاز المشروع مرفقا بملف الانتزاع الذي يتضمن وجوبا الوثائق التالية:
* مذكرة مفصلة و دقيقة حول النواحي الفنية والمالية للمشروع او البرنامج المزمع إنجازه تبين بوضوح توفر عنصر العمومية.
*امثلة موقعيه للمشروع في عشرة نظائر تبين حدود المشروع تبين حدود المشر وع و القطع اللازمة لإنجازه.
* المثال القطعي العام للمشروع في عشرة نظائر يبين حد المشروع والقطع اللازمة لانجازه.
3- تعهد لجنة الاستقصاء والمصالحة:
أرسى المرسوم عدد65 لسنة 2022 المؤرخ في 19 أكتوربر 2022 والمتعلق بتنقيح واتمام القانون عدد53 لسنة 2016 المتعلق بالانتزاع من اجل المصلحة العمومية من جديد لجنة الاستقصاء والمصالحة( فصل 16 جديد) م هي:
* محدثة بكل ولاية.
*يتراسها قاضي من ذوي الاختصاص العقاري تعمل على التوصل الى اتفاق مع الأطراف المعنية حول مقدار قيمة العقار المزمع انتزاعه على ضوء عرض الإدارة وتقرير الخبير العدلي المأذون له قضائيا وذلك خلال اجل قدره ثلاثة اشهر من تاريخ تعهدها بالملف قابلة للتمديد مرة واحدة و لنفس المدة .
و تتمثل مهام اللجنة في:
– تتولى لجنة الاستقصاء والمصالحة بمجرد تعهدها بملف الانتزاع الاذن لصاحب المشروع بتكليف ديوان قيس الأراضي و المسح العقاري او خبراء في المساحة لاعداد امثلة التجزئة النهائية
– تتولى الاستقصاء عن الحالة القانونية والمادية للعقار ات المزمع انتزاعها على ضوء ملف الانتزاع
– تتلقي الاعتراضات من قبل المالكين او المالكين المحتملين او كل مدعي حق متعلق بالعقار موضوع الانتزاع( كتابة لجنة الاستقصاء والمصالحة) في اجل أقصاه 60 يوما من تاريخ انطلاق اشهار نية الانتزاع و الذي يمكنه خلال 154 يوما من تاريخ اعتراضه على الغرامة الوقتية ان يستصدر اذنا قضائيا في تكليف خبير عدلي يتولى تقدير قيمة عقاره و تشخيص ما يحتويه من غراسات او بناءات او احداثات للاحتجاج بها عتد المطالبة بالترفيع في الغرامة الوقتية عند الاقتضاء كما يمكن للمنتزع بانقضاء اجل 15 يوما المذكورة المبادرة بالحصول على اذن فضائي في تكليف خبير عدلي يتولى المهمة المذكورة ويودع نظير من الاختبار المنجز لدى اللجنة .
واذا حصل اعتراض على تشخيص العقار او على ما يحتويه من غراسات او احداثات او بناءات او خلاف حول محدثها تأذن اللجنة للمنتزع ان يجر ي بالتنسيق مع الجهة صاحبة المشروع بحثا على عين المكان او غيره من اعمال الاستقصاء للتحقق نت الوضعية المادية للعقار و تحديد الطرف المستحق للتعويض ان امكن .
و تعمل لجنة الاستقصاء والمصالحة على التوصل الى اتفاق مع الأطراف المعنية حول مقدار قيمة العقار المزمع انتزاعه على ضوء عرض الإدارة وتقرير الخبير العدلي المأذون به قضائيا خلال اجل قدره 03 اشهر من تاريخ تعهدها بالملف قابلة للتجديد مرة واحدة و لنفس المدة واحالة اتفاق تم الوصل اليه الى الجهة المنتزعة لإتمام إجراءات التسوية الرضائية.
بمجرد ختم لجنة الاستقصاء و المصالحة اعمالها يحيل رئيسها الى الجهة المنتزعة تقريرا نهائيا معللا حول ما توصلت اليه من اعمال وشهادة تثبت التعليق والاشهار و نسخة من دفتر الاستقصاء .
وكل متضرر بصفة مباشرة وثابتة من المشروع العمومي: يمكنه تقديم طلباته لكتابة لجنة الاستقصاء والمصالحة في اجل شهرين من حصول الضرر على ان لا يتجاوز في جميع الحالات اجل أقصاه سنة من تاريخ بداية استغلال المشروع.
وفي هذه الحالة تاذن اللجنة للجهة صاحبة المشروع بالتثبت من صحة الاضرار المباشرة .كما تأذن عند الاقتضاء لخبير أملاك الدولة بتقييم قيمة الضرر موضوع الطلب و في صورة اعتراض المتضرر على القيمة المقدرة يمكن له ان يستصدر اذنا قضائيا في تكليف خبير عدلي يتولى مهمة تقدير القيمة المالية للأضرار المباشرة.
4- استصدار امر الانتزاع والاعلام به:
بمجرد توصله بالتقرير الاختتامي للجنة الاستقصاء والمصالحة يتولى المنتزع اعداد اعمال اللجنة ويتضمن مشروع الامر المذكور التنصيص على :
– طبيعة المشروع العمومي .
– البيانات المتعلقة لكل العقارات المشمولة بالمشروع العمومي موضوع الانتزاع.
قائمة تتضمن كافة المالكين او المالكين المحتملين.
ويرفق مشروع الامر عند عرضه للمصادقة وجوبا بوصولات تامين الغرامة الوقتية كما حددها الخبير المكلف وامثلة التجزئة النهائية او الأمثلة حسب الحالة.
يوجه المنتزع نسخة من امر الانتزاع فور صدوره مصحوبة بنسخة من مثال التجزئة النهائي او نسخة من المثال النهائي حسب الحالة الى الوالي المختص ترابيا وذلك لتعليق نص الامر بمقر كل من الولاية والمعتمدة والبلدية والإدارة الجهوية لأملاك الدولة والشؤون العقارية للعموم لمدة شهر.
ويتم الاعلام عن ذلك بواسطة وسائل الاعلام المكتوب والمسموعة.
كما يوجه المنتزع منهم وكذلك أصحاب الحقوق المتعلقة بالعقار المشهرين بحقوقهم على كل مالك او مالك محتمل الحضور لدى الوالي في الاجل المفتوح للتعليق لتقديم حجج ملكية للعقار المنتزع وعليه في نفس الاجل ان يعرف الوالي او المنتزع بأسماء المكترين وأصحاب الحقوق الموظفة على العقار المنتزع.
تدون التصريحات بدفتر مرقم وموقع عليه من قبل الوالي يفتح للغرض بمقر الولاية.
5- ترسيم أمر الانتزاع بالسجل العقاري: اشترط المشرع ضمن القانون عدد 53 لسنة 2016 وفي فصله 26 ترسيم أمر الانتزاع بالسجل العقاري بقطع النظر عن عدم التطابق في الأسماء بين بيانات أمر الانتزاع وبيانات الرسم العقاري أو الرسوم العقارية المعنية بالانتزاع بطلب من المنتزع وبعد الاطلاع على الوثائق التالية: -نسخة من أمر الانتزاع. -ما تفيد تأمين الغرامة المالية لفائدة المالكين. -مثال التجزئة النهائي في صورة الانتزاع الجزئي تسلمه ديوان قيس الأراضي والمسح العقاري او خبير في المساحة. ولا يشترط في نسخة الأمر أن تكون مطابقة للأصل بل يمكن الاكتفاء بنسخة عادية في حين يجب ان يكون المثال أصليا ومسلما من ديوان قيس الأراضي والمسح العقاري او خبير في المساحة. وحيث استبعد الفصل 26 جديد من الأمر المذكور عنصر من عناصر التحقيق المعتمدة في قانون 1976 وهو التطابق في أسماء المنتزع منهم مقارنة بأسماء المالكين الرسميين. فالديوان الوطني للملكية العقارية باستثناء الانتزاع في حالة استنتاج عدم تطابق الأسماء يتولى اشعار طالب الترسيم بمضمون عدم التطابق ورفض الترسيم.
المبحث الثاني: اثار الانتزاع من اجل المصلحة العامة
أقر الفصل العاشر من القانون عدد 53 لسنة 2016 المؤرخ في 11 جويلية 2016 أنه: «بقطع النظر عن جميع الوضعيات والحالات الاستحقاقية تنتقل الملكية الى المنتزع بمفعول أمر الانتزاع مع مراعاة أحكام الفصل 305 جديد من مجلة الحقوق بالنسبة الى العقارات المسجلة الخاضعة المفعول المنشئ للترسيم. وبالتالي يترتب امر الانتزاع اَثاره القانونية والمتمثلة في انتقال الملكية والتحور بالعقار وبالتالي سنتحدث في مطال اول الى اَثار الانتزاع بالنسبة للمنتزع على أن نبين في مطلب ثان اَثار الانتزاع بالنسبة للمنتزع منه. المطلب الاول: اَثار الانتزاع بالنسبة للمنتزع للمنتزع التحوز بالعقارات المنتزعة طبقا لأحكام الفصل 27 من القانون عدد 53 لسنة 2016 الذي ينص على أنه:” يتم التحور بالعقارات المنتزعة بصرف النظر عن وضعيتها العقارية لما تحتويه من غراسات أو بناءات أو إحداثات بمقتضى اذن يصدره رئيس المحكمة الابتدائية المختصة ترابيا بناء على طلب من المنتزع وبعد الادلاء بـ: -نسخة من أمر الانتزاع -بما يفيد تأمين الغرامة المعروضة للمشرع بالخزينة العامة للبلاد التونسية -بما يفيد اعلام المنتزع منه بعرض الإدارة -نسخة من تقرير الاختبار المنجز من قبل المنتزع مصحوبا عند الاقتضاء بالتقرير المأذون به طبقا للفصل 20 من هذا القانون -نسخة من تقرير اللجنة المحدثة وبالتالي فالتحور بالعقار هو نتيجة حتمية لانتقال الملكية للمنتزع وبالتالي يعتبر الانتزاع في حد ذاته مصدر أو بالأحرى سببا من أسباب اكتساب الملكية بمفعول القانون ولو أنه في المقابل هو ينزع حق الملكية من المنتزع منه وبالتالي تبرز الازدواجية المتناقضة للانتزاع من أجل المصلحة العامة بالنسبة لحق الملكية. فالتحوز بالعقار المنتزع هو الأثر المباشر لأمر الانتزاع وإذا كان الانتزاع جزئيا فان الفصل 9 من 2016 يجيز للمنتزع شراء البناية بأكملها أو العقار بأكمله وذلك إذا ما قدم في ذلك المالكون مطلبا كتابيا الى المنتزع في أجل شهر من تاريخ الاعلام بأمر. والأمر ذاته الى كل مالك عقاري صار بمفعول الانتزاع غير صالح للاستغلال. المطلب الثاني: اَثار الانتزاع بالنسبة للمنتزع منه العقار أقر المشرع التونسي الأثار القانونية للانتزاع بالنسبة للمنتزع منه ورتبها في ثلاث حالات:
-الحالة الأولى: غرامة الانتزاع: ينص الفصل الخامس من القانون عدد 53 لسنة 2016 المؤرخ في 11 جويلية 2016: أن الانتزاع من أجل المصلحة العامة يتم مقابل غرامة مالية تضبط رضائيا أو قضائيا وفق أحكام هذا القانون. ويعتبر القانون عدد 53 المذكور قد اَتى بالجديد حول غرامة الانتزاع، اذ نص الفصل 24 منه على أن المنتزع يوجه للمنتزع منهم وكذلك أصحاب الحقوق المتعلقة بالعقار المشهرين بحقوقهم مكتوبا مضمون الوصول مع الاعلام بالبلوغ لتعريفهم بقيمة الغرامة الوقتية.
وقد تضبط غرامة الانتزاع بالتراضي (الفصل 29) وفي هذه الحالة لا يجوز للمالكين أو المنتزع منهم بعد الامضاء على ما يفيد الموافقة النهائية على مبلغ الغرامة الرجوع في الموافقة أو اللجوء الى المحاكم لإعادة تقدير ذلك المبلغ. الا أنه قد يتم ضبط غرامة الانتزاع بالتقاضي (الفصل 30) الذي ينص على أنه تقدر قيمة العقار المنتزع في تاريخ صدور أمر الانتزاع وتضبط الغرامة عن طريق المحكمة بمبادرة من أحرص الطرفين إذا لم يقبل عروض المنتزع أو حصل نزاع يمس بأصل الحق أو بصفة الطالبين. ويتوقف دفع غرامة الانتزاع المضبوطة قضائيا على الادلاء بحكم أحرز قوة اتصال القضاء غير أن الفصل 35 من نفس القانون أجاز للمنتزع منه وفي انتظار صدور حكم احرر قوة ما اتصل به القضاء أن يطلب من المحكمة بسحب المبلغ المؤمن لفائدته وذلك في حدود عرض المنتزع وبشرط استيفاء موجبات الترسيم أو الاشهار.
وان دفع غرامة الانتزاع متعلقة بعقار بصدد التسجيل لا يتوقف على البت في مطلب التسجيل وفي هذه الحالة تؤمن الغرامة لفائدة المستحقين ولا يمكن سحبها الا من صدر لهم حكم التسجيل. ويتجه الإشارة الى أن غرامة الانتزاع لا تشملها المبالغ التي يمكن أن يطالب بها بعنوان التعويض عن الأضرار غير المباشرة والمنجرة عن تنفيذ المشروع العمومي كما لا يمكن اسناد أي غرامة تعويض عن حقوق أنجزت عن أعمال غير شرعية لغاية الحصول على تلك الغرامة. ويسقط حق المطالبة بغرامة الانتزاع بمضي 15 سنة من تاريخ صدور أمر الانتزاع. -الحالة الثانية: معاوضة عينية: إضافة الى غرامة الانتزاع المنصوص عليها بالفصل 5 من القانون عدد 53 لسنة 2016 ينص الفصل المذكور في فقرته الثانية على:” غير أنه ولصفة استثنائية يمكن ابرام اتفاق مع مالك العقار في شكل معاوضة عينية إذا تسلط الانتزاع على عقارات فلاحية خاضعة الى تراتيب حماية وذلك في حدود المدخر المباع للمنتزع”. الا أنه وبموجب المرسوم عدد 65 لسنة 2022 المؤرخ في 19 أكتوبر 2022 تم الغاء الفقرة الأخير ة من الفصل 5 من قانون عدد 53 وتعويضها بفقرة جديدة التي أقرت بأن المعاوضة العينية شملت جميع أصناف العقارات ولم تقتصر على الفلاحية فقط. وبالتالي فالمعاوضة العينية هي مرتبطة بطبيعة العقار الذي يجب أن يكون فلاحيا بمعنى أن العقارات غير الفلاحية لا يمكن أن يتم في شأنها معاوضة عينية. -الحالة الثالثة: استرجاع العقار: أجاز المشرع التونسي ضمن بنود الفصل 41 من قانون عدد 53 لسنة 2016 للمنتزع له أو لهم إذا لم يتم استعمال العقارات المنتزعة لإنجاز المشروع المنصوص عليه بأمر الانتزاع خلال أجل 5 سنوات من تاريخ أمر الانتزاع للمالكين السابقين أو لمن انجرت لهم منهم حقوق أن يطلبوا استرجاعها مالم يتم الاتفاق على خلافه.
ويشترط في ذلك أن يقدموا مطلبا كتابيا للمنتزع على امتداد السنتين المواليتين لانقضاء الأجل المشار اليه (وهي 5 سنوات) والا سقط حقهم.
وأن الموافقة على مطلب الاسترجاع توجب على المنتزع منه ارجاع كامل مبلغ الغرامة التي تم قبضها. ولا يمكن للمنتزع منه طلب استرجاع جزء منزوع من عقار وان ثبت أنه لم يعد مالكا بالجزء غير المنتزع منه. كما لا يجوز استرجاع العقار المنتزع على معنى أحكام الفصل 9 من القانون أي العقارات التي تم انتزاعها بناء على طلب مالكيها.
الخــــــــــــــــــــــــاتمة: في الختام لا بد من التنويه والتأكيد على الغاية من ممارسة مؤسسة الانتزاع من أجل المصلحة العامة من طرف الدولة والهادفة إلى تحقيق المصلحة العامة و التنظيم العمراني وذلك بإحداث الطرقات السيارة وتنظيم المناطق البلدية والتجهيزات الضرورية من مستشفيات ومدارس وكل ما هو ضروري للحياة الكريمة، لكن لا بد من الحرص على ان اللجوء الى هذا الاجراء لا يمكن ان يكون في الحالات الضرورية القصوى و مقايل تعويص عادل و منصف.
المراجـــــــــــــــــــع القــــــــــــــــــــانونية: -الأوامــــــــــــر: الصادر في 5 سبتمبر 1905 الصادر في 9 مارس 1939 القانون عدد 85 لسنة 1976 الصادر بتاريخ 11 أوت 1976. القانون 26 لسنة 2003 الصادر بتاريخ 14 أفريل 2003. القانون عدد 53 لسنة 2016 الصادر بتاريخ 11 جويلية 2016 المرسوم عدد 65 لسنة 2022 الصادر بتاريخ 19 أكتوبر 2022. الكتب: -مبادئ القانون الإداري التونسي للأستاذ توفيق بو عشبة. -النظام القانوني للانتزاع من أجل المصلحة العامة. مذكرة لتيل، شهادة الدراسات المعمقة في القانون العام 1995-1996. -قانون الانتزاع المصلحة العمومية: نقائص القانون القديم والحلول التي أتى بها القانون الجديد. ملتقى حول القانون الانتزاع من أجل المصلحة العامة سوسة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى